الجمعة، 14 فبراير 2020

بيوت منورة | كيف يحبنا الله؟



الاعتبار بالزمن والانتفاع بالوقت





إن في مُرور الشهور والأعوامِ عبرةٌ وعِظَة، وفي طلوعِ الشمسِ وغروبِها إيذانٌ بأن هذه الدنيا شروقٌ ثم أُفول، أيامٌ تُزول، وأجيالٌ تتعاقَبُ على دربِ الآخرة، هذا مُقبلٌ وذاك مُدبِر، وهذا شقيٌّ وآخرُ سعيد، والكلُّ إلى الله يسير، والزمانُ وتقلُّباته أبلغُ الواعِظين، والدهرُ بقوارِعه أفصحُ المُتكلِّمين، ولئن طالَت الحياةُ بأحزانها، أو مضَت بأفراحها فغايتُها الفناء، والناسُ يعيشون في آخر مراحل الدنيا ..
فكل مفقود عسى أن تسترجعه، إلا الوقت، فهو إن ضاع لم يتعلق بعودته أمل، ولذلك كان الوقت أنفس ما يملكه إنسان، وكان على العاقل أن يستقبل أيامه استقبال الضنين للثروة الرائعة، لا يفرط فى قليلها بله كثيرها، ويجتهد أن يضع كل شيء، مهما ضؤل، موضعه اللائق به .
فالإسلام أعطي للوقت أهمية كبيرة واعتبره رأس مال الإنسان ، وعده من الأخلاق التي حث المسلم علي التخلق بالانتفاع بها ..
=============
رابط صوتي

الخميس، 13 فبراير 2020

التربية الجنسية أم الثقافة الجنسية


د. جاسم المطوع. التربية الجنسية أم الثقافة الجنسية

الدكتور : جاسم المطوع
أخصائي تربوي ومستشار أسري

الاعتبار بالزمن والانتفاع بالوقت



الحمد لله رب العالمين .. خلق الليل والنهار وجعلهما دائبين فقال تعالي{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)} [الإسراء] .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير .... اهتم بالوقت و أقسم به في آيات كثيرة فقال الله تعالى{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}[العصر].
وقال تعالى {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ (3)}[الليل].
كما قال الله تعالى{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)}[الفجر].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله ().. حرص علي الوقت واعتبر بالزمان.. فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به ؟ }[ رواه ابن حبان والترمذي].
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ..
أما بعـد .. فيا أيها المؤمنون ...
إن في مُرور الشهور والأعوامِ عبرةٌ وعِظَة، وفي طلوعِ الشمسِ وغروبِها إيذانٌ بأن هذه الدنيا شروقٌ ثم أُفول، أيامٌ تُزول، وأجيالٌ تتعاقَبُ على دربِ الآخرة، هذا مُقبلٌ وذاك مُدبِر، وهذا شقيٌّ وآخرُ سعيد، والكلُّ إلى الله يسير، والزمانُ وتقلُّباته أبلغُ الواعِظين، والدهرُ بقوارِعه أفصحُ المُتكلِّمين، ولئن طالَت الحياةُ بأحزانها، أو مضَت بأفراحها فغايتُها الفناء، والناسُ يعيشون في آخر مراحل الدنيا .. 
فالإسلام أعطي للوقت أهمية كبيرة واعتبره رأس مال الإنسان ، وعده من الأخلاق التي حث المسلم علي التخلق بالانتفاع بها ..
لذلك كان حديثنا عن [الاعتبار بالزمن  والانتفاع بالوقت ]وذلك من خلال العناصر الرئيسية الآتية  وهي :ــ 
1ـ قيمة الوقت في الإسلام .
2ـ خصائص الوقت .
3ـ مضيعات الوقت .
4 ـ أوقات الندم علي الوقت.
5ـ كيفية التعامل مع الوقت.
6ـ نماذج من السلف في حفظ أوقاتهم . 
7 ـ الخاتمة .
-------------------------------------------
العنصر الأول : قيمة الوقت في الإسلام :ــ
فإنَّ الوقت هو عُمر الإنسان، ورأس مالِه في هذه الحياة؛ ذلك أنَّ كلَّ يوم يمضي على الإنسان يأخذ من عُمره ويُقَرِّبه إلى أَجَلِه، فكان حري بالعاقل أن يستغلَّ ويمضي هذا الوقت الذي مَنَحَهُ الله إياه فيما يرضي ربه، وأن يحقِّق لنفسِه السعادة في الدُّنيا والآخرة.
ولقد نظرَ النبي () إلى الشمسِ عند غروبِها فقال:{لم يبقَ من دُنياكم فيما مضى منها إلا كما بقِيَ من يومكم هذا فيما مضَى منه}. [رواه أحمد].
والوقتُ ثمينٌ بلحَظاته، ويزيدُ نفاسةً إذا لم يبقَ منه سوى اليسير، واللهُ أقسمَ به فقال: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر: 1، 2].
ومن الناسِ من كتبَ الله له فُسحةً في العُمر، ومنهم من يخطَفُه الأجلُ سريعًا، وخيرُ الناس من عاشَ في لحَظاتها ليرتقِيَ بها إلى آخرته.       
إن الوقت من أغلى النعم على الإنسان ، لأنه وعاء كل عمل و انتاج ، فيحرم على المسلم تضييع وقته و هدره في أمور تضره و لا تنفعه، فمن جهل قيمة وقته ندم بعد فوات الأوان .  
  العنصر الثاني : خصائص الوقت :ــ
المسلم يدرك أهمية الوقت ، و يتعامل معه في ضوء خصائصه و منها :
1- الوقت سريع الانقضاء :ــ
فمهما طال عمر الإنسان في هذه الحياة فهو قصير، فهو يمر مر السحاب ويجري جري الريح سواء كان زمن مسرة وفرح ، أم كان زمن اكتئاب ، وإن كانت أيام سرور تمر أسرع ، وأيام الهموم تسير ببطئ وتثاقل لا في الحقيقة ولكن في شعور الإنسان ومهما طال عمر الإنسان في هذه الحياة الدنيا فهو قصير مادام الموت هو نهاية كل حي .
ورحم الله الشاعر الذي قال :ـ
وإذا كان آخر العمر موتا    فسواء قصيره والطويل .
وقال آخر :ــ
مرت سنين بالوصال و بالهنا        فكأنها من قصرها أيام
ثم انثنت أيام هجر بعدها       فكأنها من طولها أعوام 
ثم انقضت تلك السنون و أهلها       فكأنها وكأنهم أحلام
وعند الموت تنكمش الأعوام والعقود التي عاشها الإنسان حتي لكأنها لحظات مرت كالبرق الخاطف ، يحكي عن شيخ المرسلين نوح عليه السلام عندما جاءه ملك الموت ليتوفاه بعد أكثر من ألف سنة عاشها قبل الطوفان وبعده فسأله يا أطول الأنبياء عمرا ؟
كيف وجدت الدنيا ؟
فقال وجدت الدنيا كدار لها بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر .
ويؤكد ذلك قول الله تعالي عند قيام الساعة حاكيا عن الإنسان {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)}[النازعات] .
2- إن ما مضى من الوقت لا يعود و لا يعوض :ــ
فكل يوم يمضي وكل ساعة تنقضي ، وكل لحظة تمر ليس في الإمكان استعادتها  ، وبالتالي لا يمكن تعويضها ، وهذا ما عبر عنه الحسن البصري بقوله البليغ  " ما من يوم ينشق فيه فجر إلا و ينادي : يا ابن آدم أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني ، فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة ".
  أنه أنفس وأغلي ما يملك الإنسان :ـــ
ولما كان الوقت سريع الإنقضاء وكان ما مضي منه لا يرجع ،ولا يعوض بشئ ، كان الوقت أنفس وأثمن ما يملك ويرجع نفاسة الوقت إلي أنه وعاء لكل عمل ، وكل إنتاج فهو في الواقع رأس المال الحقيقي للإنسان فردا أو مجتمعا ، إن الوقت ليس من ذهب فقط كما يقولون ولكن الوقت أغلي من ذلك إنه هو الحياة ، فما حياة الإنسان إلا الوقت الذي يقضيه من ساعة الميلاد إلي ساعة الوفاه ، وفي هذا قال الحسن البصري " يا ابن آدم  إنما أنت أيام مجموعة كلما ذهب يوم ذهب بعضك ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل ،وأنت تعلم فاعمل ، فاليوم عمل بلا حساب وغدا حساب بلا عمل . 
 قال الوزير ابن هبيرة- رحمه الله :ـ
والوقت أنفس ماعُنيت بحفظه                 وأَراه أسهل ماعليك يضيع
العنصر الثالث : مضيعات الوقت وما يترتب عليها :ـ
من المؤسف أن كثير من الناس إلا من رحم الله عز وجل لا يبالون بإضاعة أوقاتهم ويضمون إلي هذه الجريمة السطو علي أوقات غيرهم لاراقتها علي التراب .
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (): {نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ}[ رواه البُخاريُّ].
وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالي ... (ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً ، إن طال الليل فبحديث لا ينفع ، أو بقراءة كتاب فيه غزاة و سمر ، وإن طال النهار فبالنوم، وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق، فشبهتهم بالمتحدثين في سفينة  وهي تجري بهم ، وما عندهم خبر، ورأيت النادرين قد فهموا معنى الوجود ، فهم في تعبئة الزاهد ، والتأهب للرحيل ، إلا أنهم يتفاوتون ، وسبب تفاوتهم قلة العلم وكثرته بما ينفق في بلد الإقامة ، فالمتيقظون منهم يتطلعون ، إلى الأخبار بالنافق هناك ، فيستكثرون منه فيزيد ربحهم ، والغافلون منهم يحملون ما اتفق ، و ربما خرجوا لا مع خفير ، فكم ممن قد قطعت عليه الطريق فبقي مفلساً .
فا الله الله في مواسم العمر ، و البدار قبل الفوات ، واستشهدوا العلم ، واستدلوا الحكمة ، ونافسوا الزمان ،و ناقشوا النفوس ، و استظهروا بالزاد، فكأن قد حدا الحادي فلم يفهم صوته من وقع دمع الندم" .           
و يقول ابن القيم رحمه الله عز وجل : (من أعظم الاضاعات إضاعة القلب وإضاعة الوقت فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة وإضاعة الوقت من طول الأمل فاجتمع الفساد كله في اتباع الهوى وطول الأمل ، والصلاح كله في إتباع الهدي والإستعداد للقاء الله المستعان ).
وكان بعض الحكماء يقول  "أعز الأشياء شيئان : قلبك ووقتك فإذا أهملت قلبك وضيعت وقتك فقد ذهبت منك الفوائد "
وكان بعض السلف يقول " من علامة المقت إضاعة الوقت "
وقال بعضهم " من كان يومه كأمسه فهو مغبون، ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون"
وقال بعضهم " ما من يوم يمضي من غير حق يقضيه، أو فرض يؤديه، أو مجد، أو حمد يحصله، أو خير يأسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق ذلك اليوم، وظلم نفسه".
وقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه : "إني لأكره أن أري أحدكم سبهللا ( أي فارغا) لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة ".
هناك أناس وما أكثرهم، يقتلون الوقت، إنهم ينتحرون، ولكن انتحارهم هو انتحار بطيء".
كان أحد العلماء الصالحين، كان يمشي في الطريق مع أحد تلاميذه فرأى مقهى يعج برواده، فقال: آه لو أن الوقت يشترى من هؤلاء، لو أن الوقت يباع لاشتريته من هؤلاء.
الذي يجلس على مائدة النرد يقتل وقته، الذي يجلس مع صديقه على رقعة الشطرنج يقتل وقته، الذي يلعب الورق يقتل وقته، الذي يجلس وراء الملهيات ليتابع المسلسلات يقتل وقته، هذا الذي يقتل وقته ينتحر انتحاراً بطيئاً وهو لا يدري، لأنك وقت، لأنك بضعة أيام، ولك مهمة خطيرة، إن هذه المهمة يبنى عليها سعادة الآخرة، يبنى عليها سعادة الأبد وأنت في هذا الوقت الحرج.
مثلاً: طالب يجلس على طاولة الامتحان، وهناك وقت محدود، فإذا أمضى هذا الوقت في ألعاب، أو في حركات، أو في كتابات لا طائل منها، ونسي أن يكتب الإجابات، هذه الساعات الثلاث، ساعات الامتحان خطيرة جداً، يبنى عليها النجاح أو الرسوب، والله الذي لا إله إلا هو ما وقتنا بأقل خطورة من هذه الساعات الثلاث التي يمضيها الطالب وهو على طاولة الامتحان، نوع الإجابة، دقة الإجابة، صحة الإجابة، تنظيم الوقت، ربما يسهم في نجاحك.
أيها الإخوة الأكارم :
شيء آخر يتعلق بالوقت الآن هناك نعمة لا يعرفها معظم الناس نعمة الفراغ، أن يبقي لك عملك وقت فراغ، هناك أعمال تستغرق أوقات الإنسان كلها، هذا العمل لو در عليك مئات الألوف في كل شهر فهو خسارة، العمل الذي يستغرق الوقت كله خسارة محققة، لأن هذا العمل لن يبقي لك وقتاً تفكر فيه بمهمتك، هذا العمل، وهذا الدخل الكبير لم يبقِ لك وقتاً تعرف فيه نفسك، تعرف فيه ربك، تعرف فيه لماذا أنت في الدنيا هذا شيء خطير، لذلك من أبقى له عمله نعمة الفراغ فهذه نعمة لا تقدر بثمن.
وسأذكر لكم بعض مضيعات الوقت :ـ
1 ـ مضيعات ذاتية . 2 ـ مضيعات بيئية . 
المضيعات الذاتية :ـ
1ـ عدم الاحساس بقيمة الوقت مما يؤدي إلي إهدار الوقت وعدم استثماره الاستثمار الأمثل .
2ـ عدم وضوح الأهداف ومما يؤدي إلي عدم تحقيق الهدف المطلوب .
3 ـ التسويف .
4ـ الغفلة .
5ـ حب الجدل  .
6ـ الافتقار إلي التخطيط .
7ـ عدم تحديد الوقت اللازم للانتهاء من العمل . 
8 ـ ترك الأعمال قبل الانتهاء منها .
9 ـ عدم تحديد الأولويات .
المضيعات البيئية :ـ
1 ـ نظام الشلل الغير منظم .
2 ـ الزيارات المفاجئة والطويلة والدردشة والثرثرة .
3 ـ الانتظار سواء في الطوابير العامة أو عند الطبيب أو عند المحامي أو خلاف ذلك .
4- الهواتف.
5- الاجتماعات.
6 - التلفاز. 
7- الإنترنت.
العنصر الرابع : مواقف الندم على ضياع الوقت :ـ
بين الله عز و جل في كتابه الكريم موقفين يندم فيهما الإنسان على ضياع وقته ، حيث لا ينفع ندم و هما :
1- ساعة الاحتضار ، حيث يستدبر الإنسان الدنيا و يستقبل الآخرة ، فيتمنى لو منح مهلة أخرى من الزمن كي يعمل صالحاً ، قال تعالى يصف قول المقصر الذي أضاع وقته في الأعمال الفاسدة : قال تعالي {رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ(10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)}[المنافقون] .
2- يوم القيامة ، حيث تجزى كل نفس بما عملت ، و يدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، فيتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى الحياة الدنيا ، ليعملوا صالحاً ، قال الله عز وجل واصفاً أمنيتهم : {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ۚ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ(37)}[فاطر].
العنصر الخامس :  كيفية التعامل مع الوقت :ــ
والفراغ نعمة يغفل عنها كثير من الناس.. فتراهم لا يؤدون شكرها، ولا يقدرونها حق قدرها ففراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة، فإذا كفر العبد هذه النعمة بأن فتح على نفسه باب الهوى، وأنجرّ في قياد الشهوات، شوّش الله عليه وسلبه ما كان يجده من صفاء قلبه.
قال النبي ():{ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عزّ وجل فيها}.
والذكر هنا كلمة تعظّم اللهَ باللسان.. وإنتاجٌ يسعد الأمة ويرفع من شأنها.
أثمن شيء تملكه هو الوقت، إنه رأس مالك، حياة كل منا مجموعة أيام، كيف يستهلكها، إما أن يستهلكها، وإما أن يستثمرها، إن استهلكها في طلب الدنيا، وجاء الموت، ندم على ما فعل، وإن استثمرها في عمل صالح وجاء ملك الموت، شعر بالنجاح، شعر بالتفوق، شعر بالفوز، شعر بالتوفيق، شعر بأنه إنسان عرف ربه وعرف مهمته وعرف نفسه.
إن الذي يمسك بالأموال بيده ويلقيها في الطريق هذا ما اسمه بالشرع ؟
اسمه سفيه، يعني أحمق، وهذا السفيه يحجر عليه شرعاً، الذي ينفق ماله جزافاً من غير تبصر، من غير حكمة يسمى في الشرع سفيهاً، والسفيه يحجر عليه.
نعلم جيدا أن بذل المال أهون من بذل النفس، أهون بكثير، إذاً الحياة أغلى من المال، إذاً الذي يبدد ماله من غير حكمة يعد عند المجتمع سفيهاً، ويجب أن يحجر عليه، فكيف بالذي يبدد وقته، وهو أغلى من المال، إن الذي يبدد وقته من دون طائل لهو أحق من أن يحجر عليه من هذا الذي يبدد ماله، الوقت ثمين، لا تنسَ هذه الكلمة، أنت وقت أنت بضعة أيام، بضعة سنين وأعوام، أنت بضعة دقائق وثوان، دقات قلب المرء قائلة له، القلب يدق، إذاً أنت حي، فإذا توقف القلب انتهت الحياة، وهذا القلب له أجل.
وصدق القائل :
دقات قلب المرء قائلة لـــه          إن الحياة دقائق و ثوان
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها         فالذكر للإنسان عمر ثانٍ
أيها الأخوة الأكارم ...
فرق دقيق بين الوقت والمال، المال إذا ضاع يعوض، ولكن الوقت إذا ضاع لا يعوض، عقارب الزمن لا ترجع إلى الوراء. 
ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها .
الوقت في نظر الإسلام.. هو كل ما في الحياة.. وأن المسلم سيحاسب يوم القيامة ليس عن عبادته وذكره فحسب، ولكنه سيحاسب عن عمره (والعمر ساعات محددة)
وهل استخدمه لمصلحته ومصلحة العباد والبلاد أم أضاعه فيما لا يفيد..؟
سيحاسب عن شبابه (رمز القوة والعطاء) كيف تصرف به.. هل استنفذه بالمتع الحسية أم استخدمه في بناء الأسرة والمجتمع الصالح..؟ 
سيحاسب عن ماله.. كيف حصل عليه.. وكيف أنفقه.. سيحاسب عن كل لحظة في حياته هل وضعت في إطارها الصحيح.. أم استهتربها.. هل استخدمها للبناء.. أم وضعها في خدمة الشيطان..؟
لذلك يقول الله تعالي {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ(8)}[التكاثر].
قال بعض المفسرين: النعيم هو الصحة والفراغ، كلمة مغبون تستعمل في البيع والشراء، كلمة تجارية، كأن النبي () شبه هذا الإنسان الذي جاء إلى الدنيا بتاجر، وعد رأس ماله الوقت، فمن أطاع الله عز وجل ربحت تجارته، ومن أطاع الشيطان خسر تجارته فصار مغبوناً، فالوقت والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس.
وقال الرسول (): {اغتنم خمسا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك} [ أخرجه الحاكم في المستدرك والبيقهي في شعب الإيمان عن ابن عباس وأحمد في مسنده ].
يا أيها الأخ الكريم، أنت بين رجلين، أو أنت أحد رجلين، إما أنك تستهلك الوقت استهلاكًا رخصياً ، وإما أنك تستثمره.
ورحم الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى يقول: "أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم".
ويقول سيدنا عمر بن عبد العزيز كلمةٌ رائعة، يقول: " إن الليل والنهار يعملان فيك  يعملان في الإنسان، يكبر الإنسان، يشيب شعره، يضعف بصره، يحتاج إلى نظارة، تضعف قوته، تضعف فاعلية أجهزته، يشعر بالوهن  إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما أنت ".
أي أعمل في الليل والنهار العمل الصالح، إن لم تعمل في الليل والنهار العمل الصالح، عمل الليل والنهار فيك، فهما يعملان فيك، فاعمل فيهما، هما يعملان فيك، هذه الخلايا تضعف، هذه الأجهزة تضعف فعاليتها، هذه المقاومة تضعف، هذه القوة تضعف، هذا البصر الحاد يضعف، هذا السمع المرهف يضعف، هذه الذاكرة تضعف، الأجهزة التي خلقها الله فيك لحكمة أرادها تضعف شيئاً فشيئاً، وكأن ضعف الأجهزة، إشارة لطيفة، تنبيه لطيف من المولى جل وعلا أن أيها الإنسان قد اقترب اللقاء، فهل أنت مستعد له، اقترب اللقاء.
وكان الصحابي الجليل بن مسعود رضي الله عنه كان يقول: {ما ندمت على شيء، ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي}.  
أيها الإخوة الأكارم، بعض العلماء يرفعون إلى النبي () هذا الحديث، وبعضهم يوقفونه على أصحاب النبي: (لا بورك لي في يوم لم أزدد فيه من الله علماً يقربني من الله عز وجل )
 ولكي نستفيد من أوقاتنا علينا الالتزام بالآتي :ــ  
1 ـ معرفة قيمة الوقت :ـ
من عرف قيمة الشيئ تمسك به ولم يضيعه مهما كانت الظروف .
يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالي " فوا عجبا من مضيع لحظة يقع فيها فلتسبيحة تغرس له في الجنة نخلة أكلها دائم وظلها في السماء ".
2 ـ المسارعة  والمسابقة في الخيرات والأعمال الصالحة :
 قال تعالي {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)}[آل عمران] .  
وقال تعالي : {سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)}[الحديد] . وقال تعالي :{وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)}[المطففين] .
وأمر النبي () بالمبادة بالأعمال قبل حلول العوائق والفتن فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ () قَالَ: (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا, أَوْ غِنًى مُطْغِيًا, أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا, أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا, أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا, أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ, أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟) [أخرجه الترمذي في سننه] .
3 ـ المداومة علي العمل الصالح ولو بالقليل :ـ
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي () كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي عليه ويبسطه بالنهار فيجلس عليه فجعل الناس يثوبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيصلون بصلاته حتى كثروا فأقبل فقال( يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل) رواه البخاري .
4ـ التبكير في الأعمال :ــ
حتي يبدأ الانسان في عمله نشيطا ولا يؤجل عمل اليوم إلي الغد وجاء في وصية سيدنا أبي بكر الصديق لعمر ابن الخطاب رضي الله عنهما حين استخلفه قال إن لله حقا بالنهار لا يقبله بالليل وله  في الليل حق لا يقبله بالنهار ).
ولما نصح أحد إخوة الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: "يا أمير المؤمنين، لو ركبتَ وتروَّحْتَ، قال: فمَن يجزي عني عمل ذلك اليوم؟ قال: تجزيه من الغد، قال: فدحني عملُ يومٍ واحد، فكيف إذا اجتمع عليَّ عملُ يومين؟!".
ويقول ابن القيم " لله علي العبد في كل وقت من أوقاته عبودية تقدمه إليه وتقربه منه فإن شغل وقته بعبودية الوقت تقدم إلي ربه ، وإن شغله بهوي ،أو راحة أو بطالة تأخر "
5ـ الاعتبار بمرور الوقت والنظر في سير السابقين :ـ
قال تعالي { يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)} [النور] .
والنظر في سيرة السابقين الناجين الذين استفادوا بأوقاتهم وسير الهالكين الذين لم يستفيدوا بأوقاتهم فننظر إلي هؤلاء الشباب الذين صنعوا لأنفسهم اسما في وقت قليل وأنجزوا أعمالا كثيرة في وقت قليل ...فهذا محمد ابن القاسم :
قال الشاعر :ـ
إن السماحة والمروؤة والندي       لمحمد ابن القاسم ابن محمد
قاد الجيوش لسبع عشرة حجة        ياقرب ذلك سؤدد من مولد

محمد ابن القاسم الذي فتح بلاد الهند عن طريق السند، انطلق من الجزيرة العربية إلي بلاد لا يعرفها ، يقود الجيوش المسلمة لتنشر الاسلام وتبلغ الأمم دعوة اسلام،  لولا طموح هذا الشاب وإقباله ما كانت باكستان وبنجلاديش ومسلموا الهند ،هذه البلاد مدينة لمحمد ابن القاسم ، ومن ذهب إلي مراكش وركب القطار متجها إلي داخل باكستان ، وجد هناك محطة مكتوب عليها محمد بن القاسم يا تري كم عمره المفاجأة عمرة 17 سنة .
6 ـ تنظيم الوقت :ــ
لقد ورد في صحف سيدنا إبراهيم عليه السلام : "يتبغي للعاقل أن لا يغفل عن ساعات أربع :ـ ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يتفكر في صنع الله تعالي ، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب ".
لكل وقت عمله وتحري الأوقات الفاضلة أوقات النشاط والكسل "إذا هبت رياحك فاغتنمها فإن لكل خافقة سكونا "
وخطوات التنظيم تكون كالتالي :ـ
ـ تحديد الهدف المطلوب من العمل.
ـ تحديد الأولويات .
ـ التخطيط الجيد وعدم العشوائية والعفوية في العمل واعتماد مبدأ ." فكر ألف ساعة واعمل ساعة واحدة "
 ـ عدم ترك العمل قبل الانتهاء منه .
ـ الاستفادة من الأوقات البينية ( المواصلات ـ أوقات الانتظار ).
7 ـ الحذر من مضيعات الوقت وخاصة الغفلة والتسويف .
ولقد حذر القرآن الكريم من مرض الغفلة ، فهو يصيب عقل الانسان وقلبه حتي ليجعل أهل الغفلة حطب جهنم أضل سبيلا من الأنعام قال تعالي {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)}[الأعراف] .
ومن هنا كان من دعاء أبي بكر الصديق رضي الله عنه " اللهم لا تدعنا في غمرة، ولا تأخذنا علي غرة ، ولا تجعلنا من الغافلين " .
 وأما التسويف فهو داء خطير لأن الإنسان لا يضمن أنه يعيش إلي الغد ،وأنه إذا ضمن أن يعيش إلي الغد فلا يأمن المعوقات من مرض طارئ ، أو شغل عارض ، أو غير ذلك من الملهيات . 
ورحم الله الإمام الشافعي :ــ

تزود من التقوى فانك لا تدري                   اذا جن ليل هل تعيشُ الى الفجر
فكم من عروس زينوها لزوجها                     وقد قبضت ارواحهم لية القدر
وكم من صغار يُرتجى طولُ عُمرِهم               وقد أدخلت أرواحـــهم ظلمـــة القــبر 
وكم من صحيح مات من غير علة                وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
وكم من فتى امسى واصبح ضاحكا                   وقد نسجت اكفانه وهو لا يدري
وكم ساكنٍ عند الصباح بقصره                وعند المساء قد كان من ساكن القبر
فداوم على تقوى الاله فانها                 أمان من الأهوال في موقف الحشر
تزود من التقوى فانك لا تدري               اذا جن ليل هل تعيش الى الفجر

العنصر السادس : نماذج من السلف في حفظ أوقاتهم :ـ
ـ كان يونس بن عبيد العبدي من صغار التابعين من شدة حفظه لوقته أنه يحدِّث تم يستغفر الله ثلاثا. )
- وكان معروف الكرخي وهو عند الحلاق ليحلق شنبه لايترك الذ كر، فكان الحلاق يقول له : كيف أقصِّ ؟ فيقول له : أنت تعمل وأنا أعمل .
- قال إبراهيم بن ا لجراح :أتيت أبا يوسف أعوده فوجدته مغمى عليه ،فلما أفاق قال لي : يا إبراهيم أيِّما أفضل في رمي الجمار ؛ أن يرميها الرجل راجلا أو راكبا ؟
فقلت راكبا .
فقال لي أخطأت . ثم قال : أمِّا ماكان يوقف عنده للدعاء فالأفضل أن يرميه راجلا ، وأما ماكان لا يوقف عنده ؛ فالأفضل أن يرميه راكبا.
 ثم قمت من عنده فما بلغت باب داره حتى سمعت الصراخ عليه .
ـ  ويقول ابن عقيل الحنبلي عن نفسه :" إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتِّى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي، وأنا منطر فلا أنهض إلا وقد  خطر لي ما أسطره"
العنصر السابع : الخاتمة ..
وفي النهاية .. وقتك .. وقتك .. رأس مالك إما أن تكون رابحا ، أو خاسرا وقد أخبرنا القرآن الكريم بأن هناك أربعة أشياء من فعلها في يومه لم يخسر: ـ 
1 – جلسة إيمان: ﴿ وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾.  
2 – عملٌ صالح: ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ .
3 –التواصي بالحق: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ .
4 – الدعوةُ التواصي بالصبر: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾. ( سورة العصر ).
إن فعلت هذه الأشياء أو بعضها في اليوم فأنت لست بخاسر، أما إذا غفلت عن هذه الأربع، وحصلت أكبر ثروة، فأنت خاسر، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: { سبع يجري للعبد أجرهن، وهو في قبره بعد موته: من علّم علما، أو أجرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، أو ورث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته } [ أخرجه البزار عن أنس ] احرص على عمل يستمر بعد الوفاة.
أخي الكريم :ـ
- لا بد أن تعرف قيمة وشرف زمانك، وأنه هو حياتك، فلا تفرِّط  فيه.
- الناس متساوون في الوقت بساعاته ودقائقه وثوانيه ، لكنهم مختلفون في استغلاله ، والاستفادة منه .
- لا وقت عند المسلم للفراغ، إلا إذا كان للاستجمام ، والراحة ، ثم معاودة النشاط مرة أخرى فهذا أمر مطلوب .
- المحاسبة الدائمة للنفس على فوات الأوقات ، وعدم استغلالها فيما .. يعود بالنفع في الدارين . واسأل نفسك ماذا قدمت لنفسي ؟ وماذا قدمت لديني ، وأمتي ؟ .
- الإلحاح على الله بالدعاء بأن يجعلك ممن يستفيد من وقته ،.. ويعمره بالخيرات ، والطاعات .
- استعذ بالله من العجز والكسل ، لأنهما قرينان ؛ فإذا اجتمعا على العبد أهلكاه ، وإن كان شابا صحيحا .
- ما أجمل أن تقرأ سير القوم ،وتنظر بعين البصيرة، كيف حافظوا على أوقاتهم ، وأصبحوا أحياء بيننا بإ ازاتهم ، وإبداعاتهم .
-ابتعد عن البطَالين ، وتجنب أهل اللهو والغفلة ،وفرِّ من المخذِّلين المثبِّطين .
- اقتصد في زياراتك إلا لصلة رحم لابد منها ، أو ما كان لدعوة خاصة لا فكاك عنها. والله يحفظك ويسددك ، ويجعلك مباركا أينما كنت .
انتهت بفضل الله

================
رابط doc
-----------
رابط pdf

الاثنين، 10 فبراير 2020

التربية الأخلاقية في القرآن الكريم

التربية الأخلاقية في القرآن الكريم






الحمد لله رب العالمين جعل الأخلاق قوام المجتمع الراقي وأساس الإنسان الفاضل.. فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له... ربط بين الأخلاق وبين الدين فقال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ(45)}[ العنكبوت]

وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم حدد الغاية الأولي من بعثته والمنهاج المبين في دعوته فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (){إنما بُعِثْتُ لأتممَ مكارم الأخلاق}[مسند البزار ]
فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.. 

أما بعـد.... فيا أيها المؤمنون:

فالإنسان جسد وروح، ظاهر وباطن، والأخلاق الإسلامية تمثل صورة الإنسان الباطنة، والتي محلُّها القلب، وهذه الصورة الباطنة هي قوام شخصية الإنسان المسلم، فالإنسان لا يقاس بطوله وعرضه، أو لونه وجماله، أو فقره وغناه، وإنما بأخلاقه وأعماله المعبرة عن هذه الأخلاق، يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (13)} [الحجرات].
ويقول (){إنَّ الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم}
وحاجة الناس إلى الأخلاق أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب لانه بفقد الطعام والشراب يضعف البدن الظاهر، أما بفقد الأخلاق هلاك الباطن وهو عبارة عن الروح والقلب وشتان بين هلاك الظاهر وهلاك الباطن فلابد من الاهتمام بالتربية الأخلاقية للمجتمع منذ البداية وحديثنا عن هذا الموضوع من خلال هذه العناصر...
1ـ المقصود من التربية الأخلاقية.
2ـ  أهمية التربية الأخلاقية.
3ـ علاقة الأخلاق بالإيمان.
4ـ أثر التربية الأخلاقية على الفرد والمجتمع.
----------------------------
العنصر الأول :ـ المقصود من التربية الأخلاقية :ــ
مجموعة المبادئ الخلقية والفضائل السلوكية والوجدانية التي يجب أن يتلقنها الإنسان، ويكتسبها ويعتاد عليها منذ تمييزه وتعقله إلي أن يصبح مكلفا إلى أن يتدرج شابا إلى أن يخوض خضم الحياة.
ومما لا شك فيه أن الفضائل الخلقية والسلوكية والوجدانية هي ثمرة الإيمان الراسخ والتنشئة الدينية الصحيحة.
العنصر الثاني :ــ أهمية التربية الإخلاقية :ــ
تظهر لنا أهمية التربية الأخلاقية في الإسلام من عدة أمور، منها:ـــ
1ـ أنها الغاية الأولي من بِعثته النبي ()

فقد صحَّ عنه () ((إنما بُعِثْتُ لأتممَ مكارم الأخلاق)).  [مسند البزار عن أبي هريرة]

والقرآن الكريم والسنة المطهرة يكشفان بوضوح عن هذه الحقائق :ـ
فقال تعالى عن الصلاة ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) العنكبوت].
وقال تعالى عن الزكاة ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) التوبة].
وقال صلى الله عليه وسلم عن الصيام (( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )). 

وقال تعالى عن الحج ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ   (197) البقرة].

وقال (): (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ).
لقد بين رسولُ الله - ()- بهذا الأسلوب أهمية الخُلق، بالرغم من أنه ليس أهمَّ شيء بُعث النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من أجله؛ فالعقيدة أهم منه، والعبادة أهم منه، ولكن هذا أسلوب نبوي لبيان أهمية الشيء، وإن كان غيرُه أهمَّ منه، فإن قال قائلما وجه أهمية الخُلق حتى يقدَّم على العقيدة والعبادة؟
فالجوابإن الخُلق هو أبرز ما يراه الناسُ، ويُدركونه من سائر أعمال الإسلام؛ فالناس لا يرون عقيدةَ الشخص؛ لأن محلَّها القلبُ، كما لا يرون كلَّ عباداته، لكنهم يرَوْن أخلاقه، ويتعاملون معه من خلالها؛ لذا فإنهم سيُقيِّمون دِينَه بِناءً على تعامله، فيحكُمون على صحتِه من عدمه عن طريق خُلقه وسلوكه، لا عن طريق دعواه وقوله، وقد حدَّثَنا التاريخ أن الشرق الأقصى ممثَّلاً اليوم في إندونيسيا والملايو والفلبين وماليزيا، لم يعتنقْ أهلُها الإسلام بفصاحة الدعاة، ولا بسيف الغزاة، بل بأخلاقِ التجَّار وسلوكِهم، من أهل حضرموت وعمان؛ وذلك لما تعاملوا معهم بالصدق والأمانة والعدل والسماحة.
وإن مما يؤسَفُ له اليوم أن الوسيلةَ التي جذبت كثيرًا من الناس إلى الإسلام هي نفسها التي غدَت تصرِفُ الناس عنه؛ وذلك لما فسَدت الأخلاق والسلوك، فرأى الناس تباينًا - بل تناقضًا - بين الادِّعاء والواقع!
2 ـ تعظيم الإسلام لحُسن الخُلق:ــ

لم يعُدِ الإسلام الخلق سلوكًا مجرَّدًا، بل عده عبادةً يؤجر عليها الإنسان، ومجالاً للتنافس بين العباد؛ فقد جعله النبيُّ ()أساسَ الخيريَّة والتفاضل يوم القيامة، فقال(): ((إن أحبَّكم إليَّ، وأقربَكم مني في الآخرة مجلسًا، أحاسنُكم أخلاقًا، وإن أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم مني في الآخرة أسوَؤُكم أخلاقًا، الثَّرثارون المُتفَيْهِقون المُتشدِّقون)).

وكذلك جعَل أجر حُسن الخُلق ثقيلاً في الميزان، بل لا شيء أثقلُ منه، فقال(): ((ما من شيءِ أثقلَ في ميزان المؤمن يوم القيامة مِن حُسن الخُلق)).
وجعَل كذلك أجرَ حُسن الخُلق كأجرِ العبادات الأساسية، مِن صيام وقيام، فقال: ((إن المؤمنَ لَيُدركُ بحُسن الخُلق درجةَ الصائمِ القائم))، بل بلَغ من تعظيم الشارع لحُسن الخُلق أنْ جعَله وسيلة من وسائل دخول الحنة؛ فقد سُئل ()عن أكثرِ ما يُدخِل الناسَ الجنَّةَ؟ فقال: () ((تقوى اللهِ وحُسن الخُلق))، وفي حديث آخرَ ضمِن لصاحب الخُلق دخولَ الجنة، بل أعلى درجاتها، فقال: ((أنا زعيمٌ ببيت في ربَضِ - أطراف - الجنَّةِ لِمَن ترَك المِراءَ وإن كان محقًّا، وببيتٍ في وسَط الجنة لِمَن ترَك الكذبَ وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنَّة لمن حسُن خلُقه)
فصاحب الأخلاق الفاضلة في مستوى الصائم القائم، بصيام وقيام مستمرين، بل إن العبد كما قال عليه الصلاة والسلام: (( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ عَظِيمَ دَرَجَاتِ الآخِرَةِ وَشَرَفَ الْمَنَازِلِ وَإِنَّهُ لَضَعِيفٌ فِي الْعِبَادَةِ )) [الطبراني عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]
هذه كلها أحاديث شريفة تبين أن الخلق الحسن هو كل شيء في الدين، بل يكاد يكون الدينُ خلقاً حسناً.
3ـ أنها أساس بقاء الأمم:ــ
فالأخلاق هي المؤشِّر على استمرار أمَّة ما أو انهيارها؛ فالأمة التي تنهار أخلاقُها يوشك أن ينهارَ كيانُها، كما قال أحمد شوقي رحمه الله تعالى:

وإذا أُصيب القومُ في أخلاقِهم فأقِمْ عليهم مأتَمًا وعويلا

ويدلُّ على هذه القضية قولُه - تعالى ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء: 16].
ويقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى : إن الله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة.
4 ـ أنها من أسبابِ المودة، وإنهاء العداوة:ــ 

يقول الله - تعالى -: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34].

والواقع يشهد بذلك، فكم من عداوةٍ انتهت لحُسن الخُلق؛ كعداوة عمرَ وعكرمة، بل عداوة قريش له - صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا قال(): "إنكم لن تسَعُوا الناسَ بأموالكم، ولكن تسعونهم بأخلاقكم"،
يقول أبو حاتم - رحمه الله -: "الواجب على العاقل أن يتحبَّب إلى الناس بلزوم حُسن الخُلق، وتَرْكِ سوء الخُلق؛ لأن الخُلق الحسَن يُذيب الخطايا كما تذيب الشمسُ الجليد، وإن الخُلق السيِّئ لَيُفسد العمل، كما يفسد الخلُّ العسلَ".
5 ـ إن الخُلق أفضلُ الجمالينِ:ــ 

الجمال جمالان؛ جمال حسي، يتمثل في الشَّكل والهيئة والزينة والمركَب والجاه والمنصب، وجمال معنوي، يتمثل في النفس والسلوك والذكاء والفطنة والعلم والأدب، كما قال القائل:

ليس الجمالُ بأثواب تُزيِّنُنا إن الجمالَ جمالُ العلم والأدبِ

وقال الشاعر:
ليس الجمالُ بمئزرٍ      فاعلم وإن رُدِّيت بردا

إن الجمالَ مناقب          ومعادن أورثن حمدا 

وقد ذكر اللهُ أن للإنسان عورتينِ؛ عورة الجسم، وعورة النفس، ولكل منهما ستر؛ فستر الأولى بالملابس، وستر الثانية بالخُلق، وقد أمر الله بالسترين، ونبَّه أن الستر المعنوي أهمُّ من الستر الحسي فقال: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأعراف: 26]؛ فطهارةُ الباطن أعظمُ من طهارة الظاهر.
العنصر الثالث :ــ علاقة الأخلاق بالإيمان :ــ
هناك علاقة طردية بين الإيمان والأخلاق:ـ فكلما كان الإيمان صحيحاً قوياً أثمر أخلاقاً حميدة،والإيمان القوي يلد الخلق القوي حتما،وأن انهيار الأخلاق مرده إلي ضعف الإيمان، أو فقدانه بحسب تفاقم الشر أو تفاهته.
لذلك قال عليه الصلاة والسلام : " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً" (رواه أبوداود والترمذي وصححه الألباني).
وفي آيات وفيرة وأحاديث كثيرة ربط الإسلام بين الإيمان وحسن الخلق، ومن أمثلة ذلك: ـ
1ـ اقتضاء الإيمان للعدل:ـ 

قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (المائدة:8).

2ـ اقتضاء الإيمان للصدق :ـ 

قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة:119).

3ـ اقتضاء الإيمان للحياء :ـ 

قال عليه الصلاة والسلام:" الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياءُ شعبة من الإيمان" (رواه مسلم وعند البخاري: بضع وستون)

4ـ اقتضـاء الإيمان للكرم والبذل:ــ 

قال صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيكرم ضيفه...الحديث" (متفق عليه).

5ـ اقتضـاء الإيمان للحب في الله :ـ 

قال عليه الصلاة والسلام:" لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم.

6ـ اقتضـاء الإيمان للصبر والشكر :

قال عليه الصلاة والسلام: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خيرٌ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراءُ شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له." رواه مسلم.

منافاة الأخلاق السيئة للإيمان الكامل ومن ذلك:ـ
1ـ منافاة السخرية والاستهزاء للإيمان

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (الحجرات:11).

2ـ منافاة سوء الظن والتجسس والغيبة للإيمان:ـ 

قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (الحجرات:12).

3ـ منافاة الكذب والإخلاف والخيانة للإيمان:ـ 

قال عليه الصلاة والسلام: "آية المنافق ثلاثٌ؛ إذا حدّث كذب، وإذا وعَدَ أخلف، وإذ ائتمن خان" متفق عليه.

منافاة إيذاء الجار للإيمان:ـ 

قال ():" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره." رواه البخاري، ويقول عليه الصلاة والسلام: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن،والله لا يؤمن قيل: من يا رسول الله؟ قال الذي لا يأمن جارُه بوائقه." رواه البخاري.

فإذا نمت الرذائل في النفس وفشا ضررها وتفاقم خطرها انسلخ المرء من دينه كما ينسلخ العريان من ثيابه وأصبح ادعاؤه للإيمان زورا فما قيمة دين بلا خلق، وما معنى الإفساد مع الانتساب لله تعالى، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين.
أيها المؤمنون من هنا ندرك الغاية من وراء الأمر بالتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل ألا وهي : نزكية نفوسنا وتطهيرها لكي نفوز برضا الرحمن، وننجو بإذن ربنا من النيران، وقد أقسم سبحانه أحد عشر قسما متوالياً على أنه لا يستحق الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا من زكت نفسه وصفت، فقال سبحانه: ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:1- 10].
ومن هنا تكون فضائل الأخلاق ومكارمها داخلة في إطار الدين وركناً أساساً من أركان العبادة.
ورد في الحديث " الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان " فالإيمان شعب، ويزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وإذا كان الحياء شعبة من الإيمان فسلب الحياء شعبة من شعب الكفر، وقس على ذلك الكذب والغدر، والسرقة، وغيرها.
فانهيار الأخلاق مرده إلى ضعف الإيمان، أو فقدانه، بحسب تفاقم الشر أو تفاهته..

فالرجل الصفيق الوجه، المعوج السلوك الذى يقترف الرذائل غير آبه لأحد. يقول رسول الإسلام في وصف حاله: "الحياء والإيمان قرناء جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر"!.
والرجل الذى ينكب جيرانه ويرميهم بالسوء، يحكم الدين عليه حكما قاسيا، فيقول فيه الرسول (): "والله لا يؤمن؟ والله لا يؤمن والله لا يؤمن. قيل: من يا رسول الله، قال : الذى لا يأمن جاره بوائقه "!!.

وفى هذا ورد عن النبي أن رجلا قال له: يا رسول الله، إن فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذى جيرانها بلسانها. فقال: "هي في النار". ثم قال: يا رسول الله فلانة تذكر من قلة صلاتها وصيامها!
وأنها تتصدق "بالأثوار من الأقط " بالقطع من العجين ولا تؤذى جيرانها. قال: "هي في الجنة" !.

فى هذه الإجابة تقدير لقيمة الخلق العالي وفيها كذلك تنويه بأن الصدقة عبادة اجتماعية!

يتعدى نفعها إلى الغير؟
ولذلك لم يفترض التقلل منها كما افترض التقلل من الصلاة والصيام، وهى عبادات شخصية فى ظاهرها.

إن رسول الإسلام لم يكتف بإجابة على سؤال عارض، في الإبانة عن ارتباط الخلق بالإيمان الحق، وارتباطه بالعبادة الصحيحة، وجعله أساس الصلاح فى الدنيا والنجاة فى الأخرى.
إن أمر الخلق أهم من ذلك ولا بد من إرشاد متصل، ونصائح متتابعة ليرسخ فى الأفئدة والأفكار.
أن الإيمان والصلاح والأخلاق، عناصر متلازمة متماسكة، لا يستطيع أحد تمزيق عراها.

لقد سأل أصحابه يوما : "أتدرون من المفلس؟! قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: المفلس من أمتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام، ويأتى وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه،ثم طرح فى النار".
ذلك هو المفلسإنه كتاجر يملك فى محله بضائع بألف، وعليه ديون قدرها ألفان، كيف يُعد هذا المسكين غنيا، والمتدين الذى يباشر بعض العبادات، ويبقى بعدها بادى الشر كالح الوجه، قريب العدوان كيف يحسب امرءا تقيا، وقد روى أن النبي ضرب لهذه الحالات مثلا قريبا.
قال: "الخلق الحسن يُذيب الخطايا كما يُذيب الماء الجليد، والخلق السوء يفسد العقل كما يُفسد الخل العسل".

فإذا نمت الرذائل فى النفس وفشا ضررها وتفاقم خطرها انسلخ المرء من دينه كما ينسلخ العريان من ثيابه وأصبح ادعاؤه للإيمان زورا.
فما قيمة دين بلا خلق؟!!
وما معنى الانتساب لله والظهور فى صورة الحريص على أداء العبادات على إقامتها وفى الوقت نفسه ترتكب أعمال يأباها الخلق الكريم والإيمان الحق.؟!!
وتقريرا لهذه المبادئ الواضحة في صلة الإيمان بالخلق القويم، يقول النبى الكريم (): " ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وحج واعتمر؟ وقال إني مسلم : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان ".
وقال فى رواية أخرى: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم "!.
وقال كذلك: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".

العنصر االرابع :ـ أثر التربية الأخلاقية علي الفرد والمجتمع :ــ
كلما ازداد تمسك المسلم بمكارم الاخلاق وفضائلها زادت قيمته وزاد رضا الله عنه وأحبه الناس وتعلقوا به وأصبح موضع ثقتهم واحترامهم.
ولنا في رسول الله ()أسوة حسنة في التحلي بالأخلاق الكريمة والصفات الحسنة، والتي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع والأمة.
1ـ نشر الأمن والأمان بين الأفراد والمجتمع:ــ 

إن أي مجتمع لا يمكن أن يعيش أفراده بأمان وانسجام ما لم تربط بينهم روابط متينة من الأخلاق الكريمة. فمكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية لا يستغني عنها أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية؛ لأن بها يتم إصلاح الفرد الذي هو الخطوة الأولى في إصلاح المجتمع كله،

وصدق القائل:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا

إذ كيف يكون هناك ثقة متبادلة بين أفراد المجتمع لولا فضيلة الصدق التي أساس الإسلام، وعقد الحياة في حياة الإسلام الاجتماعية.
وكيف يكون تعايش بين الناس في أمن وسلام لولا فضيلة الأمانة. وكيف نتصور مجتمعا مثاليا، قادرا على قيادة العالم نحو الأفضل بدون مكارم الأخلاق؟
إذا فمكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية في كل عصر من العصور حتى تصير أفراد المجتمع أفرادا مسئولا وواعيا.
2ـ سيادة التعاون والتكافل الاجتماعي بين المجتمع؛ فالمسلمون أمة واحده، يعطف غنيُّهم على فقيرهم :ـ
فالفرد المتخلق بمكارم الأخلاق لابد أن يؤدي ما عليه من حقوق اللّه عز وجل، وحقوق الناس، فإن كان موظفا أو مسؤولا فلا بد أن يتقي اللّه في رعيته وفي أسرته، وأن يؤدي لكل ذي حق حقه. فكل إنسان مكلف ومأمور بالتخلق بأخلاق النبي () وإحياء سنته الشريفة.
3ـ نبذ الفُرقة والخلاف وما يمزق المجتمعَ، والالتزام بالقِيَم والمبادئ :ـ
نري أن نبينا محمد ()الذي يجسد أخلاق القرآن العالية  ما أثر في أصحابه ومجتمعه إلا بأخلاقه السامية. فقد استطاع - بخلقه العالية  أن يغير قبائل العرب من أخلاق البداوة والتوحش إلى أخلاق السيادة والقيادة، حتى صاروا أعظم خَلق في العالم.

ألا ترى هذه الأقوام المختلفة البدائية في هذه الصحراء الشاسعة المتعصبين لعاداتهم المعاندين في عصبيتهم وخصامهم كيف رفع هذا الشخص جميع أخلاقهم السيئة البدائية وقلعها في زمان قليل دفعة واحدة؟ وجهزهم بأخلاق حسنة عالية؛ فصيرهم معلمي العالم الإنساني وأساتيذ الأمم المتمدنة؟!

وبأخلاقه السامية أيضا غلب على الأفكار، وتحبب إلى الأرواح، وتسلط على الطبائع وقلع من أعماق قلوبهم العادات والأخلاق الوحشية المألوفة الراسخة المستمرة الكثيرة.
4ـ المساهمة في خدمة المجتمع، ورفع معاناته، وتقديم ما يفيد للأمة والبشرية؛ فالمؤمن مثل الغيثِ أينما حلَّ نفَع:ــ
أنه لا نجاة ولا سعادة إلا التمسك بحقائق الإسلام التي تتمثل في التحلي بمكارم الأخلاق واتباع شريعته، يقول أحد العلماء: "... لا سعادة لأمة الإسلام إلا بتحقيق حقائق الإسلام وإلا فلا، ولا يمكن أن تذوق الأمة السعادة في الدنيا أو تعيش حياة اجتماعية فاضلة إلا بتطبيق الشريعة الإسلامية، إلا فلا عدالة قطعا ولا أمان مطلقا إذ تتغلب عندئذ الأخلاق الفاسدة والصفات الذميمة، ويبقى الأمر معلقا بيد الكذابين والمرائين.
كما أن التزام الناس بمكارم الأخلاق يؤدي إلى تقدم المجتمع وسعادته، وأن الغرب ما تفوقوا علينا إلا باتخاذهم ببعض المكارم التي يأمر به ديننا الحنيف.
5ـ وجود الأُلفة والمحبة بين الناس..
6ـ الإيجابية في المجتمع، وتفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مشتملاً على أسسه وقواعده دون تنفير للناس، أو تغييب للشريعة وتعاليمها.
7ـ بذل الخير للناس بحب وسعادة غامرة، وتفعيل الإنتاج، وثقافة البذل والعطاء بين المجتمع.
8ـ بث روح التسامح ونشرها بين الناس، تحت شعار: "وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ"، ونحو مجتمع راقٍ تسودُه الألفة والمحبة.
وليعلم أن أسلافنا لم ينجحوا في مهمتهم الدعوية إلا بأخلاقهم السامية، وأن المسلمين اليوم لو تشبعوا بأخلاق القرآن لساد الإسلام في العالم ولدخل الناس في دين اللّه أفواجا.
ولو أننا أظهرنا بأفعالنا وسلوكنا مكارم الأخلاق في الإسلام وكمال حقائق الإيمان لدخل أتباع الأديان الأخرى في الإسلام جماعات وأفواجا. بل لربما رضخت دول العالم وقاراته للإسلام.
وما ذكرنا بعض الأمور والتي تقوي بعضها بعضا كالبنيان المرصوص تؤكد أن الأخلاق لها أثر بالغ على الفرد وعلى المجتمع، وهي ضرورة اجتماعية، وأنه لا يمكن لأي مجتمع يريد التوازن في حياته أن يعيش بدونها، وأن التحلي بمكارم الأخلاق يؤدي إلى سعادة المجتمع وتقدمه وانسجامه والاعتزاز بالنفس والتواضع، وأن أي خلل فيها، يؤدي إلى خلل في المجتمع وفساده وأن الأمة الإسلامية لو التزموا بمكارم الأخلاق التي يدعو إليها الإسلام لأصبحوا سادة العالم، ولما بقي أحد على وجه الأرض إلا وتبنى هذا الدين.
وأن هذه الخصال الحميدة تبقى حصنا حصينا للمسلم في هذا الوقت الذي يتسم بالدمار، أخلاقيا وروحيا، وبإثارة هوى النفس الأمارة بالسوء وبإطلاق الهوى من عقالها.

تمت بفضل الله تعالى

--------
 رابط pdf

المشاركة المميزة

شؤم المعصية

الحمد لله رب العالمين ..أنار الطريق لعباده الصالحين فجعل العبيد ملوكا بطاعته، والملوك عبيدا بمعصيته ، فالعز كل العز في طاعته والذل كل الذل ف...