السبت، 21 مارس 2020

عظمة الشريعة الإسلامية في أوقات البلاء




الحمد لله رب العالمين .. الحمد الذي بنعمته تتم الصالحات وبفضله تتنزل الخيرات والبركات ، وبتوفيقه تتحقق المقاصد والغايات .. شرع لعباده خير الأحكام ، وأمر باتباع سيد الأنام () فقال تعالي {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)}[الحشر].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... اصطفى نبيه () بنبوته واختصه برسالته فأنزل عليه القرآن الكريم وأمره أن يبينه للناس فقال تعالي {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)}[النحل].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله () أرسله الله رحمة للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غُلْفا....
حثَّ أمَّتَه على التمسُّك بهديه وسنَّتِه فقال() :{عليكم بسنَّتي وسنة الخلفاء الرَّاشدين المهديِّين، عَضُّوا عليها بالنَّواجذ}[ أخرجه أبو داود في السنة ، والترمذي في العلم وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه في المقدمة والحاكم في المستدرك].
فاللهم صل علي سيدنا ومولانا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ...
أما بعد.. فيا أيها المؤمنون..
من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية حفظ النفس، وهذا المقصد يأتي بعد مقصد حفظ الدين، وقد قال ربنا سبحانه:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ(195)}[البقرة].
وقال جلّ شانه:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمً(29)}[النساء].
وقال سبحانه وتعالي :{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (195)} [البقرة].
وأن الشريعة الإسلامية قائمة على التيسير لا التعسير والتخفيف لا التشديد،
قال تعالى:{هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ(78)}[الحج].
وقال جلّ شأنه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ(185)} [البقرة].
وبناء عليه فإذا تحقق وجود ضرر بالنفس البشرية تأتي عظمة الشريعة في التيسير ورفع الحرج علي الناس حيق وضع القواعد الفقهية حيث إذا تحقق وجود الضرر وجبت إزالته، جاء المسند عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (): {لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ}
وقد أجمع العلماء على أن (الضرر يزال)، وهذه قاعدة من القواعد الفقهية الكبرى.
وروى أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (): {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ } 
وعند ابن حبان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (): {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ، كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ}
وقد ذكر العلماء أسبابا لترك صلاة الجماعة، ومنها الخوف، سواء كان الخوف على النفس أو المال أو الأهل، والخوف على النفس والأهل خاصة إذا وجد البلاء (فيروس كورونا) لذا جاز ترك صلاة الجماعة.
وأيضا صلاة الجمعة لما كان يشترط لها الجماعة و أداؤها في المسجد، فإذا انتشر الوباء كـــ (فيروس كورونا) فواجب تعليق الجمعة لما قد يتحصل من الضرر بالاجتماع الذي هو مظنة نقل العدوى.
وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد أمرت باعتزال المسجد من أكل ذو الرائحة الكريهة كـــ ( الثوم والبصل) ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ () قَالَ:{مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ، الثُّومِ - وقَالَ مَرَّةً: مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ}[صحيح مسلم].
وعليه فإن اعتزال المسجد بسبب العدوى واجب قولا واحد لما فيها من الضرر البالغ.
فقد أمرت الشريعة بما يعرف بالعزل الصحي، روى الشيخان عن أَبي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ النَّبِيُّ (): {لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ}
وقال رسول الله () {إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ يعني: الطاعون بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه}[متفق عليه].
وقال () :{وفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كما تَفِرُّ مِنَ الأسَدِ}[رواه البخاري].
وعن جابر بن عبد الله: أنه كان في وفد ثقيف رجلٌ مجذوم، جاء ليبايع.. فأرسل إليه النبي (): {ارجع فقد بايعناك}. [رواه مسلم]
ألا صلوا في بيوتكم... ألا صلوا في رحالكم!!
جاء في السُّنة النبوية المطهرة ما يدل على جواز الصلاة في البيوت وقت حصول المشقة، أو توقع الضرر من وباء أو مطر أو وحل أو شدة برد أو ريح مع استبدال ألفاظ الأذان ؛ ويدل على ذلك أَنَّ رَسُولَ الله (){كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إذَا كَانَتْ لَيْلَةً ذَاتَ بَرْدٍ وَمَطَرٍ يَقُولُ: أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ}. [صحيح البخاري].
وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنه ،أنَّهُ قالَ لِمُؤَذِّنِهِ في يَومٍ مَطِيرٍ: {إذَا قُلْتَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، أَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، فلا تَقُلْ: حَيَّ علَى الصَّلَاةِ، قُلْ: صَلُّوا في بُيُوتِكُمْ، قالَ: فَكَأنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَاكَ. فَقالَ: أَتَعْجَبُونَ مِن ذَا، قدْ فَعَلَ ذَا مَن هو خَيْرٌ مِنِّي، إنَّ الجُمُعَةَ عَزْمَةٌ، وإنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ فَتَمْشُوا في الطِّينِ والدَّحْضِ}. [صحيح مسلم].
واستدل بما روي عن نافع رضي الله عنه قال:{أَذَّنَ ابْنُ عُمَرَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ بِضَجْنَانَ، ثُمَّ قَالَ: صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ () كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ: «أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» فِي اللَّيْلَةِ البَارِدَةِ، أَوِ المَطِيرَةِ، فِي السَّفَرِ} [صحيح البخاري].
وجاءت السنة بتخيير المؤذن، فإما أن يقول «أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ» بعد تمام الأذان، وإما أن يقوله بدلا من قوله : "حي على الصلاة".
والأمران جائزان، نص عليهما الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في "كتاب الأم" في كتاب الأذان، فيجوز بعد الأذان، وفي أثنائه ؛ لثبوت السنة فيهما، لكن قوله بعده أحسن، ليبقى نظم الأذان على وضعه".
النهي عن التشديد:ـ
التشدد في غير موضعه يعدّ معصية، روى مسلم عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (): «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ» قَالَهَا ثَلَاثًا .
قال المناوي: فينبغي الأخذ بالرخصة الشرعية فإن الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة تنطع .
وترك الرخص يعد معصية يعاقب عليها العبد، وقد وصف النبي () بعض الصائمين في السفر: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ ».
وترك الرخص قد يوقع الناس في حرج، وقد يتأذى الناس بحضور الجمع، ويكون في ترك الرخص إثم، وقد قال النبي () عمن أوجبوا الغسل على صاحب العذر:" قَتَلُوهُ قَتَلَهُمِ اللهُ، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءَ الْعِيِّ السُّؤَالُ ".
الأمر إذا ضاق اتسع :ـ
قال تعالي{ وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ(84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) } [يونس]
سياق الآية يرتبط بمحنة على عهد سيدنا موسى وهارون عليهما السلام عندما اشتدّ الأمر على قومهما من فرعون وزبانيته؛ إذ صمموا على فتنتهم عن دينهم، واستئصال شأفة التوحيد والعبادة عن بكرة أبيهم؛ فعلمتنا الآية أن "الأمر إذا ضاق اتسع"؛ إذا ضاق أداءُ الصلاة في المساجد: اتسع في البيوت!
وذلك لعلة عدوي فيروس الكرونا الذي حل بالعالم أجمع .
ولا عجب أن الله تعالي يدعونا في أحلك الظروف إلى إقامة الصلاة قال تعالي (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)؛ لأنها المخلص للإنسان في وقت الفتن، والشاحذ للهمم؛ فإليها المفزع عند الحاجة، وطلب الخير، فنجد عن اختلاف الظواهر الطبيعية مثل كسوف الشمس وخسوف القمر، يدعونا الله تعالي إلي صلاة الخسوف والكسوف ، وأيضا صلاة الخوف ، وصلاة الحاجة .... إلخ؛ ومن باب أولى في هذه الأيام العالمية العصيبة؛ تماما كما قال سبحانه: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ(45)}[البقرة].
وقوله (): {جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا}[أخرجه أحمد ، والبيهقي، والطبراني، وصححه الألباني في إرواء الغليل].
فإذا الصحاري والمفاوز والأرض كلها متاحة للصلاة فمن باب أولى في البيوت!
وقوله ():{لا تَجعَلوا بُيوتَكم قُبورًا} [أخرجه أبو داود ، وأحمد ،والطبراني في المعجم الأوسط ، وصححه الألباني في صحيح الجامع].
وإن كان هذا الحديث أصلا في النوافل؛ فهذه فرصة لأداء الصلوات المفروضة والنوافل والرواتب في بيوتنا؛ حتى تكون عامرة معمورة بذكر الله عز وجل!
وتأمل قول النبي (): {مَثَلُ البَيْتِ الذي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ، والْبَيْتِ الذي لا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ، مَثَلُ الحَيِّ والْمَيِّتِ} [خرجه البخاري ، ومسلم].
فهي فرصة لنكثر من ذكر الله في بيوتنا؛ حتى نزرع فيها الحياة؛ لأنها بدون ذكر الله قبور وموتى!
بشارة من الله تعالي للمؤمنين
لقد ختم الله تعالي الآية بقوله  {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } في قوله تعالي [وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87) } [يونس]


فهي تفتح علينا أبواب التفاؤل وتحظر التشاؤم والتهويل المرعب وفق الآتي:
- فيها بشارة بالنصر والتمكين لهذه الأمة برغم ما بها من آلام !
- فيها بشارة بالعافية والمعافاة من الأمراض الفتّاكة والأوبئة المعدية.
- فيها بشارة بالانفراج بعد الشدة
"اشتدي أزمة تنفرجي ** قد آذن ليلك بالبلج".
- وتمام البشارة أن نلهج بالدعاء لتفريج الكروب
"الشدة أودتْ بالمُهَج** فيا رب عجل بالفرَج".
- والبشارة هنا بسلامة العاقبة وعودة الأمور إلى نصابها والمياه لمجاريها قريبا إن شاء الله.
- في الآية ذكرى وتعبئة روحية سامية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد!
بشارة من النبي () للمؤمنين
من فضل الله تعالي ورحمته أنه يكتب لعبده الأجر كاملا مثل ما كان في حال رخائه فعن أبي موسى رضي الله عنهما  قال: قال رسول الله (){إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا}[ رواه البخاري].
إذا كان من عادة الإنسان أن يعمل عملا صالحًا ، ثم مرض فلم يقدر عليه فإنه يكتب له الأجر كاملا، والحمد لله علي نعمة الإسلام.
وصح عند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي () قال:{إذا اشتكى العبد المسلم قال الله تعالى للذين يكتبون: اكتبوا له أفضل ما كان يعمل}
، وفي رواية أخرى عند أحمد: {إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة، ثم مرض، قيل للملك الموكل به: اكتب له مثل عمله إذا كان طليقاً}
وإذا جاز للمرء أن يقول قولة الكفر، وفيه ترك للدين بالكلية، أفلا يجوز له ترك جماعة وجمعة يأتي بدلا منها بالظهر في وقته وآنه، روى البيهقي عَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : {أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِىَّ () وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ ثُمَّ تَرَكُوهُ فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ() قَالَ :« مَا وَرَاءَكَ؟ ». قَالَ : شَرٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ. قَالَ :« كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟ ». قَالَ : مُطْمَئِنًا بِالإِيمَانِ. قَالَ :« إِنْ عَادُوا فَعُدْ »}.
فرصة للتوبة والندم والرجوع إلي الله تعالي
لن يرفع الوباء والبلاء إلا بالتوبة والاستغفار: قال الله تعالى وقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(33)}[الأنفال].
وقال العباس رضي الله عنه: "ما نزل بلاء إلا بذنبٍ، ولا رفع إلا بتوبة"
فبادروا بالتوبة والاستغفار، والأخذ بأسباب رفع البلاء لعل الله يخفف عنا ما نلاقي من مصائب الدنيا.
فكل من كان مقصرًا في أداء الصلوات في المساجد أيام الرخاء، فجاءت إليه الفرصة ليعود الي الله تعالي ويتوب توبة صحيحة بشروطها وهي : الندم على التفريط فيما سبق، والشروع في أداء الصلاة مع الأسرة في البيت، والعزم على أدائها مع الجماعة في المساجد حين تفتح قريبا إن شاء الله!
========
فاللهم احفظنا واحفظ بلاد المسلمين مِن البلاء والوباء، ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به.
اللهم اني استودعتك بلادي ، كبارها وصغارها، رجالها ونسائها ،شبابها وبناتها، أرضها وسماءها، ومياهها، فأحفظها ربي من اﻷمراض ، واﻷوبئة، وارفع عنا البلاء.
اللهم إن فيروس كورونا جند من جنودك فاصرفه عنا وعن بلادنا بحولك وقوتك فإنه لاحول لنا ولا قوة إلا بك يا أرحم الراحمين .
فاللهم أنت خير حافظاًً وأنت أرحم الراحمين.
اللهم آمين
 =====
رابط pdf
رابط doc

الجمعة، 20 مارس 2020

فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا



فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا 
رابط صوتي 

الدعاء سلاح المؤمن



الحمد لله رب العالمين .. أمر بالدعاء والتضرع إليه فقال تعالي{هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۗ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)} [غافر].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ  قدير... قريبٌ من عباده  يُجيب دعاءَهم، ويُحقِّقُ رجاءَهم، ويعطيهم سؤلهم، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(186)} [البقرة]. 
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله () كان دائم التضرع إلي الله تعالي ، وأوصي بالدعاء وعلمنا أنه من العبادات العظيمة  فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله () قال: {الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ثُمَّ قَرَأَ : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(60)}[غافر].
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين .
أما بعــــد ... فيا أيها المومنون
إن الله تعالي يرسل الآيات لعباده ليبتليهم لعلهم يرجعون إليه سبحانه وتعالي فقال تعالي { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)}[الأنعام]
فلا سبيل لرفع البلاء إلا بالتضرع والانكسار إلي الله تعالي .. لذلك كان موضوعنا [الدعاء سلاح المؤمن] وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية ..
1ـ حقيقة الدعاء .
2ـ الدعاء سلاح المؤمن .
3ـ شروط الدعاء.
4ـ آداب الدعاء.
العنصر الأول : حقيقة الدعاء :ـ
الدعاء من أجل العبادات وأعظمها وهو حق لله سبحانه وتعالى لا يجوز أن يُصرف لغيره كائناً من كان ، وله مكانة عظيمة في الدين ومنزلة رفيعة فيه ، وذلك لما في الدعاء من التضرع وإظهار الضعف والحاجة لله ، ولأن العبادة كلما كان القلب فيها حاضراً وأخشع فهي أفضل وأكمل ، والدعاء أقرب العبادات إلى حصول هذا المقصود، والدعاء فيه ملازمة للتوكل والاستعانة بالله ، والتوكل هو اعتماد القلب على الله وثقته به في حصول المحبوبات واندفاع المكروهات
الدعاء من أعظم العبادات ولقد أمر الله تعالي به في أكثر من موضع فقد ثبت في السنن عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن رسول الله () قال : (الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ ثُمَّ قَرَأَ : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:60]) .
فالآية تدل على الوجوب للأمر في الآية ولأن ترك العبد دعاء ربه من الاستكبار وهو كفر.
قال تعالي {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون (186)}[البقرة].
فإني قريب ..أجيب دعوة الداع إذا دعان .. أضاف العباد إليه تعالي والرد المباشر عليهم منه ..
ولم يقل: فقل لهم: إني قريب ..إنما تولى بنفسه جل جلاله الجواب على عباده بمجرد السؤال فقط!
قريب .. ولم يقل أسمع الدعاء ..إنما عجل بإجابة الدعاء:  أجيب دعوة الداع إذا دعان .. إنها آية عجيبة .. آية تسكب في قلب المؤمن الود المـؤُنس، والرضى الـُمطمئن، والثقة واليقين ..عن أبي هريرة رضي الله عنه  قال: قال رسول الله عليه (): {ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا  حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له} [رواه مسلم].
وعن أنس رضي الله عنه  قال عليه الصلاة و السلام:{الدعاء مخ العبادة} [رواه الترمذي].
وقال تعالى{ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)}[الأعراف].
وقال تعالي{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ (110) } [الإسراء].
وسمى الله الدعاء الدين : قال تعالي{وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32) }[لقمان].
والدعاء عبادة سهلة ميسورة مطلقة غير مقيدة أصلاً بزمان ولا مكان ولا حال فهي الليل والنهار وفي البر والبحر والجو ، والسفر والحضر, وحال الغنى والفقر،
والمرض والصحة ، والسر والعلانية ، وكم من بلاء ردّ بسبب الدعاء وكم من مصيبة كشفها الله بالدعاء و كم من ذنب ومعصية غفرها الله بالدعاء , وكم من رحمة و نعمة استجلبت بسبب الدعاء، وكم من عز ونصر و تمكين ورفع درجات في الدنيا و الآخرة حصل بالدعاء.
ولقد ذكر الله تعالي الدعاء بصيغ كثيرة متعددة منها :ــ
1ـ صيغة الذكر:ـ
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن النبي () قال {خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير}[رواه الترمذي وحسنه الألباني]  
ومن الذكر دعاء ذي النون قال (){دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين  فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله تعالى له }.[رواه الترمذي وصححه الألباني]. 
2ـ صيغة الصلاة :      
قال تعالى{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)}[التوبة]
وقال تعالي{ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) }[التوبة] .
صلوات الرسول قال أي دعواته والصلاة الشرعية هي كلها دعاء وتشمل الصلاة نوعين دعاء العبادة ودعاء المسألة .
3ـ صيغة الاستعانة :ـ
قال تعالى{إياك نعبد وإياك نستعين} والاستعانة هي طلب ما تمكن به لعبد من الفعل ويوجب اليسر عليه .
 4ـ صيغة الاستغاثة:ـ
  طلب الغوث لرفع الشدة الواقعة .
5ـ صيغة الاستغفار :ـ
قال :{من يدعوني فاستجب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له } فذكر أولاً لفظ الدعاء ثم السؤال والاستغفار والمستغفر سائل كما أن السائل داعٍ. 
6ـ صيغة النداء :ـ
قال تعالى عن أيوب عليه السلام {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ (84)}[الأنبياء]
وقال تعالي عن يونس عليه السلام :{ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)}[الأنبياء]
وقال تعالي عن سيدنا زكريا عليه السلام :{ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} [الأنبياء]
وقال تعالي :{ ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3)}[مريم]
وقال تعالى عن سيدنا نوح عليه السلام {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)}[الصافات].
فالنداء هو الدعاء .    
العنصر الثاني : الدعاء سلاح المؤمن :ـ
يتقلب الناس في دنياهم بين أيام الفرح والسرور، وأيام الشدة والبلاء، وتمر بهم سنين ينعمون فيها بطيب العيش، ورغد المعيشة، وتعصف بهم أخرى عجاف، يتجرعون فيها الغصص أو يكتوون بنار البُعد والحرمان.
وفي كلا الحالين لا يزال المؤمن بخير ما تعلق قلبه بربه ومولاه، وثمة عبادة هي صلة العبد بربه، وهي أنس قلبه، وراحة نفسه.    
في زمان الحضارة والتقدم، في كل يوم يسمع العالم باختراع جديد، أو اكتشاف فريد في عالم الأسلحة, على تراب الأرض، أو في فضاء السماء الرحب، أو وسط أمواج البحر, وإن السلاح هو عتاد الأمم الذي تقاتل به أعداءها, فمقياس القوة والضعف في عُرف العالم اليوم بما تملك تلك الأمة أو الدولة من أسلحة أو عتاد.
ولكن ثمة سلاح لا تصنعه مصانع الغرب أو الشرق، إنه أقوى من كل سلاح مهما بلغت قوته ودقته، والعجيب في هذا السلاح أنه عزيز لا يملكه إلا صنف واحد من الناس، لا يملكه إلا أنتم!
نعم أنتم أيها المؤمنون الموحدون، إنه سلاح رباني، سلاح يستخدمه الموحدون في كل مناحي حياتهم ...
* الدعاء سلاح المؤمن في النصر علي الأعداء :ـ
 سلاح نجى الله به نوحًا عليه السلام فأغرق قومه بالطوفان، ونجى الله به موسى عليه السلام من الطاغية فرعون، نجى الله به صالحًا، وأهلك ثمود، وأذل عادًا وأظهر هودًا عليه السلام، وأعز نبينا محمدًا () في مواطن كثيرة.
سلاح حارب به رسول الله () وأصحابه أعتى قوتين في ذلك الوقت:
قوة الفرس ، وقوة الروم، فانقلبوا صاغرين مبهورين، كيف استطاع أولئك العرب العزَّل أن يتفوقوا عليهم وهم من هم، في القوة والمنعة، ولا يزال ذلكم السلاح هو سيف الصالحين المخبتين مع تعاقب الأزمان وتغير الأحوال.
الدعاء سلاح استخدمه الأنبياء في أصعب المواقف، فها هو النبي في غزوة بدر عندما نظر إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر استقبل القبلة ثم رفع يديه قائلاً: { اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض }
فما زال يهتف بالدعاء ماداً يديه، مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه، فأتاه أبوبكر فأخذ رداءه وألقاه على منكبه ثم التزمه من ورائه وقال: { يا نبي الله، كفاك منشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك }[رواه مسلم].
وهذا العلاء بن الحضرمي يقود المسلمين لفتح البحرين : اتفق له في غزوة الأحساء أو البحرين أنه نزل منزلا فلم يستقر الناس على الأرض حتى نفرت الإبل بما عليها من زاد الجيش وخيامهم وشرابهم وبقوا على أرض ليس معهم شيء سوى ثيابهم وذلك ليلا ولم يقدروا منها على بعير واحد فركب الناس من الهم والغم مالا يحد ولا يوصف وجعل بعضهم يومي إلى بعض فنادى منادي العلاء فاجتمع الناس إليه فقال : أيها الناس ألستم المسلمين ألستم في سبيل الله ألستم أنصار الله قالوا بلى قال : أبشروا فوالله لا يخذل الله من كان في مثل حالكم ونودي بصلاة الصبح حين طلع الفجر فصلى بالناس فلما قضى الصلاة جثا على ركبتيه وجثا الناس ونصب في الدعاء ورفع يديه وفعل الناس مثله حتى طلعت الشمس وجعل الناس ينظرون إلى سراب الشمس يلمع مرة بعد أخرى وهو يجتهد في الدعاء فلما بلغ الثالثة إذ قد خلق الله إلى جانبهم غديرا عظيما من الماء القراح فمشى ومشى الناس إليه فشربوا واغتسلوا فما تعالى النهار حتى أقبلت إبلهم من كل فج بما عليها لم يفقد الناس من أمتعتهم شيئا فسقوا الإبل عللا بعد نهل .
وقد طارد العدو فركبوا السفن وذهبوا إلى دارين فعرف أن العدو فاته فركب بفرسه البحر وهو يقول يا أرحم الراحمين يا حكيم يا كريم يا أحد يا صمد يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا أنت يا ربنا ففعل الجيش مثله فأجاز بهم الخليج كأنهم على رمل ولحق العدو وقاتلهم وهزمهم.
* الدعاء سلاح المؤمن في رفع البلاء ـ
رأينا ذلك في حياة النبي () عندما هاجر إلي الطائف يدعوهم إلي الإسلام فقابلوه أسوء مقابلة وحرضوا عليه الصبيان والسفهاء يلقونه بالحجارة ، وذلك بعدما أغلقت أبواب مكة أمامه وذلك بعد موت السيدة خديجة وعمه أبي طالب والحصار الاقتصادي الذي دام ثلاث سنوات ، واشتد علي النبي () وأصحابه البلاء والجهد والجوع..
في ظل هذه الأزمات يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم سلاح الدعاء والاستعانة والاستغاثة بالله تعالى، والأمل والثقة في الله، فنراه () يتوجه لربه بالدعاء {اللهم إليك أشكو ضعف قوتي, وقلة حيلتي وهواني على الناس, يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك}
فيأيته الفرج بعد الشدة وتولد المنحة من رحم المحنة وهذه سنة إلهية من سنن الله عز وجل.
فمحنة الطائف أوصلت النبي () إلى الإسراء والمعراج.
قال تعالي {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1)}﴾[ الإسراء] .
 يعني يا محمد سمعتك في الطائف، وهذه المكافأة، أنت سيد الخلق، وحبيب الحق، الإسراء والمعراج هي المنحة بعد المحنة، وهي الشَدة إليه بعد الشِدة ، فاطمئن، ما من محنة تبتلى بها كمؤمن إلا وراءها منحة من الله، ما من شِدة تقع بك إلا وراءها شَدة إلى الله.
وها هو نبي الله أيوب عليه السلام يستخدم سلاح الدعاء بعدما نزل به أنواع البلاء، وانقطع عنه الناس، ولن يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، وهو في ذلك كله صابر محتسب، فلما طال به البلاء دعا ربه قائلاً:{وَأيُوبَ إذ نَادى رَبَهُ أنّي مَسَنِىَ الضُرُ وَأنتَ أرحَمُ الرّاحِمِينَ (83) فَاستَجَبنَا لَهُ فَكَشَفنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ(84)} [الأنبياء]. 
* الدعاء سلاح المؤمن في الخروج من الأزمات :
لذلك كان لزاما علينا ونحن في هذه المحنة وهذا البلاء ، وهذا الكرب أن نعلم يقينا أنه لن ينجينا منه إلا صالح الأعمال وخالص الدعاء ، فقد روى البُخاريّ ومسلم من حديث عبدالله بن عُمر بن الخطَّاب رضِي الله عنْهُما  قال: سمعتُ رسولَ الله  () يقول: {انطلق ثلاثةُ رهْطٍ ممَّن كان قبلكم، حتَّى أوَوا المبيتَ إلى غارٍ فدخلوه، فانحدرتْ صخرةٌ من الجبل فسدَّت عليهم الغار، فقالوا: إنَّه لا يُنجيكم من هذه الصَّخرة إلاَّ أن تدعوا الله بصالِح أعمالكم، فقال رجُل منهم: اللَّهُمَّ كان لي أبَوانِ شيْخان كبيران، وكنت لا أغْبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي في طلب شيءٍ يومًا فلم أرُح عليهما حتَّى ناما، فحلبتُ لهُما غبوقَهما فوجدتُهما نائمَين، وكرهت أن أغبقَ قبلَهما أهلاً أو مالاً، فلبثْتُ والقدح على يدي أنتظِر استيقاظَهُما حتَّى برق الفجْر، فاستيْقَظا فشرِبَا غبوقَهما، اللَّهُمَّ إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتِغاء وجْهِك، ففرِّج عنَّا ما نحن فيه من هذه الصَّخرة، فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج))، قال النَّبي (): ((وقال الآخَر: اللَّهُمَّ كانتْ لي بنتُ عمّ، كانت أحبَّ النَّاس إليَّ، فأردتُها عن نفسِها، فامتنعتْ منِّي حتَّى ألمَّت بها سَنةٌ من السنين، فجاءتْني فأعطيتُها عشرين ومائة دينار على أن تُخلي بيْني وبين نفسِها، ففعلتْ، حتَّى إذا قدرتُ عليْها قالت: لا أحلّ لك أن تفضَّ الخاتم إلاَّ بحقِّه، فتحرَّجت من الوقوع عليْها، فانصرفتُ عنْها وهي أحبُّ النَّاس إليَّ، وتركت الذَّهَب الَّذي أعطيتُها، اللَّهُمَّ إن كنتُ فعلت ابتغاء وجهِك، فافْرُج عنَّا ما نحن فيه، فانفرجت الصَّخرة غير أنَّهم لا يستطيعون الخروج منها)، قال النَّبيُّ  ():(وقال الثَّالث: اللَّهُمَّ إنّي استأجرتُ أُجراءَ فأعطيْتُهم أجرَهم غير رجُل واحدٍ ترَك الَّذي له وذهب، فثمَّرت أجْرَه حتَّى كثُرَت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله، أدِّ إليَّ أجْري، فقلتُ له: كلُّ ما ترى من أجرِك، من الإبل والبقر والغنم والرَّقيق، فقال: يا عبد الله، لا تستهزئْ بي، فقلت: إنِّي لا أستهزئُ بك، فأخَذه كلَّه فاستاقَه، فلم يترك منْه شيئًا، اللَّهُمَّ فإن كنت فعلتُ ذلك ابتِغاء وجْهِك، فافرجْ عنَّا ما
نحن فيه، فانفرجتِ الصَّخرة، فخرجوا يَمشون}[ صحيح مسلم].
*الدعاء سلاح المؤمن في دفع الهموم وتفريج الكروب :ـ
عندما تنزل المحن وتشتد الخطوب وتتوالى الكروب وتعظم الرزايا وتتابع الشدائد،
لن يكون أمام المسلم إلا أن يلجأ إلى الله تعالى ويلوذ بجانبه، ويضرع إليه راجيا
تحقيق وعده، الذي وعد به عباده المؤمنين إذ يقول الله تعالى: {وقال ربكم ادعوني استجب لكم [غافر:60].
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: كان رجل من أصحاب النبي () من الأنصار يُكنى أبا مِعْلَق، وكان تاجرا يتاجر بمال له ولغيره، يضرب به في الآفاق وكان ناسكا ورعا.
فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك ، قال ما تريد إلى دمي شأنك بالمال. 
قال : أما المال فلي ولست أريد إلا دمك. قال: أما إذا أبيت فذرني أُصلي أربع ركعات، قال: صل ما بدا لك، قال: فتوضأ ثم صلى أربع ركعات.
 فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: يا ودود يا ذا العرش المجيد أسألك بعزك الذي لا يرام، وملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني، يا مغيث أغثني ثلاث مرات.
فإذا هو بفارس أقبل بيده حربة واضعها بين أُذني فرسه فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله.
ثم أقبل إليه فقال: قم. قال : من أنت بأبي وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم؟
قال : أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت بدعائك الأول، فسمعتُ لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعتُ لأهل السماء ضجةً. ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي دعاء مكروب فسألت الله تعالى أن يُوليني قتله .
* الدعاء سلام المؤمن في دفع غضب الله تعالي :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ():{من لم يسأل الله يغضب عليه} [رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني].
وما أحسن قول الشاعر:
لا تسألن بني آدم حاجة *** وسلِ الذي أبوابُه لا تحجبُ
الله يغضب إن تركت سؤاله *** وبني آدم حين يسأل يغضبُ
* الدعاء سلاح المؤمن في وجه الظلم والظالمين :ـ
الدعاء سلاح المظلومين ومفزع الضعفاء المكسورين إذا انقطعت بهم الأسباب، وأغلقت في وجوههم الأبواب.
حيث قال النبي ():{ اتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب}.
وعند الترمذي والإمام أحمد وأبي داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أَنَّ النَّبِيَّ () قَالَ:{ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ}.
دعا نبي الله موسى علي الطاغية الظالم فقال تعالي :{وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ(89)} [القصص]
ويروى عن وهب بن منبه اليماني قال: إن جباراً بنى قصراً وشيده وزخرفه، وأنفق عليه أموالاً كثيرة وجواهر نفيسة، وأراد أن يجعله قرة عين، ظاناً أنه لن يخرج منه
وأنه لن يزول ملكه.
وفي يوم من الأيام أخذ يطوف بالقصر في كِبْر وعُجْب وزُهُو وخُيَلاء، فرأى قريباً
من القصر في جانبٍ منه كوخاً صغيراً من القش وعسبٍ النخل وأوراق الشجر،
 فقال: لمن هذا الكوخ؟
قالوا: لامرأة عجوز بنته لتسكن فيه، وهي امرأة منقطعة ليس لها ولد ولا قرابة، وأرادت القرب من الملك لعلها أن تنال من عطائه.
فقال في ظلم وعتو: اذهبوا واهدموه وأزيلوه من مكانه، فلا ينبغي أن يكون بجانب قصري حتى لا يشوه منظره، ولا ينتننا برائحته.
فذهب الجنود إلى كوخ المرأة فهدموه، ولم يتعبوا في هدمه؛ فلم يكن إلا بيتاً صغيراً من الخشب، ثم أصبح أثراً بعد عين، ورجعت العجوز آخر النهار تريد أن ترتاح بعد أن طلبت العيش، وقد تجد العيش وقد لا تجده.
وفي الطريق لم تجد هذا البيت، فظنت أنها ضلت الطريق إلى بيتها، بحثت عنه فلم تجده، ثم سألت أحد الناس وقالت: هل تعلم أين الكوخ الذي كان في هذه الأماكن؟
قال: نعم.
قالت: أين هو؟
قال: أمر الملك بإزالته من مكانه.
فنظرت إلى السماء واستنجدت بملك الملوك سبحانه، ورفعت أكفها إلى الله وقالت: اللهم يا رب المستضعفين!
ويا مغيث المستغيثين!
ويا أرحم الراحمين!
لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء، يا جبار السموات والأرض! يا من يقول للشيء: كُنْ فَيَكُونُ
اللهم إني غبت عن كوخي وذهبت لحاجتي، وقد استودعتك ذلك الكوخ واعتدى عليه هذا الظالم، اللهم فاقلب قصره عليه، وخذه أخذ عزيز منتصر لعبدك الضعيف من الجبار العنيف.
فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على الملك ومن فيه، فقلبه حتى سوى به الأرض، وخرب القصر ومن فيه.
وهكذا تكون عاقبة الجبارين والمفسدين، نسأل الله العافية.
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا * * * فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه * * * يدعو عليك وعين الله لم تنم
ومن أروع ما قاله الإمام الشافعي:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه *** وما تدري بما صنع الدعاءُ
سهام الليل لا تخطي ولكن *** له أمدٌ وللأمد انقضاء
فيمسكها اذا ماشاء ربي *** ويرسلها اذا نفذ القضاءُ.
وقال القائل:
أما والله إن الظلـم شـؤم *** ومازال المسيء هو الظلوم
إلى ديـان يوم الدين نمضي *** وعند الله تجتمع الخصـوم
العنصر الثالث : شروط الدعاء :ـ 
1ـ الإخلاص في الدعاء :
أهم الشروط  وأوكدها لأن عدم إخلاص الدعاء لله تارة يكون شركا صريحا مخرجا عن الملة وقد يكون شركا أصغر فيكون الدعاء محبطا لا يمكن قبوله واستجابته .
وقد أمر الله بالإخلاص في الدعاء فقال تعالي {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)}[غافر].
 وقال تعالي {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۗ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)}[غافر].
قال ابن مسعود رضي الله عنه  {إن الله لا يقبل من مسمع ولا مرائي ولا لاعب ولا داع إلا داعيا دعاء ثبتا من قلبه }.
ولذا قيل {إجابة الدعاء تكون عن صحة الاعتقاد وعن كمال الطاعة لأنه عقب آية الدعاء بقوله (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي )
2ـ التوبة والرجوع إلى الله تعالى :
فإن المعاصي من الأسباب الرئيسية في منع قبول الدعاء قال نوح عليه السلام {  فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا(12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13)}[نوح] . 
3ـ الدعاء في الرخاء والإكثار منه في وقت اليسر والسعة : ـ
العبد الصالح يلازم الدعاء في حالتي الرخاء والشدة وأما غير الصالح فإنه لا يلتجئ إلى الله تعالى إلا في وقت الشدة ثم ينساه ، قال تعالي {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12)}[يونس] .
وفي حديث ابن عباس{تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة }.
وعن أبي هريرة مرفوعا ( من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء ) رواه الترمذي
4ـ تحري الحلال :ـ
يجب أن يكون الداعي مجتنبا للتلبس بالحرام أكلا وشربا ولبسا وتغذية فلهذا ينبغي له أن يتحرى ويجتهد إذا أراد أن يكون مجاب الدعوة فللحلال سر عجيب في قبول الأعمال عند الله تعالى والحرام له منع وسد وشؤم على متناوله.
أخرج الحافظ بن مردويه عن ابن عباس ، وقال : تليت هذه الآية عند النبي (): {يا أيها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا }، فقام سعد بن أبي وقاص فقال : يارسول الله : ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة ، فقال : " يا سعد ، أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ، والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما ، وأيما عبد نبت لحمه من السحت والربا فالنار أولى به " . 
وفي مسند الامام أحمدو صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (): " يا أيها الناس ، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين .
فقال تعالي: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51)} . وقال تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)}.
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ، ومطعمه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، يمد يديه إلى السماء : يا رب ، يا رب ، فأنى يستجاب لذلك} .
5ـ اليقين في الله تعالي وحضور القلب:ـ
يقول () :{ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاهٍ}
وقال ابن القيم: (قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: إنِّي لا أحمل هم الإجابة، ولكن هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه )
قال وهب بن منبه لرجل كان يأتي الملوك : تأتي من يغلق عنك بابه ويظهر لك فقره ويواري عنك غناه وتدع من يفتح لك بابه نصف الليل ونصف النهار ويظهر لك غناه ويقول ادعني استجب لك ؟
يا عبد الله إنك إذا رفعت يدك استحي الجبار تبارك وتعالى و صاحب الملك و الملكوت و العزة و الجبروت يستحيي منك أن يرد يديك صفراً " .
فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله () { إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا}[رواه أبو داود]  
فهل سمعت بملك من ملوك الدنيا يستحيي من العامة وأما الله الخالق الباري المصور
يستحيي في عليائه من عبده وهذا غاية الكرم و الجود منه سبحانه.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله يستحي الله منك أيها العبد ثم يجيب سؤالك. 
أيها العبد الضعيف لا تحمل همّ الإجابة  ولكن احمل همّ الدعاء, ادع وتيقن الإجابة واعلم بالفرج.
فإنك تدعو من بيده ملكوت السماوات والأرض أجود الأجودين وأكرم الأكرمين أعطى عبده قبل أن يسأله فوق ما يؤمله يشكر القليل من العمل وينميه ويغفر الكثير من الزلل ويمحوه يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه كثر المسائل ولا يتبرم بإلحاح الملحين بل يحب الملحين في الدعاء ويحب أن يسأل ويغضب إذا لم يسأل يستحي من عبده.
6ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :ـ
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شرط أساسي لإجابة الدعاء ولكن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يكون عائقا في إجابة الدعاء
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله () يقول:
{مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم}[ أخرجه الإمام أحمد في المسند، والترمذي في السنن، وابن ماجة في السنن، وهذا لفظ ابن ماجة. وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة،]. 
وفي مسند الإمام أحمد عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: {دخل رسول الله () فعرفت في وجهه أن قد حفزه شيء، فتوضأ ثم خرج، فلم يكلم أحداً، فدنوت من الحجرات، فسمعته يقول: {يا أيها الناس إن الله عز وجل يقول مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر من قبل أن تدعوني فلا أجيبكم وتسألوني فلا أعطيكم وتستنصروني  فلا أنصركم}. 
العنصر الرابع : آداب الدعاء :ـ
للدعاء آداب كثيرة يحسن توافرها لتكون عوناً بعد الله على إجابة الداعي، ومن هذه الآداب:  
1 - افتتاح الدعاء بحمد الله تعالى والثناء عليه، والصلاة على النبي () :ـ
عن فضالة بن عبيد قال: بينما رسول الله قاعداً إذ دخل رجلٌ فصلّى فقال: اللهم اغفر
لي وارحمني.
فقال رسول الله (): {عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصلِّ عليّ ثم ادعه}.
ثم صلّى رجل آخر بعد ذلك فحمد الله، وصلى على النبي () ، فقال له النبي (): {أيها المصلي ادع تُجب } [رواه الترمذي وصححه الألباني]. 
2 - الإعتراف بالذنب والإقرار به: ـ
في هذا كمال العبودية لله تعالى، مثلما دعا يونس عليه السلام:{ فَنَادى فِي الظُلُمَاتِ أن لآ إلَهَ إلآ أنتَ سُبحَانَكَ إنِّي كُنتُ مِنَ الظَالٍمِينَ(87)} [الأنبياء].
 3 - الإلحاح في الدعاء والعزم في المسألة:ـ 
يقول النبي (): { إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقولن: اللهم إن شئت فأعطني، فإنه لا مستكره له } [رواه البخاري ومسلم].   
وعلي المؤمن أن لا يستعجل في مسألته  يقول النبي (): {يستجاب الدعاء لأحدكم ما لم يستعجل. قيل له كيف يا رسول الله؟
يقول: دعوت ودعوت ودعوت فلم أر يستجاب لي فيترك الدعاء فلا يستجاب له}.
مثل رجل بذر وأخذ يرويها لمدة أسبوع فلم تنبت، فتركها فماتت ..
هناك نبات لا ينمو إلا خلال سنين .. وقد تتأخر الاستجابة  لمصلحتك ..
وقد تتأخر لأن زمانها لم يأت بعد ..
وقد تتأخر لأن الله يريد أن يسمع صوتك.
و يقول الله تعالي في ذلك : (يا ملائكتي أدعاني عبدي. نعم يا رب. يا ملائكتي ألح علي عبدي. نعم يا رب. يا ملائكتي أخروا مسألة عبدي فإني أحب أن أسمع صوته).
4 - الوضوء واستقبال القبلة ورفع الأيدي حال الدعاء:ـ 
فهذا أدعى إلى خشوعه وصدق توجهه، فعن عبدالله بن زيد قال: خرج النبي () إلى هذا المصلي يستسقي فدعا واستسقى، ثم استقبل القبلة وقلب رداءه }.
ولحديث أبي موسى الأشعري لما فرغ النبي من حنين، وفيه قال: فدعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال: اللهم اغفر لعبيد بن عامر} ورأيت بياض أبطيه. [رواه البخاري ومسلم].
5 - خفض الصوت والإسرار بالدعاء:ـ 
يقول الله تعالى: {ادعُوا رَبَكُم تَضَرُعاً وَخُفيَةٌ إنَهُ لاَ يُحِبُ المُعتَدِينَ(55)} [الأعراف].
يقول النبي (): { أيها الناس، اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم } [رواه البخاري].
6ـ تحري الأوقات المستحبة واغتنام الأحوال الشريفة:ـ 
فشرف الأوقات والأماكن راجع إلى شرف الأحوال فوقت السحر وقت حصول الصفاء والإخلاص والفراغ من المشوشات ووقت رقة القلب والخشوع .
 وعرفة والجمعة وقت اجتماع الهم وتعاون القلوب على ذكر الله تعالى وعبادته من الأحوال حال الاضطرار (أمن يجيب المضطر إذا دعاه .... )
ومنها حال السجود ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا فيه من الدعاء)
وإدبار الصلوات الخمس، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، والثلث الأخير من الليل، ويوم الجمعة، ويوم عرفة، وشهر رمضان ، وحال نزول المطر، ، وحال زحف الجيوش في سبيل الله، وغير ذلك.
  تجنب الدعاء على النفس والأهل والمال:
يقول النبي (): {لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم } [رواه مسلم].
 8ـ تجنب الدعاء بإثم أوقطيعة رحم :ـ
عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله ():{ ما من مسلم يدعو دعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله أحدى ثلاث : إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يكف عنه من الشر مثلها قالوا إذا نكثر قال :الله أكثر}
 9ـ رفع اليدين حذو المنكبين:ـ
لما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه  قال : المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك ، أو نحوهما ، والاستغفار أن تشير بإصبع واحدة ، والابتهال أن تمد يديك جميعا .
 وروي عن مالك بن يسار أنه () قال :{إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ، ولا تسألوه بظهورها }.
أيها المسلمون:
لا مخرجَ من أزماتنا إلا صِدقُ اللجوء إلى الله تعالى؛ فهو العظيمُ الذي لا أعظمَ منه، والكبيرُ الذي لا أكبرَ منه، والقادِرُ الذي لا أقدرَ منه، والقويُّ الذي لا أقوى منه.
فاللهم احفظنا واحفظ بلاد المسلمين مِن البلاء والوباء، ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به.
اللهم اني استودعتك بلادي وأهلها، كبارها وصغارها، رجالها ونسائها ،شبابها وبناتها، أرضها وسماءها، ومياهها فأحفظها ربي من اﻷمراض ، واﻷوبئة، وارفع البلاء.
اللهم ادفع عنا فايروس كورونا بحولك وقوتك فإنه لاحول لنا ولاقوة إلا بك..
فاللهم أنت خير حافظاًً وأنت أرحم الراحمين.
==========================
رابط pdf
رابط doc

المشاركة المميزة

شؤم المعصية

الحمد لله رب العالمين ..أنار الطريق لعباده الصالحين فجعل العبيد ملوكا بطاعته، والملوك عبيدا بمعصيته ، فالعز كل العز في طاعته والذل كل الذل ف...