السبت، 29 يوليو 2023

المعايشة الإيمانية لاسم الله الشكور





الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الحليم الشكور ، أنعم علي عباده بالنعم التي لا تعد ولا تحصي ،وعد الشاكرين بالمزيد فقال تعالي{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ(7)}[إبراهيم].
لك الحمدُ ربَّنا بالإسلام، ولك الحمدُ بالقرآن،ولك الحمد بالصيام والقيام، ولك الحمدُ بالأهل والمال والمُعافاة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. وضع الآيات عبرة وعظة للشاكرين فقال تعالي {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)}[لقمان].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) سيد الشاكرين وإمام الذاكرين يقومُ لربِّه من الليل حتى تتفطَّر قدماه، ويقول: «أفلا أكونُ عبدًا شكورًا؟».
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين.
 أما بعـد .. فيا أيها المؤمنون 
إن حال المسلم دائما بعد كل عبادة أن يقدم الشكر والإعتراف لله بالفضل أن وفقه لأداء العبادة ، فبعد عبادة الصوم قال تعالي{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(185) }لبقرة].
وقال تعالي في معرض الحديث عن الأضحية{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)}[الحج] .
وبعد أداء كل عمل صالح حاله الحمد والشكر ،ممتثلا قول الله تعالي {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ (43)}[الأعراف] .
فمقامُ الشكرمن أعلي المقامات ومنزلة من أرفع المنازل التي يتحلي بها السائرين إلي الله تعالي ،والشكر من أسماء الله الحسني التي ينبغي أن نعيش به في حياتنا ، حتي نُحسن التعامل مع جميع نعم الله تعالي ،فنِعَم الله تترى على العباد في كل لحظة ،بل مع كل نَفَس كما قال تعالي {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[إبراهيم].
فبها يزداد الإيمان واليقين في القلب ، فيسعد الإنسان في الدارين .
لذلك كان حديثنا [عن المعايشة الإيمانية لاسم الله الشكور]، وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ...
1ـ اسم الله الشكور في القرآن الكريم.
2ـ معنى اسم الشكور في حق الله تعالي.
 الفرق بين الشكر والحمد.
4ـ المعايشة الإيمانية لاسم الله الشكور .
5ـ فضل الشكر ومنزلة الشاكرين .
6ـ  قواعد في الشكر . 
7ـ ذم الجحود والنكران وعاقبته في الدنيا والآخرة .
======================
العنصر الأول : اسم الله الشكور في القرآن الكريم :
ورد اسم الله تعالى الشكور مقترنا بالغفورفي مواضع منها :ـ
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)} [فاطر].
وقوله تعالى:{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)}[فاطر].
وقوله تعالى:{وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)}[الشورى].
ورد اسمه تعالى الشكور مقترناً باسمه الحليم في قوله تعالى:{إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ(17)} [التغابن].
نلاحظ أن اسم (الشكور) قد اقترن ثلاث مرات باسم (الغفور) واقترانه به يفيد أنه غفور لمن عصاه، وشكور لمن أطاعه، وقيل: إنه غفور لذنوبهم. شكور للقليل من أعمالهم
وورد مقترنا بالصبور في قوله تعالي {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5)}[إبراهيم].
وقوله تعالي {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)} [لقمان].
وقوله تعالي {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(19)}[سبأ].
وورد اسم الشكور بلفظ (الشاكر) في القرآن الكريم مرتين؛ مرة بلفظ (شاكرٌ) بالرفع، في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)} [البقرة] .
ومرة بلفظ (شاكراً) بالنصب، في قوله تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)} [النساء].
العنصر الثاني : معنى اسم الشكور في حق الله تعالي:
 الشاكر والشكور : الذي يشكر القليل من العمل ويغفر الكثير من الزلل، ويضاعف للمخلصين أعمالهم بغير حساب، ويشكر الشاكرين، ويذكر من ذكره، ومن تقرب إليه بشيء من الأعمال الصالحة تقرب الله منه أكثركما يقول النبي (ﷺ):{ما تصدَّقَ أحدٌ بصدَقَةٍ منْ طيِّبٍ، ولا يقبَلُ اللهُ إلَّا الطيبَ، إلَّا أخذَها الرحمنُ بيمينِهِ، وإِنْ كانتْ تَمْرَةً، فتربُو في كفِّ الرَّحمنِ حتى تَكونَ أعظمَ مِنَ الجبلِ، كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّهُ أوْ فَصيلَهُ}[صحيح الجامع ]. 
قالوا ومن معنى الشكور أنه سبحانه يرغب الخلق في الطاعة قلّت أو كثرت لئلا يستقلوا القليل من العمل، لذا كانت عائشة رضي الله عنها عندما تقرأ {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)} [الزلزلة].
 تأتي بشطر تمرة وتتصدق به وتتأول الآية وتقول مثقال ذرة إذا تمرة خيراً يره. 
قالوا وإذا أثنى الرب على عبده فقد شكره، والثناء يكون في الملأ الأعلى كما ورد في حديث ثناء الله على عبده وهو يقرأ الفاتحة. {فإذا قالَ العبدُ:(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، قالَ اللهُ تعالى: حمدني عبدي، وإذا قالَ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، قالَ اللهُ تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قالَ(مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، قالَ: مجَّدني عبدي}.[رواه مسلم].
وحين تصلي على النبي (ﷺ) يثني عليك في الملأ الأعلى، {من صلَّى عليَّ واحدةً، صلَّى اللهُ عليه عشرَ صلواتٍ، و حطَّ عنه عشرَ خطيئاتٍ، و رفعَ له عشرَ درجاتٍ}[صحيح الجامع].
وثناء الله غير ذكره لعبده قال تعالي {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)} [البقرة].
فسبحان الله العظيم هدانا للأعمال الصالحة ، ويثني علي بعد ذلك ، يعطي ويثني عليك ،ويثيب الجزيل ،وهل هناك أكثرُ إحساناً عليك وإنْعاماً ممن رزقك وأنت في بطن أمك ؟
وسوّغ لك الطعامَ والشراب ؟ وألبسك لباسَ الصحة والعافية ؟ وأعطاك المال والأهل والولد ؟ وذكّرك مولاك بنعمته فقال تعالي{أَلَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ عَيۡنَيۡنِ (8) وَلِسَانٗا وَشَفَتَيۡنِ (9) وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ (10)}[البلد]
قال سيدنا موسى عليه السلام: {يا رب إن أنا بلغت رسالاتك فمن عندك وإن أنا صليت فمن عندك وإن أنا فعلت كذا وكذا من أفعال الطاعات فمن عندك ومن قبلك فكيف أشكرك؟ قال: "الآن شكرتني"}.فالعجز عن الشكر تمام الشكر.
العنصر الثالث: الفرق بين الشكر والحمد :
 الفرق بين الشكر والحمد من وجهين:
الأول: الشكر يكون بالجوارح، والحمد يكون باللسان وبالقلب.
ولذلك نسمع بسجود الشكر، ولا نسمع بسجود الحمد، لأن الشكر يكون بالجوارح.
 ومضى في أركان الشكر أنه يكون بتسخير النعمة في طاعة الله، وهذا عمل، والعمل بالجوارح.
الثاني: الشكر يكون عند البلاء، والحمد يكون على كل حال، وقد كان النبي (ﷺ)  إذا أصابته سراء قال: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات»، وإن نزل به بلاء قال: «الحمد لله على كل حال».
العنصر الرابع : المعايشة الإيمانية لاسم الله الشكور:
قال الإمام الغزالي رحمه الله في الإحياء:"واعلم أن الشكر من جملة مقامات السالكين وهو ينظم من علم وحال وعمل".
قال: فالعلم هو الأصل، وهو يُورث الحال، والحال يُورث العمل.
1ـ معرفة النعمة من المُنعم سبحانه وتعالي:
اعتراف العبد بمنة الله عليه ، وإقرارٌ بنعمِه عليه من خيرَي الدنيا والآخرة في النفس، وفي الأهل والمال والأعمال، وفي شأن العبد كلِّه ،والشكرُ دليلٌ على أن العبدَ راضٍ عن ربِّه.
واليقين بأن هذه النعمة ليست من أحد سوى الله، ولا تلتفت للأسباب مطلقاً بل ترى نجاحك وتوفيقك في شتى أمورك محض فضل من ربك، وأن من سوى الله من الخلق إنما هم سببٌ لجريان شيء مِن النِّعم على أيديهم .قال تعالي { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ(53)}[النحل]
وهذا يسمي شكر القلب.
2ـ الفرح بإنعام الله لك :
إن لم تجد هذا الفرح فاعلم أنك لم تعرف نعمة الله من الأساس. لذا دائماً أقول اكتبوا نعم الله ، تفكروا فيها، وانظروا لمن حرمها. انظر لمن فقد بصره حتى تفرح ببصرك، وانظر لمن حرم الأولاد وينفق الآلاف لكي يرزق بطفل واحد وأنت عندك ثلاثة وأربعة، انظر له لتفرح بنعمة ربك. إذا فقدت إحساسك بالنعمة فابحث عن من فقدها، فإذا استشعرتها وشعر قلبك بالفضل والفرح والانشراح بها فهنا يتولد عن هذا الحال العمل.
وهذا يسمي شكر اللسان لقوله تعالى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)}[الضحي].
فيتحدّث العبدُ بنعمة ربِّه عليه اعترافاً بـها ، وقبولاً لها ، وشكراً لمن أسداها ، وأنعمَ عليه بـها. فيتحدث العبد بنعمة الله عليه بلسان مقاله ، وبلسان حاله .
وفي صحيح البخاري من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبيِّ (ﷺ) أنه قال : سيدُ الاستغفار أن تقول : "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدُك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ،أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليّ ، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" .
تضمّنَ الحديثُ الاعترافَ بنعمةِ اللهِ عليه . فكلُّ نعمةٍ فمن الله وحدَه حتى الشكر فإنه نعمةٌ وهي مِنْـهُ سبحانَه ، فلا يطيقُ أحدٌ أن يشكرَه إلا بنعمته ، وشكرُه نعمةٌ مِنْهُ عليه ، كما قال داود عليه الصلاة والسلام : يا رب كيف أشكرُك وشكري لك نعمةٌ من نعمك عليّ تستوجبُ شكراً آخر ؟ فقال : الآن شكرتني يا داود .
3ـ العمل علي رضا المُنعم سبحانه وتعالي :
إذا شعرت بقيمة النعمة بذلت وسعدك في تحقيق مقصود المُنعم ومحبوبه ، تجدك تريد أن تبذل لله.. تصلي أو تتصدق أو تكشف كربة أو تعين أحداً.. تفعل أي شيء يرضي الله فتفعل "
ويكونُ الشكرُ عَمَلاً بالجوارح بأن لا تعملِ الجوارحُ إلا بما يُرضي مولاها سبحانه .
فيعمل العبدُ بطاعة ربِّه ، خِدمةً لسيِّدِه ، لا يرى أنه صاحب معروفٍ بعمله ، بل ينظر إلى أعماله كلِّها على أنـها قطرةٌ في بحر جودِ مولاه جل جلاله ، وأنه مهما عمِلَ من عملٍ فإنه لا يؤدّي شُكرَ أقلَّ نعمةٍ يتقلّبُ بـها ، ولذا قام النبي صلى الله عليه و سلم الليل حتى تفطرت قدماه فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! قال: (أفلا أكون عبداً شكورا) ،{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ(13)}[سبأ].
فيجب أن يتواطأ القلب واللسان والجوارح بالشكر، فهي منظومة متكاملة، آخذ بعضها بآخية بعض، وقد أنعم الله عز وجل على العبد بالجوارح والأعضاء التي لا تُقدّر بثمن ، ولو كانت تُباع أو تُتشرى لكان الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال أكثر الناس تمتعاً بالصّحة !
قال سهل بن عبد الله :الشكر :الاجتهاد في بذل الطاعة ، مع اجتناب المعصية في السر والعلانية .
وقال الجُنيد : الشكر ألاّ يُعصى اللهَ بِنِعَمِه .
وقال الشِّبلي : الشكر : التواضع ، والمحافظة على الحسنات ، ومخالفة الشهوات ، وبذل الطاعات ، ومراقبة جبار الأرض والسماوات .
لذلك كان الشكر بالقلب والجوارح واللسان، فلا يكون شاكر إلا إذا كان قلبه مخبت، ولسانه ذاكر، وكذلك جوارحه منقاده بالطاعة لله سبحانه وتعالى.
يقول الأصفهاني في المفردات: "الشكر تصور النعمة وإظهارها وهو ثلاثة أدرب:
- شكر القلب: وهذا بتصور النعمة ودوام رؤيتها.
- وشكر اللسان: بالثناء على المنعم سبحانه وتعالي.
- وشكر سائر الجوارح: وهو مكافأة النعمة بقدر إستحقاقها، وهو أن كل شيء بك
يذعن لله سبحانه وتعالى".
ويقول ابن القيم رحمه الله: "الشكر مبني على خمس قواعد وهي :
1. خضوع الشاكر للمشكور، وحظها منك الذل والانكسار لله تعالى.
2. حب العبد للمُنعم سبحانه وتعالي ،وأن يزداد المؤمن في حبه لله تعالى.
3. اعتراف العبد بنعمة الله عليه واقراره بها، فيكثر من قوله: "أبوء لك بنعمتك علي"، ويكثر من التحدث بنعم الله تعالى. يتحدث بالنعمة لذكر المُنعم وبيان فضله لا لبيان النعمة والزهو بها.
4. ثناء العبد علي المُنعم سبحانه وتعالي بالنعمة.
5. ألا يستعمل النعم فيما يكره، لا يعصي الله ويبارزه بها.
العنصر الخامس : فضل الشكر ومنزلة الشاكرين :
إن مقام الشكر له منزلة عالية ودرجة رفيعة ، وبالشكر رفع الله الشاكرين الدرجات العليا في الدنيا والآخرة  ، وقد ميز الله الشكر والشاكرين بالفضائل العظيمة منها ...
1ـ الشكرُ أولُ وصيَّةٍ وصَّى الله تعالي بها الإنسان:
قال تعالي {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)} [لقمان].
2ـ نصف الإيمان :
فالشكر من أهم الأعمال الصالحات التي يتقرب بها العبد المسلم إلى نيل رضا ربه سبحانه وتعالى، ومنزله في الدين عظمية فهو نصف الإيمان فالإيمان نصفان، الصبر نصف، والشكر نصف.
فعن أنس رضي الله عنه- قال قال رسول الله (ﷺ){يا أنس, الإيمان نصفان نصف شكر ونصف صبر} .
3ـ سبب في رضا الله تعالي :
أخبرَ عزَّ شأنه  أن رِضاه في شُكره، فقال تعالي: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ(7)} [الزمر].
4ـ سبب من أسباب الأمن من عذاب الله:
يقول عزَّ شأنه{مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)} [النساء].
5ـ منة الله تعالي علي عباده :
بل لقد خصَّ الله الشاكرين بمنَّته عليهم من بين سائر عباده، فقال جل وعلا :{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ(53)}[الأنعام].
ولا يعبده حق العبادة إلا الشاكرين فيقول عز شأنه{وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)} [البقرة]، فلا يعبُده حقَّ عبادته إلا الشاكرون.
6ـ الشكرُ حياةُ القلب وحيَّويَّتُه :
الشكرُ دليلٌ على صفاء النفس، وطهارة القلب، وسلامة الصدر، وكمال العقل؛ بل إن الله جل وعلا خلقَ الناسَ من أجل أن يشكُروه، يقول جل وعلا{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(78)}[النحل].
7ـ من أسس الدين :
لقد تعبدنا ربنا سبحانه بالشكر له واعتبره أحد أسس الدين فقال تعالي{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)}[البقرة].
لكن كثيرين جعلوا عبادة الشكر عبادة ممسوخة بلا روح، فإما أن يكفر بها أو ينساها أو يرددها بحركات لسان مع قلب غافل وعقل لا يعي معنى شكرها .
لذلك قليل فاعله ولقد مدح الله تعالي القلة الشاكرة فقال تعالي {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)}[سبأ].
وقال تعالي :{وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)}[الأعراف]
8ـ الجزاء الحسن للشاكرين :
إن الله تعالى وعدنا بمضاعفة الأجر من الحسنات، واتبع الزيادة بالمغفرة للسيئات، والشكر على ذلك كله، فقال تعالى {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ(145)}[آل عمران].
ولقد أثنى الله عز وجل على أهل الإيمان وهم أهل الشكر فسعيهم مشكور قال سبحانه وتعالى{وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً(19)} [الإسراء], وقال عز وجل{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً(62)}[ الفرقان].
وقال سبحانه وتعالى{إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُ مَّشْكُوراً(22)} [الإنسان].
فلا ينتفع بالشكر إلا أهل الشكر قال سبحانه{وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ(12)}[لقمان].
9ـ مرتبط بطيبات الحياة :
كذلك أذن الله لعباده المؤمنين بالتمتع من طيباته التي رزقنا إياها بالحلال الطيب، ومتابعة التمتع بها بالشكر له، فقال تعالى{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)}[البقرة].
10حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام :ـ
والشكرُ أمرٌ مستقرٌّ في سُلوك المُتعبِّدين، ونهجٌ راسِخٌ في نفوس الصالحين، تمتلِئُ به قلوبُهم، وتلهَجُ به ألسِنتُهم، ويظهرُ على جوارِحهم.
وأولُ أنبياء الله نوحٌ عليه السلام ، وصفَه ربُّه بقوله تعالى {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)} [الإسراء]،
والخليلُ إبراهيم صاحب الملَّة الحنيفية قال فيه ربُّه{شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)121)}[النحل].
ويقول سليمان عليه السلام وهو ينظرُ فيما خصَّه به ربُّه من نعمه وسخَّر له من مخلوقاتِه{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ(19)} [النمل].
ويقول سبحانه وتعالي عنه أيضا {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)40)}[النمل].
ولقد حرِصَ أنبياءُ الله عليهم السلام  على تذكير أقوامِهم بهذا المقام العظيم من مقامات العبودية؛ فها هو هودٌ عليه السلام  يقول لقومه{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)} [الأعراف].
ويقول صالحٌ  عليه السلام  وهو يُعدِّدُ على قومِه ما منحَه ربُّهم من مظاهر النِّعَم والقوة{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)}[الأعراف].
أما نبيُّنا محمدٌ (ﷺ) وهو الذي قد غفرَ الله له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر، فيقومُ لربِّه من الليل حتى تتفطَّر قدماه، ويقول: «أفلا أكونُ عبدًا شكورًا؟».
العنصر السادس : قواعد في الشكر :
 القاعدة الأولى : الشكر قيد النعم :
فمن كان ذا مال أو صحة أو مكانة أو نحوها ، فليحطها بسياج الشكر، و ليدفع عن حياضها بسلاحه ،
وليعلم بأنها لن تبقى إذا لم يؤد حق الله فيها ، فإذا أردنا المحافظة على نعمة و بقاؤها ، فعلينا بالشكر فإنه
" قيد النعم " كما قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله.
وروي أيضا : أحسِنوا جوارَ نعم الله؛ فإنها قلَّ ما نفَرَت عن أهل بيتٍ فكادَت أن ترجِع إليهم.
القاعدة الثانية : ولئن شكرتم لأزيدنكم:
وهذا من فضل الله ورحمته ، فالشكر يحافظ على بقاء النعم ، ثم لا يكتفي بذلك فقط بل يزيدها .
قال ابن القيم : "والشكر معه المزيد أبدا" لقوله تعالى { لئن شكرتم لأزيدنكم } فمتى لم تر حالك في مزيد فاستقبل الشكر ".
 فمن لم يلمس الزيادة في إيمانه و عبادته ، فليراجع نفسه ، و من لم ير البركة في ماله و عياله ، فليراجع نفسه ، فإن الله وعد الشاكر بالمزيد ، و الله لا يخلف الميعاد.
القاعدة الثالثة ً: احذر الاستدراج:
 قال أبو حازم: إذا رأيت الله عز وجل سابغ نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذره .
و ذلك حين ترى زيادة النعم و إسباغها بدون شكر لله عز وجل. فهذه علامة خطر ينبغي الوقوف عندها، كما قال الله عز وجل {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)}[المؤمنون].
ولذا فسر سفيان ابن عيينه قول الله عز وجل{سنستدرجهم من حيث لا يعلمون }  قال: نسبغ عليهم النعم ونمنعهم الشكر "نعوذ بالله من ذلك.
القاعدة الرابعة كل نعمة لا تقرب من الله فهي بلية :
قال الحسن رحمه الله :"إن الله ليمتع بالنعمة ما شاء فإذا لم يشكر قلبها عليهم عذابا".
وانقلاب النعمة عذاباً مما نراه في واقعنا، فكم رأينا صاحب المال يعذب بماله، و ذا العيال يشتكي من عقوق أبنائه، و صاحب المنصب و الجاه ينكوي بلظى النعيم الذي يراه الناس يتقلب فيه.
القاعدة الخامسة: لا تعصيه بنعمه:
وهذه قاعدة متينة من قواعد الباب، لذا عرف كثير من السلف الشكر بذلك، فقد سئل الجنيد عن الشكر فقال: "أن لا يستعان بشيء من نعم الله على معاصيه "
وكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية رضي الله عنه: إن أقل ما يجب للمنعم على من أنعم عليه: أن لا يجعل ما أنعم عليه سبيلا إلى معصيته" .
ومن أقوال سيدنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه :ـ 
إذا كنت في نعمة فارعها        فإن المعاصي تزيل النعم
وحطها بطاعة رب العباد       فرب العباد سريع النقم
وكان مخلد بن الحسين يقول: كان يقال : "الشكر ترك المعاصي "فهل من الأدب أن نستعين بنعم الله على معصيته ! فنعمة البصر ينظر بها للحرام، و نعمة السمع لا تسمع الذكر و القرآن، و المال لا يزكى و لا ينفق منه في سبيل الرحمن ، و تستغل المناصب و الجاهات و القدرات و المواهب في غيرما يحب واهب النعمة .
فلنسأل أنفسنا إذاً : هل نحن ممن يشكر الله أم ممن يعصيه بنعمه ؟!
القاعدة السادسةً: الشكر بالعمل:
وذلك بالعبودية لله عز وجل و التقرب إليه بأداء الفرائض أولا، فلم يشكر الله عز وجل من لم يؤد فرائضه، ثم بأداء النوافل و القربات ، ثم بحسن التعامل مع خلقه ولين الجانب لهم والبعد عن ما يضاد ذلك من سوء الأخلاق والظلم والشطط .
ثم بصرف النعم في مصارفها، واستغلالها فيما يناسبها ، فكيف يكون شاكراً من يلهج لسانه بالحمد و الشكر على نعمه ثم ترمى بعد ذلك النعم في النفايات !
أو يصرف نعمة البصر والمال والصوت والسمع.. إلخ في غير ما يحب الله عز وجل ثم يحمده و يشكره عليها بعد ذلك.
القاعدة السابعةً : لا يشكر الله من لا يشكر الناس :
 فمن قواعد الشكر أن تكافئ من أسدى لك معروفاً أو خدمة ومعونة ، مهما كان حجمها وقدرها ، فإن لم تستطع مكافأته حسياً ، فلتشكره بلسانك و تثني عليه خيراً بما قدم لك ، كما في حديث جابر مرفوعا : {من صُنع إليه معروف فليجز به ، فإن لم يجد ما يجزي به فليثن فإنه إذا أثنى عليه فقد شكره وإن كتمه فقد كفره } .
وهذا هو التوازن المطلوب من المسلم ، الذي حين فقدناه سقطنا في قاع الانفصام النكد ، فتجد من يتورع عن الربا و لكن لا يبالي بمال اليتيم.
ومن تورع عن الكذب وهو يفري أعراض الناس، والتوازن هو منح الناس حقهم من الشكر والإحسان ” لأن الله تبارك وتعالى نظم الشكر له بالشكر لذي النعمة من خلقه وأبي أن يقبلهما إلا معاً لأن أحدهما دليلٌ على الآخر وموصولٌ به‏ فمن ضيع شكر ذي نعمةٍ من الخلق فأمر الله ضيَّع وبشاهده استخف‏ ولعمري إن ذلك لموجودٌ في الفطرة قائم في العقل‏:‏ أن من كفر نعم الخلق كان لنعم الله أكفر لأن الخلق يعطي بعضهم بعضاً بالكلفة والمشقة وثقل العطية على القلوب والله يعطي بلا كلفة‏ ولهذه العلة جمع بين الشكر له والشكر لذوي النعم من خلقه" .‏
القاعدة الثامنة: و لتسألن يومئذ عن النعيم:
 فهذه الآية فيها ما يكفي من الحث على الشكر والاهتمام به ، لأنها تشمل كل نعمة على العبد قد تمتع بها كما قال الطبري رحمه الله " فالله أخبر أنه سائل هؤلاء القوم عن النعيم، ولم يخصص في خبره أنه سائلهم عن نوع من النعيم دون نوع، بل عمّ بالخبر في ذلك عن الجميع، فهو سائلهم كما قال عن جميع النعيم، لا عن بعض دون بعض " .
و قال ابن كثير "أي ثم لتسألن يومئذ عن شكر ما أنعم الله به عليكم من الصحة والأمن والرزق وغير ذلك ما قابلتم به نعمه من شكره وعبادته "
فيا لله ما أعظم غفلتنا عما يراد بنا ! فإن كان ربنا يقول :{ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا }
فلو مكث أحدنا عمره ليعد نعم الله عداً فقط بدون أن يشكرها فإنه لا يحصيها فمتى و كيف يشكرها.
ثم ما من نعمة إلا و نحن نتمتع بها وإن لم نعلم بها أو نستشعرها، ثم بعد هذا التمتع السؤال عن هذا النعيم، فهل أعددنا لهذا الموقف جواباً، وهل نبدأ بمراجعة أنفسنا ومحاسبتها لنذوق بعد طعم المزيد الذي وعدنا به لندرك بعد ما فاتنا من خير ونعيم (وما تقدموا من خير فلأنفسكم ).
العنصر السابع : ذم الجحود والنكران وعاقبته في الدنيا والآخرة :
وكما ألزمنا سبحانه بالشكر له , فقد حذرنا من الكفر بنعمته وجحودها، وحذرنا من أن نسلك مسلك من قبلنا، من أتباع الشرائع الأخرى، أن كفروا بنعم الله وجحدوها، فقال تعالى{ سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ۗ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)}[البقرة].
وقال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29)}[إبراهيم].
فبالشكر تدوم النعم ويزيد الخير وبكفرها تزول النعم ويكثر الخبث .
غافلون هم الذين يتنعمون بنعم ربهم سبحانه ويلتهون عن شكره , وخاسرون هم الذين ألهتهم النعم عن ذلك الشكر , فتقلبوا فيها ليلا ونهارا بينما هم لا يؤدون حق شكرها من صالح العمل قال سبحانه واصفا حال قرية كانت مرفهة منعمة تتقلب في أنعم الله فغفلت عن شكره وكفرت بأنعمه { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)}[النحل] .
وبينما قوم آخرون يرتعون في النعيم , فيطغون مستكبرين عن شكر ربهم بالعمل الصالح , إذ يقلب سبحانه نعيمهم نقمة , ورغدهم خسرانا قال سبحانه وتعالي :{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)}[سبأ].
فقد كانوا يعيشون من الرغد أطيبه، ومن الرزق أوسعه، ومن القوة أشدها، ومن الأمن أهنأه.
قال ابن كثير رحمه الله:كانت سبأ ملوك اليمن وأهلها ، وكانت التبابعة منهم ، وبلقيس صاحبة سليمان
منهم ، وكانوا في نعمة وغبطة في بلادهم ، وعيشهم واتساع أرزاقهم وزروعهم وثمارهم .
"وكان من أمر السد أنه كان الماء يأتيهم من بين جبلين، وتجتمع إليه أيضا سيول أمطارهم وأوديتهم، فعمد ملوكهم الأقادم فبنوا بينهما سدّا عظيما محكما، حتى ارتفع الماء وحكم على حافات الجبلين، فغرسوا الأشجار واستغلوا الثمار في غاية ما يكون من الكثرة والحسن كما ذكر غير واحد من السلف منهم قتادة أن المرأة كانت تمشي تحت الأشجار وعلى رأسها مكتل أو زنبيل وهو الذي تغترف فيه الثمار فيتساقط من الأشجار في ذلك ما يملؤه من غير أن يحتاج إلى كلفة ولا قطاف؛ لكثرته ونضجه واستوائه، وكان هذا السد بمأرب بلدة بينها وبين صنعاء ثلاث مراحل، ويعرف بسدّ مأرب، وذكر آخرون أنه لم يكن ببلدهم شيء من الذباب ولا البعوض ولا البراغيث ولا شيء من الهوام، وذلك لاعتدال الهواء وصحة المزاج وعناية الله بهم ليوحدوه ويعبدوه"
وقال ابن كثير أيضا : "وبعث الله إليهم الرسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه ، ويشكروه بتوحيده وعبادته ، فكانوا كذلك ما شاء الله ثم أعرضوا عما أمروا به ، فعوقبوا بإرسال السيل والتفرق في البلاد ، شذر مذر .. وعوقبوا بالقحط والجذب .. وذلك بسبب كفرهم وشركهم بالله ، وتكذيبهم الحق وعدولهم عنه إلى الباطل"
وفي الختام :ـ 
أيها المؤمنون ......
إذا كان الشكر بهذه المكانة فحري بنا أن ندعوا بدعاء رسول الله (ﷺ) ، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، أن رسول الله (ﷺ) أخذ بيده، وقال: «يا معاذ، والله إني لأحبك، فلا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك،
وشكرك، وحسن عبادتك» [أبو داود].
قابِلوا إحسانَ ربِّكم بالإحسان، واحفَظوا النِّعَم بالطاعة والعِرفان؛ ففضلُ الله عظيم، وإنعامُه جسيم، وخيرُه عميم، وكل شكرٍ وإن قلَّ ثمنٌ لكل نوالٍ وإن جلَّ.
ومن لم يكن لقليل المعروف عنده وقعٌ أوشكَ ألا يشكُر الكثير. جعلني الله وإياكم من خير الشاكرين.
اللهم صل وسلم وبارك وأنعم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
================================= 
رابط doc

رابط pdf

 

الخميس، 27 يوليو 2023

الأمانة كما يصوها القرآن الكريم

 



الحمد لله رب العالمين، خلق الكون ووضع كل شيء في موضعه بنظام دقيق، واستأمن الإنسان على هذا الكون وحمله الأمانة العظمى بعدما عرضها على السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان، فقال تعالى: } إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(72){[الأحزاب].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.. جعل الأمانة من أخلاقه العظيمة، فهو القائل:} فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(64){[يوسف].

وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ربَّى أتباعه على الصدق والأمانة فربط بين الإيمان والأمانة، فقال (ﷺ) }لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له{ ]رواه أحمد[.

فاللهم صل على سينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا.

أمَّا بعدُ: فيا أيها المؤمنون..

لقد أعطتنا الهجرة درسًا عظيمًا في التمسك بالأخلاق العالية في أحلك المواقف ومع أعدى الأعداء، وهي أنَّ المبادئ لا تتجزَّأ، وأنَّ الالتزامَ بها ضرورةٌ لأهل العقيدة، رغمَ كلِّ الظروف، فالنبيُّ (ﷺ) كان حريصًا على أداءِ الأمانات التي كانتْ مودعةً لديه إلى أهلها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): }أدِّ الأمانةَ لمَن ائتمنَك، ولا تَخُن مَن خانك{ ] أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه الحاكم [.

فترَك (ﷺ)على بنَ أبي طالِب رضي الله عنه في فِراشه، وهو أمرٌ عجيب، هؤلاءِ الناس استباحوا دمَه، وأرادوا قتْلَه، بل أدْمَوه، وآذوه ،وطاردوه، لكنَّه لم يشأْ قتلَهم، ولم يستبِحْ أموالهم، ولو كلَّفه ذلك بالمخاطرةِ بابن عمِّه، وصَدَق الله العظيم حيث قال : } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58){ [النساء].

أراد النبي (ﷺ) أن يعلمنا أن قيم الإسلام ثابتة لا تتجزأ ولا تتغير حتى مع الأعداء.

ولأهمية الأمانة ومفهومها الشامل كما صوره القرآن الكريم كان موضوعنا }الأمانة كما يصورها القرآن الكريم{، وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية، وهي:

1- تعريف الأمانة.

2- مكانة الأمانة في الإسلام.

3- حاجة الأمة إلى الأمانة.

4- مجالات الأمانة في الحياة.

5- أثر الأمانة على الفرد والمجتمع.

6- كيفية اكتساب خلق الأمانة.

العنصر الأول: تعريف الأمانة:

الأمانةُ :ضد الخيانة وهي صفة جميلة، وهي : وضع كل شيء في موضعه، وهي أداء الحقوق، والمحافظة عليها، فالمسلم يعطي كل ذي حق حقه.

ورأينا في القرآن الكريم مخايل الأمانة على نبي الله موسى عليه السلام، حين سقى لابنتي الشيخ الكبير ورفق بهما، واحترم أنوثتهما وكان معهما شريفًا عفيفًا، قال تعالى: }فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلۡتَ إِلَيَّ مِنۡ خَيۡرٖ فَقِيرٞ (24) فَجَآءَتۡهُ إِحۡدَىٰهُمَا تَمۡشِي عَلَى ٱسۡتِحۡيَآءٖ قَالَتۡ إِنَّ أَبِي يَدۡعُوكَ لِيَجۡزِيَكَ أَجۡرَ مَا سَقَيۡتَ لَنَاۚ فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيۡهِ ٱلۡقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفۡۖ نَجَوۡتَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ (25) قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا يَٰٓأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ (26)){ ]القصص[.

وهنا يظهر لنا في تعريف الأمانة أنها:

1- عفة الأمين عما ليس له به حق.

2- تأدية الأمين ما يجب من حق لغيره.

3- اهتمام الأمين بحفظ ما استؤمن عليه من حقوق وعدم التفريط بها والتهاون بشأنها.

العنصر الثاني: مكانة الأمانة في الإسلام:

الأمانة : خلق جليل من أخلاق الإسلام، وأساس من أسسه، فهي فريضة عظيمة حملها الإنسان، بينما رفضت السموات والأرض والجبال أن يحملنها لعظمها وثقلها، يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]

1- الأمانة خلق من أخلاق الله عز وجل: فإنه إذا استودع شيئًا حفظه، وإذا أئتمن على شيء رعاه حق الرعاية؛ حيث يقول ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ يوسف.

و ثبت عن النبي (ﷺ) أنه قال: }إن الله إذا استودع شيئا حفظه{. رواه ابن حبان وصححه الألباني.

وكان (ﷺ) يستودع الله بقوله: }أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه{. رواه ابن السني وقال العراقي والألباني: إسناده حسن.

2- الأمانة خلق الرسول (ﷺ): ، فقد كان يلقب قبل البعثة بالصادق الأمين.

3- من أخص خصائص المجتمع الإيماني: ولقد أثنى الله على عباده المؤمنين بحفظهم للأمانة، فقال تعالى: }وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ(8)[المؤمنون[

فالأمانة هي الصفة المميزة للمجتمع الإسلامي بل هي أخص خصائصه ،وسبب فلاحه في الدنيا حيث تصان حقوق الناس ،وتحفظ أموالهم وسبب فلاحه في الدنيا والآخرة، إذ جعل الله رعاية الأمانة وحفظها وأدائها ضمن الصفات الإيمانية التي تثمر الفلاح للمؤمنين والفوز بجنة الفردوس؛ قال تعالى في بداية المؤمنون } قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ{ وبعد أن عدد صفاتهم وجعل منها الأمانة: } وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8){ [المؤمنون]، وقال في النهاية: }أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(11){[المؤمنون].

4- الأمانة دليل على إيمان العبد بالله تعالى، والخيانة دليل نفاقه، يقول النبي (ﷺ)  }آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائْتُمِنَ خان{ ]البخاري[.

ويقول (ﷺ): }لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له{ ]حديث صحيح رواه أحمد في مسنده[.

5- إنها من أغلى ما يرزقه الله للعبد، ولا يحزن بعده على أي عرض من الدنيا، كما جاء في الحديث }أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وحسن الخلق، وعفة مطعم{ صحيح الترغيب.

6- سر السعادة في الدنيا والآخرة:

ولما كانت السعادة القصوى أن يوقى الإنسان شقاء العيش في الدنيا وسوء المنقلب في الآخرة، فإن رسول الله (ﷺ) جمع في استعاذته بين الحالين معا ، فعن أبي هُرَيْرةَ قالَ : كانَ رسولُ اللَّهِ (ﷺ) يقولُ : }اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ منَ الجوعِ ، فإنَّهُ بئسَ الضَّجيعُ ، وأعوذُ بِكَ منَ الخيانةِ ، فإنَّها بئستِ البِطانةُ ]{صحيح أبو داود[

7- تؤدي للبر والفاجر:

قال ميمون بن مهران: }ثلاثة يؤدين إلى البر والفاجر: الأمانة ،والعهد، وصلة الرحم {

8- لا يحملها إلا الرجال أصحاب الهمم العالية والعزائم الصادقة، وهي فضيلة ضخمة لا يستطيع حملها الرجال المهازيل، بل إنها تُثقِل كاهل الوجود كله، ومن ثَم فلا ينبغي لإنسان أن يستهين بها، أو يُفْرِط في حقِّها، قال تعالى }إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السموات وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ (72){  [الأحزاب].

9- سبب من أسباب نيل محبة الله عز وجل لمحبة الله قال (ﷺ): }من سرَّه أن يحبه الله ورسوله فليصدق حديثه إذا حدَّث، وليؤد أمانته إذا ائتمن{؛ ]رواه البيهقي وحسنه الألباني[.

10- الأمانة يعلو بها شأن الرجال وصف بها النبي (ﷺ) شأن أبي عبيدة رضي الله عنه، فيقول: }إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ{ ]رواه البخاري[.

العنصر الثالث: حاجة الأمة إلى الأمانة:

إن الأمة في أمس الحاجة إلى الأخلاق الحسنة من الصدق والأمانة والوفاء؛ لأن الأخلاق تعكس ثقافة الأمة وحضارتها، وبقدر ما تعلو أخلاق الأمة تعلو حضارتها ، وتلفت الأنظار لها، ويتحير أعداؤها فيها، وبقدر ما تنحط أخلاقها، وتضيع قيمها تنحط حضارتها وتذهب هيبتها بين الأمم، وكم سادت أمة ولو كانت كافرة وعلت على غيرها بتمسكها بمحاسن الأخلاق كالعدل وحفظ الحقوق وغيره، وكم ذلت أمة ولو كانت مسلمة وضاعت وقهرت بتضييعها لتلكم الأخلاق، فإذا شاعت في المجتمع الأخلاق الحسنة من الصدق والأمانة والعدل والنصح أمِن الناس، وحُفِظت الحقوق، وقويت أواصر المحبة بين أفراد المجتمع، وقلت الرذيلة، وزادت الفضيلة ، وقويت شوكة الإسلام، وإذا شاعت الأخلاق السيئة من الكذب، والخيانة، والظلم، والغش، فسد المجتمع واختل الأمن، وضاعت الحقوق، وانتشرت القطيعة بين أفراد المجتمع، وضعفت الشريعة في نفوس أهلها، وانقلبت الموازين، قال رسول الله (ﷺ): }سيأتي على الناس سنوات خداعة؛ يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: ومن الرويبضة يا رسول الله؟! قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة{؛ ]رواه أحمد[.

العنصر الرابع: مجالات الأمانة في الحياة:

الأمانة في نظر الشارع واسعة الدلالة، وهي ترمز إلى معانٍ شتَّى مناطها جميعًا شعور المرء بتبعيته في كل أمر يوكل إليه، وإدراكه الجازم بأنه مسئول عنه أمام ربِّه، فالعوام يقصرون الأمانة في أضيق معانيها وآخرها ترتيبًا وهو حفظ الودائع مع أن حقيقتها في دين الله أضخم وأثقل، إنها الفريضة التي يتواصى المسلمون برعايتها ويستعينون بالله على حفظها، حتى إنه عندما يكون أحدهم على أهبة سفر يقول له أخوه "استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك"، وقد أمر الشارع بحفظ الأمانة وأدائها، وذم الخيانة، وحذر منها في نصوص كثيرة؛ منها:

 ‌قال تعالى: } إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا (58){ ]النساء[

ذكر ابن كثير رحمه الله أنها عامة في جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، وهي نوعان: حقوق الله تعالى من صلاة وصيام وغيرهما وحقوق العباد كالودائع وغيرها.

والأمانة مع ثقلها إلا أنها ليست مستحيلة، بل تتوج بها عباد الله الصالحين، حتى وصفهم الله بها فقال تعالى: }وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ(8){ ]المؤمنون[

والتفت إلى هذا التناغم اللفظي والمعنوي بين الإيمان والأمانة، في قول الحبيب (ﷺ):}لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له{، وقال تعالى:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27){ ]الأنفال[

ومجالات الأمانة متعددة، وهي:

1- الأمانة على دين الله تعالى:

وتلك أعلى مراتب الأمانة؛ لأن أعز ما يملكه الإنسان وأثمن شيء وأغلاه، دين الله وهو أتم النعم وأسبغها على المسلم: }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا(3){[المائدة].

والإسلام تمام النعمة وما رضيه الله لنا وهو تاج الرؤوس ووسام الصدور؛ لأنه تسمية الله تعالى لنا: } هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ (78) ]الحج[.

والأمانة على دين الله تتمثل في فهمه ووعيه واستيعابه والالتزام به والدعوة إليه وتسخير جميع الطاقات والامكانات الفردية والجماعية لنشرة في ربوع العالمين.

فمن الأمانة أن يلتزم المسلم بالتكاليف، فيؤدي فروض التي افترضها الله عليه على أتم وجه قاصدًا بها وجه الله تعالى.

2- الأمانة في المسؤولية والقيادة:

من معاني الأمانة وضع كل شيء في المكان الجدير به واللائق له فلا يسند منصب إلا لصاحبه الحقيق به، ولا تملأ وظيفة إلا بالرجل الذي ترفعه كفايته إليها واعتبار الولايات والأعمال العامة أمانات ثابت من وجوه كثيرة،

فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: }يا رسول الله، ألا تستعملني؟ معنى الاستعمال هنا أن يجعله عاملًا، واليًا، حاكمًا، موظفا كبيرًا، رجل مسؤولية ، قال: فضرب بيده على منكبي تحببًا، وترفقًا، وتلطفًا- ثم قال: يا أبا ذر، إنك ضعيف أي القيادة تحتاج إلى خصائص  وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها{ [أخرجه مسلم في الصحيح، وأبو داود والنسائي في سننهما].

إن الكفاية العلمية والعملية ليست لازمة لصلاح النفس قد يكون الرجل رضي السيرة حسن الإيمان ولكنه لا يحمل من المؤهلات المنشودة ما يجعله منتجا في وظيفة معينة.

ألا ترى إلى سيدنا يوسف الصديق إنه لم يرشح نفسه لإدارة شئون المال بنبوته وتقواه فحسب بل بحفظه وعلمه أيضا } قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ(55){ [يوسف].

وأبو ذر لما طلب الولاية لم يره الرسول جلدا لها فحذره منها والأمانة تقتضي بأن نصطفي للأعمال أحسن الناس قياما بها فإذا ملنا إلى غيره بهوي أو رشوة أوقرابة فقد ارتكبا بتنحية القادر وتولية العاجز خيانة فادحة، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اسْتَعْمَلَ رَجُلا مِنْ عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وخانَ رَسُولَهُ وخانَ الْمُؤْمِنِينَ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإسْنَادِ.

وعن يزيد بن أبي سفيان: قال لي أبو بكر الصديق حين بعثني إلى الشام: يا يزيد، إن لك قرابة عسيت أن تؤثرهم بالإمارة، وذلك أكثر ما أخاف عليك بعد ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ولي من أمر المسلمين شيئًا فأمر عليهم أحدًا محاباة، فعليه لعنة الله لا يقبل منه صرفًا ولا عدلا حتى يدخله جهنم)؛ رواه مسلم.

والأُمَة التي لا أمانة فيها هي الأُمَة التي تعبث فيها الشفاعاتُ بالمصالح المقرَّرة، وتطيش بأقدار الرجال الأكْفَاء؛ لتهملهم وتُقَدم مَنْ دونهم، وقد أرشدت السنة إلى أن هذا من مظاهر الفساد الذي يقع آخر الزمان؛

فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: ((إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة! فقال: وكيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: ((إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)؛ رواه البخاري.

والوالي راع على الناس بمنزلة راعي الغنم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها، والولد راع في مال أبيه، وهو مسؤول عن رعيته، والعبد راع في مال سيده، وهو مسؤول عن رعيته، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)؛ أخرجاه في الصحيحين.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من راع يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت، وهو غاش لها، إلا حرم الله عليه رائحة الجنة)؛ رواه مسلم،

ودخل أبو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان، فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قل: السلام عليك: أيها الأمير، فقال السلام أيها الأجير، فقالوا: قل: أيها الأمير، فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قل: الأمير، فقال معاوية: دعوا أبا مسلم، فإنه أعلم بما يقول، فقال: إنما أنت أجير استأجرك رب هذه الغنم لرعايتها، فإن أنت هنأت جرباها، وداويت مرضاها، وحبست أولاها على أخراها، وفاك سيدها أجرك، وإن أنت لم تهنأ جرباها ولم تداو مرضاها، ولم تحبس أولاها على أخراها، عاقبك سيدها.

وهذا ظاهر الاعتبار، فإن الخلق عباد الله، الولاة نواب الله على عباده، وهم وكلاء العباد على أنفسهم، بمنزلة أحد الشريكين مع الآخر، ففيهم معنى الولاية والوكالة ، ثم الولي والوكيل متى استناب في أموره رجلاً، وترك من هو أصلح للتجارة أو المقارب منه، وباع السلعة بثمن، وهو يجد من يشتريها بخير من ذلك الثمن، فقد خان صاحبه، لا سيما إن كان بين من حاباه وبينه مودة أو قربة، فإن صاحبه يبغضه ويذمه، أنه قد خان وداهن قريبه أو صديقه.

3- الأمانة في حفظ الجوارح:

وعلى المسلم أن يعلم أن الجوارح والأعضاء كلها أمانات، يجب عليه أن يحافظ عليها، ولا يستعملها فيما يغضب الله، وأن تنظر إلى حواسك التي أنعم الله بها عليك وإلى المواهب التي خصك به، وإلى ما حُبيت من أموال وأولاد، فتدرك أنها ودائع الله الغالية عندك، فيجب أن تسخرها في قرباته، وأن تستخدمها في مرضاته، فإن امتحنت بنقص شيء منها، فلا يستخفنك الجزع متوهمًا أن ملكك المحض قد سُلِب منك، فالله أولى بك منك، وأولى بما أفاء عليك، وله ما أخذ وله ما أعطى! وإن امتحنت ببقائها، فما ينبغي أن تجبن بها عن جهاد أو تفتتن بها عن طاعة، أو تستقوي بها على معصية؛ قال الله عز وجل: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28){ [الأنفال].

4- أمانة المجالس:

ومن معاني الأماني أن تحفظ حقوق المجالس التي تشارك فيها، فلا تدع لسانك يُفشي أسرارها ويُسرد أخبارها، فكم من حبال تقطعت ومصالح تعطلت لاستهانة بعض الناس بأمانة المجلس وذكرهم ما يدور فيه من كلام منسوبًا إلى قائله، أو غير منسوب؛ فعن جابر رضي الله عنه عن النَّبي (ﷺ)، قال: }إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة{ ] رواه أبو داود ، والترمذي ، وأحمد وحسنه الترمذي، والألباني في ((صحيح الجامع)[

وحرمات المجالس تُصان ما دام الذي يجري فيها مضبوطًا بقوانين الأدب وشرائع الدين، وإلا فليس لها حُرمة، وعلى كل مسلم شهد مجلسًا يمكر فيه المجرمون بغيرهم؛ ليلحقوا به الأذى أن يسارع إلى الحيلولة دون الفساد جهد طاقته؛ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): }المجلس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس: مجلس سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق{  ] أبو داود[

5- أمانة الكلمة:

يقول الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَار(26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ(27){[إبراهيم].

وقال سبحانه وتعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ (18){ ]ق[.

عن أبي هريرة رضي الله عنه فال :قال رسول (ﷺ): }إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالًا من رضوان الله، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم{؛ ]رواه البخاري، ومسلم[.

كم من كلمة أفرحت وأخرى أحزنت، وكم من كلمة انشرح لها الصدر، وأنس بها الفؤاد، وأحس بسببها سعة الدنيا، وأخرى انقبضت لها النفس، واستوحشها القلب، وألقت قائلها أو سامعها في ضيق أو ضنك، فضاقت الدنيا على رحبها، وكم من كلمة آست جروحًا، وأخرى نكأت، وأحدثت حروقًا وآلامًا، والكلمة في الإسلام ليست حركات يؤديها المرء، دون شعور يتبعها، بل إن الانضباط في الكلمة سمة من سمات المؤمنين الصادقين، وصدق الله تعالى إذ يقول: } قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3){ [المؤمنون].

والمؤمن الحق يشعر بقيمة كلمته؛ حيث يعرف أنها معراج للطهر وسبيل إلى الصلاح، وفي ذلك أجمل عزاء حينما تنازعه نفسه؛ ليحارب أرباب الكلام في كثرته وتفلته، دون حسيب أو رقيب؛ يقول الله تعالى: } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا(71){[الأحزاب].

قال ابن كثير رحمه الله: "يقول الله تعالى آمرًا عباده المؤمنون بتقواه، وأن يعبدوه عبادة من كأنه يراه، وأن يقولوا قولًا سديدًا؛ أي: مستقيمًا لا اعوجاج فيه، ولا انحراف ، ووعدهم أنهم إذا فعلوا ذلك، أثابهم عليه بأن يصلح لهم أعمالهم؛ أي: يوفقهم للأعمال الصالحة، وأن يغفر لهم ذنوبهم الماضية، وما قد يقع في المستقبل يلهمهم التوبة منه"؛ تفسير ابن كثير.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال رسول الله (ﷺ): }والكلمة الطيبة صدقة{؛ ]أخرجه البخاري ومسلم[.

وإن سلامة الإيمان مرتبطة بنزاهة اللسان؛ قال (ﷺ):}المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده{؛ ]رواه البخاري، ومسلم[.

وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه : قال (ﷺ): }يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تتبعوا عورات الناس، فمن تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، وفضحه ولو في بيته{؛ ]رواه البيهقي بلفظ ونحوه[.

فعلى المسلم أن ينزه لسانه من كل قبيح، وما أجمل أن يجري على لسانه الذكر والتسبيح والتحميد والاستغفار وكلمة الحق، وما أقبح أن يجري على لسانه كلمة زور أو كذب أو غيبة أو نميمة، أو استهزاء واستخفاف بالناس، أو لعن أو إفشاء سر أخيه عند الخصومة، وعلى المسلم أن يضبط لسانه عند الكلام أثناء الغضب أو الجدال، فربَّما طلق زوجته أثناء الغضب، فيكون قد أذى نفسه وأسرته ويندم ولات ساعة مندم.

6- أمانة العلاقة الزوجية:

وللعلاقات الزوجية في نظر الإسلام قداسة، فما يضمه البيت من شؤون العشرة بين الرجل وامرأته يجب أن يُطوى في أستار مسبلة، فلا يطلع عليه أحد مهما قرب، والسفهاء من العامة يُثرثرون بما يقع بينهم وبين أهلهم من أمور، وهذا وقاحة حرمها الله، فعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله (ﷺ) والرجال والنساء قعود عنده ، فقال:}لعل رجلاً يقول: ما فعل بأهله ، ولعل امرأة تُخبرها بما فعلت مع زوجها)، فأزَمَّ القوم سكتوا وجلين فقلت: أي والله يا رسول الله، إنهم ليفعلون، وإنهن ليفعلنَ! قال: "فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك شيطان لقِي شيطانة، فغَشِيها والناس ينظرون" {

 ]أخرجه أحمد[

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: }إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وتُفْضِي إِلَيْهِ، ثم يَنْشُرُ سِرَّهَا{]أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ[.

7- أمانة الودائع:

والودائع التي تدفع إلينا لنحفظها حينًا ثم نردها إلى ذويها حين يطلبونها، هي من الأمانات التي نُسأل عنها؟

وقد استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هجرته ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ ليسلم المشركين الودائع التي استحفظها، مع أن هؤلاء المشركين كانوا بعض الأمة التي استفزته من الأرض واضطرته إلى ترك وطنه في سبيل عقيدته، لكن الشريف لا يتضع مع الصغار، وقد رد النبي (ﷺ) مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة عن ابن جريج؛ امتثالاً لقوله تعالى: } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا(58){ [النساء]

 قال: نزلت في عُثمان بن طلحة بن أبي طلحة، قَبض منه النبي (ﷺ) مفتاحَ الكعبة، ودخلَ به البيت يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح، واعتبار الوديعة غنيمة باردة هو ضرب من السرقة الفاجرة؛

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: "القتل في سبيل الله يُكفر الذنوب كلها إلا الأمانة، قال: يُؤتي بالعبد يوم القيامة وإن قُتل في سبيل الله، فيُقال: أدِّ أمانتك! فيقول: أي رب، كيف وقد ذهبت الدنيا؟ فيُقال: انطلقوا به إلى الهاوية وتُمثل له أمانته كهيئتها يوم دُفعت إليه، فيراها فيعرفها، فيهوي في أثرها حتى يُدركها، فيحملها على منكبيه، حتى إذا ظنه أنه خارج زلَّت عن منكبيه، فهو يهوي في أثرها أبد الأبدين، ثم قال: الصلاة أمانة والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة، وأشياء عددها وأشد ذلك الودائع"، قال راوي الحديث: فأتيتُ البراء بن عازب، فقلتُ: ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود؟ قال: كذا! قال البراء: صدق، أما سمعت الله يقول: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل".

وقد أُلْحِق بالودائع الديون؛ لأن المدين بقرض أو سلم أو بيع لأجَلٍ؛ إما أن يكون قد أخذ أموال الناس يريد أداءها، وإما أن يكون قد أخذها يريد إتلافها، وآخذها يريد أداءها فقد أدى الأمانة، وإلا فقد خان الأمانة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ (ﷺ) قَالَ: }مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا، أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ{؛ ]البخاري، ابن ماجه، أحمد[، وقال تعالى: } فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ (283){ ]البقرة[.

وقد جاء في الحديث الصحيح نموذجًا لمن يؤدي الأمانة ويوفي ما عليه؛ روي البخاري رحمه الله تعالى بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) أَنَّهُ قال: (إن رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ. فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ. فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا. قَالَ: فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ. قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا. قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً، فَنَقَرَهَا، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا، فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ. فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ، قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إلى بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا).

العنصر الخامس: أثر الأمانة على الفرد والمجتمع:

1- إن الله يحب الأمناء ويحبهم رسول الله، ثم يحبهم الناس لذلك.

2- شيوع الثقة والتعاون بين أفراد المجتمع.

3- وجود الطمأنينة وراحة البال وسهولة التعامل بين الناس.

4- تورث الذكر الجميل بين الناس.

فالأمانة يسعد المجتمع، فتعم المودة والمحبة والإيثار، ونبذ الأنانية وحب الذات،

ويتنافس كل فرد في المجتمع في التفاني في إسعاد الجميع، وهذه بعض النماذج العالية التي تبيِّن أثر الأمانة على الفرد والمجتمع؛ قال (ﷺ) وهو يحكي لأصحابه رضي الله عنهم:}اشترى رجل من رجل عقارًا له، فوجد الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني، إنما اشتريت منك الأرض، ولم ابتع منك الذهب، فقال الذي شرى الأرض- (أي: الذي باعها): إنما بعتك الأرض وما فيها، قال: فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ فقال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: أنكحوا الغلام بالجارية ، وأنفقوا على أنفسكما منه، وتصدَّقا{.

وهذا يونس بن عبيد كان من أكابر السلف الصالح، كان يبيع الثياب في محله، وقد رتبها بحسب أسعارها؛ نوع بأربعمائة درهم، ونوع بمائتين، خلف ابن أخيه في الدكان، فجاء رجل، وطلب ثوبًا بأربعمائة، فعرض عليه ثوب المائتين، فاستحسنه، وطلبه، واشتراه ومشى به، ووضعه على يده، فاستقبله يونس، فعرف ثوبه، فسأله: بكم اشتريت هذا الثوب؟ قال: بأربعمائة، قال هذا لا يساوي أكثر من مائتين، فارجع حتى نرده، قال: يا هذا، هذا يساوي في بلدنا خمسمائة وأنا ارتضيته، فقال يونس: انصرف إلى الدكان؛ لنعيد لك فرق الثمن، فإن النصح في الدين خير من الدنيا وما فيها، ثم أخذه إلى المحل ورد عليه المائتين، وخاصم ابن أخيه، وقال له، أما استحييت! أما اتقيت الله عز وجل! تربح مثل الثمن، وتترك النصح للمسلمين، فقال: والله ما أخذه إلا ورضِي به، قال فهلا رضيتَ له ما ترضاه لنفسك!

وهذا العالم الجليل الإمام أبو حنيفة النعمان، كان تاجر قماش، جاءته امرأة بثوب حرير تبيعه له، فقال: كم ثمنه؟ قالت: مائة، فقال أبو حنيفة، هو خير من مائة، بكم تقولين؟ فزادت: مائة، قال: هو خير من مائتين، فكم تقولين؟ قالت: أربعمائة، قال: هو خير من ذلك، قالت: أتهزأ بي، وظنت أنه يهزأ بها، قال: لا والله، هاتِ رجلًا يقومه، فجاءت برجل فاشتراه بخمسمائة".

أيها الإخوة الكرام، لن نصل إلى ما نريد حتى نضبط كل شؤون حياتنا وَفق شرع الله عز وجل.

العنصر السادس: كيفية اكتساب خلق الأمانة:

1- تذكر المسؤولية والموقف أمام الله يوم القيامة، والأمانة التي تدعو إلى رعاية الحقوق وتعصم عن الدنايا لا تكون بهذه المثابة، إلا إذا استقرت في وجدان المرء ورست في أعماقه وهيمنت على الداني والقاصي من مشاعره!

وذلك معنى حديث حذيفة بن اليمان عن رسول الله(ﷺ): (إن الأمانة نزلت في جذر قُلُوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة). والعلم بالشريعة لا يغني عن العمل بها، والأمانة ضمير حي إلى  جانب  الفهم الصحيح للقرآن والسنة، فإذا مات الضمير انتزعت الأمانة، فما يغني عن المرء ترديد للآيات، ولا دراسة السنن؟

وأدعياء الإسلام يزعمون للناس وقد يزعمون لأنفسهم أنهم أُمناء، ولكن هيهات أن تستقر الأمانة في قلب تنكر للحق!

ومن ثم يستطرد حذيفة في وصفه لتسرُّب الأمانة من القلوب التي تخلخل فيها اليقين، فيروى عن الرسول(ﷺ): (ثم حدثنا عن رفع الأمانة، فقال: ينامُ الرجل النومة، فتنقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت- وهو الأثر المغاير كالنقطة على الصحيفة- ثم ينام الرجل النومة، فتنقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل- كالثبور التي تظهر في اليد مثلاً في استخدام الأدوات الخشنة- ثم قال: فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يُقال: إن في بني فلان رجلاً أمينًا، وحتى يُقال للرجل: ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان).

والحديث يصوِّر انتزاع الأمانة من القلوب الخائنة تصويرًا محرجًا، فهي كذكريات الخير في النفوس الشريرة، تمر بها وليست منها، وقد تترك من مرها أثرًا لاذعًا، بيد أنها لا تحيي ضميرًا مات، وأصبح صاحبه يزن الناس على أساس أثرته وشهوته، غير مكترث بكفر أو إيمان!

2- التعود والتنشئة، وتعظيم مكانتها في نفس المسلم منذ الصغر.

3- السعي لحسن الذكر في الدنيا، وعظيم الأجر في الآخرة بفضل الله، ثم بالتحلي بالأخلاق الحميدة، ومنها الأمانة.

4- تذكر عاقبة الخيانة وأنها دليل على النفاق.

5- الاستفادة من سيرة السلف الصالح وحالهم مع الأمانة.

وفي الختام:

أيها المؤمنون، إن الأمانة بهذا المعنى شاملة لكل ما استحفظ عليه العبد من حقوق؛ سواء كانت لله أو لخلقه، وخيانتها من صفات أهل الكفر والنفاق، فهيَّا معًا لنحيي خُلقًا عظيمًا من أخلاق الإسلام، ولنجاهد أنفسنا عليه؛ لننال عظيم الأجر من الله جل وعز، ونسعد في الدنيا والآخرة ،والله الموفق والمستعان.

انتهت بفضل الله وبتوفيقه

رابط doc

https://www.raed.net/file?id=284842

رابط pdf

https://www.raed.net/file?id=284843


المشاركة المميزة

شؤم المعصية

الحمد لله رب العالمين ..أنار الطريق لعباده الصالحين فجعل العبيد ملوكا بطاعته، والملوك عبيدا بمعصيته ، فالعز كل العز في طاعته والذل كل الذل ف...