وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له ... مدح همة المؤمنين ، وذم همة السافلين فقال تعالي {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا
مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً
مَدْحُوراً(18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ
وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً(20)}[الإسراء].
وأشهد أن سيدنا
محمد رسول الله (ﷺ)..علَّم
أمتَه علوَّ الهِمَّة، فقال: «إن في الجنةِ مائة درجة،
أعدَّها الله للمُجاهِدين في سبيلِه، كل درجتين ما بين السماء والأرض، فإذا سألتُم
اللهَ فاسألُوه الفِردوس؛ فإنه أوسطُ الجنة، وأعلى الجنة، وفوقَه عرشُ الرحمن،
ومنه تفجَّرُ أنهارُ الجنة»؛ أخرجه البخاري.
فاللهم صل علي
سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ..
أما بعـد
... فيا أيها المؤمنون ..
إن الإنسانَ
الصالحَ لعمارة الأرض ووراثتِها ليس هو الذكيَّ فحسب؛ بل هو صاحب القلب السليم، والضميرٍ
الحيٍّ، والذي عنده تقوَى تكبحُ جماحَ الهوى والنَّزَوات، يُغذِّي ذلك نورُ
التوحيد والعبادات، والعالَمُ كلُّه بحاجةٍ إلى أصحاب الهمم العالية ، والعزائم
الصادقة، من أجل النهوض إلي رفعة الدين والوطن.
لذلك كان موضوعنا
[علو الهمة سبيل إلي القمة ] وذلك من خلال
هذه العناصر الرئيسية التالية:
1ـ
تعريف الهمة .
2ـ
مراتب الهمة .
3ـ
علو الهمة في خدمة الدين والوطن.
4ـ
نماذج لأصحاب الهمم العالية.
5 ـ ثمرات الهمة العالية .
6ـ
وسائل ترقية الهمة .
7ـ
الخاتمة.
===================
العنصر
الأول : تعريف الهمة :ـ
الهمة في اللغة :
ما هم به من الأمر ليفعل .
الهمة في
الاصطلاح : الباعث على الفعل ، وعرف بعضهم علو الهمة بأنه :
استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور .
وعرف ابن القيم
علو الهمة بقوله :
"علو الهمة
ألا تقف (أي النفس) دون الله وألا تتعوض عنه بشيء سواه ولا ترضى بغيره بدلاً منه
ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من
الحظوظ الخسيسة الفانية، فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور لا
يرضى بمساقطهم ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم ، فإن الهمة كلما علت بعدت عن
وصول الآفات إليها، وكلما نزلت قصدتها الآفات" .
وعَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): " مَنْ كَانَتِ
الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ فِي قَلْبِهِ ، وَشَتَّتَ عَلَيْهِ
أَمْرَهُ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْهَا إِلا مَا كُتِبَ لَهُ ، وَمَنْ كَانَتِ
الآخِرَةُ أَكْبَرَ هَمِّهِ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَجَمَعَ لَهُ
شَمْلَهُ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ " .رواه الترمذي
وقد حث الفاروق
عمر رضي الله عنه رضي الله عنه على علو الهمة والتحذير من سقوطها: فقال "لا تصغرنّ همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط
همته".
العنصر
الثاني : مراتب الهمة:
الناس متفاوتون
في الهمم :ـ
1ـ
منهم من يطلب المعالي بلسانه وليس لـه همة في الوصول إليها :ـ
يعيش دائما
بالأماني الفارغة وليس عنده استعداد أن يتحرك من مكانه ،تجده دائما خاملا كسولا ،
لا يكلف نفسه
القيام بشيء، حتى في مصالحه الشخصية، بل ربما في ضروريات حياته كالدراسة أو
الوظيفة أو حتى بيته وطلباته، فماذا نقول إذن في حاله مع العبادات والطاعات من
قيام ليل، وصلاة وتر، ومن السنن الرواتب، ومن صيام النفل، وقراءة القرآن وغيرها من
العبادات ومن النوافل؟
بل انظر لحاله مع
الفرائض والتثاقل فيها حتى أصبحت حاله شبيهة بحال المنافقين الذين قال الله عنهم: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى
يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142)} [النساء].
وقال تعالي{وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا
يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ(54)}[التوبة].
فكيف حاله مع
قضايا المسلمين والاهتمام بها؟
وكيف يحمل همّ
هذا الدين والدعوة إلى الله عز وجل؟
فكان النبي (ﷺ) يردد هذا الدعاء علاجاً لهذه الظاهرة.[اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، ومن الجبن والبخل]
2ـ
ومنهم من يبحث عن سفاسف الأمور ودناياها:ـ
هناك صنف من
الناس يبحث عن سفاسف الأمور ، ويجتهد في تحصيلها يرضي بالدون دائما ، رغم قدرته
علي تحصيل ما هو أفضل وأحسن.
قال ابن الجوزي
في صيد الخاطر : [من علامة كمال العقل علو الهمة،
والراضي بالدون دنيء]
ولم أر في عيوب الناس عيبـا كنقص القادرين على التمام
تجده ساقط الهمة
يهوى سفاسف الأمور ويقعد به العجز عنها، فهو من سقط المتاع ، دائم الاستجابة للنفس
الأمارة، الاستجابة لشهواتها ولذاتها، بل وتمكينها قيادة العقل وتغييبه، حتى لم
يعد يصبح للنفس اللوامة مكاناً، فمات الشعور بالذنب، ومات الشعور بالتقصير، تجده
نسي مئات بل الالآف من الصغائر التي تجمعت عليه من الذنوب والمعاصي؟
ففي حديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه وأرضاه،
أن رسول الله (ﷺ) قال:
{إياكم
ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود
وجاء ذا بعود، حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يأخذ بها
صاحبها تهلكه} [أخرجه أحمد بسند حسن].
ويحدثنا القرآن
الكريم عن موقف لأصحاب الهمم الدنيئة ومصيرهم في الدنيا والآخرة وذمَّ الله فقال
تعالي {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ
آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ
الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى
الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ
عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ( 176)} [الأعراف].
فأعجبتنا أنفسنا
وأعمالنا، فرضينا بما نحن عليه، وأعلنا الاكتفاء وعدم المزيد، فكانت النتيجة:
السلبية ودنو الهمة، وعدم التطلع لما هو أفضل وأحسن، وربما نظر أحدنا إلى من هو
دونه في العبادات فأعجبته نفسه، وتقاعس عن الكثير من أبواب الخير.
واسمع لشعر هذا
الكناس وعزته، قال الأصمعي: مررت بكناس يكنس الشوارع في البصرة ينشد يقول:
فإياك والسكنى بأرض مذلـة تعد مسيئاً فيها إن كنت محسنا
ونفسك أكرمها وإن ضـاق مسكـن عليك بها فاطلب لنفسك مسكنا
هذا الذي يقوله
الكناس، فقلت أي: الأصمعي : والله لن يبقى بعد هذا مذلة، وأي مذلة بعد الكنس ؟
فقال الكناس: والله لكنس ألف مرة، أحسن من القيام على باب مثلك.
هكذا تكون عزة
المسلم أياً كان ذلك العمل الذي يقوم به، مادام أنه يقوم به لله عز وجل.
وقد قام الشاعر
الهجاء الحطيئة يوما بهجاء الزبرقان ابن بدر في عهد الفارق عمر رضي الله عنه فقال:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها *** واقعد فإنك
أنت الطاعم الكاســـــي
معناه أنك إنسان
ليس لك في مكارم الأخلاق مهمتك في الحياة البحث عن الطعام واللباس ، فغضب الزبرقان
ابن بدر وشكاه للخليفة سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، فاستدعي الخليفة واحد
من أهل الذكر في الشعر وهو حسان ابن ثابت رضي الله عنه ، فقال عمر لحسّان : أتراه
هجاه؟ قال : نعم وسلح عليه ، فحبسه سيدنا عمر رضي الله عنه .
لو واحدا منا
اليوم قيل له اجلس ولا تشغل بالك بشئ من المهام والتكاليف وسيأتيك راتبك عند البيت
ولا تتعب نفسك لفرح بذلك فرحا شديدا ، ولكن صاحب لا يرضي بذلك .
3ـ
عالي الهمة يبحث عن المعالي :ـ
همته عاليه وأعلى الهمم همة من تسمو مطالبه إلى ما يحبه
الله ورسوله (ﷺ).
همته متعلقة
بالآخرة ، فكل ما في الدنيا يحرِّكه إلى ذكر الآخرة وكما قالوا: همك ما أهمك.
ألم تر إلى أرباب
الصنائع لو دخلوا إلى دار معمورة رأيت البنَّاء ينظر إلى الحائط، والنجَّار ينظر
إلى الباب والنوافذ، والحائك ينظر إلى النسيج.
فكذلك المؤمن
اليقظان: إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر، وإذا شكا ألما ذكر العقاب، وإن سمع صوتًا
فظيعًا ذكر نفخة الصور، وإن رأى نيامًا ذكر الموتى في القبور، وإن رأى لذة ذكر
الجنة.
وكثيرا من الناس
يعيش كسائر البشر لا هدف له، بل يفعل مثلما يفعل الآخرين، وقد نهانا رسولنا الكريم
صلوات الله وسلامه عليه أن نكون إمعة فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): {لا تكونوا إمعة، تقولون إن
أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا
وإن أساءوا فلا تظلموا}[رواه الترمذي].
ولا شك أن الهمم
تتفاوت حتى بين الحيوانات :
فهذه العنكبوت من
حين يولد ينسج لنفسه بيتاً ، ولا يقبل مِنّة الأم .
وأما الحية تطلب
ما حفر غيرها إذ طبيعتها الظلم
والغراب يتبع
الجيف والصقر لا يقع إلا على الحي ، والأسد لا يقع علي الجيفة ولا يأكل البايت من
اللحم ، والفيل يتملق حتى يأكل، والخنفساء تطرد متعود.
فإن من الناس من
همته كالأسد في نظره للمعالي وفي العلو كالصقر بحب الشرف والبحث عن معالي الأمور ،
ومنهم من طبعة طبع غراب يظهر عوار الناس ويتتبع سقطاتهم وبعضهم بلغ في أخذ طباع
الحية فلا يأنس إلا بالظلم فساعة يسرق ما تعب فيه الآخرون سواءً من علم أو فكرة
دون نسبتها لصاحبها والتفرد بأشياء على حساب تشويه سمعت الطرف الآخرين .
وكما قال أحمد بن
خضرويه: {القلوب جوالة: فإما أن تجول حول العرش أو أن
تجول حول الحشّ}
ونردف ذلك بكلام
رائع يا صاحب الهمة للعلامة أبن القيم عليه رحمه الله تعالى
الأرواح في
الأشباح كالأطيار في الأبراج، وليس ما أعد للاستفراخ كمن هيئ للسابق)
فأسأل نفسك يا
صاحب الهمة بأي همه تعيش ولأي طموح تتوق
وقديما قالوا عن
الهمة:
قلت للصقر وهو في الجو عالٍ *** أهبط الأرض
فالهواء جديب
قال لي الصقر: في جناحي وعزمي *** وعنان
السماء مرعى خصيب
فكن رجلاً رجله
في الثرى، على الأرض، أما همته فهامته عند النجوم في الثريا، ليس هذا فحسب، بل
الحقيقة أن المؤمن العالي الهمة لا يطمح فقط إلى الثريا؛ لأنه يريد ما هو أعلى من
الثريا، ما هو فوق سبع سماوات إنها الجنة، بل ليس الجنة فحسب، بل هو يطمح إلى أعلى
ما في الجنة وهو الفردوس الأعلى، وهذا هو الذي أدبنا به رسول الله (ﷺ) وطلبه منا، فقال:{إذا سألتم
الله تعالى فاسألوه الفردوس الذي هو أعلى الجنة، وسقفه عرش الرحمن وهو أوسط الجنة
أيضاً}.
بل يعلمنا أن نطلب فقط المراتب العالية.
وقد قيل: "
قيمة كل امرئ ما يطلب "
ومن عرف ما يطلب
هان عليه ما يبذل ، ومن عرف الحق هانت عنده التضحيات"
وهذه همه عجيبة
لعمر بن عبد العزيز عليه رحمه الله تعالى:
قال رجاء بن حيوة
(وزير عمر بن عبدالعزيز) : كنت مع عمر بن عبدالعزيز لما كان والياً على المدينة
فأرسلني لأشتري له ثوباً، فاشتريته له بخمسمائة درهم، فلما نظر فيه قال : هو جيد
لولا أنه رخيص الثمن !
فلما صار خليفة
للمسلمين، بعثني لأشتري له ثوباً فاشتريته له بخمسة دراهم ! فلما نظر فيه قال : هو
جيد لولا أنه غالي الثمن !
قال رجاء : فلما
سمعت كلامه بكيت.
فقال لي عمر : ما
يبكيك يا رجاء ؟
قلت : تذكرت ثوبك
قبل سنوات وما قلت عنه فكشف عمر لرجاء بن حيوة سر هذا الموقف.
وقال يا رجاء :
إن لي نفساً تواقة، وما حققت شيئاً إلا تاقت لما هو أعلى منه، تاقت نفسي إلى
الزواج من ابنة عمي فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها، ثم تاقت نفسي إلى الإمارة
فوليتها، وتاقت نفسي إلى الخلافة فنلتها، والآن يا رجاء تاقت نفسي إلى الجنة فأرجو
أن أكون من أهلها.
فلتكن لنا هويتنا
الواضحة، لنكن أشخاصاً لا نبتغي غير العلا، والمناصب الرفيعة، فكما قال أحمد شوقي:
"الطير يطير بجناحيه، والمرء يطير بهمته"،
فهل هممنا ترقى
بنا إلى أعالي الجبال، أم تهوي بنا إلى الأسفل؟
وقال ابن القيم: "لا بد للسالك من همة تسيره وترقيه وعلم يبصره
ويهديه"
وقال الإمام عبد
القادر الكيلاني لغلامه: "يا غلام، لا يكن همك
ما تأكل وما تشرب، وما تلبس وما تنكح، وما تسكن وما تجمع، كل هذا همُ النفس والطبع
فأين هم القلب، همك ما أهمك، فليكن همك ربك عز وجل وما عنده".
وقد حثنا الرسول (ﷺ) على التحلي بعلو الهمة حيث قال: {إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها} [مسند
الشهاب].
روي أن الحسن
البصري رحمه الله أُعطي شربة ماء بارد، فلما أخذ القدح غشي عليه وسقط من يده، فلما
أفاق قيل له: ما ذلك يا أبا سعيد؟ قال: «ذكرت أمنية
أهل النار حين قالوا لأهل الجنة: {أَنۡ
أَفِيضُواْ عَلَيۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ أَوۡ مِمَّا رَزَقَڪُمُ ٱللَّهُۚ (50)}[الأعراف].
وعلي نفس الدرب
سار صفوة التابعين فهذا هرم بن حيان مرعلى قوم يصهرون الحديد على النار فجعل
يردِّد: «اللهم أجرنا من النار» لكنه يأبى أن
يناله الخير وحده، وهو يعلم أن (من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله)
وقال رحمه الله :(عجبت من الجنة كيف نام طالبها، وعجبت من النار كيف نام
هاربها)
وهؤلاء أصحاب
رسول الله (ﷺ) في همتهم العالية ..
1ـ
الصحابي الجليل عكاشة ابن محصن :
عن ابْنُ
عَبَّاسٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(ﷺ): "عُرِضَتْ عَلَيَّ
الأُمَمُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ
وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ، قُلْتُ:
مَا هَذَا أُمَّتِي هَذِهِ؟ قِيلَ: بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ. قِيلَ: انْظُرْ
إلى الأُفُقِ، فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ هَا
هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ، فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ،
قِيلَ: هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا
بِغَيْرِ حِسَابٍ".
ثُمَّ دَخَلَ
وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ، فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا: نَحْنُ الَّذِينَ
آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ، فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلاَدُنَا
الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
فَبَلَغَ
النَّبِيَّ (ﷺ) فَخَرَجَ فَقَالَ: "هُمُ
الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَعَلَى
رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ". فَقَالَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ: أَمِنْهُمْ
أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ". فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ:
أَمِنْهُمْ أَنَا؟ قَالَ: "سَبَقَكَ بِهَا عُكَاشَةُ"(رواه
البخاري) .
سبق في الفكر ،
سبق في الفهم ، سبق في الطلب .
2ـ
ربيعة ابن كعب الأسلمي رضي الله عنه :ـ
عن ربيعة بن كعب
رضي الله عنه قال: كنت أخدم رسول (ﷺ) وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع، حتى يصلي رسول الله (ﷺ) العشاء الآخرة، فأجلس ببابه! إذا دخل بيته، أقول:
لعلها أن تحدث لرسول الله (ﷺ) حاجة، فما أزال أسمعه يقول: سبحان الله! سبحان الله!
سبحان الله! وبحمده حتى أمل، فأرجع أوتغلبني عيني فأرقد، قال: فقال لي يوماً لما
يرى من خفتي له وخدمتي إياه: " سلني يا ربيعة أعطك " قال فقلت: أنظر في
أمري يا رسول الله، ثم أعلمك ذلك؟ قال: ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة
زائلة، وأن لي فيها رزقاً سيكفيني ويأتيني، قال فقلت: اسأل رسول الله صلى الله
عليه وسلم لآخرتي فإنه من الله عز وجل
بالمنزل الذي هو به، قال: فجئت فقال: " ما فعلت يا ربيعة ؟ "
قال فقلت: نعم يا
رسول الله (ﷺ) أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار، قال فقال:
" من أمرك بهذا يا ربيعة ؟ " قال: فقلت: لا والله الذي بعثك بالحق ما
أمرني به أحد ولكنك لما قلت: سلني أعطك وكنت من الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في
أمري وعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة، وأن لي فيها رزقاً سيأتيني، فقلت: أسأل رسول
الله (ﷺ) لآخرتي، قال: فصمت رسول الله (ﷺ) طويلاً، ثم قال لي: "
إني فاعل، فأعني على نفسك بكثرة السجود ".[رواه أحمد].
3ـ
أبو هريرة رضي الله عنه :ـ
عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ)، قَالَ : {أَلا تَسْأَلُنِي
مِنْ هَذِهِ الْغَنَائِمِ الَّتِي يَسْأَلُنِي أَصْحَابُكَ ؟ " فَقُلْتُ :
أَسْأَلُكَ أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ ، قَالَ : فَنَزَعْتُ
نَمِرَةً عَلَى ظَهْرِي ، فَبَسَطْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ حَتَّى كَأَنِّي
أَنْظُرُ إِلَى الْقَمْلِ يَدِبُّ عَلَيْهَا ، فَحَدَّثَنِي حَتَّى إِذَا
اسْتَوْعَبْتُ حَدِيثَهُ ، قَالَ : " اجْمَعْهَا فَصُرْهَا إِلَيْكَ " ،
فَأَصْبَحْتُ لا أُسْقِطُ حَرْفًا مِمَّا حَدَّثَنِي}[البخاري].
العنصر
الثالث : علو الهمة في خدمة الدين والوطن :ـ
الهمةُ العاليةُ
شرفٌ ومقصدٌ، والهِممُ تعلُو بالأمم إلى أعالِي القِمَم، وتُوصِلُ إلى معالي
الأمور ومحاسن الشِّيَم، والرِّفعةُ منحةٌ إلهية، قال تعالي {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ(11)}[المجادلة].
أثنَى الله تعالى
على أصحاب الهِمَم العالية من الأنبياء والمُرسَلين، وأوصَى نبيَّه بالاقتِداء
بهم، فقال له:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو
الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ(35)}[الأحقاف].
كما أثنَى على
أوليائه الذين كبُرت همَّتُهم في مواطن البأس والجلَد، والعزيمة والثبات، والقوة
في دين الله، فقال تعالي {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا(23)}[الأحزاب].
وأمرَ الله
سبحانه بالتنافُس في المعالِي، فقال تعالي
{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ(148)}[البقرة].
إن دينًا هذا
شأنُه لا يقبلُ من أتباعه الكسلَ والخُمولَ والعجزَ والسكونَ والاستِرخاءَ، وضعفَ
الهمَّة والفتور، قال تعالي {فَإِذَا فَرَغْتَ
فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ(8)}[الشرح].
ولأن طلبَ الراحة
في الدنيا لا يصِحُّ لأهل المُروءات فقد كان من أوائل ما أُمِر به نبيُّنا محمدٌ (ﷺ){يَا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا(2)}[المزمل].
فضحَّى النبي (ﷺ) وأصحابُه، وهجَروا الأوطان، وترَّبُوا لأجل الله،
وبالتضحيات الجِسام انتصَروا في بدرٍ، وبالصبر واليقين نجَوا من الأحزاب، ونفَروا
في أحلَك الظروف إلى تبوك، وتبِعوا نبيَّهم في ساعة العُسرة، ولما قيل لهم كما قال
القرآن الكريم: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ
فَاخْشَوْهُمْ(173)} [آل عمران]، زادَهم ذلك إيمانًا وثباتًا، وقالوا:{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)} [آل عمران].
وبعد وفاة النبي (ﷺ) لم يكسَل الصحبُ الكِرامُ؛ بل علَت هِمَمهم حتى غلَبوا
أعظمَ حضارتَين، وخفَقَت راياتُهم في روابِي المشرقَيْن، وملئوا الدنيا حضارةً
وعلمًا وهُدًى في أخبارٍ وسِيرٍ تأسِرُ القلوبَ، وتأخذُ بالألباب، ولولا التأريخُ
لقيل: ضربٌ من الأحلام.
ولقد كانوا بشرًا
من البشر، لكنَّ قلوبَهم صاغَها الوحيُ، فتعلَّقَت بالسماء، اصطفاهم الله
وامتحَنَهم، فصدَقوا ونجَحوا.
وهكذا ربَّى
النبي (ﷺ) الصحابةَ، حتى صاروا قادةَ الأمة في العلم والجهاد
والقيادة.
أيها المسلمون:
إن الأمةَ اليوم
بحاجةٍ إلى من يشُدُّ على قلوبِ أبنائِها، ليُصبِحوا رجالاً، فالخطب عظيم والحدث
جسيم، فقد أصاب الأمة الوهن وتكالب أعداء الإسلام عليها، كما أخبر النبي (ﷺ): فعن ثوبان رضي الله عنه قال:
قال رسول الله (ﷺ):{يُوشِكُ الأُمم أن تتداعَى عليكم كما
تتداعَى الأكلَةُ إلى قصعَتها». فقال قائلٌ: ومن قِلَّة نحن يومئذٍ؟ قال: «بل أنتم
يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاء السَّيْل، ولينزعنَّ اللهُ من صُدور عدوِّكم
المهابةَ منكم، وليقذِفنَّ الله في قلوبِكم الوهنَ». فقال قائلٌ: يا رسول الله!
وما الوهنُ؟ قال: «حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموت} [رواه الإمام أحمد وأبو داود بسندٍ
صحيحٍ].
فالأمر يحتاج منا
إلي بذل وتضحية وعطاء، قال تعالي {أَمْ حَسِبْتُمْ
أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ
قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ
الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ
اللَّهِ قَرِيبٌ(214)}[البقرة].
إذا كان المرءُ
ينامُ حتى يملَّ الفراشُ جنبَه، ويبسُطُ ألوانَ الطعام كلما اشتهَى، ويصرِفُ
الأوقات الطويلة للتسوُّق والمُسامَرة، ولا يرعوِي عن صرفِ جُلِّ يومِه وغالبِ
ساعاته في تصفُّح الأجهزة الإلكترونية، أو مُتابعة المُلهِيات، ويركُضُ وراءَ
الدنيا ركضَ الوحوش في البَرِّيَّة، فمتى يُنتِجُ؟
أو يصلُح لردِّ
عدوانٍ أو نهوضٍ بأمَّةٍ؟
إن معالِيَ
الأمور والطُموحات الكُبرى لا تأتي إلا بالكدِّ والتعَب.
والناظرُ في حال
الأُمم يجِدُ أنه ما من أمةٍ ترقَّت في مراتبِ المجدِ وسطَّرَت اسمَها على صفحات
التاريخ إلا كان وراءَ ذلك عملٌ كبيرٌ وتضحِياتٌ جِسامٌ، وبذلٌ للجُهد في كل
الميادين.
وإذا نظرنا إلى
أحوال السابقين من أمَّتنا نجِدُ أنهم أعطَوا هذا الأمرَ ما يستحقُّه من العناية؛
بحيث نشأَ أبناؤُهم نشأةً سويَّةً، تحمَّلُوا المشاقَّ والصِّعابَ دون كلَلٍ أو
ملَلٍ، وبذَلوا لهذا الدين ولرِفعة الأمة دون مَنٍّ أوكسل .
وإن الطريقَ إلي القمة
ليس مفروشًا بالورود والرَّياحين، ويحتاجُ إلى تعبٍ وإلى بذلٍ لإدراكِه، وإذا ذاقَ
الإنسانُ طعمَ النجاح هانَت عليه كلُّ لحظةِ تعبٍ أمضاهَا في طريقِه، حتى يكون ذلك
التعبُ أشهَى من النفس، وألذَّ من طعم الدَّعَة والسُّكون.
وإذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها
الأجسام
المجد لا يأتي
هبة ... لكنه يحصل بالمناهبة .
تريد المجد ولا
تجدّ ...؟ تخطب المعالي وتناوم الليالي ...؟
العنصر
الرابع : نماذج لأصحاب الهمم العالية :ـ
عالي الهمة في
الناس كالعملة النادرة، أو كالكبريت الأحمر، يصدق عليهم قول رسول الله (ﷺ): {تجدون الناس كإبل مائة،
لا يجد الرجل فيها راحلة} [رواه مسلم وغيره].
معنى (راحلة) هي
النجيبة المختارة من الإبل للركوب وغيره، فهي كاملة الأوصاف فمثل هذه الناقة
النجيبة إذا كانت في الإبل فإنك تجدها متميزة بصفاتها وبهيئتها وبخصالها، والهاء
في قوله: (راحلة) للمبالغة، كما يقال رجل نسابة ورجل فهامة ورجل علامة.
وإليكم بعض
النماذج لأصحاب الهمم العالية :ـ
همة
هدهد أحيت أمة كاملة :ـ
إن الهدهد لم يكن
مطلوباً منه أن يستكشف مملكة بلقيس ولكنه رأى واجباً عليه أن يؤديه شيء رآه فاستوقفه ورأى واجباً عليه فلم ينتظر أمراً ولا
إذناً بل قام بواجبه . قال تعالي {وَتَفَقَّدَ
الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ
(20) لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي
بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ
تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)}[النمل] .
لكن العلم "
أحطتُ بما لم تحط به " والهمة " وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله
" جعلت الهدهد يمكث غير بعيد (فمكث غير بعيد فقال أحط بما لم تحط به ).
وانظروا إلى
العلم النافع والهمة الماضية كيف تنقل الإنسان من مذنب ينتظر العقاب بل ينتظر
الإعدام " لأُعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه " فيرقيه العلم وترقيه
الدعوة وترقيه الهمة إلى أن يكون سفيراً لسليمان عند ملكة سبأ "اذهب بكتابي
هذا فألقه إليهم " فينقلب من مذنب ينتظر العقاب والإعدام إلى رسول من قبل
سليمان الملك النبي إلى ملكة سبأ " بلقيس " " اذهب بكتابي هذا {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ
بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)} .
وهي أمة غير أمة
الهدهد فهذه امة بني آدم والهدهد وجماعته من أمة أخرى ومع ذلك قام برسالة معها،
حتي كان سبب في نجاة هذه الأمة من النار وغضب الجبار سبحانه وتعالي فقال تعالي في
نهاية قصة بلقيس {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ
سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)}.
[النمل] .
همة
الصديق رضي الله عنه أنقذت الأمة يوم المحنة:ـ
بمجرد أن نطق
الصديق بشهادة أن لا إله إلا الله، عَلِمَ أن من أول مقتضيات لا إله إلا الله
الدعوة إليها، فالدعوة ليست وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم فقط، بل هي وظيفة
الأمة في مجموعها.
علم ذلك أبو بكر
فخرج من عند نبيه ورسوله محمد (ﷺ) ، خرج وهمه نصرة هذا الدين ونشره في العالمين، خرج
وعمره في الإسلام لا يتجاوز بضعة أيام، وبعد أيام يعود فبم عاد أبو بكر ؟
عاد وهو يقود
الكتيبة الأولى من كتائب هذه الأمة، خرج صادقاً مبلغاً فعاد وقد أدخل في دين الله
ستة من العشرة المبشرين بالجنة فيما بعد.
يعود وقد أسلم على يديه عثمان وطلحة الزبير وسعد
وعبد الرحمن وأبو عبيدة رضي الله عنهم أجمعين. كلهم في ميزان حسناته . أرأيتم
عطاءً للإسلام كهذا العطاء!
وينقذ الله تعالي
الأمة بعد وفاة النبي (ﷺ) من محنة كادت أن تنهي علي الإسلام تماما ، وهي محنة
الردة ج وترتد بعض قبائل العرب، بعد أن ظنوا أن شوكة الإسلام انكسرت بموت رسول الله
(ﷺ) ، لكن أبا بكر علم الناس أن الإسلام لا يموت ولا
ينتهي، حتى وإن مات رسول الله (ﷺ) ، ثقل الأمر على الصديق إذ ارتدت قبائل العرب، ففي وقت
من الأوقات لم تقم الجمعة إلا في مكة والمدينة ، تقول عائشة : (نزل بأبي ما لو نزل
بالجبال الراسيات لهاضها لكنه طار بحظها)، فأعلن الحرب على المرتدين، فقال عمر رضي
الله عنه وأرضاه مجتهداً: (أرفق بهم وتألفهم، كيف تقاتل الناس وقد قال الرسول (ﷺ): {أمرت أن أقاتل الناس حتى
يشهدوا أن لا إله إلا الله، فمن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقه وحسابه على
الله}.
إنهم يشهدون أن
لا إله إلا الله يا أبا بكر ! فغضب أبو بكر رضي الله عنه غضبة لله، وقال قولته
الشهيرة: (ثكلتك أمك يـابن الخطاب ! أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام، رجوت
نصرتك فجئتني بخذلانك، إنه قد تم الدين، وانقطع الوحي، والله لأقاتلن من فرق بين
الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً كان يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم
لقاتلتهم عليه).
فمضى الصديق رضي
الله عنه ومعه ذلكم الجيل الرباني يلاحق المرتدين في أوكارهم، يدك عروشهم ويفل
جيوشهم حتى يعودوا للإسلام أو يلقوا مصارعهم كافرين، وكان له ذلك ، وعاد الأمر كما
كان في عهد النبي (ﷺ).
همة
نور الدين محمود استردت بيت المقدس :ـ
لقد كان نور
الدين محمود خال صلاح الدين الأيوبي وأستاذه
ذا همة عالية، ونفس كبيرة طامحة، فمع أنه نشأ وهو يرى ما حل بالمسلمين من
ضعف وتفرق ومهانة إلا أن ذلك لم يفت من عضده، ولم يئن من عزمته، بل كان ذلك دافعاً
له أن يسعى في رفع البلاء عن الأمة، وفي استعادة ما سلب منها من عز ومجد، ولقد
كانت أمنيته وهاجسه وشغله الشاغل فتح بيت المقدس، وتطهيره من رجس الصليب، ومما يدل
على علو همته، وكبر نفسه أنه عندما كان في حلب، وقت تسلط الصليبيين وسيطرتهم قام
بعمل منبر عظيم، وبالغ في تحسينه وإتقانه، وقال: "هذا عملناه؛ لينصب ببيت
المقدس".
وكان الناس آنذاك
يسخرون منه، ويستبعدون تحقيق أمنيته؛ إلاّ أنه لم يلتفت إلى ذلك، واستمر في إصلاح
ذلك المنبر، وحاله تلك كحال نبي الله نوح عليه السلام عندما كان يصنع الفلك، وكلما
مر عليه ملأ من قومه سخروا منه، ولقد أراد نور الدين من هذا الصنيع أن يبث الروح،
وأن يبعث الهمم, وأن يبدد اليأس الذي خيم على كثير من القلوب، ولقد حقق الله له
أمنيته، ففتحت بيت المقدس، ونصب فيها المنبر على يد تلميذه صلاح الدين، وذلك بعد
وفاة نور الدين..
يقول أبن الأثير
بعد أن تحدث عن بيت المقدس: "ولما كان الجمعة الأخرى رابع شعبان صلى المسلمون
فيه الجمعة، ومعهم صلاح الدين، وصلى في قبة الصخرة، وكان الخطيب والأمام محيي
الدين بن الزكي قاضي دمشق، ثم رتب صلاح الدين خطيباً وإماماً برسم الصلوات الخمس،
وأمر أن يعمل له منبر، فقيل له: إن نور الدين محموداً كان قد عمل بحلب منبراَ أمر
الصناع بالمبالغة في تحسينه وإتقانه، وقال: هذا عملناه لينصب بالبيت المقدس، فعمله
النجارون عدة سنين لم يعمل في الإسلام مثله فأمر بإحضاره، فحمل من حلب ونصب
بالقدس، وكان بين عمل المنبر وحمله ما يزيد على عشرين سنه، وكان هذا من كرامات نور
الدين وحسن مقاصده وعلو همته" .
همة
البراء ابن مالك اقتحمت حديقة الموت :ـ
إنه البراء ابن
مالك شقيق أنس ابن مالك الذي خدم النبي (ﷺ) ، رضي الله عنه كان شديد الإقدام حتى قيل: إن عمر بن
الخطاب كتب إلى أمراء الجيش لا تستعملوا البراء على جيش، فإنه مهلكة من المهالك
يقدم بهم، وقد اشتهر عنه أن قتل في حروبه مائة نفس من الشجعان مبارزة، وقال فيه
رسول الله (ﷺ) {كم ضعيف متضعف ذي طمرين لو
أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك}[أخرجه الحاكم، وصححه ووافقه الذهبي].
حضر في قتال
المرتدين لما قاتلت بنو حنيفة الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، بقيادة سيف
الله خالد بن الوليد، رضي الله عنه، وكان يقود المرتدين مسيلمة الكذاب لعنه الله،
وكان بنو حنيفة في أربعين ألفاً، كلهم بطل، استماتوا في قتال المسلمين وقتل من
حفاظ القرآن في هذه الموقعة الكثير،.
ولقد تقهقر
المسلمون، وإذا بخالد ابن الوليد وهو يصيح بجيش (تميزو .. وكأن هذه الكلمة فعلت في
النفوس فعل السحر، حيث تميزوا، فانضم المهاجرون إلى المهاجرين، وكانوا مبثوثين،
وانحاز الأنصار إلى الأنصار، وعرف كل قبيل موقعه، حتى إذا تقهقروا عرفوا، فثبت
الجيش الإسلامي، ورسخ رسوخ الجبال، فانهزمت بنو حنيفة ولجؤوا إلى هذه الحديقة
وأغلقوا عليهم بابهم.
وكأن هذه الحديقة
كانت حصناً والجدران كانت أعلى، فلما ظن المرتدون أنهم أمنوا داخل حصنهم، تقدم صقر
حروب المرتدين البراء بن مالك الذي قتل مئة مبارزة غير من قتل في الصدام وقال:
ارفعوني على التروس وألقوني عليهم.
وضعوا التروس
وارتقى عليها، ورفعوه على الرماح وألقوه على المرتدين.
جفل الرجال
وابتعدوا من روعة المفاجأة، فأسرع البراء إلى سلسلة الباب الحديدية، فرجعت
للمقاتلين نفوسهم، وهجموا على البراء، يناوشونه ويدافع وهو يتقدم من سلسلة الباب
وهو يضربهم ويضربونه ويدافع بترسه ويضرب بسيفه وخطاه إلى الباب وخطاهم على خطاه؛
يا له من منظر لا تستطيع آلات التصوير أن تخرجه كما وقع مهما تفنن الممثلون في
إخراجه ومهما أتقنوا أدوارهم .
وها هو ذا البراء
يقطع السلسلة، وهاهم ألاء الصحابة الأبطال يهدرون هدير السيل في المنحدر، وها هو
ذا مسيلمة يناجي شيطانه، وقد نفذت حربة وحشي في جسده، وأبو دجانة يحتز رأسه.
يقول المتنبي:
إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر عظيم كطعم الموت في أمر حقير
همة
العلماء في طلب العلم :ـ
قال الإمام أحمد
بن حنبل: رحلت في طلب السُّنَّة إلى الثغور والشامات والسواحل، والمغرب والجزائر،
ومكة والمدينة، واليمن، وخراسان وفارس، وقال: حججت خمس حجات: منها ثلاث حجج راجلاً
من بغداد إلى مكة.
وقال ابن الجوزي:
طاف الإمام أحمد بن حنبل الدنيا مرتين، حتى جمع المسند وفيه ثلاثون ألف حديث.
وقال أيضاً: ولو
أني قلت: طالعت عشرين ألف مجلد كان أكثر، وأنا بعد في الطلب، فاستفدت بالنظر فيها
من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم وحفظهم وعباداتهم، وغرائب علومهم ما لا يعرفه من
لم يطالع، فصرت أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب ولله الحمد.
ويأتي الإمام
أحمد في فتنة خلق القرآن يُجلد ،ويُعذب فجاءه يوم من الأيام أحمد بن داود الواسطي
يزوره، فدخل عليه، فقال: يا أبا عبد الله ! انظر الكلمات عليك عيال أي: لك صبيان
وأنت معذور، قل أي كلمة، وانج بنفسك، قال: كأني أسهل عليه الإجابة، فهل تعرف ماذا
قال الإمام أحمد ؟ قال: يا بن داود! إن كان هذا عقلك فقد استرحت. أي: إذا كان هذا
تفكيرك وهذا همك فقد استرحت.
ولكن الإمام أحمد
عقله أكبر من هذا، وهمه هم الأمة، لا هم نفسه، فهو لا يبالي بنفسه.
فقد كان السلف
همهم أعلى مما تتصور، الواحد منهم ليس همه الرغيف والأكل والشرب والنوم، بل أكبر
من هذا.
وهذا
الإمام البخاري رحمه الله تعالي :ـ
في أواخر القرن
الثاني الهجري في مشرق العالم في نيسابور
جلس محمد بن إسماعيل البخاري وعمره 17سنة بين يدي أستاذه إسحاق بن راهويه حاول
الأستاذ أن يحدث تلامذته عن احتياجات الأمة فقال "والله
لو أن واحدا منكم يجمع صحيح السنة في كتاب لانتفع به الناس أيما انتفاع". يقول البخاري فوقعت في نفس هذه المهمة
وأقسمت أن أكون هذا الرجل فقعدت في بيتي ونمت ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم في
المنام وهو جالس على منبره الشريف ويأتيه بعض الذباب فأذهب وأهش الذباب عنه فأقمت
من نومي وحكيت الرؤيا لأستاذي فأولها أنى أذب كذب الحديث عن حديث النبي صلى الله
عليه وسلم، فبدأت أجمع حديث النبي (ﷺ) في كتاب.
(والبخاري ما كتب
حديثا إلا اغتسل وصلى ركعتين ، وكانت له تجارة ينفق من ريعها في هذه المهمة ).
وكان الإمام
البخاري يقوم في الليلة الواحدة ما يقارب عشرين مرة، لتدوين حديث أو فكرة.
العنصر
الخامس :ثمرات الهمة العالية:
1ـ
تحقيق كثير من الأمور التي يعدها عامة الناس خيالاً:ـ
يتحقق ومن أمثلة
ذلك بناء أمة مؤمنة في الجزيرة العربية التي يشيع فيها الجهل والشرك وذلك في فترة
وجيزة ،وعودة بيت المقدس بعد احتلال دام اثنتين وتسعين عاما ،لذلك لابد أن نوقن
أنه ليس هناك مستحيل وصاحب الهمة لا يعرف اليأس فأحلام الأمس حقائق اليوم وأحلام
اليوم حقائق الغد"
2ـ
الوصول إلى مراتب عليا في العبادة والزهد:ـ
قال معاذ رضي
الله عنه على فراش الموت: "اللهم إنك تعلم أني
لم أكن أحب البقاء في الدنيا ولا طول المكث فيها لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار ،
ولكن كنت أحب البقاء لمكابدة الليل الطويل وظمأ الهواجر في الحر الشديد ولمزاحمة
العلماء بالركب في حلق الذكر"
3ـ
صيانة النفس من الوقوع في سفاسف الأمور ودناياها:
لما فرَّ عبد
الرحمن الداخل إلى الأندلس من العباسيين أهديت إليه جارية جميلة فنظر إليها وقال: "إن هذه من القلب والعين بمكان وإن أنا اشتغلت عنها
بهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن اشتغلت بها عن ما أطلبه ظلمت همتي ، ولا حاجة لي بها
الآن وردها على صاحبها"
4ـ
صاحب الهمة العالية شخص يُعتمد عليه في الأمور الصعبة ، ويتخذه الناس قدوة لهم.
ولله در القائل :
عمل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل
لرجل
5ـ
صاحب الهمة العالية صحيفته مليئة بالأعمال الصالحة النافعة :ــ
لأنه لا يضيع
وقته ، قال الإمام ابن عقيل الحنبلي : "إني لا
يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة وبصري عن
مطالعة أعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرح"
وكان الإمام
النووي يقرأ كل يوم اثني عشر درساً شرحاً وتصحيحاً ، ويقول لتلميذه بارك الله في
وقتي.
6ـ
مميز عند الناس وعند الله تعالي :ـ
بيَّن الله تعالى
فضل المجاهدين أصحاب الهمم العالية، على القاعدين المُؤثِرِين للراحة والدَّعَة،
فقال:تعالي {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى
وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً(95)}[النساء].
وقال تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ
الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ
بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى(10)} [الحديد] .
العنصر
السادس :وسائل ترقية الهمة :ـ
1 ـ المجاهدة :
قال تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم
سبلنا".
2 ـ الدعاء
الصادق والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى.
3 ـ اعتراف الشخص
بقصور همته. وهذا يستلزم أيضاً أن لا ينكر أنه قادر على تغيير همته وتطويرها إلى
الأحسن.
4 ـ قراءة سيرة
السلف الصالح، و مصاحبة صاحب الهمة العالية.
5 ـ مراجعة جدول
الأعمال اليومي ومراعاة الأولويات والأهم فالمهم.
6 ـ الدأب في تحصيل الكمالات والتشوق إلى المعرفة .
7 ـ الابتعاد عن
كل ما من شأنه الهبوط بالهمة وتضييعها مثل :
أـ كثرة الخروج بدون هدف شرعي صحيح ولا غرض دنيوي
فيه فائدة معتبرة .
ب ـ كثرة
الزيارات للأصحاب فيكثر المزاح وتقل الفائدة .
ج ـ الانهماك في تحصيل المال بدعوى التجارة وحيازة المال
النافع للإسلام وأهله ، ثم ينقلب الأمر إلى تحصيل محض للدنيا وانغماس فيها . .
د - كثرة التمتع
بالمباحات .
هـ ـ التسويف والكسل والفتور.
الخاتمة :ـ
إن عالِيَ
الهِمَّة يحمِلُ همَّ أمته ويجودُ بالنفسِ والنَّفيسِ في سبيل تحصيلِ غايتِها،
وتحقيق رِفعَتها، ويعلم أن المكارِمَ منوطةٌ بالمكارِه، وأن المصالِحَ والخيرات
واللَّذَّات والكمالات لا تُنالُ إلا بحظٍّ من المشقَّة، ولا يُعبَرُ إليها إلا
على جسرٍ من التَّعَب، ومن أراد العلوَّ لأمته لم يلتفِت إلى لومِ لائِمٍ، ولا
عذلِ عاذِل، ومضَى يكدَحُ ساعِيًا، شعاره قول الله عز وجل {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا(19)}[الإسراء].
فينبغي للمؤمن أن
تكون همته عالية، يسعى إلى معالي الأمـور وفيما يصلحه من أمر دينه ودنياه، وأن يبذل
في ذلك الغالي والنفيس، وألا يكون ضعيف الهمة يحب الراحة والكسل، فإنه بقدر الكد
تكتسب المعالي، ومن طلب العلا سهر الليالي
قال الإمام
الشافعي:
ومن رام العلا من غير كد أضاع العمر في طلب المحال
تروم العز ثم تنام ليلاً يغوص البحر من طلب اللآلي
فيجب على أمة
الإسلام وهي تمرُّ بأحلَك ظروفِها، أن تعلُو همَّتُها عن اللَّهْوِ والعبَثِ،
والفُرقة والخِلاف، والغفلةِ والشُّرود، وأن تُربِّيَ جيلَها على الجِدِّ
والطُّموح والهِمَم العالِية، وقد قال الله لنبيِّه: {يَا
يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ (12)}[مريم].
وقال لموسى عن
الألواح: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ (145)}[الأعراف].
نسأل الله العظيم
رب العرش العظيم أن يوفقنا والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لما يحب ويرضى وأن
يرزقنا معالي الأمور وأن يجنبنا سفاسفها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تمت بفضل الله ورحمته