السبت، 17 يونيو 2023

الميثاق العالمي الأول لحقوق الإنسان من خلال خطبة الوداع

 

الحمد لله رب العالمين أحل الحلال ، وحرم الحرام ، وشرع الشرائع ، وحد الحدود ، وأتم علينا النعمة ، وأكمل لنا الدين ، ورضي لنا الإسلام دينا ، فقال تعالي }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (3){ ]المائدة[ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. خصنا بخير كتاب أنزل ، وشرفنا بخير نبي أرسل وجعلنا بالإسلام خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف ، وتنهي عن المنكر ، وتؤمن بالله فقال تعالي}كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ (110){ ]آل عمران[ .

وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله صلي الله عليه وسلم .. بلغنا كل شيء عن الله تعالي فقال (ﷺ)}خذوا عني مناسككم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا {.

فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين .

أما بعد .. فيا أيها المؤمنون .

لقد ظل رسول الله (ﷺ) في المدينة تسع سنين يعلم الناس صلاتهم وصيامهم وزكاتهم وما يتعلق بهم من عبادات وواجبات ،وبقي أن يعلمهم مناسكهم وكيفية أدائهم شعائر الحج المباركة بعد أن طويت تلك التقاليد الجاهلية الباطلة المتوارثة أيام موسم الحج في الجاهلية من تصدية وصفير وعري أثناء الطواف، وقضي عليها مع القضاء على الأوثان وتطهير بيت الله الحرام منها ببزوغ وانبلاج نور التوحيد وشمس دين الإسلام، لقد جاء الإسلام ليغسل هذه الشعيرة المباركة مما قد علق بها من أدران نتنة وليعيدها نقية صافية تشع بنور التوحيد، وتقوم على أساس العبودية المطلقة لله رب العالمين.

وقد كان لحجة الرسول (ﷺ) التي حجها مع أصحابه معلماً إياهم مناسكهم معنى كبيراً وجليلاً يتعلق بالدعوة الإسلامية والمنهج العام للنظام الإسلامي، ومن أجل ذلك أذن الرسول الأعظم (ﷺ) في الناس أنه حاج إلى بيت الله الحرام، ومن أجل ذلك أقبل الناس من كل حدب وصوب ، يريدون أن يأتموا به (ﷺ) ليتعلموا منه الأعمال الصحيحة للحج فلا يقعوا في رواسب التقاليد الجاهلية البائدة.

لقد كان المسلمون وهم كثرة متفرقون يوم نُودِي وأذن بين الناس أن الرسول (ﷺ) سوف يحج في غاية الشوق إلى لقاء نبيهم (ﷺ) والاستفادة من هديه ونصائحه، وكان به أيضٌا (ﷺ) شوق إلى مزيد من اللقاء معهم لا سيما تلك الحشود التي دخلت في الإسلام حديثا من مختلف جهات الجزيرة العربية، ممن لم تتح لهم فرص اللقاء الكافي معه (ﷺ)، وإن أكبر وأجمل فرصة لذلك إنما هو فرصة اللقاء معه (ﷺ) في الحج إلى بيت الله الحرام، وفي سفوح عرفات، إنه لقاء بين أمة ورسولها وقائدها في ظل شعيرة هي من أكبر شعائر الإسلام، إنه لقاء مبارك ميمون، كان في علم الله تعالى وإلهام رسوله (ﷺ) لقاء توصية ووداع.

وركب النبي (ﷺ) ناقته القصواء فلما استوي عليها وهمت به قائمة أهل ملبيا (لبيك اللهم لبيك ،لبيك لا شريك لك لبيك ،إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ) فصاح الناس يلبون عن يمينه وشماله بين يديه ومن خلفه ، ولبت معه الكائنات كلها الحجر والشجر ،وانطلقت الأصوات تعج بالتلبية وتهل بالتوحيد .

وخرج رسول الله (ﷺ) لخمس ليال بقين من ذي القعدة حتي وصل إلي مكة فلما رأي البيت الحرام رفع يديه ،ثم قال (اللهم زد هذا البيت تشريفا ،وتعظيما وبرا ،وزد من عظمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة  وبرا).   وأقام رسول الله (ﷺ) في مكة حتي يوم التروية فلما زاغت الشمس مالت عند الظهر في ذلك اليوم ركب إلي مني فبات بها ثم أصبح فصلي بها الصبح ثم سار إلي عرفة حين رأي الشمس قد طلعت ، فلما صار ببطن عرفة وقف علي راحلته فخطب في الناس خطبته الجامعة ، والله ما أروعها من كلمات تلك التي ألقاها الرسول الأعظم (ﷺ) في سفوح عرفات، راح فيها (ﷺ) يخاطب فيها الآلاف المؤلفة من المؤمنين بعد أن أدى (ﷺ) الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله، وفي سبيل الدعوة إلى الله تعالى ثلاثة وعشرين عاما لا يكل ولا يمل.

والله ما أروعها من ساعة، تلك التي اجتمع فيها حول رسول الله (ﷺ)، أعظم قائد عرفه التاريخ، الآلاف المؤلفة من المؤمنين الذين اجتمعوا حول قائدهم ونبيهم (ﷺ) خاشعين لله تعالى، ومتضرعين. وطالما تربصوا به من قبل ذلك متآمرين ،ومحاربين آلاف مؤلفة يملؤون ما يمتد به النظر من كل الجهات تردد بلسان حالها قول الله تعالي } إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) { ]غافر[.

وأخذ رسول الله (ﷺ) ينظر من خلال وجوههم إلى  الأجيال المقبلة ، إلي العالم الإسلامي الكبير الذي سيملأ شرق الأرض وغربها ، وراح الرسول الأعظم والقائد الأكبر صلوات ربي وسلامه عليه يلقي على مسامعهم خطابه البليغ المودع، وكان ربيعة ابن أمية ابن خلف ابن عدو الله واقفا تحت صدر الناقة يردد قول النبي صلي الله عليه وسلم وكان صيتا الصوت كلما قال رسول الله (ﷺ) كلمة صرخ بها ربيعة يبلغها في الناس .

ومما بدأ به رسول الله (ﷺ) خطابه المودع كما روي عن بعض العلماء بهذه العبارة المؤثرة: "أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا". وأنصتت الآلاف المؤلفة من المؤمنين، إلى نبيهم عليه الصلاة والسلام لتسمع خطبته البليغة والمؤثرة، بل وأنصت الحجر والقفر والمدر إلى الكلمة المودعة الجامعة ينطق بها فم رسول الله (ﷺ) أعظم وأشرف رسل الله تعالى، وسيد الأولين والآخرين، بعد أن سعدت به الدنيا كلها ثلاثة وستين عاما.

ها هو الآن يلمح بالرحيل بعد أن قام بأمر ربه وغرس الأرض بغراس الإيمان ، وها هو الآن يلخص المبادئ التي جاء بها ، وجاهد في سبيلها في كلمات جامعة وبنود معدودة يلقي بها علي سمع العالم ،وهذا نص خطبته الجامعة ..

أَيُّهَا النَّاسُ!

"إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إِلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا. أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ! فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا وَإِنَّ رِبَا الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَإِنَّ أَوَّلَ رِبًا أَبْدَأُ بِهِ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَإِنَّ دِمَاءَ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَبْدَأُ بِهِ دَمُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ. وَإِنَّ مَآثِرَ الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ غَيْرَ السِّدَانَةِ وَالسِّقَايَةِ. وَالْعَمْدُ قَوَدٌ وَشِبْهُ الْعَمْدِ مَا قُتِلَ بِالْعَصَا وَالحَجَرِ وَفِيهِ مِائَةُ بَعِيرٍ فَمَنْ زَادَ فَهُوَ مِنَ الجَاهِلِيَّةِ.

أَيُّهَا النَّاسُ!

إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ وَلَكِنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِأَنْ يُطَاعَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فِيمَا تُحَقِّرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ.

أَيُّهَا النَّاسُ!

إِنَّمَا النَّسِي‏ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ وَإِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَـرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ وَوَاحِدٌ فَرْدٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ. أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ! 

أَيُّهَا النَّاسُ !

إِنَّ لِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقّاً وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ حَقّاً. حَقُّكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ وَلَا يُدْخِلْنَ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ بُيُوتَكُمْ إِلَّا بِإِذْنِكُمْ وَأَنْ لَا يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَعْضُلُوهُنَّ وَتَهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ‏ وَتَضْـرِبُوهُنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبْرِحٍ، فَإِذَا انْتَهَيْنَ وَأَطَعْنَكُمْ فَعَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوفِ، أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِِ اللهِ فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ وَاسْتَوْصُوا بِهِنَّ خَيْراً. أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ!

أَيُّهَا النَّاسُ

إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ مَالُ أَخِيهِ إِلَّا مِنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ. أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ! فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ فَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا (وفي روايةٍ لَمْ تَضِلُّوا) كِتَابَ اللهِ (وفي روايةٍ: و سُنَّةَ نبيِّه، وفي روايةٍ: وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي)، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ!

أَيُّهَا النَّاسُ!

إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، كُلُّكُمْ لِآدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ وَلَيْسَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ فَضْلٌ إِلَّا بِالتَّقْوَى أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ!

أَيُّهَا النَّاسُ!

إِنَّ اللهَ قَدْ قَسَمَ لِكُلِّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ مِنَ الْمِيرَاثِ وَلَا يَجُوزُ لِمُورِثٍ وَصِيَّةُ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ ، وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ، مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَمَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفاً وَلَا عَدْلًا. وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ. 

وبعد أن فرغ النبي (ﷺ) من إلقاء الخطبة نزل عليه قوله تعالي }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا(3){ ]المائدة[  

ولما نزلت بكي عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فقال له النبي (ﷺ) (ما يبكيك ؟ قال أبكي إنا كنا في زيادة من ديننا فأما إذا كمل فإنه لم يكمل شيء قط إلا نقص فقال صلي الله عليه وسلم صدقت .

لقد تضمنت هذه الخطبة الجامعة المانعة جملة من المبادئ الإنسانية العالية التي تحتاج إليها البشرية الشاردة المعذبة التائهة لترشد وتسعد  قال تعالي }فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123){  ]طه[.

فقد أرسي فيها مبادئ الرحمة والإنسانية ، وأرسي دعائم السلم والسلام وأقام أواصر المحبة والأخوة . فكانت الخطبة بمثابة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المحدد في عدة بنود ...

المبدأ الأول : حرمة سفك الدماء:

المبدأ الأول الذي أرساه الرسول الكريم (ﷺ) في خطبته هو حرمة سفك الدماء بغير حق، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: " أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا "

فقد نادى النبي العظيم (ﷺ) بحقوق الإنسان، وأنه لابد أن يكون محترمًا، له مكانته بين الناس.

و قد روي عنه (ﷺ) أنه نظر إلى الكعبة وقال: "ما أعظمك، وما أشد حرمتك، والذي نفسي بيده، للمؤمن أشد حرمة عند الله منك".

فأين أمة الإسلام اليوم من تطبيق هذا المبدأ، وقد أخذ بعضها برقاب بعض، وتسلط القوي فيها على الضعيف .

المبدأ الثاني:  حرمة مال الإنسان:

فكما حرم سفك الدماء فقد حرم سلب المال بغير وجه حق فقال (ﷺ) " إنما المؤمنون إخوة ، ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه " .

وقد كرر عليه الصلاة والسلام هذه الوصية في خاتمة خطبته كما ذكر ابن هشام في سيرته- مؤكدًا ضرورة الاهتمام بها بقوله: "تعلَمُنَّ أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين أخوة، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب منه، فلا تظلمن أنفسكم...".

لقد قرر الرسول (ﷺ) في خطبته حرمةَ الأموال التي يكدحُ المرءُ بجمعها، ليستمتعَ بالحلال من الطيبات والرزق ويصونَ نفسه ومن يعول عن مذلَّة السؤال، وصيانةً لحرمة المال قال تعالى:} وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38){ ] المائدة[

ولذا حض على أداء الأمانات إلى أهلها فقد قال (ﷺ) " فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ".

كما أنه حرم استغلال الإنسان لحاجة وفقر أخيه فقال (ﷺ) "وإن كل ربا موضوع " حيث كانت الربا من موبقات الجاهلية المتأصلة التي يستغل فيها الأغنياء حاجة الفقراء.

كما انه حرم حرمان الوارث من نصيبه فقال (ﷺ) "أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث "

وحفظاً لحقوق الوارثين منع الوصية بأكثر من الثلث أو لمستحق للميراث ( ولا تجوز لوارث وصية ، ولا تجوز وصية في أكثر من الثلث ).

المبدأ الثالث : المساواة بين الجميع :

فقد كان رسول الله (ﷺ) صريحا في عباراته التي تقطع على المتشككين فكرهم حين يعتقد البعض أن الرسول الكريم يستثني أقاربه من التكليفات الإلهية بل انه بلغ قمة النقاء و العدل حين بدأ بأقاربه و ذوي رحمه فقال(ﷺ) " إن ربا الجاهلية موضوع وإن أول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب ، وإن دماء الجاهلية موضوع، وإن أول دم أبدأ أضع دم عامر ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب".

وقضي علي كل أشكال التمييز العنصري فقد أعلن الرسول الكريم (ﷺ) أن الناس متساوون في التكاليف حقوقاً وواجباتٍ، لا فرق بين عربيٍ ولا عجمي إلا بالتقوى، لا تفاضل في نسب، ولا تمايز في لون، فالنزاعات العنصرية والنعرات الوطنية لا يعتد بها الإسلام فالكل سواسية أمام الله ففي الإسلام لا فرق بين أبيض، ولا أسود، ولا أحمر؛ و لا يوجد نسب، ولا مال، ولا جاه الكل سواء أمام الله "أيها الناس إن ربكم واحد و إن أباكم واحد كلكم لآدم و آدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى".

ومن المساواة العملية التي قررها الإسلام قولاً وطبقها فعلاً المساواة أمام قانون الإسلام وأحكام الشرع.

الحرام في شريعة الإسلام يَتَّسِم بالشمول والاطِّراد، فليس هناك شيء حرام على الأعجمي، حلال على العربي، وليس هناك شيء محظور على الملون، مباح للأبيض، وليس هناك جواز أو ترخيص، ممنوح لفئة من الناس، تقترف باسمه ما طوع لها الهوى، بل ليس للمسلم خصوصية تجعل الحرام على غيره حلالاً له، كلا إن الله رب الجميع، والشرع سيد الجميع، فما أحل الله بشريعته فهو حلال للناس كافة، وما حرَّم فهو حرام على الجميع كافة إلى يوم القيامة. السرقة مثلاً حرام، سواء أكان السارق ينتمي إلى المسلمين، أمْ لاَ ينتمي، وسواء أكان المسروق ينتمي إلى المسلمين، أم لا ينتمي، والجزاء لازم للسارق، أياً كان نسبه أو مركزه .

وقد حاول بعض الصحابة أن يُشَفِّعوا أسامةَ بن زيد، حِبِّ رسـول الله صلى الله عليه وسلم وابن حَبِّه في امرأة من قريش، من بني مخزوم، سرقت فاستحقت أن يُقام عليها حدُّ السرقة، فكلَّمه أسامة فيها، فغضب عليه الصلاة والسلام غضبته التاريخية المعروفة، وقال قولته التي خلَّدها التاريخ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا" [البخاري ومسلم]

وكان عمر رضي الله عنه، إذا أراد إنفاذ أمر، جمع أهله وخاصته، وقال لهم: "إني أمرت الناس بكذا ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير، إن رأوكم وقعتم وقعوا، وايمُ الله لا أوتَيَنَّ بواحد وقع في ما نهيت الناس عنه، إلا ضاعفتُ له العقوبة لمكانه مني" فصارت القرابة من عمر مصيبة.

وبموجب هذا البند أصبح لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين..........

البند الرابع : قطع الصلة بالجاهلية وما كانت عليه :

لقد أشار النبي (ﷺ) إلي أهمية قطع المسلم علاقته بالجاهلية وما كان عليه في السابق ولم يكن حديثه مجرد توصية وإنما كان قرارا أعلن فيه للملأ كله، قوله (ﷺ): "ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، دماء الجاهلية موضوعة... وربا الجاهلية موضوع...".

وهذا نص واضح، وتصريح صارخ أن كل ما كان عليه أمر الجاهلية قد بَطَل، ولم يبقَ له أي اعتبار، بل هو جيفة منتنة، لا يمكن أن ينهض بأمة، بَلْهَ أن يبني حضارة تكون هدى للبشرية، بل هو إلى الهدم والخراب أقرب.

وأكَّد (ﷺ) في خطبته على تحريمِ صورٍ من المعاملاتِ الجاهليةِ، وأهمها الربا الذي هو أسوأ ما تعاملت به الإنسانية في شؤونها المالية، فكم خرَّب من بيوت عامرة، وكم دمَّر من قرى قائمة، وكم جلب من محن وبلايا، لقد أبطل ربا الجاهلية الذي يقوم على أساس الحصول على المال بأي وسيلة حتى ولو كان فيها سحق البشرية لمصلحة المرابي، ومن أجل ذلك فقد أعلن الله حربه على المرابين الذين يصرون على أكل الربا فقال: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ..(279)]{ البقرة[ .

وبين النبي (ﷺ) خطورة التعامل بالربا، وأنه من الذنوب التي لا يستطيع من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان استحلالها؛ فعن أنس قال: "إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية"]صححه الألباني[.

هذا الذنب العظيم في حقِّ من أكل درهمًا واحدًا، فكيف بمن يأكل الملايين أخذًا أو عطاءً أو كتابةً أو رصدًا أو حراسةً! كل هؤلاء سواء، عليهم كِفْلٌ ونصيبٌ من الذنب لقول الرسول (ﷺ): "من زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء".

وعند مسلم قال الرسول (ﷺ) : "الربا ثلاثة وسبعون بابًا، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه".يا لها من جريمة عظيمة فظيعة تصك الآذان وتقشعر منها الجلود والأبدان، هذا في حق من تعامل بأيسر أنواع الربا؛ فكيف بمن تعامل بها كلها أيها المسلمون، أيرضى أحدنا أن ينكح أمه؟

والجواب: كلنا لا يرضى، فلماذا نرضى بالربا ونتعامل مع المرابين، ونساهم في البنوك الربوية، ونودع فيها أموالنا، ونأخذ عليها فوائد، وهي ربا، علمًا أنه أشد جرمًا وأفظع خطرًا من أن ينكح أحدنا أمه. بل بين النبي (ﷺ) أن أَكِل الربا سبب لحلول العذاب والدمار؛ فعند الحاكم وحسَّنه الألباني[عن ابن عباس رضي الله عنهما، يرفعه إلى النبي (ﷺ): " إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلُّوا بأنفسهم عذاب الله".  

ولعن رسول الله (ﷺ) آكل الربا وموكِلَهُ وكاتبه وشاهدَيْه، فاتقوا الله يا من أكلتم الربا، احذروا من المصير السيئ الذي ينتظر المرابين كما أخبر الله عنه فقال(ﷺ) : } الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ {؛ أي إنه يقوم كالمصروع؛ كلما قام وقع وقد انتفخ بطنه، لا يستطيع أن يقوم، كلما قام وقع.

البند الخامس : ولكم في القصاص حياة:

فقد عالجت الخطبة قضية خطيرة ألا وهي حفظ النفوس وصيانة الدماء من خلال حكم القصاص في النفس والجراحات، والذي كان من حكمه التشريعية زجر المجرمين عن العدوان.

والنبي (ﷺ) قام لجنازة لرجل وصفه القرآن بأنه من أشد الناس عداوة للذين آمنوا، فلما سُئِل النبي (ﷺ) عن ذلك قال: أليس إنساناً، لذلك عدّ الإسلام الاعتداء على أية نفس اعتداء على الإنسانية كلها، كما عدّ إنقاذَ أية نفس إحياءً للناس جميعاً، وهذا ما قرره القرآن الكريم بوضوح جلي، قال الحكيم الخبير: }مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا(32){ [المائدة] .

مَنْ مِن الناس يهنأ له عيش ويقرُّ له قرار إلى إذا كان أمِنِ على روحه وبدنه وماله وعِرْضِه، لا يخشى الاعتداء عليها، ولهذا كان القصاص}وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(179){ ] البقرة[.

في القصاص حياة حين يرتدع كل من يهم بالجريمة عن الإجرام، وتشفي صدور أولياء المقتول من الثأر الذي لا تقف معه الدماء عن السيلان.

فَحِفْظُ النفوس وصيانةُ الدماء والأموال والأعراض قضيةٌ من قضايا الإسلام الكلية ومقاصدِه الضروريةِ، فكلُ المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه . ولقد قرر النبي (ﷺ) حرمة الأعراض التي ينشأ في ظلها النسل الطاهر النظيف؛ ليكون دعامةً صالحةً في مجتمعٍ صالحٍ، وصيانةً للأعراض قال تعالى:}الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2){ ] النور[ .

وذلك لغير المحصن، وأما المحصن وهو المتزوِّج فجعل عقوبته الرجم حتى الموت؛ ففي القرآن المنسوخ لفظه والباقي حكمه: ﴿ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾.

وقد عجزت الأمم المعاصرة بتقدمها وتقنية وسائلها أن توقف سيل الجرائم، وإزهاق النفوس حين ألغت حد القصاص، بل إننا نرى ما يحدث من بلطجة وقتل وسرقة بالإكراه واعتداء علي الحرمات  كل هذا بسبب تعطيل حد من حدود الله تعالي  ولكن الرسول قد حسم الأمر بالقصاص العادل وفق الآية الكريمة: (وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَوةٌ يا أولي الألباب).

إن في القصاص حياة حين يكفُّ من يَهمُّ بالجريمة عن الإجرام، وفي القصاص حياةٌ حين تشفى صدور أولياء القتيل من الثأر الذي لم يكن يقف عند حدٍّ لا في القديم ولا في الحديث.

ويأتي حسمٌ عمليٌّ ومباشرة تطبيقية من النبي في هذا الموقف العظيم، وفي إلغاء حكم جاهلي في مسألة الثأر كما رأينا أنه بدأ بوضع دم ابن ربيعة بن الحارث.

 كما أنه فرق في الخطبة بين القتل العمد و القتل الخطأ ووضح لكل منهما حكمه فقال " والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير فمن زاد فهو من أهل الجاهلية "

المبد أ السادس : إعلان حقوق المرأة:

ويأتي التركيز في ثنايا خطبته على قضية المرأة وكأنها هي القضية المهمة في كل عصر وأمَّة؛ فلقد منيت المرأة عبر التاريخ بفئتين ظالمتين بخستها حقها وداست كرامتها.

أما الفئة الأولى: فهي الجاهلية الأولى التي جعلت المرأة وسيلة للكسب والتجارة، تُباع وتُشترى، وتُوهب وتُكترى، وتُسبى وتُوأد، دون أن يكون لها رأي أو حق أو نصيب.

وأما الفئة الثانية: فهي المدنية المعاصرة، التي جعلت المرأة مستنقعًا للشهوات ووكرًا للرذيلة، تُهان فيه كرامتها وتُقتل عفتها، بدعوى التطوُّر والمدنية وإعطائها حريتها! }كَبُرَت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا(5){ ] الكهف[ .

لقد صان الإسلام المرأة وجعلها مربيةَ الأجيال وصانعةَ الأبطال، فأوصى بهن خيرًا لأنهن أسيرات عند الرجال، فمن حقِّهِنَّ على الرجال أن يعتنوا بهنَّ ويحموهنَّ من مزالق الفتن، ويربُّونَهنَّ على الفضيلة والحشمة والحياء والعفاف المتمثِّل في الحجاب والقرار في البيوت والبعد عن مزاحمة الرجال، وأن يُباعدوا بينهنَّ وبين الدعوات المسعورة البرَّاقة الداعية إلى نزع حجابهنَّ وإخراجهنَّ من بيوتهنَّ، لِيَكُنَّ أطباقًا شهية لعُبَّاد المرأة، يقضون منها الوَطَر المحرَّم ثم يلفظونها لفظ النواة.

فأوصى (ﷺ) بالنساء خيرًا، وأكد على حقِّهِنَّ الذي جاء به الإسلام: }وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ (228){ ] البقرة[.

فقد أعلن النبي (ﷺ) في خطبته حقوق المرأة، وأنها إنسانة لها شأنها في المجتمع، فهي تمثل نصف الأمة، ثم هي تلد النصف الآخر، فهي أمة كاملة.

ففي خطبته (ﷺ) كانت وصيته بالنساء خيرًا ( واستوصوا بالنساء خيرًا) ما أروعها من وصية، وما أحرى بالإنسانية اليوم أن تلتزم بها وتهتدي بهديها، بعد أن أذاقت المرأة أشد العذاب "تحت شعار حرية المرأة" ودفعت بها إلى مهاوي الذل والرذيلة، وجردتها من كل معاني الكرامة والشرف، تحت شعارات مزيفة، لا تمت إلى الحقيقة بصلة.

فلقد جهل أصحاب تلك الشعارات بل تجاهلوا الفرق بين كرامة المرأة وحقوقها الطبيعية التي كفلها لها شرع الله، وما نادوا به من شعارات تطالب بحرية المرأة. فهي كإنسانة لا تفترق عن الرجل و في الحقوق أيضا (أيها الناس، إن لكم على نسائكم حقًّا، ولهن عليكم حقًّا، لكم عليهن ألا يُوطئن فرُشكم أحدًا تكرهونه، وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة) ثم كان الأمر بالترفق بهن و القضاء على كل أشكال العنف و القهر التي كانت تمارس ضد المرأة ( فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربًا غير مبرِّح ) .

فإن إصلاح عوج المرأة راجع إلى زوجها؛ ليمنع العوج والنشوز، وليعيد الاستقرار إلى جوانب البيت في معالجة داخلية.

ثم حدد حقوق الزوجة على زوجها في وجوب الإنفاق عليها وكسوتها مع معاملتها بالمعروف ( فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عندكم عوانٍ لا يملكن لأنفسهن شيئًا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله)

والمتأمل في مواريث العرب والجاهلية قبل الإسلام يجد أنها احتقرت المرأة ، بل لعلها رأت أنها شرٌ لابد منه. وإذا كانت مواريث الجاهلية قد جعلت المرأة في خلفية الصورة و نظرت إليها على أنها شؤم وعار، فإن مسلك التقدم المعاصر قد جعلها مصيدةً لكل الآثام، ولكنَّ هدي النبي الكريم أعطى كل ذي حق حقه، وحفظ لكلٍّ نصيبه.

كما انه حمى حق المرأة و الطفل و الأسرة كلها بتقريره قاعدة (الولد للفراش ) ليحافظ على الأسرة الطاهرة النقية المتماسكة.  

المبدأ السابع : التحذير من الشيطان وحزبه :

وحذر من الانقياد وراء الشيطان الذي يريد إيقاع العداوة و البغضاء بين المسلمين فقال (ﷺ)" ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون، ولكن في التحريش بينهم "

لذا حذر من الانقياد وراء الفتن فقال (ﷺ) "فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض "

المبدأ الثامن : تحديد مصدر العصمة من الفتن والضلال :

وفي ختام خطبته (ﷺ) أكَّد على ما فيه عصمتنا من الضلال والانحراف فقال(ﷺ): "وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابُ اللَّهِ".

إنَّ ما تعيشه الأمة الإسلامية إنَّما هو بسبب إعراضها عن كتاب الله، فكتاب الله هو النور المبين والحبل المتين والذكر الحكيم وصراطه المستقيم، الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد بيَّنه صلى الله عليه وسلم لأمَّته غاية البيان، وأمرها بالتمسك به وبسنَّته، فعند الحاكم عن أبي هريرة وصحَّحه، قال (ﷺ): "إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرَّقا حتى يَرِدَا علي الحوض".

فلنعتصم أيها المسلمون بهما، ولنعلم يقينًا أن الأمة لا تزال بخير ما استمسكت بهما واعتصمت بحبلهما وعملت بشريعتهما، ولا يحيد عن الكتاب والسنة إلا هالك ضالٌّ.

قال تعالي } فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124){ ] طه[

إن هذه القوانين الرائعة، والقواعد السامية أُعلنت منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان، وأُعلنت هكذا كاملة دون نقص، ومحكمة دون ثغرة، وهذا من أبلغ دلائل نبوته .

إننا نحتاج أن نفهم ديننا، وأن نعرف سيرة حبيبنا (ﷺ)، وأن نفخر بدستورنا وشرعنا.

ونحتاج أيضًا أن نرفض الظلم بكل صوره، وأن نغضب لإهدار حق إنسان واحد، فضلاً عن إهدار حقوق الشعوب.

ونحتاج فوق هذا أن نحمل رسالة ديننا إلى العالمين؛ ليعلم الجميع أن دين الله حق، وأن شريعته عادلة، وأن سعادة الدنيا والآخرة في تطبيقها واتِّباعها.

كما نسأله سبحانه وتعالى أن يرفع الكرب عن المكروبين، وأن يردَّ الحقوق لأصحابها ، وأن يُسعِد البشرية جميعًا بدين الإسلام. 

=====================================

رابط pdf
رابطdoc

وقفة إيمانية في يوم عرفة

 



الحمد لله رب العالمين .. أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا فقال تعالي} الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ(3){ المائدة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .... فضل بعض الشهور علي بعض ففضل الأشهر الحرم علي باقي الشهور فقال تعالي } إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ (39){ التوبة].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ)... قال عن يوم عرفة: }ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة{ ]رواه مسلم في الصحيح[.
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين .
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون
إن الليالي والأيام، والشهور والأعوام، تمضي وتنقضي سريعا؛ وهي محط الآجال؛ ومقادير الأعمال، فاضل الله بينها فجعل منها: مواسم للخيرات، وأزمنة للطاعات، تزداد فيها الحسنات، وتكفر فيها السيئات، ومن تلك الأزمنة العظيمة القدر، الكثيرة الأجر يوم عرفة ، حيث عظَّم الأجر والفضل في هذا اليوم العظيم ، لذلك ينبغي للمسلم أن يكون له  وقفة  في هذا اليوم العظيم ، لذلك كان موضوعنا عن }وقفة إيمانية في يوم عرفة{ وذلك من حلال هذه العناصر الرئيسية التالية وهي ...
1ـ وقفة إيمانية في يوم عرفة .
2ـ فضل يوم عرفة .
3ـ هدي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة.
4ـ حال السلف الصالح في يوم عرفة.
5ـ حال المسلم مع ربه في يوم عرفة .
6ـ الخاتمة .
العنصر الأول : وقفة إيمانية في يوم عرفة :
يوم عرفة، يوم التجليات والنفحات الإلهية، يوم العطاء والبذل والسخاء، هو اليوم الذي يقف فيه الناس على صعيد واحد متجردين من كل آصرة ورابطة إلا رابطة الإيمان والعقيدة، ينادون رباًّ واحداً ويناجون إلهاً واحداً، إله البشرية جميعاً.
إن من تأمل الحج وجده مذكرا بيوم القيامة؛ فالحاج مسافر سفراً مخوفا، لا يدري ما يعرض له في سفره ولا في أداء مناسكه؛ ولذا تأكد في حقه أن يؤدي الحقوق التي عليه، وأن يكتب وصيته.. والإنسان في الدنيا في سفر، والمخاطر تحيط به، والمنايا تتخطفه، فإن أخطأه بعضها أصابه غيرها، ونحن نرى كثرة موت الفجأة في الناس.
وبالإحرام يتجرد الحاج من ثيابه، ويلبس الإزار والرداء، فيترك ثياب الزينة والطيب، ويمسك عن شعره وأظفاره، وهذا يذكره بالموت والكفن، وترك الدنيا وزينتها، والوحدة في القبر، فلا رفيق له فيه سوى عمله؛ فإما عمل صالح يؤنسه ويسعده، وإما عمل سيء يزعجه ويعذبه، ويتذكر الحاج وهو في هذه الحال قول الله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ (94)} [الأنعام].
إنه موقف مصغر عن موقف الحشر الأعظم؛ حيث يقف الناس في عرفات متجردين من كل شيء، فالكل واقف أمام رب العزة عز وجل.
يتجلى هناك موقف الإنسانية والأخوة والمساواة، فلا رئيس ولا مرؤوس، ولا حاكم ولا محكوم، ولا غني ولا فقير، ولا أمير ولا مأمور، ولا أبيض ولا أسود ، الكل عبيد لله، الكل يناجي ربه العظيم لينالوا مغفرته ورضوانه. ،
فالقبلة واحدة ، والرب واحد، والمشاعر واحدة ، واللباس واحد، والمناسك واحدة، والزمان واحد، والهدف واحد ، والتلبية واحدة ( لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك )،فهو نداء لله وحده،  لا لمذهب أو قبيلة ، أو دولة ، أو جماعة ...او.. ، فهي عبودية لله وحده فكل هذه الأمور تجتمع في الحج، وهي مدعاة للإحساس بوحدة الشعور، وموجبة للتآخي، والتعارف والتعاون على مصالح الدين والدنيا، وفي ذلك خطب النبي (ﷺ) وقرر مبدأ الوحدة والمساواة بين الجميع فقال }يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ ، أَلا وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، أَلا لا فَضْلَ لأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلا بِالتَّقْوَى ،أَلا قَدْ بَلَّغْتُ ؟ " قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ:" لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ {.
العنصر الثاني : فضل يوم عرفة :
هذا اليوم شرفه الله وفضله بفضائل عظيمة، اليوم الذي خصه الله بالأجر الكبير والثواب العظيم عن كل أيام السنة، اليوم الذي يعم الله عباده بالرحمات، ويكفر عنهم السيئات ويمحو عنهم الخطايا والزلات ويعتقهم من النار...
 اليوم الذي يُرى فيه إبليس صاغرًا حقيرًا...
 اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتم النعمة على المسلمين..
من هذه الفضائل والمزايا ما يلي :ـ
1ـ إنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة:
ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال أي آية؟ قال: }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ(3){ المائدة.
قال عمر قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي (ﷺ)، وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.
وإتمام النعمة فإنما حصل بالمغفرة فلا تتم النعمة بدونها كما قال تعالى لنبيه (ﷺ) }ليَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا(2){ [الفتح].
2ـ إنه عيد أهل الإسلام :
قال رسول (ﷺ): }يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب{ ]رواه أهل السّنن[.
وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: (نزلت أي آية (اليوم أكملت) في يوم الجمعة ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيد).
3ـ يوم عرفة أحد أيام الأشهر الحرم:
قال الله عز وجل: }إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ(39){ [التوبة].
والأشهر الحرم هي : ذو القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم ، ورجب ويوم عرفه من أيام ذي الحجة.
4ـ يوم عرفة أحد أيام أشهر الحج :
قال الله عز وجل :}الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ(197){ ]البقرة ] وأشهر الحج هي : شوال ، ذو القعدة ، ذو الحجة.
5ـ يوم عرفة أحد الأيام المعلومات التي أثنى الله عليها في كتابه:
قال الله عز وجل }لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ(28){ ]الحج[
قال ابن عباس رضي الله عنهما : الأيام المعلومات : عشر ذي الحجة.
 6ـ إنه يوم أقسم الله به:
والعظيم لا يقسم إلا بعظيم، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى: }وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3){ ]البروج[.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال: }اليوم الموعود : يوم القيامة، واليوم المشهود : يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة..{ ]رواه الترمذي وحسنه الألباني[.
وهو الوتر الذي أقسم الله به في قوله: }وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3{ ]الفجر[
 قال ابن عباس: الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة، وهو قول عكرمة والضحاك.
 7ـ أن صيامه يكفر سنتين:
فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) سُئل عن صوم يوم عرفة فقال: }يكفر السنة الماضية والسنة القابلة{ ]رواه مسلم[.
وهذا إنما يُستحب لغير الحاج، أما الحاج فلا يُسن له صيام يوم عرفة؛ لأن النبي (ﷺ) ترك صومه، وروي عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة.
8ـ أنه اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ﷺ): }إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بِنَعْمان يعني عرفة وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّر، ثم كلمهم قِبَلا، قال: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)) ]الأعراف[]رواه أحمد وصححه الألباني[ .
فما أعظمه من يوم! وما أعظمه من ميثاق !
9ـ أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف:
عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ: }مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ ]رواه مسلم[.
نعم؛ هكذا يباهي الله بأهل عرفة ملائكة السماء، ويقول لهم بكل حب وفخر: فعن ابن عمر أن النبي (ﷺ) قال: }إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثًا غُبْرًا ضَاحِينَ جَاؤُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي، وَلَمْ يَرَوْا عَذَابِي، فَلَمْ يُرَ يَوْمٌ أَكْثَرُ عِتْقًا مِنَ النَّارِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ{ ]رواه أحمد وصححه الألباني[.
10ـ يوم عرفة أحد الأيام العشرة المفضلة في أعمالها على غيرها من أيام السنة:
قال النبي (ﷺ) : }ما من عمل أزكى عند الله  عز وجل ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى قيل: ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل ؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء{ ]رواه الدارمي وحسن إسناده الشيخ محمد الألباني في كتابه إرواء الغليل[.
11ـ عظم الدعاء يوم عرفة:
 قال النبي (ﷺ) :}خير الدعاء دعاء يوم عرفة { ]صححه الألباني في كتابه السلسة الصحيحة[.
قال ابن عبد البر رحمه الله: وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره.
12ـ فيه ركن الحج الأعظم :
قال النبي (ﷺ): }الحج عرفة{ متفق عليه.
13ـ يوم يغيظ الشيطان :
 إن يوم عرفة يوم يغيظ الشيطان، يوم يعم الله عباده بالرحمات ويكفر عنهم السيئات، ويمحو عنهم الخطايا والزلات، مما يجعل إبليس يندحر صاغرا؛ يقول حبيبنا محمد (ﷺ) وهو يصف الشيطان وحاله في ذلك الموقف يقول(ﷺ): }مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ قِيلَ وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَمَا إِنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ{ ]رواه مالك والبيهقي وعبدالرزاق وابن عبد البر[.
فأين المسلم الذي يدحر الشيطان ويجعله يتصاغر وذلك بتقديم الطاعات لله تبارك وتعالى في يوم عرفة؟..
أين المسلم الذي يحفظ جوارحه من المعاصي في هذا اليوم المبارك كي يغيظ الشيطان؟
 14ـ يوم يرجى فيه إجابة الدعاء:
 إن يوم عرفة يوم يرجى إجابة الدعاء فيه، وهذا اخبرنا به نبينا (ﷺ)؛ فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ  (ﷺ) قَالَ:}خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{؛ ]رواه الترمذي وحسنه الألباني[
العنصر الثالث : هدي النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة :
قال ابن القيم رحمه الله: لما طلعت شمس يوم التاسع سار رسول الله (ﷺ) من منى إلى عرفة، وكان معه أصحابه ، منهم الملبي ومنهم المكبر، وهو يسمع ذلك ولا ينكر على هؤلاء ولا على هؤلاء، فنزل بنمرة حتى إذا زالت الشمس أمر بناقته القصواء فرحلت، ثم سار حتى أتى بطن الوادي من أرض عرفة، فخطب الناس وهو على راحلته خطبة عظيمة قرر فيها قواعد الإسلام، وهدم فيها قواعد الشرك والجاهلية، وقرر فيها تحريم المحرمات التي اتفقت الملل على تحريمها.
وخطب (ﷺ) خطبة واحدة، لم تكن خطبتين، فلمّا أتمها أمر بلالاً فأذن، ثم أقام الصلاة، فصلى الظهر ركعتين أسرّ فيهما بالقراءة، ثم أقام فصلى العصر ركعتين أيضاً ومعه أهل مكة وصلوا بصلاته قصراً وجمعاً بلا ريب، ولم يأمرهم بالإتمام، ولا بترك الجمع.
فلما فرغ من صلاته ركب حتى أتى الموقف، فوقف في ذيل الجبل عند الصخرات، واستقبل القبلة، وجعل جل المشاة بين يديه، وكان على بعيره، فأخذ في الدعاء والتضرع والابتهال إلى غروب الشمس، وأمر الناس أن يرفعوا عن بطن عُرَنَةَ، وأخبر أن عرفة لا تختص بموقفه ذلك، بل قال: (وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف).
وأرسل إلى الناس أن يكونوا على مشاعرهم ويقفوا بها، فإنها من إرث أبيهم إبراهيم، وهنالك أقبل ناس على أهل نجد، فسألوه عن الحج فقال:}الحج عرفة، من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع تم حجه، أيام منى ثلاثة، فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه{.
وكان في دعائه رافعاً يديه إلى صدره، وأخبرهم أن خير الدعاء دعاء يوم عرفة.
فلما غربت الشمس، واستحكم غروبها بحيث ذهبت الصفرة أفاض إلى عرفة، وأردف أسامة بن زيد خلفه، وأفاض بالسكينة، وضم إليه زمام ناقته، حتى إنّ رأسها ليصيب طرف رحله وهو يقول: }يا أيها الناس، عليكم السكينة، فإن البر ليس بالإيضاع{ أي: ليس بالإسراع. [صحيح] [متفق عليه[ رواه البخاري بلفظه تاما، وأما مسلم فأخرج «عليكم بالسكينة»[
وكان (ﷺ) يلبي في مسيره ذلك، ولم يقطع التلبية، فلما كان في أثناء الطريق نزل صلوات الله وسلامه عليه فبال، وتوضأ وضوءاً خفيفاً، فقال له أسامة: الصلاة يا رسول الله، فقال: (الصلاة أو المصلى أمامك).
ثم سار حتى أتى المزدلفة، فتوضأ وضوء الصلاة، ثم أمر بالأذان فأذن المؤذن، ثم قام فصلى المغرب قبل حط الرحال وتبريك الجمال، فلما حطوا رحالهم أمر فأقيمت الصلاة، ثم صلى عشاء الآخرة بإقامة بلا أذان، ولم يصل بينهما شيئاً ثم نام حتى أصبح.
العنصر الرابع : حال السلف الصالح في يوم عرفة:
أما عن أحوال السلف الصالح بعرفة فقد كانت تتنوع :لقد كان لسلفنا الصالح في موقف عرفة مآثر لا تنسى ومواقف خالدة..
فمنهم من كان يغلب عليه الخوف أو الحياء ، فقد وقف مطرف بن عبدالله وبكر المزني بعرفة فقال أحدهما: اللهم لا ترد أهل الموقف من أجلي.
وقال الآخر: ما أشرفه من موقف وأرجاه لأهله لولا أني فيهم.
ووقف أحد الصالحين بعرفة فمنعه الحياء من ربه أن يدعوه فقيل له: لم لا تدعو؟ فقال: أجد وحشة، فقيل له: هذا يوم العفو عن الذنوب، فبسط يديه ووقع ميتاً!
وروي عن الفضيل بن عياض أنه نظر إلى تسبيح الناس وبكائهم عشية عرفة فقال أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقاً.( يعني: سدس درهم ) أكان يردهم؟ قالوا: لا، قال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق.
ومنهم من كان يغلب عليه الرجاء ، قال ابن المبارك جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه وعيناه تذرفان فقلت له: من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر له.
فالعبد بين حالين :
إذا ظهر لك أخي حال السلف الصالح في هذا اليوم، فاعلم أنه يجب أن يكون حالك بين خوف صادق، ورجاء محمود كما كان حالهم.
فالخوف الصادق: هو الذي يحول بين صاحبه وبين حرمات الله تعالى، فإذا زاد عن ذلك خيف منه اليأس والقنوط.
والرجاء المحمود: هو رجاء عبد عمل بطاعة الله على نور وبصيرة من الله، فهو راج لثواب الله، أو عبد أذنب ذنباً ثم تاب منه ورجع إلى الله، فهو راج لمغفرته وعفوه.
قال تعالى: }إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم(218){ ]البقرة[
فينبغي عليك أخي المسلم أن تجمع في هذا اليوم العظيم بين الأمرين: الخوف والرجاء؛ فتخاف من عقاب الله وعذابه، وترجو مغفرته وثوابه.
وقد ورد في الإحياء عن علي بن موفق قال حججت سنة فلما كان ليلة عرفة نمت بمنى في مسجد الخيف فرأيت في المنام كأن ملكين قد نزلا من السماء عليهما ثياب خضر فنادى أحدهما صاحبه يا عبد الله فقال الآخر لبيك يا عبد الله قال أتدري كم حج بيت ربنا عز و جل في هذه السنة ؟ قال لا أدري قال حج بيت ربنا ستمائة ألف ! أفتدري كم قبل منهم ؟ قال لا قال ستة أنفس قال ثم ارتفعا في الهواء فغابا عني فانتبهت فزعا واغتممت غما شديدا وأهمني أمري فقلت إذا قبل حج ستة أنفس فأين أكون أنا في ستة أنفس فلما أفضت من عرفة قمت عند المشعر الحرام فجعلت أفكر في كثرة الخلق وفي قلة من قبل منهم فحملني النوم فإذا الشخصان قد نزلا على هيئتهما فنادى أحدهما صاحبه وأعاد الكلام بعينه ثم قال أتدري ماذا حكم ربنا عز
وجل في هذه الليلة قال لا قال فإنه وهب لكل واحد من الستة مائة ألف قال فانتبهت وبي من السرور ما يجل عن الوصف.
هكذا كان حال الصالحين في هذا اليوم المبارك؛ فأين نحن منهم ؟؟
العنصر الخامس : حال المسلم مع ربه في يوم عرفة :
إذا كان هذا هو الفضل العظيم ليوم عرفة ، فأين من يتعرضون لنفحات الله تبارك وتعالى؟
أين من يتعرضون لمغفرة الله وكرمه؟
 أين من يغتنمون هذا اليوم بالتجارة مع الله تعالى كما يغتنمه أهل الدنيا بتجارة الدنيا؟
هذا يوم عرفة، يوم المغفرة، فإذا كان الحجيج وهم واقفون في عرفات ينعمون برحمات الله تعالى وغفرانه ورضوانه..
فان أبواب الرحمة والمغفرة والرضوان مفتوحة أمامنا ونحن في بيوتنا باستغلالنا لهذا اليوم بطاعة الله تعالى...
فتعال أخي المسلم لكي نغتنم هذه الفرصة وهذا السباق الكبير لكي نحظى برضوان الله تعالي وفضله ، فالعاقل من يغتنم الفرصة ولا يجعلها تضيع منه لأن العمر قصير ، والدنيا ما هي إلا ساعة فاجعلها في طاعة الله تعالي ، فعلينا بالآتي ..
1ـ النية الصادقة في استقبال يوم عرفة ، فاجعل هذا اليوم طاعة لله تعالي .
2ـ صيام هذا اليوم :
 فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) سُئل عن صوم يوم عرفة فقال: (يكفر السنة الماضية والسنة القابلة) "رواه مسلم".
3ـ الإكثار من الذكر والتكبير: 
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:  كنا مع رسول الله (ﷺ) في غداة عرفة، فمنّا المكبر ومنا المهلل… { ]رواه مسلم[.
والتكبير قال فيه العلماء أن التكبير ينقسم إلى قسمين :
التكبير المقيد الذي يكون عقب الصلوات المفروضة ويبدأ من فجر يوم عرفة وينتهي عصر آخر أيام التشريق الثلاثة .
وأما التكبير المطلق فهو الذي يكون في عموم الأوقات ويبدأ من أول ذي الحجة حيث كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم يخرجون إلى السوق يكبرون ويكبر الناس بتكبيرهما)
4ـ الإكثار من الدعاء بالمعفرة والعتق في هذا اليوم:
فإنه يرجى إجابة الدعاء فيه ويتأكد الدعاء في هذا اليوم العظيم الذي هو من أرجى
أوقات الإجابة والقبول، والدعاء فيه هو خير الدعاء، كما قال النبي (ﷺ): }خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير{ ]رواه مالك والترمذي والبيهقي وصححه الألباني[.
وهذه الخيرية شاملة لدعاء السؤال والطلب، ودعاء العبادة والقربة، الذي يعم جميع أنواع الذكر، ومن أعظمه كلمة التوحيد، التي هي خير ما قاله النبيون والصالحون على مر العصور.
وإذا كان الإنسان صائماً في هذا اليوم العظيم، ودعا عند الإفطار، فما أحراه بالقبول والإجابة، فقد ثبت عن النبي (ﷺ) أنه قال: }إن للصائم عند فطره لدعوة لا ترد{
]رواه ابن ماجه بسند صحيح[ .
وقال(ﷺ): }ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين{ ]رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه[.
وهذه كرامة للصائم مطلقاً، فكيف إذا كان صائماً في يوم عرفة؟!!.
فالدعاء هو سلاح المؤمن وعدته في الشدة والرخاء، كما أنه من أجل العبادات وأحبها إلى الله عز وجل، لأنه يتحقق فيه كمال الحب والتعظيم وكمال الخوف وكمال الرجاء، وتلك هي حقيقة العبادة ولذلك قال ربنا سبحانه: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) ]{غافر[
فسمي الدعاء عبادة، وقال النبي (ﷺ): }الدعاء هو العبادة{ ]رواه أهل السنن وصححه الترمذي[.
 وبين (ﷺ) في حديث آخر أن الدعاء هو أكرم شيء عند  الله تعالى فقال(ﷺ): }ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء{ ]رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان والحاكم[.
بل قال عليه الصلاة والسلام: }من لم يسأل الله يغضب عليه{ ]رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي[.
 فالله عز وجل يحب من عباده أن يسألوه، ويغضب عليهم إن تركوا سؤاله، لأنه يعلم سبحانه أنه لا غنى لهم عن فضله طرفة عين، وهو الجواد الكريم الذي بيده خزائن السماوات والأرض، فيحب منهم أن يسألوه ليعطيهم، ويستغفروه ليغفر لهم، ويشكروه ليزيدهم ويسبغ نعمه عليهم. وهو سبحانه يحب الملحين بالدعاء، ولا يمل من كثرة العطاء، وكلما أكثر العبد من سؤاله كان منه أقرب، وإليه أحب، بخلاف ابن آدم الذي يضجره السؤال، ويتبرم من كثرة الطلب.
ولله در أبي العتاهية حين قال:
لا تسألنَّ بُنيَّ آدم حاجــــةً                      وسل الذي أبوابه لا تحجبُ
الله يغضب إن تركت سؤاله                    وبنيُّ آدم حين يسأل يغضـب
 فاجعل سؤالك للإله فإنمـــا                     في فضل نعمة ربنا نتقــــلب
ومن آداب الدعاء في هذا اليوم أن يقف الحاج مستقبلاً القبلة رافعاً يديه، متضرعاً إلى ربه معترفاً بتقصيره في حقه، عازماً على التوبة الصادقة.
5ـ حفظ  الجوارح عن المحرمات في ذلك اليوم:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الفضل بن عباس رديف النبي (ﷺ)  من عرفة، فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن، وجعل النبي (ﷺ) يصرف وجهه من خلفه، وجعل الفتى يلاحظ إليهن، فقال له النبي (ﷺ): }ابن أخي، إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له{ ]رواه أحمد[.
ولنحذر من الذنوب التي تمنع المغفرة في هذا اليوم، كالإصرار على الكبائر والاختيال والكذب والنميمة والغيبة وغيرها، إذ كيف تطمع في العتق من النار وأنت مصر على الكبائر والذنوب؟! وكيف ترجو المغفرة وأنت تبارز الله بالمعاصي في هذا اليوم العظيم؟!
أخي المسلم: هذه فرصة لا نجعلها تضيع منا فالمحروم حقا من حُرِم بركة هذا اليوم المبارك ، والسعيد من فاز ببركة هذا اليوم .

نسأل الله العظيم أن يجعلنا من الفائزين في هذا اليوم وأن يعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا من النار

وأن يدخلنا الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب إنه ولي ذلك والقادر عليه .


المشاركة المميزة

شؤم المعصية

الحمد لله رب العالمين ..أنار الطريق لعباده الصالحين فجعل العبيد ملوكا بطاعته، والملوك عبيدا بمعصيته ، فالعز كل العز في طاعته والذل كل الذل ف...