الجمعة، 4 أغسطس 2023

المعايشة الإيمانية لاسم الله الولي




الحمد لله رب العالمين. ولي المؤمنين يخرجهم من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .فقال تعالي { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)} البقرة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... رفع عن أوليائه الخوف والحزن وأعطاهم البشري في الدنيا والآخرة بإيمانهم وتقواهم فقال تعالي { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)} يونس .
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله () أمر بالتضرع باسم الله الولي فقال () {اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِى شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِى وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ }[رواه الترمذي بسند حسن]
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا..
أما بعـــد ... فيا أيها المؤمنون...
ما زلنا في الحديث عن أسماء الله الحسني حتي يزداد إيماننا بالله تعالي فتكثر محبتنا ويقيننا بالله الواحد الأحد الرقيب الحسيب الولي، حيث قال ابن القيّم رحمه الله:أطيَبُ ما في الدنيا معرفتُه سبحانه ومحبَّته.
ومعرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لهي من أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه بالله تبارك وتعالى.
فمن أسماء الله الحسني الولي، والذي يجب أن نتعرف علي اسم الله الولي ونعيش معه يقينا فإذا ما أيقنا بالولي سكنت نفوسنا وهدأت ، وامتلأ القلب إيماناَ ،وانضبط عنده الولاء والبراء ، لذلك كان موضوعنا علي [المعايشة الإيمانية لاسم الله الولي] وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية.
1ـ  تعريف الولي .
2ـ الفرق بين ولاية الله وولاية الناس .
3ـ اسم الله الولي في القرآن الكريم والسنة المطهرة.
4ـ ولاية الله تعالي لعباده .
5ـ المعايشة الإيمانية لاسم الله الولي .
6ـ أثر الإيمان باسم الله الولي .
7ـ صور ممن تولاهم الله تعالي برعايته .
8ـ الخاتمة.
=====================
العنصر الأول : تعريف الولي :ـ
المعنى اللغوي لاسم (الوليّ): الولي صيغة مبالغة من اسم الفاعل الوالي فِعله: وَليَ، يلي، ولاية، والولي هو الذي يلي غيره بحيث يكون قريبا منه بلا فاصل.
قال الزجاجي: تقول العرب فلان وليُّ فلان أي هو متولي أمره والقيّم بشؤونه كأنه يلي إصلاح أمره بنفسه لا يكله إلى غيره.
الولي : هو الذي يلي غيره ، من يتولى أمرك ، من يدير شؤونك ، من يرعاك ، من ترجع إليه ، من تستشيره ، من تعتمد عليه.
الولاية كمصدر تولي الأمر كقوله تعالى :{فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ (282)}[البقرة] .
والولي ضد العدو والموالاة ضد المعاداة.
المعنى الشرعي لاسم (الوليّ): الولي نصير المؤمنين وظهيرهم يتولاهم بعونه وتوفيقه.
الولي: هو القريب الذي يرعاك أو المحب الذي ينصرك على أعدائك الولي.
الولي: هو أول من تفزع إليه وتقرع بابه حين تصيبك المصيبة لينصرك على أعدائك فيفتح لك ويأويك، كما في الآية قال تعالي{أَلمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى(6)}[الضحى].
الولي : هو المتولي لأمور خلقه ، القائم على تدبير ملكه ، الذي يمسك السماء أن تقع على
الأرض إلا بإذنه ، كما قال سبحانه{وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65)}[الحج] .
ويقول ابن القيم: الولي ولي الصالحين ومقيل عثراتهم وغافر زلاتهم ومقيم أعذارهم ومصلح فسادهم والدافع عنهم والمحامي عنهم والناصر لهم والكفيل بمصالحهم والمنجي لهم من كل كرب والموفي لهم بوعده وأنه وليهم الذي لا وليّ لهم سواه فهو مولاهم الحق ونصيرهم على عدوهم فنعم المولى ونعم النصير.
العنصر الثاني : الفرق بين ولاية الله وولاية الناس:ـ
قد يكون الإنسان قريبا منك في بعض الأوقات، فيتولى أمرك، لكنه لا يستطيع أن يكون بجوارك في جميع الأوقات، فَسَتمُرُّ عليك أوقات لا تجده بجوارك عند شدة احتياجك إليه؛ إما لغياب أو انشغال أو وفاة، أما ولاية الله لك فهي لا تنفكُّ عنك طرفة عين.
وولاية الإنسان تكون على عدد محدود ممن يتولاهم، فالأب وليُّ أسرته، والزوج وليٌّ زوجته، ومدير الشركة وليٌّ على العاملين بها، والحاكم ولي على شعبه، ولكن (الوليَّ) سبحانه يتولى أمر الخلائق جميعا جملة واحدة وفي وقت واحد، فهو إن التفت إليك لم يلتفت عن غيرك، وإن رزَقَك لم ينشغل عن رزق الآخرين، فلا يشغله صوت عن صوت، ولا سؤال عن سؤال، سبحانه وتعالي جلَّ شأنه ، لا تختلف عليه اللغات، ولا تختلط عليه الأصوات.
العنصر الثالث : اسم الله الولي في القرآن الكريم :ـ
اسم الله الولي ورد مطلقاً معرفاً كما في قوله تعالى : {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(9)}[الشورى] .
وقال تعالي {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ (257)}[البقرة].
وقد ورد هذا الاسم مقيداً ( أي مضافاً ) في نصوص كثيرة ، كقوله تعالى :{إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)}[الأعراف] .
وقال تعالي:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)}[المائدة].
 وقال تعالي:{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}[آل عمران].
وقال تعالي :{إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)}[آل عمران].
وقال تعالي: وقال تعالي :{لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِندَ رَبِّهِمْ ۖ وَهُوَ وَلِيُّهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)}[الأنعام].
ولا ولي سواه ، وقد ورد اسم الله الولي مطلقاً مقترنا باسم الله الحميد كما في قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)}[الشورى] .
والسر في ذلك والله أعلم أن الله عز وجل الذي يتولى شؤون عباده ويدبر أمورهم على نحو يستوجب الحمد والثناء لاتصافه بصفات الكمال من العلم والحكمة والخبرة والعزة فولايته موصوفة بالكمال وما كمل كان جديرًا في ذاته بالحمد والثناء فكيف إذا كان في ذلك صلاح من تحت ولايته واستقامة أمورهم؟
ولذلك كان الله وحده الحقيق بالحمد على المنع وعلى العطاء وعلى المحبوب وعلى المكروه ولا يُحمد على كل حال سواه. 
وورد أيضا مقترنا مع اسمه النصير مرتين منها قوله تعالى :{وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ(40)}[الأنفال].
ومرة في قوله تعالى:{وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَىٰ بِاللَّهِ نَصِيرًا (45)}[النساء].
والسر والله أعلم أن الله عز وجل هو مولى عباده المؤمنين بولاية خاصة فهو سبحانه ناصرهم ومؤيدهم .
ويقول الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالي: هناك قريب وهناك ايضًا نصير فقد يكون هناك من هو قريب منك ولا ينصرك لكن الله ولي نصير.
وورد اسم الله الولي في الحديث الشريف: عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ()  يقول: {إن آل أبي ليسوا بأوليائي إنما ولييّ الله وصالح المؤمنين ولكن لهم رحِمٌ أبلها ببلالها (أي أصلها بصلتها}[رواه البخاري].
العنصر الرابع : ولاية الله لعباده :ـ
الله جل جلاله هو " الولي " أي هو المتولي لأمور خلقه قاطبة ، القائم على تدبيرملكه ،يمسك السماء أن تقع على الأرض ، قال تعالى :{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ(33)} [الرعد].
يتابع كل إنسان ، إن كان حاله جيداً أكرمه ، وإن كان بعيداً عالجه ، هو المتولي أمور خلقه ، يمدهم بما يحتاجونه ، ويربي نفوسهم .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : ولاية الله جلّ جلاله لخلقه ولايتان ، ولاية عامة ، وولاية خاصة .
الولاية العامة
الولاية العامة تقتضي العناية والتدبير،وتصريف الأمور، وتدبيرالمقادير، فالله من فوق عرشه قريب من عباده ، هو معهم بعلمه ، يرى ما يفعلون ، يسمع شكواهم ، يعلم أحوالهم ،
قال تعالي {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)} [ق]. أي نحن أقرب إليه من روحه ، أقرب إليه من قلبه ، هذه ولاية عامة ، ولاية إمداد ، ولاية تربية ، ولاية معالجة ، ولاية مكافأة ، ولاية تأديب ، ولاية تمكين ، ولاية إعطاء أسباب ما سأله الإنسان ، ولاية أن يعطي للمعلول علته .
هذه الولاية تقتضي الخلق والرزق والإحاطة، ومنها قوله تعالى {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ(62)}[الأنعام].
الولاية الخاصة :
هذه ولاية خاصة لأهل الإيمان والتوكل ،ولاية الله للمؤمنين ولاية حفظ ونصر وتأييد،وتمكين ، قال الله تعالي:{ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)}[التوبة].
لم يقل علينا يعني المؤمن الصادق المستقيم ،لا ينبغي أن يتشاءم لأن الله يطمئنه " قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا " " لَنْ " لتأبيد النفي " إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا " من خير ،من حفظ ،من عطاء ،من توفيق،من نصر .
إذاً الله عز وجل يدبر حياة المؤمنين من ولايته الخاصة  وهذا ثابت في كتاب الله تعالي..
وقال تعالي {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141)}[النساء] .
وقال تعالي {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ (55)[النور].
وقال تعالي {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)}[يوسف] .
وعد بالتأييد ،ووعد بالتوفيق ،ووعد بالحفظ ، ووعد بالتمكين.
فالمؤمن يجب أن يُؤمن يقيناً أن الله لن يتخلى عنه أبداَ ، يؤكد هذا ما جاء في كتاب الله الكريم
قال تعالي {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)}[القصص] .
وقال تعالي {أَمْ حَسِــبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُــوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُـمْ كَـالَّذِينَ آَمَنُـوا وَعَمِلُوا الصَّــالِحَــاتِ سَـوَاءً مَحْيَاهُـمْ " فــي الدنيــا " وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)}[الجاثية] .
العنصر الخامس : المعايشة الإيمانية لاسم الله الولـــي :ـ
نحن نحتاج إلي ولاية الله لنا ولكي نحصل علي ولايته تعالي لابد أن نعيش ونحيا مع اسمه الولي عز وجل وهذه المعايشة تكون بالآتي ....
1ـ استشعار ولاية الله تعالي لأهل الإيمان..
قال تعالي {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}[آل عمران] .
وقال تعالي{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ (14)} [الأنعام].
ففي غزوة أحد جاء أبو سفيان أسفل الجبل والنبي والصحابة فوق الجبل، فقال "أفيكم محمد؟"
فقال النبي "لا تجيبوه"، فقال "أفيكم أبو بكر؟" فقال النبي "لا تجيبوه"، فقال "أفيكم عمر؟"
فقال النبي "لا تجيبوه"، فقال أبو سفيان "لنا العزة ولا عزة لكم"، فقال النبي "أفلا تجيبوه؟"
قالوا"فبما نجيب يا رسول الله؟"
قال "قولوا الله مولانا ولا مولى لكم” فبدأ الجيش كله يقول الله مولانا ولا مولى لكم. [رواه ابن حبان وصححه الألباني].
قال تعالي :{ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ(11)}[محمد].
2ـ الإيمان والتقوى:
قال تعالي:{أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(63)} [يونس].
أسهل وأجمل تعريف للتقوى هو أن يجدك حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك، وللتقوى تمام كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «تمام التّقوى أن يتَّقي اللهَ العبد حتى يتَّقيَه من مثقال ذرَّة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما، يكون حجابا بينه وبين الحرام».
من أجل أن يكون الله ولينا ينبغي أن نكون أولياءه بطاعتنا له وتوكلنا عليه.
من كان الله معه فمن عليه : لذلك سيدنا موسى ماذا قال أصحابه ؟  قال تعالي {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)} [يونس] .
وهذا سيدنا محمد () وهو في الغار ، يقول له الصديق : { نظرتُ إِلى أقدام المشركين ونحن في الغار على رؤوسنا ، فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إِلى قَدَمْيه أبْصَرَنَا تحت قدميه ، فقال : يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما } [البخاري ومسلم] .
إذا كان الله معك فمن عليك ؟
وإذا كان عليك فمن معك ؟
ويا رب ماذا فقد من وجدك ، وماذا وجد من فقدك ؟
من أجل أن يكون الله وليك ينبغي أن تكون وليه ، يعني بطاعته ، وعبادته ، والتقرب إليه .
ورد في الأثر :{عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد ، أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد}.
فمن أجل أن يكون الله ولينا ينبغي أن نكون أولياءه بطاعتنا له ، ومعرفتنا به وتوكلنا عليه .
3ـ المحافظة على الفرائض والنوافل
ففي حديث الولاية: "من عاد لي وليا فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيء أحب إلي من ما أفترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه"
وهم كل من علم علما فعمِل به كما رآهم الشافعي فقال: «إن لم يكن الفقهاءُ العاملون أولياء الله فما لله وليٌّ».
4ـ تولَّ أمور الناس ليتولاك الله:ـ
تولَّ أمر أرملة أو فقير أو يتيم أو مسكين، وخاطب ربَّك بلسان الحال: قد وليتُ أمر هؤلاء، فتولَّ أنت أمري يا وليي!
الولي مصلحٌ في الأرض وليس براهبٍ في صومعة، بل صومعته بين الناس، ومحرابه ساحة المجتمع، وصيده قلوب الغافلين، وهي أمانة ثقيلة على كل مسلم؛ علِم ما لم يعلم غيره، ورزقه الله ما لم يرزق به غيره..
يقول النبي () "ما من رجل يلي أمر من أمور المسلمين ثم لم يجهد لهم ويتعب إلا لم يكن معهم في الجنة".
هذا سيدنا عمر بن الخطاب قبل أن يكون أمير المؤمنين وهو خارج من صلاة الفجر كل يوم جمعة كان يجد سيدنا أبو بكر الخليفه يجري إلى بيت في أطراف المدينة، ويدخل ثم يخرج وقد امتلأ بالعفرة والتراب، فتتبعه سيدنا عمر في يوم حتى خرج، فطرق الباب فإذا بسيدة عجوز عمياء تفتح له ومعها ثلاثة أطفال وشاه، فقال لها عمر:"من هذا الذي يأتيكم؟".
فقالت: "والله لا أدري، هذا رجل يأتينا كل جمعة بعد الفجر يكنس البيت ويحلب الشاة ويغسل الثياب ويطبخ الطعام، يفعل ذلك كل يوم".
فبكى عمر وقال: "أتعبت من بعدك يا أبا بكر".
5ـ موالاة المؤمنين:ـ
وهي محبتهم ونصرتهم والانتماء إليهم  عقيدة إيمانية قلبيه، وشعيره دينية، ورابطة أخوية اجتماعية قويه في المؤمنين، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)}[التوبة].
من أراد أن يعلم هل هُوَ مِن أولياء الله، فلينظر كيف ولاؤه لمن والاه، وعداوته لمن عاداه، والموالاة هي القرب والنصرة ورعاية المصالح.
إن القريب له حق الصلة ولو كان كافرا، لكن ليس له حق الولاية من المحبة والنصرة، فلا يُوالَى ولا يُناصَر لما هو عليه من الباطل، فالمؤمن يوالي المؤمنين، ويحمل همَّهم، ويتألم لألمهم ، ويسعد لسعادتهم، ويدافع عنهم، وأما أقرباؤه إن كانوا غير مسلمين، فلهم عليه حقٌّ واجب يؤديه، لكن قلبه مع المؤمن.
عرف ربه الولي من والى المؤمنين وأحب الصالحين وفتح قلبه للمتقين.
وما عرف ربه الولي من عادى أولياء الله وآذاهم، فتعرَّض لسخط الله ومحاربته.
6ـ عدم موالاة الكافرين:ـ
ومن والى الله كيف يوالي أعداءه؟! قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} المائدة.
أي لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء تنصرونهم وتستنصرونهم وتؤاخونهم وتعاشرونهم، بل وتعينونهم على إخوانكم، ثم علَّل النهي بقوله {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، فكل هؤلاء أعداء للمؤمنين، ولا فارق بينهم، وفيه دليل على أن الكفر ملة واحدة، ثم هدَّد الله من خالف أمره:
{وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب عدم موالاة أعداء الدين مطلقا.
وقال تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ (28)} [آل عمران].
والأولياء هم الأنصار، والاتخاذ هنا يفيد معنى التعمد والمثابرة، وفيه مكاشفتهم بالأسرار الخاصة بمصلحة الدين، وقوله: ﴿من دون المؤمنين﴾ قيد في هذا الاتخاذ، أي لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء وأنصارا في شيء تُقدَّم فيه مصلحتهم على مصلحة المؤمنين
لقد تأول المفسرون قوله: ﴿ومن يتولَّهم منكم فإنه منهم﴾ بأحد تأويلين:
الأول: بحمل الولاية على الولاية الكاملة التي فيها الرضا بدينهم والطعن في دين الإسلام، فمن تولاهم في هذه الحال فهو منهم في الكفر والخلود في النار.
والثاني: أن يتولاهم بأفعاله من المساعدة والعون دون أن يعتقد معتقدهم ولا أن يخِلَّ بمقتضيات الإيمان، فهو مشارك لهم في المقت والذم الواقع عليهم.
وأما ما عدا ذلك كالتجارة والمعاملات الدنيوية، فلا تدخل في ذلك النفي؛ لأنه ليس فيها محادة لله ورسوله، ثم قال ربنا بعدها:
قال تعالي {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)}[المائدة].
وجملة ﴿إنما وليكم الله ورسوله﴾ إلى آخرها متصلة بجملة {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض(51)}[المائدة].
فموقعها موقع تعليل هذا النهي، لأن ولاية المؤمنين لله ورسوله ثابتة، ومن كان الله وليه لا يكون أعداء الله أولياءه، وتفيد الجملة تأكيد النهي عن موالاة اليهود والنصارى.
قال أبو الوفاء بن عقيل : ( إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان ، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع ، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك ، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة).
وقد أمر القرآن الكريم المؤمنين بالبراءة من أهل الكفر والمشركين وإن كانوا من الأقربين :
وذلك تحقيقاً لقوله تعالى {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ(22)}[المجادلة].
قال ابن مسعود رضي الله عنه  نزلت في أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه  قتل أباه يوم بدر وكان الجراح يتصدى لأبي عبيدة وأبو عبيدة يحيد عنه فلما أكثر قصد إليه أبو عبيدة فقتله.[الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي].
فقضية الولاء والبراء قربت بلالاً الأسود، وأقصت أبا لهب الأحمر، وقضية الولاء والبراء قربت صهيباً الرومي وأبعدت أبا جهل القرشي المخزومي ، وقضية الولاء والبراء قربت سلمان الفارسي وأبعدت كل نسيب وكل حسيب من أرومة قريش أو من جرثومتها.
7ـ  الدعاء باسم الله الولــــي :ـ
قال تعالي :{ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ(180)}الأعراف.
فادعوه بها مسألة وطلبا، «يا وليَّ الإسلام وأهله .. مسِّكْني الإسلام حتى ألقاك عليه».
اللهم فاطِرَ السَّماواتِ والأرضِ .. أنت وليِّي في الدنيا والآخِرَة، توفَّني مسلما، وألحِقني بالصَّالحين.
أسألك بالولي..  اجعلني سِلما لأوليائك، وحربا على أعدائك، أحب بِحُبِّك من أحبك، وأعادي بعداوتك من عاداك.
أسألك بالولي.. تولَّ أمري، ولا تتخلَّ عني..
أسألك بالولي..  اجعل ولائي وولايتي للمؤمنين، واجعل عداوتي للظالمين والممعتدين..
أسألك بالولي.. تولَّ أمري، ولا تتخلَّ عني..
العنصر السادس : أثر الإيمان باسم الله الوليِّ:ـ
لو عاش المسلم حياة حقيقة مع اسم الله الولـي لمنحه الله عدة منح وعطايا في الدنيا والآخرة فماذا سيعطيك الله إذا تولى أمرك؟
1-لا خوف ولا حزن :
 يقول الله تعالى{أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(62)}[يونس].
ليس هناك خوف في الدنيا ولا حزن في الآخرة ، أو لا يخافون على ذريتهم فإن الله تعالى يتولاهم ،ولا هم يحزنون على دنياهم لأن الله تعالى يعوِّضهم عنها.
2-البشري في الدنيا والآخرة:ـ
أما البشارة في الدنيا، فهي‏: الثناء الحَسن، والمودة في قلوب المؤمنين، والرؤيا الصالحة كما يقول المولى عز وجل في الحديث القدسي قال (): «إن الله إذا أحبّ عبداً دعا جبريل عليه السلام فقال: إني أحب فلاناً فأحبه»، قال: «فيُحبّه جبريل، ثم يُنادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبُّوه فيُحبّه أهل السماء» قال: «ثم يوضع له القبول في الأرض»،
وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق، وصرفه عن مساوئ الأخلاق.
وأما البشرى في الآخرة فهي بالجنة والرضوان من المولى عز وجل، والبُشرى لهم عند الموت، يقول المولى عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ (32)}[فصلت] .
تُبشِّرهم الملائكة في لحظة الاحتضار بالجنة، وليس هذا فقط وإنما هم لأنهم لا يخافوا في الدنيا فاستحقوا أن يؤمنهم ربهم يوم القيامة من الفزع الأكبر؛ إذ يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ(103)} [الأنبياء]، هكذا أولياء الله في منأً عن النار لا يسمعون صوتها فضلاً عن أنهم لا يرونها".
3ـ يُنِير لك حياتك :ـ
أهم فوائد الولاية الربانية للعبد: هدايته وإخراجه من الظلمات إلى النور.. قال تعالي:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ (257)}[البقرة].
 وينور قبرك، وينور لك يوم القيامة والصراط.
والظلمات جمع، والنور مفرد لأن الحق لا يتعدد أما الباطل فيتعدد سبله، ومن هنا خط النبي (صلى الله عليه وسلم) خطا مستقيما للصراط المستقيم، وخطَّ حوله خطوطا من حواليه هي سبُل الشيطان: قال تعالي :{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (153)}[الأنعام]
4- النصر:ـ
 أنت منصور إذا تولى الله أمرك، وينتقم ممن أذاك، يقول الله تبارك وتعالى {بَلْ اللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ(150)}[آل عمران].
وقال تعالي :{َوَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ(56)}[المائدة].
وقال تعالي {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (51)} [غافر] .
وقال تعالي {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)}[الصافات] .
وقال تعالي {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)}[الروم] .
ولقد نصر الله تعالي نبيه () نصراً مؤزراً يوم بدر رغم عدم تكافؤ القوي  قال تعالي{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)} [آل عمران].
وقال تعالي:{ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)}[البقرة].
5ـ الكرامات :
ما هي الكرامة؟
هي أمر خارق للعادة يظهره الله علي يد الرجل الصالح، والكرامة ثابتة،لكن الكرامة لها شرط هام ودقيق جداً، وهو أن تكون حياة الشخص الذي تحدث له الكرامة موافقة للكتاب والسنة، أي يُنظر إلى عبادته، وأخلاقه، ومدى التزامه وانضباطه على الكتاب والسنة،ولا يجوز أن يكون مقصود العبد بالعبادة تحصيل الكرامة، بل عبادة الله لطلب مرضاته وثوابه، وخوفا من عقابه، والكرامات قد تأتي تبعا لذلك، وقد لا تأتي.
وأعظم الكرامة ليس في ظهور خوارق العادات الحسية بل في الكرامة الإيمانية بلزوم الاستقامة هذا هو المقياس لأن من الممكن أن تجد دجالاً يفعل أشياء خارقة فتظنه من الأولياء، لذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالي:"إذا رأيتم الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء فلا تصدقوه حتى تعرضوه على الكتاب والسنة".
ويجمع هذه النقاط هذه الحديث القدسي .. عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال النبي ()  فيما يرويه عن رب العزة سبحانه وتعالي:{من عاد لي ولياً فقد أذنته بالحرب، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيء أحب إلىَّ مما أفترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولإن سألني لأعطينه، ولإن أستعاذ بي لأعيذنه}.
من يعادي وليّ أعلنت عليه الحرب، إعلان الحرب من الله تعالي علي أحد لم تأت إلا في هذا الموضع ، وفي موضع آخر فقط مع من يتعامل بالربا {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (279)} [البقرة].
ومن كرامات الصحابة الكرام رضي الله عنهم جميعا ،هذا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يرسل جيشا بقيادة سيدنا سارية ليقابل الروم، سيدنا ساريه خائف من مقابلة الروم ولا يعلم من أي طريق يقابلهم، أيحتمي بالجبل أم يلاقيهم من جهة أخرى؟
فإذا بالفاروق عمر رضي الله عنه وهو على المنبر يخطب في المدينة، يقول "يا سارية الجبل الجبل"، وعندما عاد سارية منتصراً بعد المعركة قالوا له "كيف انتصرت؟" قال "سمعت صوت عمر بن الخطاب يقول لي الجبل الجبل فلجأت إلى الجبل فأنتصرنا".
وهذا سيدنا العلاء الحضرمي  رضي الله عنه الذي أرسله النبي () في غزوة من الغزوات وأمره أن يذهب لمكان محدد هو وأصحابه، ويشتد عليهم العطش، ويتيهوا في الصحراء، والسماء خالية من السحب، وبينما هم كذلك رفع العلاء يديه وقال "اللهم إني أقسم عليك أن تسقينا، اللهم يا علي يا عظيم يا ولي المؤمنين أغثنا وأسقينا".
يقسم أصحابه يقولون "فوالله رأينا السحب تتجمع في السماء حتى شربنا وسقينا، فعدنا إلى أصحابنا نقول لهم إن لم تصدقونا كيف عدنا إليكم؟"، رجوعنا دليل كاف على ما حدث.
6ـ سكينة القلب:ـ
الإنسان إذا أطاع الله شعر براحة كبيرة ، إذا أطاع الله شعر بالأنس ، شعر بحماية الله تعالي،
هو في ظل الله ، هو في رعايته ، معنى قوله تعالى :{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ(48)}[الطور]. أي برعايتنا ، وبحفظنا ، وبتوفيقنا ، وبتأييدنا ، وبنصرنا .
تخيَّل أن الله هو ولي أمرك، فكيف يكون حالك؟!
من أطاع الله شعر براحة لا توصف لأنه بظل الله ورعايته .
من قام بحقِّ الله تولّى الله أمره على وجه الكفاية، فلا يُحوِجه إلى أمثاله، ولا يدع شيئا من أحواله إلا أجراه له على ما يتمناه، فاطمئن لرعاية الله لك.
العنصر السابع : صور ممن تولاهم الله تعالي:ـ  
الولي سبحانه وتعالي لا يترك أولياءه أبدا، قال تعالي { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)}[الحج].
فهذه صور ممن تولاهم الله تعالي من الأنبياء والسلف الصالح ....
1- من الأنبياء
ـ سيدنا نوح عليه السلام كان بالأمس يُسَب ويُستهزأ به ويُضرب فيرفع يده ويقول ربي {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)} [القمر].
ـ وهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام، بالأمس يُلقى في النار، قال تعالي { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (69)}[الأنبياء].
بعد قليل يصير نموذج للأمة ويبني البيت الحرام قال تعالي { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)}[البقرة].
ـ وهذا سيدنا إسماعيل الذبيح عليه السلام ، بالأمس يضجع مستسلماً للذبح وتوضع السكين على رأسه، ثم بعد قليل يصير هو نموذج يفدى إلى يوم القيامة.
ـ وهذا سيدنا يعقوب عليه السلام، بالأمس يفقد يوسف ويفقد عينيه، ثم بعد قليل يعود إليه بصره، ويعود معه الحبيب يوسف عليه السلام
- وهذا سيدنا يوسف عليه السلام ، تولى الله أمره، فأحوج القافلة للماء في الصحراء ليذهبوا إلى البئر، ثم أحوج عزيز مصر للأولاد ليتبنى سيدنا يوسف، ثم أحوج الملك للرؤيا وتفسيرها ليخرجه من السجن، ثم أحوج مصر بأكملها للطعام ليكون عزيز مصر، كل هذا من أجل عبده الذي تولى أمره، انظر إلى آخر سورة يوسف {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ(101)}[يوسف].
أتمم ولايتك علىَّ في القبر وتوفني مسلماً وأدخلني الجنة كما توليت أمري طوال حياتي.
ـ وانظر إلى سيدنا موسى عليه السلام، بالأمس يُطرد من مصر ويخرج منها خائفاً يترقب، ثم بعد قليل ينتصر ويعود إليها ويصبح كليم الله ويبلغ منزلة التكليم.
ـ وتولى الله أمر مريم بنت عمران وهي في شدة الضيق والهم والخوف والقوم والناس، أي شدة عاشتها هذه المرأة ، لكن الله تولى أمرها وكذلك يتولى الصالحين قال تعالى {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)}[مريم]، قري عيناً ، ويصبح سيدنا عيسي نموذج للبشرية إلى يوم القيامة، لأن الولي سبحانه هو من يتولى أمورك .
ـ وانظر إلى سيدنا محمد () ، بالأمس يقال عنه اليتيم ويخرج من مكة، ثم يعود إليها فاتحاً ويقول لأهل مكة الذين عذبوه وآذوه {اذهبوا فأنتم التلقاء} () .
ولذلك قال النبي () كما أخبر القرآن الكريم {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)} [الأعراف].
2-من الصحابة والتابعين:
ـ هذا الصحابي الجليل  سيدنا عاصم بن ثابت رضي الله عنه ، أرسله النبي () ليعلمهم، فغدروا به وأرادوا أن يقتلوه، فقال "اللهم إني أقسم عليك أن لا يمسني كافر"، فرموه بالسهام فقتل، فذهبوا ليأخذو جسمانه من أجل أن يبيعوه لأهل مكة ويأخذوا ثمنه، فأرسل الله الدبابير تغطي جسمانه، كلما أقتربوا لدغتهم، فقالوا "إذن ننصرف إلى الليل فتنصرف الدبابير ثم نأخذها ونبيعه".
فما إن جاء الليل حتى أرسل الله سيلا من الماء فأخذ الجثة وأختفت، فقالوا "أقسم على الله فأبر له الله بقسمه".
انظروا أيها السادة الأكارم ... إلى ما يفعله مع أولياؤه، ولكن لماذا تعرضوا لكل هذا الأذى؟
تزيد عليك المصائب من أعدائك لتعلم الأرض كلها من ولي أمرك، فرعون لم يعرف ولي أمر سيدنا موسى عليه السلام إلا وهو يغرق، قال تعالي:{قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)} [يونس].
الخاتمة ...
أيها المؤمنون ..
اعلموا أن  الخير كله ، والنجاح كله ، والفلاح كله ، والتوفيق كله ، والتفوق كله أن تكون ولياً لله ، ولن تكون ولياً له إلا إذا أطعته سبحانه وتعالي في كل مناحي الحياة كما قال تعالي{ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)}[الأنعام].
فلابد من محاسب النفس ،فحاسب نفسك تعرِف ربَّك....
- هل تحرص على أن تكون من أهل ولايته بالقرب منه بالفرائض والانتظام في النوافل؟!
- هل توالي من والى الله وتعادي من عاداه؟!
- هل تحرص على بسط ولايتك للمؤمنين بالأقوال والأفعال والأحوال؟
- هل تراجع نفسك في تقواك وتحاسبها على ما فرط منها كي لا تنزع ولاية الله عن نفسك؟!
- هل توالي الله في العلن وتعاديه في السِّر؟!
- هل تستحضر معنى أن تكون وليا لله في مجال عملك وساحة جامعتك بأن ترقب الله وتتقيه؟
فاللَّهُمَّ اهْدِنِا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِا فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِنا فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنا شَرَّمَا قْضَيْتَ، إِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة وعلي سيدنا رسول الله ().
=====
رابط word

رابط pdf

الثلاثاء، 1 أغسطس 2023

وقفات تربوية مع حر الصيف

 




الحمد لله رب العالمين .. يقلب الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار، فقال تعالى } يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ (44){ ] النور[
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير ..أمر بالتفكر في خلق السماوات والأرض فقال تعالى{إِنَّ في خَلْقِ السَّمَـاواتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلَـافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَـاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَـابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَـاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَـاواتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـاطِلاً سُبْحَـانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(191)} [آل عمران].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) أمر بالتفكر في آلاء الله تعالى فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ﷺ): }تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في الله{.]رواه الطبراني في المعجم[
فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون
إن تعاقب الليالي والأيام ، وتتابع الشهور والفصول والأعوام ، آيةً من آيات الله الباهرات ، التي تحمل في طياتها الدروس والعـــبر والعظات .
إن المؤمن المستبصر يتخذ من كل حركة وسكنة في الكون آية تدله على عظمة خالقه وقدرته وحوله وقوته .
ومن آيات الله العظيمة اختلافُ الأحوال؛ ليلٌ ونهار، حرٌّ وبرد، شتاء وصيف، ربيع وخريف، ولله الحكمة البالغة في ذلك، وتأمَّل أخي المسلم .. نعمة الله على عباده في دخول الشتاء على الصيف، والصيف على الشتاء، كيف يكون بالتدرُّج والمهلة؟! يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في معرض حديثه عن بعض حكم مخلوقات الله تعالى : ".... تأمل أحوال هذه الشمس في انخفاضها وارتفاعها لإقامة هذه الأزمنة والفصول ، وما فيها من المصالح والحكم ، إذ لو كان الزمان كلَّه فصلاً واحداً لفاتت مصالحُ الفصول الباقية فيه ، فلو كان صيفاً كلَّه لفاتت منافعُ ومصالح الشتاء ، ولو كان شتاءً لفاتت مصالح الصيف ، وكذلك لو كان ربيعاً كلَّه أو خريفاً كلَّه ..
فـوا عجباً كيف يُعصى الإله         أم كيف يجحده الجاحد
ولله في كل تحريكه             وتسكينة أبداً شاهد
وفي كـل شيء له آيــة               تدل على أنه الواحـد
فالمسلم الحق له وقفات تربوية مع آيات الله الكونية لذلك كان موضوعنا }وقفات تربوية مع حر الصيف{ وذلك من خلال العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ الصيف آية من آيات الله الكونية .
2ـ العلاقة بين حر الدنيا وحر الآخرة.
3ـ وقفات تربوية مع حر الصيف.
4ـ الخاتمة.
العنصر الأول : الصيف آية من آيات الله الكونية:
إن الزمان بليله ونهاره، وشهوره وأعوامه آية من آيات الله التي نصبها للعباد ذكرى وموعظة، وإن انقسام الأيام إلى صيف وشتاء من جملة آيات الله الكونية التي منَّ الله بها على العباد، وقد أخبرنا ربنا أن من صفات أولي الألباب والعقول السليمة التفكر في خلق الله، والتأمل فيه، وها هو الصيف قد حل بلفحه ولهيبه، وناره وسمومه، وفي الصيف فوائدُ نستفيدها، ووقفاتُ تأمل واعتبار في عجيب صنع الله الذي أتقن كل شيء، والذي كل شيء عنده بمقدار، قال تعالى }صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ أَتۡقَنَ كُلَّ شَيۡءٍۚ إِنَّهُۥ خَبِيرُۢ بِمَا تَفۡعَلُونَ (88){ ] النمل[
فبأمر الله تعالى يأتي الصيف ويذهب الشتاء، فإذا دخل الصيف فلا بد أن يتحرك القلب ، ويزداد الإيمان وتقوى العقيدة، لأنه يذكرنا بالله عز وجل؛ يذكرنا بقدرته وقوته ومشيئته ورحمته وإرادته وملكه، يذكرنا بآيات الله التي غفل عنها كثير من الناس ، حتى بات البعض لا يرى في فصل الصيف سوى أن درجة الحرارة  تعلو وتنخفض، وتكثر الحاجة للمكيفات، والماء البارد ، كل هذا دون أن ينبض القلب بلحظات تفكر وتأمل إيمانية، يتذكر فيها أن الصيف آية من آيات الله، قال تعالى : }وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ(81){ [النحل].
العنصر الثاني : العلاقة بين حر الدنيا وحر الآخرة :
شدة الحر من فيح جهنم ، جاء في الصحيحين أن النبي (ﷺ) قال: }إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم، واشتكت النار إلى ربها فقالت: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأْذَنْ لِي أَتَنَفَّسْ. فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ بَرْدٍ أَوْ زَمْهَرِيرٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ، وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ حَرٍّ أَوْ حَرُورٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ { ] مسلم[
فإذا كان هذا الحر الشديد والشمس المحرقة إنما هي نفس من أنفاس جهنم فيا ترى ما عذابها إذاً؟
فحر الصيف يذكرنا بنار الاخرة، رأى عمر بن عبد العزيز قوماً في جنازة قد هربوا من الشمس إلى الظل وتوقوا الغبار، فبكى وأنشد:
من كان حين تصيب الشمس جبهته        أو الغبـار يخــاف الشيــن والشعثا
ويألف الظــل كي يبقــى بشاشتـــه         فسوف يسكن يومــا راغمــا جدثا
فــي ظل مقفــــرة غبــــراء مظلمـــة       يطيل تحت الثرى في غمها اللبثا
تجهــزي بجهــاز تبلغيـــن بـه يا نفس       قبــــل الردى لــــم تخلقي عبثـــا
فكم في حر الصيف من ذكرى، كم أشعل من أحشاء، وكم هيج من عروق، كم منا من لفَحَهُ حرّ الصيف، وعرَقَه يقطر من وجهه فما تذكر يوم القيامة، يوم يسيل العرق من العباد، فعن المِقْدَادِ بنِ الأسودِ قال: سمعت رسولَ الله (ﷺ) يقول: } تَدْنُو الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ ! فَيَكُونَ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا ، قال: وأشار رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم بيده إلى فِيهِ{ ] رواه مسلم[
هل تدري أنَّ الشمس الحارقة التي تطلع علينا كلَّ يوم لولا وجودها، لَمَا وجدت الحياة أصلاً على وجه الأرض؟
هذه الشمس بضخامتها ولهبها المُحرِق تسجد بين يدي ربها مُطيعة مُذعنة كما ثبت في الحديث الصحيح، فقد أخرج البخاري أن النبي (ﷺ) قال لأبي ذر حين غربت الشمس: }أتدري أين تذهب؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيُؤذن لها، ويُوشِك أن تسجد فلا يُقبل منها وتستأذن فلا يُؤذن لها، يُقال لها: ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: "وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ"{ ]البخاري[
ويقول الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ(18)} [الحجّ].
فعلام يتكبر بعض بني آدم عن السجود  لله تعالى طاعة له وامتثالاً قبل أن يُحال بينهم وبين السجود قال تعالى}يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ(42) ]القلم[
فعلى المؤمن الحق  أن يجعل من فصل الصيف فرصة تذكره بيوم القيامة ،بكربه ونعيمه وجحيمه وأهواله، فإذا عانى العبد من شدة الحر فلا يجوز له سب الجو الحار والتذمر منه كما يفعل البعض من الناس وإنما عليه التحلي بالصبر وأن يجعل هذا الجو اللاهب وسيلة ليتذكر به سموم جهنم ومن ثم الاستجارة من عذاب جهنم، ومن فعل ذلك شفعت له جهنم عند الله عز وجل قائلة اللهم أجره مني. فقد روى أنس بن مالك  أن رسول الله (ﷺ) قال: }مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الجَنَّةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ الجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَمَنْ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ { [رواه الإمام أحمد والترمذي] .
فمن خاف من نار الدنيا وقاه الله تعالى نار الآخرة ، قال تعالى } قَالُوٓاْ إِنَّا كُنَّا قَبۡلُ فِيٓ أَهۡلِنَا مُشۡفِقِينَ (26) فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَا وَوَقَىٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ (27){ ] الطور[.
والله تعالى يذكرنا بنار الدنيا في القرآن الكريم  لتذكرنا بالآخرة فقال تعالى {أَفَرَءَيۡتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ (71) ءَأَنتُمۡ أَنشَأۡتُمۡ شَجَرَتَهَآ أَمۡ نَحۡنُ ٱلۡمُنشِـُٔونَ (72) نَحۡنُ جَعَلۡنَٰهَا تَذۡكِرَةٗ وَمَتَٰعٗا لِّلۡمُقۡوِينَ (73) فَسَبِّحۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلۡعَظِيمِ (74) } ] الواقعة [.
مع العلم بأن نار الدنيا هي جزء من سبعين جزء من نار الآخرة. فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله (ﷺ) قال }ناركم هذه التَّي توقدون جزءٌ من سبعينَ جزءًا من نارِ جهنَّمُ، قالُوا والله إن كانت لكافيةٌ يا رسول الله، قالَ: فإنَّها فُضلت عليها بتسعةٍ وستينَ جزءًا كلُّها مثل حرِّها{ [متفق عليه] . ‌
العنصر الثالث : وقفات تربوية مع حر الصيف :
للمسلم مع فصل الصيف وشدة الحر وقفات تربوية منها ...
1ـ ابتلاء من الله عز وجل :
أن شدة الحر ابتلاء من الله عز وجل لعباده المؤمنين من جهة ،وعقوبة للعاصين من جهةٍ أخرى، وقد ابتلى الله المؤمنين بالحر في غزوة تبوك، فحين خرج النبي (ﷺ) إلى غزوة تبوك وكانت في حر شديد تواصى المنافقون فيما بينهم بعدم النفير في هذا الحر فجاء الوعيد من الله فقال تعالى فاضحا المنافقين: }فَرِحَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ بِمَقۡعَدِهِمۡ خِلَٰفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوٓاْ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلۡحَرِّۗ قُلۡ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗاۚ لَّوۡ كَانُواْ يَفۡقَهُونَ (81) فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلٗا وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرٗا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ (82){ ]التوبة[
أما كون هذا الحر عقوبة، فإن الله عز وجل يعاقب عباده بأشياء كثيرة مما يكرهون ، قال الله تعالى: }وَمَا أَصَابَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ (30) { ]الشورى[
2ـ فرصة للتوبة والرجوع إلى الله تعالى :
لا شك أن هذا يوجب علينا جميعاً سرعة الرجوع إلى الله والتوبة من كل المنكرات ، فإن هذا الحر نذير خطر، وإن الله يمهل ولا يهمل، قال تعالى:}ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِى عَمِلُواْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) ]الروم[
فلنوقف أنفسَنا في عتبات المحاسبة، ولنقل لها: يا نفس، أتراكِ تطيقين الحر في ذلك اليوم؟
أيها الضعيف: كيف تهرب من حر الشمس ونسيت فيح جهنم ولا تهرب منها؟
أيها العاقل، ليكن صيفك واعظًا لك، ومذكرًا لك نارًا وقودها الناس والحجارة.
أيها الإنسان الضعيف ألك قوة على النار ؟ ألك قوة على غضبة الواحد القهار ؟
فهل من عودة صادقة إلى الله تعالى ؟
ومن قصص السلف رجل يسمى دينار العيار، كان مسرفًا على نفسه، وكان له أم تعظه فلا يتعظ ، فمر في يوم من الأيام بمقبرة كثيرة العظام قد خرجت العظام من المقبرة ، فتذكر مصيره ، وتذكر نهايته ، وتذكر أنه على الله قادم ، أخذ عظْمًا نخراً في يده ففتته، ثم فكر في نفسه وقال: ويحك يا نفسي، كأني بك غدًا قد صار عظمك رفاتًا، وجسمك ترابًا، وما زلت مكبَّة على المعاصي واللذائذ والشهوات، ثم ندم وعزم على التوبة، ورفع رأسه للسماء قائلا: إلهي ألقيت إليك مقاليد أمري، فاقبلني واسترني يا أرحم الراحمين، ثم مضى إلى أمه متغير اللون، منكسر القلب، فكان إذا جنَّه الليل أخذ في القيام والبكاء، وأخذ في النحيب وهو يقول: يا دينار ألك قوة على النار؟
 يا دينار ألك قوة على النار؟  كيف تعرضت لغضب الجبار؟
وظل على ذلك أيامًا يقوم ليله، ويناجي ربه، ويناجي نفسه يؤدبها ويحاسبها، فرفقت به أمه يوم رأت جسمه قد هزل، ويوم رأت صحته بدأت تتدهور، فقالت: ارفق بنفسك قليلا، فقال: يا أماه دعيني أتعب قليلا لعلي أستريح طويلا، يا أماه إن لي موقفًا بين يديْ الجليل، ولا أدري إلى ظل ظليل، أم إلى شر مقيل؟ إني أخاف عناء لا راحة بعده، وتوبيخًا لا عفو معه، قالت: بنياه أكثرت من إتعاب نفسك؟، قال: راحتها أريد، يا أماه ليتك كنت بي عقيمًا، إن لابنك في القبر حبسًا طويلا، وإن له من بعد ذلك وقوفًا بين يديْ الرحمن طويلا، وتمر ليالٍ وهو يقرأ قول الله، ويقوم ليله، بقول الله ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فيبكى ويضطرب، ثم يخر مغشيًا عليه. 
3ـ فرصة لا تفوت :
اتخاذ فصل الصيف فرصة لتزويد الحسنات ، وغنيمة لا تعوض ،ولا نعتبر الحر عائق عن طاعة الله عز وجل ،فكان الصالحون يرون أن في الحر غنيمة لا تفوت؟
وعنْ أبي هريرةَ رضي الله عنه عنْ النّبيِّ (ﷺ) قال: }إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ {.] صحيح مسلم [
وروى أنس بن مالك قال: كان رسول الله (ﷺ) }إِذَا كَانَ الْحَرُّ، أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا كَانَ الْبَرْدُ عَجَّلَ {. ]رواه  النسائي[.
فالسنة تأخير صلاة الظهر في الصيف حتى يظهر ظل يمشي فيه الناس وتعجيلها في الشتاء.
خرج ابن عمر رضي الله عنه في سفر معه أصحابه ، فوضعوا سُفرةً لهم، فمرّ بهم راعٍ ، فدعَوْه إلى أن يأكل معهم، فقال: إنّي صائم، فقال ابن عمر في مثل هذا اليوم الشّديد حرّه، وأنت بين هذه الشّعاب، في آثار هذه الغنم، وأنت صائم ؟! فقال: أُبَادِر أيّامي هذه الخالية.
ومن أراد الظل الظليل، في ذلك اليوم الطويل، فليكثر من الصدقة، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال: }إنّ الصّدقة لَتطفئُ عن أهْلِها حرَّ القُبورِ، وإنّما يستظلُ المؤمنُ يومَ القيامةِ في ظلِّ صَدَقَتِه{ [ رواه الطبراني في الكبير: والبيهقي في الشعب: وضعفه الألباني في الضعيفة, ثم تراجع وصححه في الصحيحة ] .
وقال (ﷺ) لأبي ذرٍّ :"لو أردتَ سفرًا أعددتَ له عُدَّةً ؟ قال : نعم , قال : فكيف سفرُ طريقِ القيامةِ ألا أُنبِّئُك يا أبا ذرٍّ بما ينفعُك ذلك اليومَ ؟ قال بلَى بأبي أنت وأمِّي قال : صُمْ يومًا شديدَ الحرِّ ليومِ النُّشورِ وصَلِّ ركعتَيْن في ظُلمةِ اللَّيلِ لوحشةِ القبورِ ، وحُجَّ حجَّةً لعظائمِ الأمورِ , وتصدَّقْ بصدقةٍ على مسكينٍ أو كلمةِ حقٍّ تقولُها أو كلمةِ شرٍّ تسكتُ عنها" .] ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺍﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ[
وهذا معاذ بن جبل رضي الله عنه، حين حضرته الوفاة ، لم يتأسّف على مال ولا ولد، ولم يبك على فراق نعيم الدّنيا، ولكنّه حزن على مفارقة قيام اللّيل، ومزاحمة العلماء بالرُّكَب ، وعلى ظمأ الهواجر بالصّيام في أيّام الحرّ الشّديد.
ويقول أبو الدرداء موصياً أحبابه: "صوموا يوماً شديداً حرّه لحرّ يوم النّشور، وصلّوا ركعتين في ظلمة اللّيل لظلمة القبور".
وقد روى البزّار بإسناد حسن  كما في "صحيح التّرغيب والتّرهيب"عن ابن عبّاس رضي الله عنهما ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ﷺ) بَعَثَ أَبَا مُوسَى رضي الله عنه عَلَى سَرِيَّةٍ فِي البَحْرِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، قَدْ رَفَعُوا الشِّرَاعَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، إِذَا هَاتِفٌ فَوْقَهُمْ يَهْتِفُ : يَا أَهْلَ السَّفِينَةِ ! قِفُوا أُخْبِرْكُمْ بِقَضَاءٍ قَضَاهُ اللهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى رضي الله عنه: أَخْبِرْنَا إِنْ كُنْتَ مُخْبِراً، قَالَ: إِنَّ اللهَ تبارك وتعالى قَضَى عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْ أَعْطَشَ نَفْسَهُ لَهُ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ سَقَاهُ اللهُ يَوْمَ العَطَشِ"
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي (ﷺ) في بعض أسفاره في يوم حار حتى يضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا ما كان من النبي (ﷺ) وابنِ رواحة{ [ رواه البخاري ،ومسلم] .
إن الموفق من عباد الله من يستحضر أن الصيام جنةٌ من العذاب، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه ، أن النبي (ﷺ) قال: }من صام يومًا في سبيل الله باعَدَ الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا{ [ رواه البخاري ومسلم..] .
وروي أنّ أبا بكرٍ رضي الله عنه كان يَصوم في الصَّيف ويُفطِر في الشتاء ، ووَصّى عمرُ رضي الله عنه ابنَه عبدَ الله فقال: "عليك بخصال الإيمان، وسمَّى منها الصومَ في شدّةِ الحرِّ في الصيفِ" [ رواه البيهقي في الشعب] .
وكان الصّالحون إذا شعروا بشدّة الحرّ قالوا: اللهمّ إنّي أعوذ بك من حرّ جهنّم.
 فإن المؤمن إذا رأى شدة الحر، تذكر قول الله: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(6){ [التحريم]، فيسعى لفكاك نفسه وأهله، من الأسباب التي تدخل النار.
4ـ الرضا بأقدار الله تعالى :
على المسلم أن يعلم أن الأيام كلها لله تعالى وأن جميع أحوال المسلم خيراً ،لا يستعجل قدر الله عز وجل ،فابن آدم ملول، قد وصفه ربه بأنه ظلوم جهول، ومن جهله عدم الرضا عن حاله، وفي ذلك يقول الناظم:
يتمنى المرء في الصيف الشتاء         فإذا جـاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضــــى بحــال واحـــــد         قُتِل الإنسان ما أكفره
وهذا من طبع البشر ولكن المسلم يرضى بما قدر الله من خير، أو شر، فعن صهيب قال: قال رسول الله (ﷺ): }عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له {.] أخرجه مسلم [
ولن يعدم المؤمن أحد هذين الخيرين بشرط الرضا والشكر والصبر، ومن حرم الصبر على ما قدر الله فهو المحروم.
5ـ الأيام لا تدوم على حال وهذه سنة كونية :
قال تعالى }وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ (140){ ] آل عمران[
إن هذا الحر له غاية مهما طالت أيامه، فبعد الحر يأتي الجو البارد، وهكذا الدنيا لا يدوم لها حال وهذا أعظم تنبيه للمسلم كي يدرك أن الشيء لا يدوم في هذه الدنيا، فالدنيا حر وبرد، غنى وفقر، قوة وضعف، عز وذل، صحة ومرض، حياة وموت ، ضيق وفرج، وفي هذا تنبيه للظالم أن ينتظر دوران الدائرة عليه، وتسلية للمكروب المبتلى الذي ينتظر فرج الله ، فكل أزمات الحياة لا تدوم على حال، بل إنها إذا ضاقت اتسعت، كما أنها إذا تعسّرت تيسّرت، وكلما اشتدت فُرِجَت، يقول ابن القيم :{الشدّة بتراء لا دوام لها وإن طالت}، فالقبض والبسط بيد الله تعالى وحده ، وكل الذين انتصروا في حياتهم هم من اتخذوا من العثرات سِلمًا ،ومن المعوقات تميزًا ،ومن الأوجاع نضجًا وقوة...
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها         فرجت وكنت أظنها لا تفرج
6ـ استشعار نعم الله تعالى :
علينا ونحن نواجه حر الصيف أن نستشعر جميل نعم الله علينا، وعظيم فضله بما يسَّر من وسائل نتقي بها حر الصيف، ولهيب الشمس، من ملابسَ وظلالٍ وارفة ، وأجهزةِ تبريدٍ وتكييفٍ قلبت الصيف شتاء، فبَرَدَ الهواءُ والماء في شدة الحر، واستطاع الإنسان أن يمارس حياته بشكل طبيعي ، فالحمد لله على نعمه. قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)}[النحل] ، 
ولكي ندرك نعم الله تعالى القائل } وَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآۗ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَظَلُومٞ كَفَّارٞ (34){ ] إبراهيم[
علينا أن نتذكر أناساً يسكنون بيوت الصفيح والخيام، وآخرين من الناس يعملون تحت سياط الشمس المُحرقة في شدة الهجير، فهل حمدنا الله تعالى على نعمه ؟
وهل نظرنا بعين الرحمة والمعونة إلى أولئك ،ولو أن نًواسيهم بشربة ماء بارد، فمن غرس شجرًا يريد به ظلاً للمسلمين، أو بنى مظلة، أو خانًا مكيفًا، لأجل للمسافرين، ونحو ذلك من توزيع الماء البارد، فإن فيه أجرًا عظيمًا، لأنه استعداد ليوم الحر، والبعث والنشور.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): }أَيّمَا مُسْلِمٍ سَقَى مُسْلِمًا عَلَى ظَمَأ سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ{ ]رواه أحمد وأبو داود والترمذي[.
فسقيا الماء في الجو الحار له أجر كبير حتى ولو مع الحيوان ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال: }بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجراً، قال: في كل كبد رطبة أجر{ ]البخاري في الجامع الصحيح[. وإذا كان هذا في البهائم فما بالك بالإنسان المسلم.
فمن نعم الله عز وجل الماء البارد ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): " إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له : ألم أصح لك جسمك وأروك من الماء البارد { ] رواه الترمذي بسند صحيح[
لذلك كان من دعاء النبي (ﷺ): "اللهم  اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد"
ولعظم الماء البارد وأهميته كان من أعظم أماني أهل النار يوم القيامة شربة ماء يروُون بها ظمأهم فيحرمها الله عليهم، كما حكى القرآن الكريم حالهم فيقول تعالى: }وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ {، فيقول لهم أهل الجنة: }إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50){[الأعراف].
الخاتمة ..
على الإنسان العاقل أن يسأل نفسه وهو يتَّقي حرَّ الدنيا، ماذا أعدَّ لحرِّ الآخرة ونارها؟
فيا مَن لا يطيق حرارة الجو، يامن لا يتحمَّل الوقوف في الشمس ساعة، كيف أنتم وحرارة جهنم؟! والشمس تدنوا من الرؤوس يوم القيامة؟
اعمل لنفسك غداً لكي تكون في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله كما أخبر النبي (ﷺ) فعن أبي هريرة رضي الله عنه: }سبعة يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها؛ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه{ ] رواه البخاري ومسلم [
فهنيئًا لكلِّ مَن يقضي شهور الصيف في طاعة الله تعالى، وهنيئًا لمن يستغلُّ حرارة الصيف في التقرب إلى الله  عزَّ وجلَّ ، وهنيئًا لكل من لم تمنعه حرارة الصيف عن تقديم عمل صالح ينال به الأجر والثواب.
سبحانك يا فارج الهم، ويا كاشف الغم، فرج همنا، ويسر أمرنا، وارحم ضعفنا ، وقلة حيلتنا،  اللهم خفف عنا حرارة الشمس الحارقة ، اللهم قنا شر هذا الحر واحمنا منه، ومما يحمل من أذى، اللهم لا تجعل فيه المرض ولا الهلاك لأحدٍ من عبادك ، اللهم خفف حرارة الشمس وأثرها علينا وأجرنا من حر الدنيا وحر الآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين".

اللهم آمين

=========

رابط doc

https://www.raed.net/file?id=296633

رابط pdf

https://www.raed.net/file?id=296634


المشاركة المميزة

شؤم المعصية

الحمد لله رب العالمين ..أنار الطريق لعباده الصالحين فجعل العبيد ملوكا بطاعته، والملوك عبيدا بمعصيته ، فالعز كل العز في طاعته والذل كل الذل ف...