الحمد لله رب العالمين ...أكرمنا بالنبي (ﷺ) فأخرجنا به من الظلمات إلى النور، وهدانا به إلى سبل السلامة من كل شر في العالم فقال تعالى }قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ(14) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16){ [المائدة].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير ..أرسل نبيه (ﷺ) شاهد على أمته بالبلاغ، ومبشر للمؤمنين به بالخير والجنة، ونذير لمن عصاه بالشر والنار، وأنه سراج ينير للناس الطريق إلى ربهم، فقال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46){[الأحزاب].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) أرسل نبيه (ﷺ) رحمة للعالمين فمن آمن به سعد ونجا ، ومن لم يؤمن به خاب وخسر فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ) :}كُلُّ أُمَّتي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَن يَأْبَى؟ قالَ: مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن عَصَانِي فقَدْ أَبَى{ ] البخاري[.
فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً..
أما بعد : فيا أيها المؤمنون
لقد من الله تعالى علينا بالنبي (ﷺ) فقال تعالى } لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ (164){ ] آل عمران[
فأثنى عليه (ﷺ) بأنه برهان منه للناس كلهم، وهو الدليل القاطع للعُذْر، والحجةالمزيلة للشبهة فقال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174){ [النساء].
ولقد أكرمه الله تعالى وشرفه وميزه حينما لم يناديه باسمه المجرد ، في حين ندائه للأنبياء بأسمائهم ، لقد أثنى اللَّه عزّ وجلّ على رسله وأنبيائه، وناداهم بقوله: (يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ)، و(يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ)، و(يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)، و(يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا)، و(يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى)، و(يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)، و(يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، و(يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ)، وهكذا فقد نادى اللَّه عزّ وجلّ جميع أولي العزم من الرسل بأسمائهم، إلا النبي مُحمَّدًا (ﷺ) لم يناده باسمه قط ، بل ناداه بصيغة خاصة المقصود منها التكريم والتعظيم والتشريف ، ولقد بلغت النداءات الربانية للنبي (ﷺ) سبعة عشر نداءً نداءين منها ورد بوصف الرسالة ، وآخرين ورد بأحواله (ﷺ) التي كان عليها وهما : يا أيها المزمل ، ويا أيها المدثر ، وكان الخطاب بوصف النبوة أكثر من الخطاب بوصف الرسالة وغيره.
ومادة النداء وردت في القرآن الكريم على اختلاف صيغها واشتقاقاتها خمسون مرة في أربع وعشرين سورة .
أكثر السور التي ورد فيها النداء سور مكية ، حيث وردت مشتقات هذا المصطلح في ثماني عشر سورة مكية ، وست سور مدنية ، وذلك لحكمة عظيمة وهي أن المجتمع المكي كان أحوج بكثير من سماع الوحي والتعرف على الرسالة من المجتمع المدني ، وذلك لأن معظم الناس كانوا في غفلة عن هذا الأمر .
ويعقب مادة النداء غالباً قصص أو دعاء ، ومعاني ودروس وفوائد وعظات جليلة ، وكل نداء يحتاج إلى وقفة على حدة ، لذلك اخترت أول نداء للنبي (ﷺ) }يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ (1){لذلك كان موضوعنا }وقفات تربوية مع النداء الرباني للنبي (ﷺ) في سورة المزمل{ وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ أهمية النداء في القرآن .
2ـ المقصد الأساسي لسورة المزمل.
3ـ حقيقة التربية الروحية.
4ـ التربية الروحية وسيلة وليست غاية.
5ـ وسائل التربية الروحية في سورة المزمل.
6ـ الخاتمة .
================
العنصر الأول : أهمية النداء في القرآن الكريم:
النداء في القرآن الكريم صورة من صور بلاغته، ووَجْهٌ من أَوْجُه بيانه، وطريقةٌ من طُرق وعظه وإرشاده، ووسيلة من وسائل تشريعاته، ومنهج من مناهج أوامره، ونواهيه، وبشارته، ووعده، ووعيده.
وأشهر أدوات النداء في القرآن الكريم أداة "يا"، التي ارتبطت بطلب إقبال المدعو؛ ليصغى إلى أمر ذي بال؛ لذا غلب أن يلي النداء أمر أو نهى في أساس فهم الدين، وما يرتبط به في الأوامر والنواهي التي عقدت بها سعادة الدارين، وكذلك المواعظ والزجر والقصص لهذا المعنى.
وأكثر صيغ النداء ورودا في القرآن ( نادى) خمس عشرة مرة في تسع سور مكية.
والغرض من النداء في القرآن الكريم : هو طلب الإقبال والانتباه والاهتمام بمضمون الخطاب .
ويهدف النداء للنبي (ﷺ)إلى تكريم النبي(ﷺ) وخاصة في ندائه هنا بالمزمل أي المتلفف بثيابه أسلوب عطف ومودة ورحمة .
العنصر الثاني : المقصد الأساسي لسورة المزمل :
سورة المزمل مكية وآياتها عشرون آية ، سميت بـ المزمّل أي المتلفف بثيابه لأنها تتحدث عن النبي (ﷺ) في بدء الوحي، ولأنها بدئت بأمر الله سبحانه رسوله (ﷺ) أن يترك التزمل: وهو التغطي في الليل، وينهض إلى تبليغ رسالة ربه عز وجل. مناسبتها لما قبلها لما ختم الله سبحانه سورة الجن بذكر الرسل عليهم الصلاة والسلام في قوله تعالى:}لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغْوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ{ افتتح هذه السورة بما يتعلق ويتصل بخاتمهم محمد (ﷺ) حيث بدأَها بقوله: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ).
والمقصد الأساسي من هذه السورة بيان الأعباء الأساسية للقيام بمهام الدعوة إلى الله تعالى.
العنصر الثالث :حقيقة التربية الروحية:
إنّ مفهوم التربية الروحية في الإسلام هو الانتقال من نفسٍ غير مُزكاة إلى نفسٍ مُزكّاة، ومن عقل غير شرعي إلى عقل شرعي ومن قلب قاسٍ مريض إلى قلب مطمئن سليم، ومن روح شاردة عن باب الله غير متذكرة لعبوديتها وغير متحققة بهذه العبودية، إلى روح عارفة بالله قائمة بحقوق العبودية له، ومن جسم غير منضبط بضوابط الشرع إلى جسم منضبط بشريعة الله عز وجل قولًا وفعلًا وحالًا.
ومن مظاهر هذه التربية أن يتحكم الإنسان في نفسه، فلا يجده الله حيث نهاه، ولا يفقده حيث أمره، ولا يظهر منه ما يغضب الله- عز وجل-، فهو كالغيث أينما وقع نفع، صالح في نفسه مصلح لغيره، مفيد لمجتمعه وأمته.
ولا شك أن إصلاح السرائر ورعايتها بشكل دائم، يؤدي إلى تنمية وتربية وتقوية اليقين في قلوب الأفراد، وهو الفيصل بيننا وبين جيل الصحابة- رضوان الله عليهم، كما جاء في الأثر: (أنهم "أي الصحابة" لم يسبقوكم بكثرة صلاة وصيام، وإنما بشيء وقر في قلوبهم)، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فكلما ضعف اليقين في القلوب، كلما ارتفع منسوب الأمراض الروحية والتربوية وحتى الأخلاقية ، والإنسانية ، لذلك اهتم القرآن الكريم ببناء التربية الروحية للمسلم ، لأنه يستطيع من خلالها أن يواجه متاعب الحياة ومصاعبها ومؤامراتها بقلب مطمئن ، وهذا ما حدث مع النبي (ﷺ) في بداية الدعوة ، لأنه سيقوم بأعباء وتكاليف ضخمة فكانت التربية الروحية }يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا... {
العنصر الرابع : التربية الروحية وسيلة وليست غاية:
التربية الروحية ضرورة في حياة المسلم ،لأنه لا بد من تعميق الصلة بالله سبحانه وتعالى، ليقوم الإنسان بحمل التكاليف التي يفرضها هذا الدين على الوجـه الأكمل ، وأخصها الجهاد ، والصبر على الابتلاء .
والتربية الروحية وسيلة وليست غاية في ذاتها، فيا ترى لو أنها كانت غاية في ذاتها ، أو هي نهاية الشوط في عملية التربية فماذا يكون ؟!
يكون(والتشبيه مع فارق قليل) كالجندي الذي تدربه على فنون القتال ، وليس في نيتك أن ترسله إلى المعركة قط !
أو كالأساس الذي تدكه دكا متينا وليس في نيتك أن تقيم عليه أي بناء !
إن هذا الدين شأنه عظيم ، إنه المنهج الرباني لإصلاح الحياة كلها ، وإنشاء الإنسان الصالح ، الذي يقوم بالخلافة الراشدة فـي الأرض ..
إنه ليس مجرد سبحات روحية وإشراقات ، مهما يكن مـن عمق هذه السبحات ، ووضاءة تلك الإشراقات ، إنه جُهـد وجهاد ، وصراع حاد مع الباطل ، وإيجابية بنّاءة تهدم الباطل وتشيد الحق ، والتربية الروحية زادٌ لهذا كله ، وليست هي غاية الغايات .
إن الإنسان فـي حلبة الصراع يُجْهَدُ ويتعب ، ويحتاج إلى سند يقويه ، يمنعه من السقوط ، ويمنع عنه الوهن الذي قد يعتريه ، وهنا تبرز تلك الطاقة الروحية تقيه من الوهن ، وتقويه على الصمود ، بما تمده من طاقة ، وتشع في كيانه من نور، وتعوضه عن حرمانه بمتاع أعلى وهو معية الله تعالى ، ورضوانه ،والجنة .
إنها الزاد الذي يحتاج إليه المسافر ليقطع الرحلة في أمان ، فأما إن كان قاعداً لا يتحرك فما قيمة الزاد ؟
العنصر الخامس : وسائل التربية الروحية في سورة المزمل:
إن المنهج الإسلامي منهج عبادة، والعبادة فيه ذات أسرار ، ومن أسرارها أنها زاد على طريق الحق وأنها مدد الروح ، وأنها جلاء القلب ، وأنه حيثما كان تكليف كانت العبادة هي مفتاح القلب لتذوق هذا التكليف في حلاوة وبشاشة ويسر ، لذلك نجد أن الله سبحانه حينما انتدب نبيه (ﷺ) للدور الكبير الشاق الثقيل , قال له:
يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ (1) قُمِ ٱلَّيۡلَ إِلَّا قَلِيلٗا (2) نِّصۡفَهُۥٓ أَوِ ٱنقُصۡ مِنۡهُ قَلِيلًا (3) أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلۡقِي عَلَيۡكَ قَوۡلٗا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡـٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبۡحٗا طَوِيلٗا (7) وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا (8) رَّبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱتَّخِذۡهُ وَكِيلٗا (9) وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا (10){ ] المزمل[.
فكان الإعداد للقول الثقيل ,والتربية الروحية للتكليف الشاق , والدور العظيم ، وتتمثل هذه التربية الروحية في وسائل وأساليب متعددة منها ما جاء في سورة المزمل ما يلي...
1ـ قم :ـ
قم : فعل لازم، يعني: ليس له مفعول
جاء الأمر للنبي (ﷺ) أن قم، فقام وظل بعدها قائماً أكثر من عشرين عاما، لم يسترح ولم يسكن، ولم يعش لنفسه ولا لأهله، قام وظل قائما على دعوة الله يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوؤ به، عبء العقيدة كلها.
نزل الأمر بالقيام فلم يعد هناك نوم، بل جاء التكليف الثقيل والجهاد الطويل والكد والجهد، منذ ذلك النداء الذي لم يفارقه ولم يدعه ينام.
فقام بالحركة والدعوة إلى الله تعالى ، وجعل الله تعالى من المعينات على عبء الدعوة قيام الله ، فقيام الليل مدرسة روحية يتربى فيها المسلم على الإيمان واليقين بالله تعالى، فكان القيام في أول الأمر فرض ، ومر بمراحل ..
أولها: الليل إلا قليلا ، ثانيها: نصفه ، ثالثها: أقل من النصف بقليل ،رابعها: أزيد من النصف بقليل، وفي آخر السورة جاءت مدد أخرى: أولها: أدنى من ثلثي الليل
ثانيها: نصف ، ثالثها: ثلثه، وفي الختام جاء التخفيف ( فاقرؤوا ما تيسر منه )، وكثير من الناس يظنون أنه يجزئ عن القيام ركعتين خفيفتين ، أو ركعات خفيفات يركعها العبد من الليل.
وقيل: كان التهجد فرضا على النبي (ﷺ) وعلى أمته، ثم نسخ بالصلوات الخمس ليلة المعراج، فصار نافلة وهو الذي يدل عليه قوله تعالى: }وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ (79){ [الإسراء]
والليل له خاصية من جانبين: الأول: أن مغالبة النوم وجاذبية الفراش إعلان لسيطرة الروح واستجابة لدعوة الله ، والثاني: أن الليل هو الوقت الأنسب لتلقي أنوار الوحي فكما أن الفلاح يسقي أرضه بالليل كان حتما على المسلم أن يسقي قلبه بالليل كذلك.
وقد جاء في فضل قيام الليل ،أنه جاء جبريل إلى النبي (ﷺ) فقال:}يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس{ ]حديث حسن كما في صحيح الجامع وصحيح الترغيب[.
في هذا الحديث يبين النبي (ﷺ) أن قيام الليل عز للقائمين وشرف ، وهو كذلك.
فقيام الليل سنة نبوية عظيمة، ولذة للقلوب عجيبة، وجنة تدخلها نفوس المؤمنين في هذه الحياة قبل أن تدخل جنة الآخرة.
قيام الليل مدرسة تربي فيها النفوس، وتهذب فيها الأخلاق، وتزكى فيها القلوب.
وقد بين النبي صلوات ربي وسلامه عليه بعض فوائد قيام الليل في حديث أبي أمامة الباهلي حيث قال: }عليكمْ بقيامِ الليلِ؛ فإنَّه دأبُ الصالحينَ قبلكمْ، وقربةٌ إلى اللهِ تعالى، ومنهاةٌ عنِ الإثمِ، وتكفيرٌ للسيئاتِ، ومطردةٌ للداءِ عنِ الجسدِ{ ]وهو حديث حسن أو صحيح حسنه المنذري في الترغيب والترهيب والسيوطي في جامعه الصغير، وكذا الألباني في صحيح الجامع[.
يا رجال الليل جِدوا رب داعٍٍ لا يُرد
لا يقوم الليل إلا من له عزم وجَد
ولقيام الليل فوائد ومنافعه كثيرة تعود على القائمين في دينهم ودنياهم وأبدانهم.. فمن هذه المنافع: أنه يورث الإخلاص: لأن العمل كلما كان بعيدا عن أعين الناس وعن مراقبة الناظرين كان أدعى للخشوع وأقرب للإخلاص؛ ولذلك كان السابقون يحبون عبادة السر، صدقة أو صياما أو صلاة، وكانوا يستخفون بأعمالهم قدر استطاعتهم حتى لا يداخلها الرياء والسمعة..
وروى الطبراني في معجمه الكبير وابن المبارك في الزهد: }فضل صلاة الليل على صلاة النهار، كفضل صدقة السر على صدقة العلانية{.
فمن أراد أن يتعلم الإخلاص ويحققه فعليه بقيام الليل.
ومن فوائده ومنافعه أنه أدعى للتدبر والتفكر، قال تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡـٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا (6)} ]المزمل[؛أي أعمق أثراً في تهيئة النفوس لاحتمال التكاليف ، وذلك لأن تمام التذكر والتدبر يكون مع الهدوء والسكون وانقطاع الشواغل، فيكون القلب أكثر استعدادا للفهم والتقبل والتأمل فيما يسمعه، فيواطئ القلب اللسان فيحس بلذة العبادة، وحلاوة المناجاة، ويعرف معنى الأنس بالله.
قيل للحسن البصري: ما لقوام الليل من أحسن الناس وجوها؟ قال: خلوا بنور الله في الظلام فأكسبهم نورا من نوره.
إن الفتوحات الربانية والمواهب الإلهية تتنزل في الأسحار عندما ينزل ربنا جل وعلا إلى سماء الدنيا فيفتح على القائمين من أبواب الفهم والمعرفة والحكمة والرحمة ما ليعلمه إلا الله؛ ولهذا قال النبي (ﷺ): }أقرب ما يكون العبد من ربه في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن{
[رواه النسائي والترمذي وقال: حسن صحيح]
وروى الإمام أحمد ومسلم عن حكيم بن حزام: "أنه أتى السيدة عائشة رضي الله عنها فقال أخبريني عن قيام النبي (ﷺ) فقالت: ألست تقرأ سورة المزمل ؟ قال: بلى، قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام النبي (ﷺ) وأصحابه حولاً (سنة كاملة) وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء حتى أنزل في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة".
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن قيام الليل كان فريضة في أول الأمر على النبي (ﷺ) وأصحابه سنة كاملة حتى نسخ الله هذا في آخر السورة.. يعني سورة المزمل.
فآخر الليل هو وقت التنزل الإلهي حيث ينادي على عباده ليقوموا إليه فيسألوه ما أرادوا ويطلبوا منه ما يحتاجون، ويناجونه بكل ما يحبون.. ففي الحديث القدسي الذي رواه البخاري ومسلم يقول (ﷺ):}ينزلُ اللهُ كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا، حين يبقى ثلثُ الليلِ الآخرِ، فيقولُ: من يدعوني فأستجيبُ له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرُني فأغفرُ له{.
فيَنزِلُ ربُّنا سُبحانَه إلى السَّماءِ الدُّنيا نُزولا يَليقُ بجلاله مِن غَيرِ تَكْييفٍ ولا تَعْطيلٍ، ومِن غيرِ تحريفٍ ولا تمثيلٍ، ويُناديُ: }مَن يَدْعوني فأسْتَجيبَ له؟ ومَن يَسأَلُني فأُعطيَه، ومَن يَستغفِرُني فأغفِرَ له؟{
وإنما خص هذا الوقت بهذا النداء لأنَّه وَقتُ غَفلةٍ واستِغراقٍ في النَّومِ واستلذاذٍ به، ومُفارقةُ اللَّذَّةِ والرَّاحةِ صَعبةٌ على العِبادِ؛ فمَن آثَرَ القِيامَ لمُناجاةِ ربِّه والتَّضرُّعِ إليه في غُفرانِ ذُنوبِه، وفَكاكِ رَقبتِه مِن النَّارِ، وسَأَله التَّوبةَ في هذا الوقتِ الشَّاقِّ، كان ذلك دَليلا على خُلوصِ نيَّتِه، وصِحَّةِ رَغبتِه فيما عندَ ربِّه.. فيمن الله تعالى بالقبول تفضلا وتكرما سبحانه؛ ولهذا كان الأخيار يفضلون القيام والدعاء بالأسحار..
كما كان ينادي بعضهم:
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا.. وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد
فقلت يا عــدتي في كل نـائبــة .. .. ومن عليه لكشف الضــر أعـتمد
أشكو إليك ذنـــوبا أنت تعلمها .. .. ما لي على حملها صبر ولا جلد
وقد مددت يــدي بالذل مفتــقرا .. .. إليك يا خــير من مدت إليه يــد
فــلا تردنـــها يارب خــائــبــة .. .. فبـحر جودك يروي كل من يرد
فمن أراد أن يربي نفسه ويزكيها، وأراد الفوز بالجنة وبالفضائل العظيمة، فعليه بقيام الليل؛ فإنه الطريق الموصل إلى الفضائل العظيمة.
2ـ ورتل:
قال تعالى }وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا(4){ [المزمل].
أيّ اقرأهُ قراءةً بيِّنةً بتُؤَدَةٍ وتمهُّلٍ، ورتِّلْهُ تَرتِيلًا جَميلًا حَسنًا، مُترنِّمًا مُتأنِّيًا مُترسِّلًا.
كما جَاءِ في الأحاديثِ الصحِيحةِ: « زَيِّنُوا القُرآن بأصْواتِكُم »، « لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآن »، « مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيء، ما أَذَنَ لِنَبيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالقُرْان ».. وفي "الصحيحِ": أنَّ الرسولَ (ﷺ) قال لأبي مُوسى الأشعري رضي الله عنه: « لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ البارحَةَ، لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُد »، فقالَ أبو مُوسى رضي الله عنه: يا رسولَ اللهِ لو أعلمُ أنَّكَ تَسمعُهُ لحبَّرتهُ لكَ تَحبِيرًا.
﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ .. لتتمَكنَ مِن التَّأمُّلِ في أسرارهِ ومعانِيهِ، والتَّفكُّرِ في حَقائِقِهِ ومرَامِيهِ .. فعن عبدِ الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: }لا تَهذُوا القرآن هذَّ الشِعرِ، ولا تَنثُروه نَثرَ الدَّقلِ، قِفُوا عِندَ عَجائِبهِ، حَرِكُوا بهِ القُلوبَ{.
﴿ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾. يَقولُ ابن القَيمِ رحمهُ اللهُ: كان للرسول (ﷺ) حِزبٌ من القُرآنِ يَقرؤه ولا يُخِلُّ بهِ، وكانت قِراءتُهُ تَرتِيلًا لا هَذَّا ولا عَجلةً، بل قِراءةً مُفسَّرةً حَرفًا حَرفًا، وكان يُقَطِّع قراءتهُ آيةً آيةً، وكان يمدُّ عند حُروفِ المدِّ، فيمدُّ (الرَّحمن) ، ويمدُّ (الرَّحِيم)، وكان (ﷺ) يُرتِلُ السُّورةَ حتى تَكُونَ أطولَ مِنْ أطولَ مِنهَا، وقامَ بآيةٍ يُردِّدُها حتى الصَباحِ.. وكانَ (ﷺ) يَتغنَّى بالقرآنِ، ويُرجِّعُ صَوتَهُ بهِ.. ويَقولُ(ﷺ): كمَا في الحديثِ المتَّفقِ عليهِ: }الماهِرُ بالقرآنِ معَ السفرةِ الكِرامِ البرَّرةِ{.
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "فلا شيء أنفعُ للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر، فإنه يورثُ المحبةَ والشوقَ والخوفَ والإنابةَ والتوكلَ والرضا والتفويض والشكرَ والصبرَ وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكمالهُ، وكذلك يزجرُ عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه.
لو علم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كلِّ ما سواها، فقراءة آيةٍ بتفكرٍ وتفهم خيرٌ من قراءة ختمةٍ بغير تدبرٍ وتفهُّمٍ، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان وذوقِ حلاوة القرآن". [مفتاح دار السعادة].
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى : "إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألقِ سمعك، واحضر حُضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله (ﷺ)، قال تعالى: }إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37){ [ق]، وقوله تعالى: }لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ { المراد به القلب الحيُّ، الذي يعقلُ عن الله وقوله: }أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ{؛ أي: وجَّه سمعه وأصغى حاسة سمعه إلى ما يقال له، وهذا شرط التأثر بالكلام وقوله تعالى: }وَهُوَ شَهِيدٌ {؛ أي: شاهد القلب، حاضر غيرُ غائب.
فإذا حصل المؤثِّرُ وهو القرآنُ، والمحل القابل وهو القلب الحي، ووجد الشرط وهو الإصغاءُ، وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه إلى شيءٍ آخر، حَصَل الأثرُ وهو الانتفاع والتذكر. [الفوائد].
وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا(5){[المزمل]}.
تأمَّل: فِتلاوةُ القُرآنِ بتأنٍ وتدَبُّرٍ مما يُعينُ على تخفِيفِ ضُغوطَاتِ الحياةِ، ويُسهِلُ القِيامِ بأعبَاءِ الدَّعوةِ ، والحياة.
قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ(21)} [الحشر].
لقد قرأ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سورة مريم، فوصل إلى قول الله تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا(58)} [مريم]، فنزل وسجد وسجد الناس معه، فصعد بعد ذلك، فنظر إلى الوجوه فلم يجد أحداً يبكي، فقال: أيها الناس هذا السجود فأين البكاء؟!
الله سبحانه يقول: (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) أنتم سجدتم لكن أين البكاء؟
اسمع لـ عبد الله بن الشخير يقول: (دخلت على النبي (ﷺ) وهو يصلي، فسمعت لصدره أزيزاً كأزيز المرجل من البكاء من خشية الله)
أزيز المرجل: هو الماء الذي يغلي، هكذا كان يسمع لصدر النبي (ﷺ) من البكاء من خشية الله، لم يبك بصوت مرتفع، إنما كانت الدموع تنحدر على خده عند قراءة القرآن، وهذا شعار المتقين ودأب الصالحين، قال النبي (ﷺ) لـ ابن مسعود: (اقرأ علي القرآن، قلت: يا رسول الله أقرؤه عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمع القرآن من غيري، فقرأ ابن مسعود من سورة النساء، حتى وصل إلى قول الله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)} [النساء] فقال النبي(ﷺ) لـ ابن مسعود: حسبك، قال: فنظرت إلى وجهه فإذا عيناه تذرفان الدموع.
3ـ اذكر وتبتل:
قال تعالى: }وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلۡ إِلَيۡهِ تَبۡتِيلٗا (8){ ]المزمل[
المؤمن مأمور بالاستكثار من ذكر الله وأسمائه الحسنى، وبالمداومة على التسبيح والتحميد والتهليل ، وقراءة القرآن، دون أن يشغله شاغل في الليل والنهار، وهو مطالب أيضا بأن يجعل همه كله في إرضاء ربه، وتجريد نفسه عن التعلق بغيره، والاستغراق في مراقبته في جميع أعماله.
ويكون أشرف الأعمال عند قيام الليل: ذكر الله تعالى، والتبتل إليه، وهو الانقطاع إلى الله تعالى، وليس المراد الانقطاع عن أعمال النهار، والعكوف على الذكر والعبادة، فهذا يتنافى مع قوله تعالى: }إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا{ بل المراد التنبيه إلى أنه ينبغي ألا يشغله السّبح في أعمال النهار عن ذكر الله تعالى.
والتبتل: الانقطاع إلى عبادة الله عز وجل، دون أن يشرك به غيره، وليس المعنى الانقطاع عن مشاغل الحياة لكسب المعيشة من طرق عزيزة كريمة، لا يكون فيها الإنسان عالة على غيره.
فقد ورد في الحديث النهي عن التبتل بمعنى الانقطاع عن الناس والجماعات.
وقال تعالى:}يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ (87){ [المائدة]
وهذا يدل على كراهة من تبتّل، وانقطع عن الناس، وسلك سبيل الرهبانية.
فالتبتل المأمور به: الانقطاع إلى الله بإخلاص العبادة كما قال تعالى: }وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ(5){ [البيّنة] .
يقول ابن القيم : " إنَّ الذكر يُعطي الذاكر قوة حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه ، وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابه أمراً عجيباً ، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر ، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمراً عظيماً ، وقد علَّم النبي (ﷺ) ابنته فاطمة وعليا رضي الله عنهما أن يسبحا كل ليلة إذا أخذوا مضاجعهما ثلاثا وثلاثين ، ويحمدا ثلاثا وثلاثين ، ويكبرا أربعا وثلاثين ، لما سألته الخادم ، وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن ، والسعي والخدمة فعلمها ذلك وقال : "إنه خير لكما من خادم ، فقيل :"أن من داوم على ذلك وجد قوة في يومه مغنية عن خادم "
قال ابن القيم : " وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يذكر أثرا في هذا الباب ويقول : إنَّ الملائكة لما أمروا بحمل العرش قالوا : يا ربنا كيف نحمل عرشك وعليه عظمتك وجلالك ؟ فقال : قولوا : "لا حول ولا قوة إلا بالله فلما قالوا حملوه "
ويقول ابن القيم : " وهذه الكلمة لها تأثير عجيب في معالجة الأشغال الصعبة ، وتحمل المشاق ، والدخول على الملوك ومن يخاف ، وركوب الأهوال ، ولها أيضا تأثير في دفع الفقر "
قال : " وكان حبيب بن سلمة يستحب إذا لقي عدوا أو ناهض حصناً قال : "لا حول ولا قوة إلا بالله" .
وإنه ناهض يوما حصنا للروم فانهزم فقالها المسلمون وكبروا فانهدم الحصن " [الفوائد]
فاشحن قلبك بالذكر والقيام والقرآن والتبتل ، يعينك الله تعالى على الأعباء اليومية والتحديات الحياتية .
4ـ اتخذه وكيلاً :
قال تعالى:} رَّبُّ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱتَّخِذۡهُ وَكِيلٗا (9){ ] المزمل[.
ملك الملوك وربُّ الأرباب جل جلاله، يأمرك أن تتخذه وكيلًا، يأمرك ألا تُلجِئ ظهرَك إلا إليه، ولا تضع ثقتك إلا فيه، ولا تعلِّق آمالك إلا به.
فيجب على المسلم إفراد الله بالتوكل عليه كما أن المؤمن مطالب بإفراد الله بالعبادة، مطالب أيضا بإفراده بالتوكل عليه، فمن علم أن الله رب المشارق والمغارب،
انقطع بعمله وأمله إليه، وفوّض جميع أموره إليه، فهو القائم بأمور العباد، الكفيل بما وعد.
لقد أُمِرنا أن نتخذ الله تعالي وكيلا في كل شيء؛ فالتوكل على الله عُنوان الإيمان وأمارة الإسلام؛
وكيف نتَّخِذ الله وكيلًا ؟
أولا: أن يكون اللسانُ دائمًا لاهجًا بالركون إليه والتوكل عليه:
عن أمِّ سَلَمة أن النبي (ﷺ) إذا خرج من بيته، قال }بسم الله، توكلت على الله، اللهم إنا نعوذ بك أن نَزِلَّ أو نضل، أو نَظلم أو نُظلم، أو نَجهل أو يُجهل علينا{ ]حديث حسن صحيح في سنن الترمذي[
وعنْ أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: قالَ: رسولُ اللَّهِ (ﷺ): مَنْ قَالَ يعنِي إِذَا خَرَج مِنْ بيْتِهِ : بِسْم اللَّهِ توكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، وَلا حوْلَ وَلا قُوةَ إلاَّ بِاللَّهِ، يقالُ لهُ هُديتَ وَكُفِيت ووُقِيتَ، وتنحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ رواه أبو داودَ، والترمذيُّ، والنِّسائِيُّ، وغيرُهمِ: وَقالَ الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ، زاد أبو داود: فيقول: يعْنِي الشَّيْطَان لِشَيْطانٍ آخر: كيْفَ لَكَ بِرجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفي وَوُقِى؟.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ (ﷺ):} أَكْثِرْ مِنْ قَوْلِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ، فَإِنَّهَا مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ{ ] أخرجه الترمذي[.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ) : }ألَا أدُلُّكَ على كلِمَةٍ مِنْ تحتِ العرشِ ، مِنْ كنزِ الجنةِ ؟ تقولُ : لا حولَ ولَا قوةَ إلَّا باللهِ ، فيقولُ اللهُ: أسلَمَ عبدي واسْتَسْلَمَ { ] أخرجه أحمد ، والنسائي والحاكم[.
" ولا حول ولا قوة إلا بالله" معناها: لا يَحُولُ بينك وبين ما تكرَهُ إلا الله، ولا يقودك إلى ما تحب إلا الله، أو لا تَحوُّلَ للعبد من حال إلى حال إلا بالله، فما شاء الله كان وما لم يشَأْ لم يكن.
وكان النبي (ﷺ) يُعلِّمنا دعاء الكرب، فعن أبو بكرة نفيع بن الحارث قال: قال رسول الله (ﷺ)}دعواتُ المكروب: اللهم رحمتَك أرجو، فلا تَكِلْني إلى نفسي طرفةَ عينٍ، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت{ . ]رواه أبو داوود وحسنه الألباني، صحيح الجامع].
وكان النبيُّ (ﷺ) يعلمنا عند النوم، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): }إذا أتيتَ مضجعَك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شِقِّك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمتُ وجهي إليك، وفوَّضتُ أمري إليك، وألجأت ظهري إليك؛ رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنتُ بكتابِك الذي أنزلت، ونبيِّك الذي أرسلت، فإن متَّ مِن ليلتك متَّ على الفطرة، وإن أصبحت أصبت خيرًا، واجعلهنَّ آخر ما تتكلم به{ ]رواه البخاري[
بل كان النبي (ﷺ) يُعلِّمنا أن نتعلق بالله ونستعينه ونستخيره، عندما نريد أيَّ عمل ونعزم على أيِّ شيء؛ عن جابر رضي الله عنه قال: "كان النبي (ﷺ) يُعلِّمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن،}إذا همَّ أحدُكم بالأمر، فليركَع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرُكَ بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلَمُ ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمرى أو قال: عاجل أمرى وآجله فاقدُرْه لي ويسِّره لي، ثم بارِك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمرى، فاصرِفْه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به))، قال: ((ويُسمِّي حاجتَه{ ]متفق عليه[
كل هذا ما يُسمى بالتفويض اللساني؛ أن يلهج لسانُك بالتوكل على الله الوكيل، "لو أن شخصًا لديه قضيةٌ في المحكمة ونصَحوه أن يُفوِّض محاميًا ماهرًا مشهورًا بالعمل في القضايا الشائكة، فكلما كانت خبرة المحامي أكبر، زاد شعورك
بالاطمئنان، فكيف لو كان الذي فوَّضتَه هو الوكيل جل جلاله؟!
ومِن هنا نهى أهلُ العلم أن يقول رجلٌ لآخر: "توكَّلت على الله وعليك"، وعَدُّوا هذا نوعًا من الشرك بالله، فلا يتوكَّل إلا على الله وحدَه، ولا يركن إلا إلى الله وحده، وإن كان الإنسان لا بد قائلًا، فليقل: (توكلتُ على الله ثم عليك)، وما بعد ثُمَّ إنما هو الأخذ بالأسباب، مع تعلق القلب برب الأرباب ومسبب الأسباب جل جلاله.
ثانيا : أن يتعلَّق قلبُك بربك:
أن يتعلَّق قلبُك بربك ، ويرضى قلبُك بربك، ويَثِق قلبك في ربك، ويركن قلبك إلى ربك، فالتوكل: "صدقُ اعتمادِ القلب على الرب في استجلاب المنافع ودفع المضارِّ؛ من أمور الدنيا والآخرة ، والاعتقاد أنه لا يعطي ولا يَمنَع، ولا يضر ولا ينفع سواه"
وقيل: "انطراح القلب بين يدي الرب؛ كانطراح الميتِ بين يدي المغسِّل، يُقلِّبه كيف يشاء".
وقال بعضهم: "يقول بعض الناس: توكَّلتُ على الله، وهو يكذب على الله، لو توكل على الله رضي بما يفعَل"؛ لأنه سبحانه وتعالى الضامنُ لرزق عباده، المدبر لشؤونهم، الراعي لمصالحهم بحكمة وعلم وقدرة مطلقة.
إن عقيدة التوكل يجب أن تنغرِسَ في الأذهان، وتنقدح في الأفئدة، فيكون المؤمن في كل أموره وجميع أحواله وشتى أفعاله، متوكلًا على ربه وخالقه، مستعينًا بمعبوده، واثقًا بإلهه، وعلى المرء بذلُ الأسباب، والباقي على منشئ السَّحاب.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال (ﷺ) }منِ استغنى أغناهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ ومنِ استعفَّ أعفَّهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ ومنِ استَكفى كفاهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ ومن سألَ ولَهُ قيمةُ أوقيَّةٍ فقد ألحفَ{ ] حديث حسن رواه أبوداود[ .
قال بعض السلف: جعل الله تعالى لكلِّ عمل جزاءً من جنسه، وجعل جزاءَ التوكل عليه كفايتَه لعبده، فقال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (3)}[الطلاق]، ولم يقل: نُؤْتِه كذا وكذا من الأجر، بل جعل نفسه سبحانه كافِيَ عبده المتوكِّل عليه وحسبَه وواقيه".
ألم ترَ قول النبي (ﷺ) لصاحبِه وهما في الغار:}ما ظنُّك يا أبا بكر باثنينِ اللهُ ثالثُهما{
ألم ترَ قول الله تعالى عن مؤمنِ آل فرعون حين قال لقومه:{ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)}[غافر].
ألم ترَ قولَ أصحاب النبي (ﷺ) حين اجتمعَتْ عليهم أحزاب الكفر؛ قال تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)}[آل عمران].
وقد رأينا موقف إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار فقال: (حسبنا الله ونعم الوكيل) وقد جاءه جبريل فقال له: ألك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا .. فقال الله عنه: "فأنجاه الله من النار" ..وقال للنار: (كوني بردا وسلاما على إبراهيم).
فمن وقع في شدة وضائقة، فليطلب من الله الكفاية، فإن الله كافيه
5ـ اصبر :
قال تعالى : } وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ (10){ ] المزمل[
يتكرر ذكر الصبر في القرآن كثيرا ; ذلك أن الله سبحانه يعلم ضخامة الجهد الذي تقتضيه الاستقامة على طريق الحق بين شتى النوازع والدوافع ; فلا بد من الصبر في هذا كله ، لا بد من الصبر على الطاعات , والصبر عن المعاصي , والصبر على جهاد الأعداء , والصبر على الكيد بشتى ألوانه , والصبر على بطء النصر ، والصبر على انتفاش الباطل , والصبر على قلة الناصر .
وقد يضعف الصبر عند ازدحام الحوادث والملمات، لذلك قرن الله تعالى الصبر بالصلاة حتى تكون زاداً ومعيناً للإنسان على طريق الاستقامة على الحق فقال تعالى :}يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ (153){ ] البقرة[
فلا بد للإنسان الفاني الضعيف المحدود أن يتصل بالقوة الكبرى , يستمد منها العون حينما يثقل عليه جهد الاستقامة على طريق الحق بين دفع الشهوات وإغراء المطامع , وحينما تثقل عليه مجاهدة الطغيان والفساد ، حينما يجد الشر نافشاً والخير ضاوياً , ولا شعاع في الأفق ولا معلم في الطريق . .
هنا تبدو قيمة الصلاة ، إنها الصلة المباشرة بين الإنسان الفاني والقوة الباقية ،إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود ، ومن هنا كان رسول الله (ﷺ) إذا كان في الشدة قال:" أرحنا بها يا بلال " . . ويكثر من الصلاة إذا حزبه أمر ليكثر من اللقاء بالله .
ولم يأمرنا الله تعالى بالصبر فحسب وإنما أمرنا بالصبر الجميل !! فما هو الصبر الجميل ؟؟ هو الصبر الذي لا جزع فيه ولا شكوى ، والصبر الجميل هو الذي تزداد النفس فيه باليقين والثقة، وتمتلئ بالأمل، ويغمرها بالرجاء في الله، وتكون بمنأى عن الجزع والسخط على القضاء.
وذكر الإمام البخاري رحمه الله تعالي حديث أمنا عائشة رضي الله عنها لما خاض المنافقون في الحديث عنها وسماه القرآن بحديث الإفك حتى ذكر قولها: "والله لا أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبو يوسف عليه السلام : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ."
إن جمالية الصبر في اجتهاد العبد المؤمن في تحمل الهموم والأزمات إلى درجة لا يستشعر معها الناس حاله ممتثلا أمر ربه {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)} ]المعارج[.
فيتوجه بعمق مشاعره وهو المكلوم المجروح إلى الله تعالى شاكيا ضارعا مناجيا :{ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)} ]يوسف[.
إنه توجُّه يشمل مقومات الجمال الثلاث المتعة النفسية والروحية، والتعبد بالدعاء الخالص، لأجل حكم ومنافع منها ما يعلمه العبد ويقصده ومنها ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالي.
وجاء الحديث عن الصبر الجميل في موضعين في سورة يوسف.....
الموضع الأول: على لسان سيدنا يعقوب عليه السلام، وقد جاءه أبناؤه يخبرونه بأنّ يوسف أكله الذئب، وبرهنوا على قولهم بدمٍّ كذب على قميصه، وبرغم الفاجعة الرهيبة على قلب الأب المؤمن واجه الأمر بأناة بالغة، وثقة عظيمة، جعلته يحسّ أنّ الأمر على غير ما صوّر أبناؤه، وتذرّع بالصبر الجميل، يقول تعالى على لسانه :{ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ (18)}[يوسف]
الموضع الثاني: على لسان سيدنا يعقوب عليه السلام أيضاً، عندما جاءه نبأ احتجاز ابنه الثاني في سجن العزيز بمصر، وبرغم تتابع المحنة، وعمقها في وجدان الشيخ الرسول، لكن ما يزال للصبر الجميل الغلبة على مشاعره، فقال: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)}[يوسف].
6ـ اهجر:
قال تعالى :}وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا (10){ ] المزمل[
الهجر الجميل : هو الذي لاعتاب معه .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى عن الهجر الجميل ؟!
فقال : الهجر الجميل : هجر بلا أذى .!
والإمام ابن سعدي رحمه الله له وقفة لطيفة عند هذه الآية حيث قال : الهجر الجميل :
هو الهجر حيث اقتضت المصلحة ، الهجر الذي لا أذية فيه ، بل يعاملهم بالهجر والإعراض عن أقوالهم التي تؤذيه ، وأمره بجدالهم بالتي هي أحسن ..
ربما يكون الجمال في الصبر مألوفاً !! لكن ماذا نقول في جمال الهجر، وهو لون من ألوان المقاطعة .
إنّ القرآن بهذا يُعطى بُعداً جديداً للسلوك الإنساني، وأنَّ الجمال مطلوب ومرغوب حتى في السلوك الذي لا يخلو من ألم ومُعاناة.
لقد أساء المشركون إلى الرسول (ﷺ)، وأمره الله تعالي في معاملتهم بالهجر مع الصبر، والهجر قد يتنافى مع مُهمّة الداعية، لكن الهجر الذي أمر الله به نبيّه (ﷺ) هو الهجر الجميل الذي يُشعر المهجور بسوء تصرّفه، وضلال سعيه مع استبقاء البرّ به والودّ له ، فقال تعالي{وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا(10){ [المزمل] .
الخاتمــة ..
إن الإسلام الحنيف اهتم ببناء الإنسان الصحيح المتكامل الذي يرتكز أولاً على بناء الجانب الروحي ثم بناء الجانب الجسدي ، فالإهمال في الجانب الروحي يؤدي إلى الفساد والشقاء، قال تعالى: } فَإِمَّا يَأۡتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ (123) وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِيٓ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِيرٗا (125){ ] طه[ فعلى الإنسان العاقل أن يفتش في نفسه دائما ويصلح عيوبها ويستكمل نقصها حتى يحظى بالتوازن النفسي ، ولا يصاب بالإحباط والضنك النفسي فيتهرب من حياته بأي طريق يغضب الله تعالى..
يا خادمَ الجسمِ كمْ تَشقَى بِخِدْمَتِهِ .. أتَطلُبُ الرِّبْـحَ فيما فيه خُسـرانُ
أقْبِلْ على النفسِ واسْتكمِلْ فَضائِلَها .. فَأَنْتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إنسـانُ
فلا ننس الأوامر الربانية في سورة المزمل ...
(قم .. رتل .. اذكر .. تبتل ..توكل.. اصبر.. اهجر)
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من القائمين القانتين الذاكرين الصابرين المتوكلين عليه سبحانه وتعالى .
======================
رابط doc
رابط pdf