الخميس، 19 ديسمبر 2019

الشباب أمل الأمة وسر نهضتها






الشباب أمل الأمة وسر نهضتها 
 الحمد لله رب العالمين ... جعل القوة في الشباب فقال تعالي (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ) الروم (54) .

 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي علي شيئ قدير .. مدح الشباب في القرآن الكريم فقال تعالي (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) الكهف (13). 
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم حث على اغتنام فترة الشباب , 
فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: }لا تَزُولُ قَدَمَا الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ , وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ , وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ , وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ.] أخرجه الترمذي ، والطبراني ، والبيهقي[

 فاللهم صل وسلم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن والاه إلي يوم الدين ..

 أما بعـد :ــ فيا أيها المؤمنون .... 

 إن الحديث مع الشباب وعن الشباب وإلى الشباب حبيب إلى النفس قريب إلى القلب ، إن الشباب في كلِّ زمان ومكان - وفي جميع أدوار التاريخ إلى زماننا هذا  عماد أُمة الإسلام وسِرُّ نَهضتها، ومَبعث حضارتها، وحاملُ لوائها ورايتها، وقائدُ مَسيرتها إلى المجد والنصر. إن الإسلام لَم ترتفع في الإنسانية رايتُه، ولَم يمتدَّ على الأرض سُلطانه، ولَم تَنتشر في العالمين دعوته - إلاَّ على يد هذه الطائفة المؤمنة التي تَربَّت في مدرسة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتخرَّجت في جامعته الشاملة.
 والحديث عن الشباب يتناول عدة عناصر وهي :ـ

 1ـ حديث القرآن الكريم عن الشباب .
 2ـ تعامل النبي صلي الله عليه وسلم مع الشباب .
 3ـ دور الشباب في بناء الأمة.
 4ـ نماذج مشرقة من شباب الإسلام في بناء الأمة.
 5ـ نصائح عملية للشباب .

 العنصر الأول :ـ حديث القرآن الكريم عن الشباب :ــ 


 تعتبر أيام الشباب من أعز الأيام التي تبقى عالقة بذاكرة الإنسان، مهما عاش، لأنه كان فيها طليق الحرية..
 روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما بعث الله نبيا إلا شابا، ولا أوتي العلم عالما إلا شابا، ثم تلا هذه الآية:(قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال به إبراهيم) الأنبياء. 
 وقد أخبر الله تعالى به ثم أتى يحيى بن زكريا الحكمة قال تعالى: (وآتيناه الحكـم صـبيا) مريم. 
 وقال تعالى: (إذ أوى الفتية إلى الكهف)وقال جل شأنه: ( إنهم فتية آمنوا بربهم) .
 وقال جل من قائل: (وإذ قال موسى لفتاه) الكهف. 
 ولقد ضرب القرآن الكريم المثل بالشباب ..
 *فكان المثال الأول هوسيدنا النبي إبراهيم عليه السلام ، فإنه كان يتطلّع إلى الآفاق الواسعة ، ويفتش عن الحقائق الناصعة ، ويملك الشجاعة العالية ، فيتأمل ويفكر في ملكوت السموات والأرض ، حتى دله الله تعالى على الحقيقة ، فآمن بالله وتبرأ من الأصنام ومن كل المشركيـن .
 فقال الله تعالى في كتابه الكريم : ( وَكَذلكَ نُري إِبرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَمَاوَاتِ وَالأرضَ وَلِيَكونَ مِنَ المُوقِنِيـنَ ) الأنعام: 78.
 وبهذا يصبح سيدنا إبراهيم عليه السلام القدوة لكل الفتيان والشباب الموحدين الشجعان الرافضين للوثنية والشرك والانحراف والضلال .
 **والمثال الثاني الذي يضربه القرآن الكريم للفتيان والشباب هو النبي يوسف عليه السلام ، وهو الذي آتاه الله العلم والحكمة عندما بلغ أشده ، وأصبح الفتـى ، القوي ، الصابر ، الصامد أمام عواصف الشهوة ، والإغراء بالجنس ، والاغراء بالمال والجاه ، وأمام ضغوط الاضطهاد ، والقمع ، والمطاردة ، والتهديد بالسجن ، والنفي ، والفتى الثائر ، المكسر لكل القيود ، وأغلال العبودية ، وأغلال الشهوات ، وكذلك أغلال المجتمع الفاسد . قال تعالى : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَينَاهُ حُكماً وَعِلماً وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ ) يوسف : 22 . 
( وَرَاوَدَتهُ التي هُوَ فِي بَيتِهَا عَن نَفسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبوَابَ وَقَالَت هَيتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحَسنَ مَثوايَ إِنَّهُ لا يُفلِحُ الظالِمُونَ ) يوسف : 23 .
 لماذا لم يستجب يوسف لهوى المرأة؟؟ وكان يمكن أن يستجيب وربما عذره الكثيرون، قالوا إنه شاب والشباب شعلة من الجنون، وهو عبد والعبد يفعل ما يستحي منه الأحرار، وهو عزب ليس له زوجة تعفه، وهو غريب عن وطنه، والغريب يفعل ما لا يفعل الإنسان في بلده، وهو .. وهو ..، هناك أكثر من سبب كان يجعل يوسف يستجيب للمرأة ولكنه أبى كما ظهر ذلك. إنه نموذج للشاب الطاهر العفيف .
 ***والمثال الثالث هوسيدنا موسى عليه السلام الذي عاش في أحضان البيت الفرعوني والفرعونية ، وتربى في محيط الطاغوت والجبروت والتـرف ،والجاه والدلال ، فإن فرعون كان قد اتَّخَذَهُ ولداً له .
 ولكنه عليه السلام بقي متمسكاً بجذوره الرسالية ومرتبطاً بأصله الإلهي الرباني ، يتجنب معونة الظالمين ، وينتصر للمظلومين ويدافع عنهم ، ويَمُدُّ يَدَ العَونِ والمساعدة للضعفاء والمحتاجين ، وكان يتحمل الآلام والمعاناة والمطاردة والهجرة من أجل ذلك ، ويؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة . قال الله عزّ وجل : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاستَوَى آتَينَاهُ حُكماً وَعِلماً وَكَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ ) القصص : 14. 
 ****والمثال الرابع هم أهل الكهف ، فقال الله تعالى فيهم : ( إِنَّهُم فِتيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِم وَزِدنَاهُم هُدىً وَرَبَطنَا عَلَى قُلُوبِهِم إِذ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ لَن نَدعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَد قُلنَا إِذاً شَطَطاً ) الكهف : 13-14 .
 إن هذه الصور والأمثلة الواقعية الجميلة والمعبِّرة عن الأبعاد المختلفة تنطلق من مفهوم صحيح للفتوة ، والشباب ، والقوة ، وهو التوحيد في العبودية ورفض العبوديات الأخرى ، والسيطرة على الشهوات والرغبات ، ونصرة المظلومين والدفاع عنهم ، ومساعدة الضعفاء والمحتاجين ، والتمرد على الواقع الفاسد ورفضه بشجاعة وتضحية .
 **وفي المقابل نجد القرآن الكريم يضرب أمثلة أخرى للشباب المنحرف والتائه والمغرور والضال والجاهل ، وأورد ذلك في قصة ابن نوح حيث قال تعالى : ( وَنَادَى نُوحٌ ابنَهُ وَكَانَ فِي مَعزِلٍ يَا بُنَيَّ اركَب مَعَنَا وَلا تَكُن مَعَ الكَافِرِين * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللهِ إِلا مَن رَحِمَ وَحَالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكَانَ مِنَ المُغرَقِينَ ) هود : 42-43 .
 ومثال آخر يتحدث عنه القرآن الكريم، يعبر عن حالة الانحراف في الشباب حيث العقوق للوالدين والتمرد على الله تعالى والتوغل في الجهل والغي ، فقال تعالى : ( وَالذِي قَالَ لِوَالِدَيهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَن أُخرَجَ وَقَد خَلَت القُرُونُ مِن قَبلِي وَهُمَا يَستَغِيثَانِ اللهَ وَيلَكَ آمِن إِنَّ وَعدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَاهَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ) الأحقاف : 17.

 العنصر الثاني:تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الشباب :ــ

 لقد أعطي النبي صلى الله عليه وسلم الشباب الثقة ومنحهم المسئولية خلافاً لما يعيشه كثيرٌ من الناس اليوم. إن النبي صلى الله عليه وسلم قد منح زيد بن حارثة وهو شاب وجعفر بن أبي طالب وهو شاب وعبد الله بن رواحة وهو شاب منحهم الثقة، وسلمهم قيادة جيش مؤتة وما أدراك ما مؤتة ! أول معركة بين المسلمين والرومان!
 بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أسامة بن زيد قيادة جيش فيه رجال من كبار الصحابة أمثال أبي بكر وعمر رضي الله عنهم، وقد كان عمر أسامة آنذاك ثماني عشرة سنة. ويرسل معاذاً إلى بلاد بعيدة وفي مهمة عظيمة ومسئولية جسيمة يرسل معاذاً إلى اليمن ومعاذ لا يزال بعد في ريعان شبابه ويرسله على قومٍ ليسوا على مذهبه وملته وديانته ويقول له: (إنك ستأتي قوماً أهل كتاب -يعني ليسوا بمسلمين- فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة) إلى آخر توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ ، وهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول فيما رواه الإمام أحمد في مسنده : (كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شباب ليس لنا نساء) يعني: لم نتزوج بعد، لا نزال فتية، لا نزال في بداية الشباب وفي مستهل حياة الشباب.
 لذا أوصي النبي صلي الله عليه وسلم بالشباب فقال صلي الله عليه وسلم ( اغتنم خمسا قبل خمس: "شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك". أخرجه الحاكم في المستدرك.
 وقال صلي الله عليه وسلم ( إن الله ليعجب من الشاب الذي ليست به صبوة" .
وقال صلي الله عليه وسلم ( إن الله يحب الشباب الذي يفني شبابه في طاعة الله" البخاري.
 وقال صلي الله عليه وسلم ( من يدخل الجنة ينعم، لا ييأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه" مسلم, 
 وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرح، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" متفق عليه. 

 العنصر الثالث:دور الشباب في بناء الأمة :ـ 

 لقد كان للشباب المسلم الدورالأعظم في بناء الأمم والشعوب فعلي أكتافهم قامت الحضارات ، وكان لهم أثر كبير في نهضة الأمة الإسلامية على مر العصور واختلاف المجالات، فحُق لهم أن يكونوا نماذج حسنة وقدوة صالحة لشباب الأمة في كل العصور.

 1ـ الشباب هم أسبق الأمم إلي قبول الدعوات الإصلاحية :ــ

 الشباب قديما وحديثا هم من واجهوا الباطل وكانوا أسرع إلي قبول الحق لأنهم أرق قلوبا وأهدأ نفسا وليس لهم أطماع في الحياة كحال الكبراء والسادة كلما جاءهم رسول كذبوه قال تعالي في شأن المترفون (وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ(23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ۖ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) الزخرف .
 أما الشباب هم من تصدوا للباطل بإيمان وثبات كما حدث من سيدنا إبراهيم عليه السلام مع قومه . وكما حدث من أصحاب الكهف مع الملك الظالم.

 2ـ أنهم عنوان تقدم الأمة ودعامة نهضتها:ـ


 الشباب أغلي ماتمتلك الأمة ، الأمة تمتلك كثير من المقدرات .. مقدرات اقتصادية ، ومقدرات عسكرية ، ومقدرات جغرافية ، ومقدرات إنسانية وأغلي ما تمتلك الأمة المقدرات الإنسانية وأغلي المقدرات الإنسانية هم الشباب .
 و إذا أردت أن تعرف مستقبل أي أمة فلا تسل عن ذهبها ورصيدها المالي، فانظر إلي شبابها واهتماماته ، فإذا رأيته شباباً متديناً فاعلم أنها أمة جليلة الشأن قوية البناء ، وإذا رأيته شباباً هابط الخلق ، منشغلاً بسفاسف الأمور ، يتساقط على الرذائل فاعلم أنها أمة ضعيفة مفككة ، سرعان ما تنهار أمام عدوها ، فالشباب عنوان الأمة.
 كان الشباب قديمًا وحديثًا في كل أُمَّةٍ عِمَادُ نهضتها، وفي كل نهضةٍ سِرُّ قُوَّتها، وفي كل فكرة حَامِلُ رَايتها: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً) (الكهف: 13)".
 هم الذين حمَلوا راية الدعوة إلى الله، ورَفَعوا لواءَ الجهاد المقدَّس، فحقَّق الله على أيديهم النصر الأكبر ودولة الإسلام الفتيَّة. لوتصفحنا السيرة النبوية لوجدنا كل من واجهوا جبابرة مكة وكسري وقيصر هم الشباب ، السابقون السابقون هم الشباب ، انظر إلي الزبير ابن العوام رضي الله عنه من العشرة المبشرين بالجنة كم عمره 15 سنة ، وطلحة ابن عبيد الله من العشرة المبشرين بالجنة كم عمره 16 سنة ، سعد ابن أب وقاص 17 سنة ، الأرقم ابن أبي الأرقم 16 سنة وهو بني مخزوم يجعل بيته مقرا لرسول الله صلي الله عليه وسلم يعلم فيه المسلمين ويربيهم علي الإسلام لمدة 13 سنة رغم أنبني مخزوم كانت تنازع بني هاشم الشرف . الدعامة الأساسية لدين الإسلام علي وجه الأرض هم الشباب أعمارهم تتراوح من 17 :30 .
 نعم الواحد منهم صغير السن ولكنه كبير في العقل والهدف وكل شيئ.

 العنصر الرابع :ـ نماذج مشرقة من شباب الإسلام في بناء الأمة :ـ 

 وإليكم بعض القدوات الشبابية التي قدمت للأمة البطولات الرائعة :ــ

 أحبتنا في الله! نخاطب الشباب لأنهم المعنيون، عليهم تنعقد الآمال، وبهم نصعد إلى قمم الجبال. الشباب في ميدان العلم والدعوة :ـ

 1ـ الإمام الشافعي :ـ 

طفل أحب العلم والعلماء، كم بحثت أمه له عن علماء يجلس تحت أرجلهم فيتربى بتربيتهم، وينهل من معينهم! فشاء الله وقدر أن يتحقق حلم الأم الحنون، فانتهى الأمر بكونه من أعظم فقهاء المسلمين في التاريخ، وإلى أن تقوم الساعة. إنه الإمام الشافعي - رحمه الله- فقد كان يكتب على الألواح، ويتنقل بين العلماء بهمة عالية بحثًا عن العلم، وقد حباه الله بإمكانيات هائلة، حتى إنه حفظ الموطأ وهو في العاشرة من عمره، وليس ذلك فحسب بل إنه جلس على كرسي الفتيا وهو في الثانية عشرة من عمره، فانتشر مذهبه وذاع صيته في العالم الإسلامي أجمع، فهو أول من أصَّل علم أصول الفقه.

 2ـ الإمام البخاري :ـ

 صبي فَقَد بصره في الخامسة من عمره، فظلت أمه تدعو الله أن يرد إليه بصره، ليس ليكون كبقية الصبيان والأطفال، وإنما ليكون عالمًا متعلمًا، فشاء الله وقدر واستجاب لدعوات أمه، فصار شيخًا للمحدثين في تاريخ الإسلام العظيم. وهو جبل الحفظ وإمام وقته أمير أهل الحديث، الذي لم يشهد تاريخ الإسلام مثله في قوة الحفظ ودقة الرواية والصبر على البحث مع قلة الإمكانات، حتى أصبح منارة في الحديث، وفاق تلامذته وشيوخه على السواء، هو الإمام البخاري، صاحب أصح كتاب بعد القرآن الكريم، والذي صنفه في ست عشرة سنة، وجعله حجة فيما بينه وبين الله تعالى، فلا يكاد يستغني أحد عنه، لقد كان -رحمه الله- يحفظ أكثر من مائة ألف حديث، دوّن منها في صحيحه سبعة آلاف فقط، وكان ذا منهج متميز في تخيُّر أحاديثه وقبولها. في أواخر القرن الثاني الهجري في مشرق العالم – في نيسابور – جلس محمد بن إسماعيل البخاري وعمره 17سنة بين يدي أستاذه إسحاق بن راهويه حاول الأستاذ أن يحدث تلامذته عن احتياجات الأمة فقال "والله لو أن واحدا منكم يجمع صحيح السنة في كتاب لانتفع به الناس أيما انتفاع . يقول البخاري فوقعت في نفس هذه المهمة وأقسمت أن أكون هذا الرجل فقعدت في بيتي ونمت ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو جالس على منبره الشريف ويأتيه بعض الذباب فأذهب وأهش الذباب عنه فأقمت من نومي وحكيت الرؤيا لأستاذي فأولها أنى أذب كذب الحديث عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ،فبدأت أجمع حديث النبي صلي الله عليه وسلم في كتاب (والبخاري ما كتب حديثا إلا اغتسل وصلى ركعتين. وكانت له تجارة ينفق من ريعها في هذه المهمة من ماله) .

 3ـ زيد ابن ثابت :ــ

 نموذج غاية في الروعة والجمال إنه زيد ابن ثابت ابن الضحاك الأنصاري من بني النجار يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاما ، سمع أن جيش المسلمين خارج إلي بدر تحركت في قلبه مشاعر نصرة الإسلام فحمل سيفه وكان أطول منه ، وبعد ذلك خرج لينضم إلي جيش المسلمين وهو ليس بمكلف بعد لكن الرسول الرحيم بأمنه رفض زيد وقال لا زلت صغيرا يا بني. عاد الطفل حزينا إلي بيته يبكي !! لماذا البكاء ؟ لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم منعه من الجهاد ، لكن الأم المربية العاقلة قالت لا تحزن تستطيع أن تخدم الإسلام بصورة أخري .كانت خدمة الإسلام هي هدفه وطموحه ، قالت له أنت تحسن الكتابة وتحفظ كثيرا من سور القرآن ، تستطيع أن تخدم الإسلام في هذا المجال ، فذهبت به إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وأوصاه أن يتعلم اللغة السريانية .
 يقول زيد عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت قال: قال لي رسول الله : "أتحسن السريانية؟" قلت: لا. قال: "فتعلمها فإنه تأتينا كتب". قال فتعلمتها في سبعة عشر يومًا. قال الأعمش: كانت تأتيه كتب لا يشتهى أن يطلع عليها إلا من يثق به، من هنا أطلق عليه لقب ترجمان الرسول . ترجمان الرسول صلي الله عليه وسلم كم عمره 13 سنة !!
 وبعد ذلك يكلف بجمع القرآن في عهد سيدنا أبو بكر. بعد وفاة الرسول شغل المسلمون بحروب الردة، وفي معركة اليمامة كان عدد الشهداء من حفظة القرآن كبير، فما أن هدأت نار الفتنة حتى فزع عمر بن الخطاب إلى الخليفة أبو بكر الصديق راغبًا في أن يجمع القرآن قبل أن يدرك الموت والشهادة بقية القراء والحفاظ...واستخار الخليفة ربه، وشاور صحبه ثم دعا زيد بن ثابت وقال له:(إنك شاب عاقل لانتهمك)...وأمره أن يبدأ بجمع القرآن مستعينا بذوي الخبرة. ونهض زيد بالمهمة وأبلى بلاء عظيما فيه، يقابل ويعارض ويتحرى حتى جمع القرآن مرتبا منسقا...وقال زيد في عظم المسئولية: (والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه، لكان أهون علي مما أمروني به من جمع القرآن)...كما قال: (فكنتُ أتبع القرآن أجمعه من الرّقاع والأكتاف والعُسُب وصدور الرجال).
وأنجز المهمة على أكمل وجه وجمع القرآن في أكثر من مصحف. وجمعه مرة أخري عهد سيدنا عثمان رضي الله عنهم جميعا.

 4ـ الإمام ابن تيمة :ـ 

شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله، هذا الشيخ كان صغيراً، وكان يحمل ألواحاً كبيرة، تخيل كيف كان يمشي مسافات بعيدة على رجليه! ما عنده دفاتر ولا ألواح خشب يحملها من أجل أن يكتب عليها الدرس، في يوم من الأيام رآه شيخ سمع أن هذا الولد نابغة -أي: عقلية جبارة، تقول له الجملة مباشرة يحفظها، هل هذا موجود فينا؟
إذا عملت اختباراً يتبين من النابغة؟ أما شيخ الإسلام فهو نابغة من نوع ثاني- جاء إليه هذا الشيخ فقال له: أنت ابن تيمية؟ قال: نعم. أنا ابن تيمية وكان صبياً صغيراً، قال: أعطني اللوح؟ قال: تفضل، فكتب عليه ثلاثة عشر حديثاً، فقال له: اقرأ، فقرأ عليه، يقول: فأخذت اللوح منه، فقلت: أسمعه عليّ، فقرأ الثلاثة عشر حديثاً كلها قراءة واحدة، حفظ الثلاثة عشر حديثاً، الآن لو أقول لكم: رددوا حديثاً واحداً عشر مرات هل تحفظونه؟ هذا قرأ ثلاثة عشر حديثاً حفظها مرة واحدة بقراءة واحدة.

 الشباب في ميدان الإمامة :ـ عمرو ابن سلمة :ــ 

 عن عمرو بن سلمه رضي الله عنه كما في صحيح البخاري كان عمره ست سنين أو سبع سنين " لما كان عام الفتح سارعت القبائل بإعلان إسلامها بين يدي النبي صلي الله عليه وسلم فذهب أبوه "من قبيلة جرم " إلي النبي صلي الله عليه وسلم ليعلنوا إسلامهم فأمرهم بالصلاة والزكاة وغيرهما فرجع أبوه من عند النبي صلي الله عليه وسلم واستقبله القوم وفيهم عمرو بن سلمه فقال أبوه "جئتكم من عند النبي صلي الله عليه وسلم وأمرنا أن نصلى صلاة كذا في وقت كذا وصلاة كذا في وقت كذا فسألناه من يؤمنا فقال أقرؤكم للقرآن فنظروا فلم يجدوا أحدا أكثر حفظا منى لما كنت أتلقى الركبان ( وقبيلة جرم كانت استراحة القبائل التي تقصد النبي صلي الله عليه وسلم تمرعليهم وتعود عليهم ليتزودوا ,كان يسألهم عمرو بن سلمه ماذا نزل على النبي من القرآن فيحفظ منهم ). فقدموني للإمامة وعمري 6أو7سنوات وكانت على بردة قصيرة إذا سجدت تقلصت عنى فظهرت عورتي ، فنادت امرأة من خلف الصفوف داروا عنى إست إمامكم . فاشتروا لي ثوبا عمانيا فما فرحت بشيء بعد الإسلام فرحى بهذا الثوب " ظل إماما للقبيلة أكثر من 50سنة.

 الشباب في ميدان الجهاد :ـ

 1 ـ صقرين يقتلان فرعون هذه الإمة :ــ غلامين صغيرين كان لهما في معركة بدر موقف لا ينتهي منه العجب وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء رضي الله عنهما ونترك الحديث عن هذا الموقف العجيب للصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كما في صحيح البخاري قال : بينما أنا في الصف يوم بدر إذ نضرت عن يميني وعن شمالي فإذا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فتمنيت لو أن غيرهما كان بجواري ليحميني فغمزني احدهما فقال يا عم أتعرف أبا جهل قلت نعم وما حاجتك إليه قال سمعت انه يسب رسول الله والذي نفسي بيده لأن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا ثم غمزني الأخر فقال لي مثل مقالة صاحبه ثم لم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت هذا صاحبكما فانقضا عليه كالصقرين فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبراه فقال أيكما قتله قال كل منهما أنا قتلته قال هل مسحتم سيفيكما قالا لا فنظر في السيفين فقال صلى الله عليه وسلم : كلاكما قتله .( البخاري، ومسلم).
 سبحان الله فرعون هذه الأمة وطاغية زمانه يكون مصرعه على يدي غلامين شابين من شباب الصحابة الكرام !! لماذا؟ حتى تكون الصورة واضحة جلية يتبين من خلالها إلى أي حد وصل مستوى أولئك الشباب الأفذاذ.

 2 ـ عمير بن أبي وقاص رضي الله عنه : 

أخو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما ، أسلم قديماً ، ويقول عنه سعد رضي الله عنه : رأيت أخي عميراً ، قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، يتوارى فقلت : مالك يا أخي ؟ قال : إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني ، وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة . قال سعد : فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره فرده ، فبكى فأجازه ، فكان سعد يقول : كنت أعقد حمائل سيفه من صغره ، أي أن قامته قصيرة لذلك يعقد حمائل السيف كي لا يلامس الأرض عندما يمشي عمير رضي الله عنه. وعندما نشبت معركة بدر الكبرى ، استشهد عمير رضي الله عنه ، قتله أحد فرسان قريش وصناديدها وهو عمرو بن عبد ود العامري الذي قتله علي رضي الله عنه يوم الخندق .
وعندما يستشهد عمير على يد فارس من قريش يعني ذلك أن عميراً رضي الله عنه كان في مقدمة الصف يصول ويجول ، حتى اهتم به ذلك الفارس الصنديد فعرج عليه فقتله .

 الشباب في ميدان القيادة : 1ـ قاهر التتار:ـ 

 ذلك الطفل الصغير الذي تربى تربية أبناء الأمراء، ولكن ما لبث إلا أن خطفه الأعداء وبِيع بَيع العبيد، يتناقله تجار الرقيق من بلدة إلى أخرى، حتى انتهى به المقام إلى العيش وسط العبيد، يأكل كما يأكلون ويشرب كما يشربون، ولكن الطفل كان ذا طموح جارف، وثقة بربه، وهدف جليل؛ مما قاده ليكون من أعظم القادة في التاريخ الإسلامي ،إنه سيف الدين قطز توفاه الله وهو دون الأربعين، ولكنه استطاع بهمته وتقواه أن يحقق ما عجز عنه الكثيرون، حتى قال عنه العز بن عبد السلام: لو قلت ليس هناك من هو أفضل من قطز من زمان عمر بن عبد العزيز لكنت صادقًا. إنه سيف الدين قطز الذي قال قولته الشهيرة: (من للإسلام إن لم نكن نحن).

 2ـ أصغر فاتح في الإسلام:ـ

 هو محمد بن القاسم الثقفي مؤسس أول دولة إسلامية في الهند؛ ولذلك يبقى اسمه شامخًا في سجل الفاتحين الأبطال. أودع الله بين جنبيه نفسًا بعيدة المطامح لخدمة الإسلام، والمسلمين .
 بدت عليه أمارات النجابة والشجاعة وحسن التدبير في الحرب منذ نعومة أظفاره؛ مما جعل الحجاج بن يوسف الثقفي يعينه أميرًا على ثغر السند وهو لم يتجاوز 17 عامًا، وكان محمد بن القاسم راجح الميزان في التفكير والتدبير، وفي العدل والكرم، إذا قورن بكثير من الأبطال، وهم لا يكادون يبلغون مداه في الفروسية والبطولة، ولقد شهد له بذلك الأصدقاء والأعداء، وقد سحر الهنود بعدالته وسماحته، فتعلقوا به تعلقًا شديدًا. وكان يتصف بالتواضع الرفيع، فكان في جيشه من يكبر أباه سنًّا وقدرًا، فلم تجنح نفسه معهم إلى الزهو والمباهاة، ولكنه لم يكن يقطع أمرًا إلا بمشورتهم، بَنَى المساجد في كل مكان يغزوه، وعمل على نشر الثقافة الإسلامية مبسطة ميسرة. اتجه نحو بلاد السند، فبدأ بفتح مدينة بعد مدينة لمدة سنتين، ثم زحف إلى الديبل، فخندق الجيش بخيوله وأعلامه واستعد لمقاتلة الجيش السندي بقيادة الملك "الراجة داهر" حاكم الإقليم، في معركة مصيرية سنة 92هـ، وكان النصر للحق على الباطل، فقد انتصر المسلمون، وقُتل ملك السند في الميدان، وسقطت العاصمة السندية في أيدي المسلمين. واستمر محمد بن القاسم الثقفي في فتوحاته لبقية أجزاء بلاد السند ليطهرها من الوثنية المشركة، فنجح في بسط سلطانه على إقليم السند، وفتح مدينة الديبل في باكستان، وامتدت فتوحاته إلى ملتان في جنوب إقليم البنجاب، وانتهت فتوحاته سنة 96هـ عند الملقان، وهي أقصى ما وصل إليه محمد بن القاسم من ناحية الشمال، فرفرف عليها علم الإسلام وخرجت من الظلمات إلى النور، وبذلك قامت أول دولة إسلامية في بلاد السند والبنجاب (باكستان حاليًّا).
 قال حمزة الحنفي فيه:

 إن المــــروءة والسماحة والنـدى *** لمحمد بن القاسـم بن محمـد 
 ساس الجيوش لسبع عشرة حجّة *** يا قرب ذلك سؤددًا من مولد 

3 ـ أقوي ملوك أوربا :ـ عبدالرحمن الناصر :ـ 

سيرته مليئة بالمواقف الرائعة ، استلم دولة ضعيفة مترهلة مشتتة تموج بالثورات والفتن يطمع فيها أهل الأرض جميعا وليس فيها أمل فيما يبدو للناس أن تقوم من جديد فإذا به بصبر عجيب وثبات وعزيمة وجهد وإخلاص يعيد ترتيب الأوراق من جديد في بلاد الأندلس ، يعيد للعلماء هيبتهم ويعيد للجيش الإسلامي رهبته ، يوحد الصفوف ، يطهر البلاد من المشركين والمنافقين، يبني حضارة عظيمة جدا في بلاد الأندلس تتفوق في كل المجالات ، حتي أصبحت الأندلس في زمانه أقوي دولة بلا منازع علي وجه الأرض ، وجاء زعماء أوربا جميعا يطلبون وده وليفوزوا برضاه .
عبدالرحمن الناصر أقوي ملوك أوربا في القرون الوسطي ، استلم الحكم وهو يبلغ من العمر 22 سنة فقط .
 هذه رسالة عظيمة أن الشباب عندهم مؤهلات وطاقات وإمكانات وقدرات عالية , وكأن التاريخ يقول لنا لا تسهينوا بقدرات الشباب ، فالشباب أمل الأمة ، الشباب أساس النهضة لهذه الأمة ، ولنعلم جميعا أن المقومات الحقيقية للشاب الناجح تكمن أساس في دين الشاب في عقله ، في علمه ، وتدريبه ، ولم تكن أبدا في عرق أو نسب أ ومال أو عنصر أو جمال صورة .
هذا هو شباب الإسلام . شبابنا هيا إلى المعـالي هيا اصعدوا شوامخ الجبال هيا اهتفوا يا معشر الرجال قولوا لكل الناس لا نبالي أحبتنا في الله! واقع شبابنا اليوم إذا قارناه بالصدر الأول والسلف الصالح وجدنا ما نخجل لذكره وما نطأطىء الرءوس خجلاً مما نراه، بل لا نستطيع أن نقارن بين أولئك وهؤلاء:

 لا تعرضن لذكرنا في ذكرهـم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد

 بل ربما من العبث أن نقول: إن الرعيل الأول والجيل المتقدم كانوا أفضل من هؤلاء: ألم تر إن السيف ينقص قـدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا . العنصر الخامس :ـ نصائح للشباب :ــ لا بد أن يعلم الشباب أن الإسلام فيه الخير والعطاء والبناء لهم ، وهم بغير الإسلام تعاسة وبلاء ولا قيمة لهم، فالشباب طاقة يسخرها الله في إصلاح البشرية ،
فإليك أخي الشاب هذه النصائح التي يمليها عليك دينك حتي تستطيع أن تقوم بدورك المنوط بك. .

 1- على الشاب أن يعرف دينه ، ويمتثله في سلوكه وعمله ، ويكون على قناعة تامة به ، ولا يلتفت لأقوال الحاقدين والمشكيين ، ولعلم أن دينه أفضل دين ، وأن كل ما سواه فهو زور وباطل ، عليه أن يسخر ما أودعه الله من قوة ونشاط في خدمة هذا الدين . وليكن هذا شعارك دائما ( دينك دينك لحمك دمك ) .

 2- على الشاب أن يعلم أن أمته هي خير أمة ، وأن هذه الخيرية ثابتة لها ما دامت متمسكة بدينها ، ويعلم أن أمته بقيت دهراً طويلاً رائداً للعالم ، وأنه يجب أن تبقى لها هذه الريادة ، وذلك لا يتحقق إلا بالالتزام بتعاليم الإسلام.

 3- على الشاب أن تكون همته بعد إصلاح نفسه إصلاح الآخرين ، وتعبيد الناس لرب العالمين ، وليحذر أن يكون داعية سوء ، يكون عليه وزر نفسه ، ومن أوزار الآخرين.

 4- على الشاب أن يكون دائماً الارتباط بالله تعالى ، من خلال أداء الصلاة في وقتها ، وكثرة الذكر والدعاء ، والاستعانة به في جميع الأمور ، والتوكل عليه ، والمحافظة على الأوراد المشروعة كأذكار الصباح والمساء ، والدخول والخروج ، والركوب ، ونزول المكان ، وغير ذلك .

 5- على الشاب أن يعلم أن قدوته الحقيقة هو محمد صلى الله عليه وسلم ، وليحذر من التقليد الأعمى الذي يفقده شخصيته وتميزه .

 6- على الشاب أن يحافظ على رجولته ، ويتجنب كل ما من شأنه أن يضعفها من ميوعة وتكسر ، وتشبه بالنساء ، وغير ذلك .

 7- على الشاب أن يصبر على مشقة فعل الطاعة ، وترك المعصية ، حتى تستقيم نفسه على ذلك وتستلذ به ، وكن من أهل الخير حتى يصبح الخير عادة لك فلا تريد بأعمالك إلا وجه الله وابتعد عن الشر فلا تدخله إلى قلبك ولا تشرح له صدرك لأنه لا يكون إلا بلجاجة الشيطان والنفس الأمارة بالسوء وقد قال صلى الله عليه وسلم " الخير عادة والشر لجاجة ومن يرد الله به خيراً يفقه في الدين .

 8- على الشاب إذا أراد أن يروح عن نفسه أن يلتزم بالحلال ، ويتجنب الحرام ، فإن في الحلال غنية عن غيره ، وإن عاقبة الحرام وخيمة ، وليكن من دعائه ( اللهم اكفني بحلالك عن حرامك ، واغنني بفضلك عمن سواك ). (رواه الترمذي قال حديث حسن ).

9- على الشباب أن يكونوا حذرين من الأفكار الهدامة حتى ولو كان ظاهرهاً الصلاح والإصلاح فلا يقبلوا فكرة إلا بعد عرضها على العلماء والأساتذة حتى لا يقعوا فريسة في أيدي دعاة الباطل.

 وأخيرا :ـ أيها الشباب عليكم أن تعلموا أن أهمية مرحلة الشباب تكمن في السؤال عنها مرتين يوم القيامة؛ فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ : عَنْ عُمُرِهِ ، فِيمَ أَفْنَاهُ ؟ وعَنْ شَبَابِهِ ، فِيمَ أَبْلَاهُ ؟ وَعَنْ مَالِهِ ، مِنْ أَيْنَ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ ، مَاذَا عَمِلَ فِيهِ ؟ " .( سنن الدارمي)
 فليعمل الشباب وليجتهدوا، وليشحذوا هممهم؛ فنهضة الأمة لن تقوم إلا على أكتافهم. ونسأل الله أن يحفظ شبابنا من الفتن ماظهر منها وما بطن وأن يعصمهم من الخطأ والزلل ويهديهم إلي طريق الهدي والرشاد إنه ولي ذلك ومولاه .

رسالتي إلي الشباب

وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ



الحمد لله العزيز الوهاب الكريم التواب... شرع الشرائع ، وفرض الفرائض وحد الحدود وحذر من تجاوز هذه الحدود وانتهاكها  .. جعل المال عصب الحياة، به تنتظم معايش الناس، ويتبادلون على أساسه تجاراتهم ومنتجاتهم، ويقوّمون على أساسه ما يحتاجون إليه من أعمال ومنافع. ولقد أخبر سبحانه و تعالى بأنه أحد الأمرين اللذين هما زينة الحياة الدنيا في قوله تعالى }الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (46){ [الكهف].           
                                      
 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .... له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير .. حرم أكل المال بالباطل فقال تعالي}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ (29){[النساء]. 

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ...تعامل مع المال علي أنه أمانة ومسئولية يسأل عنه صاحبه يوم القيامة فقال  صلى الله عليه وسلم }لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أن اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه{ رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح واللفظ له، وروى الترمذي قريبًا منه بإسناد حسن صحيح.                                                                                                                
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ..
                                                                 
أما :بعــــد .. فيا أيها المؤمنون ..
فالمال في الاسلا م وسيلة لتبادل المنافع بين الناس، وتقويم المجهود المبذول في العمل والجزاء عليه، حيث يتمكن به الإنسان من إشباع رغبات النفس.   

 وإذا كان الإنسان مولعا بحب المال، وممتحنا به في هذه الحياة الدنيا فهل يتحرى توجيهات الشرع الحكيم في كسبه وإنفاقه؟ أم يكون همه هو هو جمع المال وتبذيره دون مراعاة الحلال والحرام في كل ذلك؟ فقال تعالى } الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا(46){  الكهف           
وقال تعالي }وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا(20){ [الفجر]، وقال جل شأنه } وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ(8){[العاديات].  
ونجد تكالب الناس علي جمع المال ولا يبالون مصدره وربما يتعدي الأخ علي حق أخيه أو أخته في حقه في الميراث ولا يبالي سواء كان حلال أو حرام
لذلك كان حديثنا عن أكل مال الغير في الميراث وذلك من خلال العناصر الرئيسية :ـ 

1ـ الميراث وصية الله تعالى.
2ـ أسباب أكل الميراث
3ـ أمور شائعة يقع فيها الناس .
4ـ عقوبة أكل الميراث .
5ـ من روائع من تاريخ السلف مع الميراث

العنصر الأول : الميراث وصية الله تعالى لعباده:ـ
من جوانب عظمة الإسلام اهتمامه بأحكام الميراث بعد موت الميت فجاءت أحكام الميراث دقيقة موزعة بحكمة بالغة وعدل من قبل رب العالمين.
 فربنا سبحانه تولى تقسيم التركات ولم يترك ذلك لأحد من البشر، فصل ربنا بدقة أحكام المواريث في بيان بليغ وحساب دقيق مما يستحيل على البشر أن يهتدوا إليه لولا أن هداهم الله.
روى الإمام أحمد وغيره أن امرأة سعد بن الربيع جاءت إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تقول له : ( يا رسول الله هاتان بنتا سعد بن الربيع قتل معك شهيدا يوم أحد وترك لهما مالا فجاء عمهما فأخذ المال ولا ينكحان إلا بمال . فقال : يقضى الله فى ذلك .. فأنزل الله آيات المواريث فقضى للزوجة بالثمن والبنتين بالثلثين والباقى للأخ عصبة ) .
 ومن تأمل الآيات الثلاث الواردة في تفصيل أنصبة الورثة رأى أنها جميعا ختمت بصفة العلم ..
ففي الآية الأولى: }فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11){ النساء.
 وفي الآية الثانية: }وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12){ النساء.
وفي الآية الثالثة:}يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176){ النساء.

 إن من عادة كل إنسان أن يُنَفِّذ وصيَّة مَن له مكانة عنده، وكلما عَلَت مكانة الموصِي، كان تَنفيذ وصيَّته ألْزَمَ، ولا سيَّما إن كرَّر نفس الوصية وأمَر بتنفيذها.
إن الله جل في علاه أعظم من كلِّ عظيم، وأكبر من كلِّ كبير، وأعلى من كلِّ عليٍّ؛ قال تعالى}سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى(1){ [الأعلى]؛ لذا نقول: إنَّ وصيَّة الله في الميراث أَوْلَى أن تُنَفَّذ.
 وما إن نزلت هذه الآيات على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم حتى انتدب أصحابه واستحثهم على تعلم علم الفرائض( وهو علم المواريث ) فقال صلى الله عليه وآله وسلم 
( تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنه نصف العلم وهو ينسى وهو أول شيئ ينزع من أمتى ) .
وروى الإمام أبو داود وغيره أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال ( العلم ثلاث : آية محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سنة ماضية . وما سوى ذلك فهو فضل ) .
فاستجاب أصحاب الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  لهذا النداء والحث من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وممن تقدم فى هذا العلم الصحابى الجليل زيد بن ثابت الذى مدحه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : ( أفرضكم زيد بن ثابت )
وبقوله : ( أرحم أمتى أبو بكر وأشدهم فى دين الله عمر وأكثرهم حياءً عثمان وأفرضهم زيد بن ثابت ) .
ومنهم أيضًا السيدة عائشة .. فعن مسروق أنه قال : ( رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض )
ومنهم الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود الذى كان يلقب بالحبر فى هذا الباب وغيره ، إذ قال سعد بن أبى وقاص عنه حول هذا العلم ( لا تسألونى مادام هذا الحبر فيكم ) .
وممن تقدم وفاق فى هذا الباب وغيره أمير المؤمنين على بن أبى طالب إذ كان يخطب على منبر الكوفة فسئل عن مسألة عويصة فأجاب على السائل فى جملة قصيرة ومضى فى خطبته وسميت هذه المسألة بالمسألة المنبرية ..
وكان سيدنا على يقول في خطبته : ( الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعاً ، ويجزي كل نفس بما تسعى، وإليه المآب والرُّجعى. فسُئِل عنها فأجاب على قافية الخطبة: " والمرأة صار ثمُنها تُسعًا"  ، ثم مضى في خطبته .
فانظر كيف حسب بداهةً، وأجاب سليقةً، فتناغمت القوافى والمعانى .
وكان الرجل إذا جمع هذا العلم نبل قدره وعظم فقد روى الإمام مسلم أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال : مَنْ استعملتَ على أهل الوادي ؟ فقال : ابن أبزى ! قال : ومن ابن أبزى ؟ قال : مولى من موالينا ! قال : فاستخلفتَ عليهم مولى ؟ قال : إنه قارئ لكتاب الله عز وجل ، وإنه عالم بالفرائض ، قال عمر : أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال : إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين .

العنصر الثاني أسباب أكل الميراث:ـ
 أخوة الإسلام ك إن هناك أسباب عديد تجعل الإنسان يأكل الميراث و يتعدى حدود ما انزل الله تعالى نذكر من أهمها:ــ

1ـ ضعف الإيمان:
فآكل الميراث ضعيف الإيمان و إن صلى و صام و قرأ القران لأنه تشبه بأعداء الله و قتلت الأنبياء من اليهود عندما قالوا لأنبيائهم كما اخبر الله تعالى عنهم }وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(93){[البقرة].
فالله تعالى أمرهم ولكنهم قالوا سمعنا وعصينا.
 وأنت يا آكل الميراث إن لم تقلها بلسانك فأنت تقولها بأفعالك وجحودك لحقوق الورثة.

2 - طمع الأقارب في ميراث المرأة:
 فكثير من أكلة المواريث أصابهم الجشع و الطمع فجحدوا حق الورثة ظنا منهم ان ذلك سينقص المال و الطمع جمرة لا تحرق إلا صاحبها في الدنيا و الآخرة.
عن كعب بن مالك الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ذئبان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه) رواه الترمذي.
وقال المناوي: (فمقصود الحديث أن الحرص على المال والشرف أكثر إفساداً للدين من إفساد الذئبين للغنم؛ لأن ذلك الأشر والبطر يستفز صاحبه ويأخذ به إلى ما يضره، وذلك مذموم لاستدعائه العلو في الأرض والفساد المذمومين شرعاً).
وقال الوراق: (لو قيل للطمع: من أبوك؟ قال: الشك في المقدور. ولو قيل: ما حرفتك؟ قال: اكتساب الذل. ولو قيل ما غايتك: قال الحرمان).
وقال أبو العباس المرسي: الطمع ثلاثة أحرف كلها مجوفة، فصاحبه بطن كله لا يشبع أبداً. واصل الطمع وسببه والدافع إليه التوهم أعني التخيل والحسبان.

3 - التقاليد والعادات القبلية الجاهلية.
فبعض الناس عندهم عادات لا يورثون البنات ويجحدوهم حقوقهم فاذا قلت له لماذا لا تورث إخوتك يقول "إحنا طلعنا وجدنا آباءنا وأجدادنا لا يورثون البنات".
نقول له: هذه عادات أهل الجاهلية الذين ذمهم الله تعالى و بين ان التقاليد سبيل الضلال } وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ(104){[المائدة] .
وقال تعالى} قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74){[الشعراء] .
وقال جل ذكره } وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ(21){ [لقمان].

العنصر الثالث : أمور شائعة يقع فيها الناس :ــ
إن كثيرا ممن لا دين لهم يتحايلون على أكل أموال الناس بالباطل وإسقاط نصيب غيرهم فى المواريث ومن الأمور الشائعة فى ذلك ما يلى :

1- إسقاط نصيب النساء :
فإن كثيرا من الناس إذا كان له أخوات يستحققن الميراث فإنه يعمل جاهدا على إسقاط حقوقهن وأكل أموالهن بالباطل راجعا بذلك إلى أيام الجاهلية الأولى التى  كانت النساء فيها يمنعن من الميراث عنوة .
2- المرأة إذا كان عندها بنت أو أكثر فإن أقارب الزوج يستحقون جزءً من الميراث بالعصبة فإنها تشنع عليهم وتقول أنهم يريدون أن يأكلوا أموال اليتامى وتريد أن تستحوذ هى وبناتها على جميع التركة .
3- الرجل إذا كان عنده بنت أو أكثر وله أخوة أو أقارب أولاد عمومة ويعلم أنهم سيرثون مع بناته فإنه يلجأ فى حياته أن يبيع لبناته بيعا وشراءً معرضًا بذلك عن حدود الله تعالى .
وإن رجلا أتى مثل هذا العمل فأذله الله تعالى فى الدنيا قبل الآخرة فقد تحايل على ذلك بأن كتب بيته لابنته الوحيدة بيعًا وشراءً حتى لا يأخذ إخوته معها فى ميراثه ، ومرت الأيام فقامت البنت بكتابة البيت لزوجها ثم ماتت هذه البنت .
فتزوج الزوج فى هذا البيت وطرد هذا الرجل إلى الشارع فلم يجد مَنْ يسأل عنه إلا أخوته وأقاربه الذى تحايل عليهم قبل ذلك ليسقط نصيبهم من الميراث .
فمن أعلم من الله عز وجل ؟!
ومن أحلم من الله عز وجل ؟!
ومن أحكم من الله عز وجل ؟!
4- الرجل يقسم على أولاده تركته وهو حى :
وهذا من الأخطاء الشائعة فقد أجمع العلماء على أن من شروط الميراث ( تحقق موت المورث ) إذ أنه ربما يموت أحد الورثة فيغير تقسيم الميراث رأسًا على عقب .
وقد يبلغ الرجل مثلا الستين عاما فيبدو له أنه هالك لا محالة فيكتب لأولاده ويقسم بينهم وإذا به يُعافى من مرضه ويعيش عمرًا مديدًا يتزوج فيه وينجب من امرأة أخرى فيكون أولاده الكبار فقط قد استحوذوا على الثروة كلها وجار على أولاده الصغار، وإن الرجل لا يزال بخيرٍ مالكًا أمره ما دام المال بيده والقرار بيده ..
ومما يروى فى ذلك أن رجلا قسم ماله بين أولاده فأهملوه وتركوه ، فلما وجد أولاده انصرفوا عنه حزن لذلك ، فجمعهم وقال يا أولادى لقد قسمت عليكم مالا قليلا لكن ثروتى الحقيقية قد جعلتها فى صندوق فى حفرة تحت سريرى هذا .
فرجع أولاده يتسابقون لخدمته ، هذا يأتى له بعباءة والآخر بقطعة قماش والثالث بأكلة طيبة ومرت الأيام على ذلك حتى مات .
فلما كشفوا عن هذه الحفرة وجدوا فيه صندوقا كبيرا مليئًا بأوتاد من خشب ومعها ورقة مكتوب فيها ( وتد ثم وتد فى عين من يكتب ثروته وهو حى للولد ) 

  5- رجل يمنع ولدا من أولاده لأنه عاق : 
نقول له لا فمن عصى الله فيك فأطع الله تعالى فيه وقد حذر النبى من ذلك فقال صلي الله عليه وسلم:} إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار. وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة، ثم قال: واقرءوا إن شئتم: تلك حدود الله.... إلى قوله: عذاب مهين{ رواه الإمام أحمد وابن ماجه
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين سنة, ثم يحضرهما الموت, فيضاران في الوصية فتجب لهما النار، ثم قرأ أبو هريرة رضي الله عنه: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ [النساء:12]. إلى قوله تعالى: ذلك الفوز العظيم . رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح غريب.

عباد الله:
لا مجال في توزيع أنصبة الميراث للمجاملة ولا للواسطة ولا للرأي ولا للهوى إنها شريعة الله وحكمة الله تولى الله قسمة المواريث منعا للنفوس الضعيفة المفتونة بالمال أن تتلاعب بمال الورثة ومنعا للشقاق والاختلاف تولى الله قسمة المواريث لكي يضفى على المؤمن الطمأنينة والرضا إذا علم حينما يقل نصيبه أو حينما يمنع من الإرث أن نقصه أومنعه آت من لدن أحكم الحاكمين فيرضى حينذاك بحكم الله قال تعالي }وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50){ المائدة.
ومن أعظم صور العدل في الميراث تصافي القلوب بين الورثة وعدم تراشق سهام الضغائن فكل قد رضي بنصيبه الذي فرضه الله له.
هل يوجد في غير شريعة الإسلام ذلك التوزيع العادل لميراث الميت؟
حقا إنها عظمة الإسلام عظمة تحمل العدل عظمة بين الجاهلية الأولى التي تمنع المرأة من الإرث والجاهلية المعاصرة التي تدعو لمساواة المرأة بالرجل في الإرث.
نعم عباد الله ديننا دين العدل لا دين المساواة ولذا فالمناداة بمساواة الحقوق بين الذكر و الأنثى على خلاف أصول الشرع.

عاقبة أكل الميراث :ـ
لقد ختم الله تعالى آيات المواريث بقوله }تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14){[النساء]
( تلك حدود الله ) لم يتركها لملك مقرب ولا لنبى مرسل إنما تولى قسمة ذلك بنفسه .
( وذلك الفوز العظيم ) فالجنة حقا هى الفوز العظيم }وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72){[الزخرف].       
 ليس الفوز العظيم فى قطعة أرض ولا فى عقار زائل ولا فى مال يتحول إنما الفوز العظيم هو فى جنة الرحمن .
وإياك أخى المسلم أن تظن أنك ستسعد بهذا المال الذى تأكله من أصحابه فإنه سيلاحقك ويكون سببًا فى شقائك فى الدنيا قبل الآخرة وصدق الله تعالى إذ يقول تعالي}وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ(126){[طه] .

فيا من تأكل ميراث أهلك وذويك ، وتقطع أرحاما كان يجب عليك وصلها ، وتأكل أموالا كان عليك صيانتها ، وتؤصل عداوات تتوارثها الأجيال ، اتق الله وأعط كل ذى حق حقه .
* ويا أهل كل ميت بادروا بتقسيم ميراثه إن وجد حتى لا يثقل ذلك بعد ذلك ويكون هذا المال سببا فى قطيعتكم . ولأنه يسهل على الأخوة والأخوات أن يتقاسموا المال ويتراحموا فيما بينهم أكثر من أجيال صغيرة تنشأ ليس لها نفس التراحم الموجود بين الأخوة .

فالويل كل الويل لمن يا يأكل ميراث اليتامي والضعفاء، فهذا من الظلم الفادح الذي حرمه الله تعالي ، لقد حرم الله عز وجل الظلم على نفسه، وحرمه على عباده، كما في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا) رواه مسلم.
والله عز وجل توعد الظالمين بالعذاب فقال تعالى} وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) { [إبراهيم].
وقال تعالي: } أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) { [هود].

أيها المسلمون ...
إن الأمر ليس باليسير فبعض الناس يظنه هينا وهو عند الله تعالى عسير... وهذه بعض العقوبات التي توعد الله بها آكل الميراث:ـ  
  
أولا: أنه متعد لحدود الله "
اعلم هداني الله تعالى و إياك: أن أكلك للميراث فيه تعديا لحدود الله تعالى و انتهاكا لحرماته فالله سبحانه بعد أن بين الأنصبة قال ﴿ فَلَا تَعْتَدُوهَا ﴾ [البقرة: 229]، ولا تُجاوزوها؛ ولهذا قال: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [النساء: 13]؛ أي: فيها، فلم يزِد بعض الورثة، ولَم ينقص بعضًا بحيلة ووسيلة، بل ترَكهم على حُكم الله وفريضته وقِسمته،
 ﴿ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [النساء: 13، 14]؛ أي: لكونه غيَّر ما حكَم الله به، وضادَّ الله في حُكمه، وهذا إنما يصدر عن عدم الرضا بما قسَم الله وحَكَم به؛ ولهذا يُجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المُقيم.
ولا شك أن من منع امرأة: أختاً كانت، أم أماً، أم جدة أم زوجة ميراثها فقد ‏تعدى حدود الله، وتعرض لعقوبته، والله قد قسم الميراث قسمة عدل لا جور فيها ولا ‏حيف.
أخرج أحمد عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله  - صلَّى الله عليه وسلَّم  (إنَّ الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوْصَى حافَ في وصيَّته، فيُختم له بشرِّ عمله، فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة، فيَعدل في وصيَّته، فيُختم له بخير عمله، فيدخل الجنة)، قال: ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ﴾ [النساء: 13]، إلى قوله: ﴿ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [النساء: 14]. ( ضعيف).

ثانيا: أنه آكل حق الضعيفين.
ونقولُ لهؤلاء الذين فرقوا دينهم، وطبقوا آية وعطلوا أخرى، وصلوا ثم ظلموا، وزكوا ثم بخلوا، وصاموا ثم تركوا، وحجوا ثم ختموا حياتَهم بحجة إلى الشيطان ، والنبي  صلى الله عليه وسلم يقول }اللهم إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ {  [أخرجه أحمد وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة].
 ينادى المولى تبارك وتعالى على آكلي حقوق الضعيفين (اليتيم والمرأة) فيقول تعالي  { وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) { النساء.

ثالثا: أنه قاطع لأرحامه:
فالله تعالى يجازي أهل الصلة بالصلة في الدنيا والأخرة ويجازي أهل القطيعة بالقطية في الدنيا والأخرة والجزاء من جنس العمل.
عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ }مَا من ذَنْب أَجْدَر أَن يعجل لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْبَغْيِ{
يعني: أنه تحصل له عقوبة في الدنيا والآخرة، فيجمع له بين العقوبة الدنيوية والأخروية، حيث يجعل له الله العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة، فيجمع له بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، والضرر الذي يحصل في الدنيا، والضرر الذي يحصل في الآخرة، وهذا يدل على عظم وخطورة شأن البغي وقطيعة الرحم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن صاحبهما جدير بأن يحصل له هذا وهذا، وأن يجمع له بين هذا وهذا، وهذا يدل على خطورة أمر البغي وقطيعة الرحم.

ربعا : الحجب والحرمان من دخول الجنان:ـ
فالجنة هي صلة الله التي جعلها لأهل كرامته ولأهل طاعته فاذا قطع المسلم رحمه حجبه الله من جنته.
عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ» يعني قاطع رحم (مسلم)، ولفظ أبي داود: (لا يدخل الجنة قاطع رحم).
و في معنى هذا الحديث قولان: أنه لا يدخلها من أول وهلة، أي أنه يتأخر في دخول الجنة، وأنه يدخل النار ويعذب بها، ولكنه إذا دخل النار لا يستمر فيها أبداً، بل لابد أن يخرج منها، وأن يدخل الجنة ما دام أنه مرتكب لكبيرة فقط، ولا يمنع من دخول الجنة أبداً إلا الكفار الذين هم أهل النار، فلا سبيل لهم إلى الخروج منها أبداً.
أنه لا يدخلها أبداً إذا كان مستحلاً؛ لأن استحلال الذنب كفر، فيكون ذلك مانعاً من دخول الجنة أبداً؛ لأنه يكون بذلك كافراً، والكافر لا يخرج من النار ولا يدخل الجنة أبداً.

صلة الله للواصل وقطعه للقاطع والطرد من رحمته:
 عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:}إِنَّ الله خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَك{.
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ}فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ(22){ [محمد].
وَخَرَّجَهُ في: باب قول الله }يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ (15){ [الفتح] ، وفي تفسير سورة محمد عليه السلام، قوله }وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ(22){[محمد]... متفق عليه.
فهذا وعد من الله تبارك وتعالى أنه يصل من وصل الرحم، فيجب على الإنسان أن يصل أقربائه كأبيه وعمه وخاله وأخته وعمته وخالته وأبناء أخواته وأبنائه ولا يقطع رحمه.
وجاء في الحديث الآخر: (حتى إن أهل الديار لا يصبرون على شيء من الذنوب، ولكن يصلون أرحامهم فيعطيهم الله عز وجل الغنى في الدنيا) 
فالإنسان الذي يرتكب الذنوب والمعاصي ولكنه يصل رحمه فإن الله تعالى قد يغفر له، لأن صلة الرحم عظيمة جداً، قال الله سبحانه وتعالى: } فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23){ [محمد].
فالذين أفسدوا في الأرض وقطعوا أرحامهم أصم الله عز وجل آذانهم وأعمى أبصارهم.

خامسا: الإفلاس يوم القيامة:
 يا آكلا للميراث لا تظن أن ذلك فيه الغنى كلا بل فيه الإفلاس قال تعالي } يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89){[الشعراء].
توهم نفسك و قد بعثر ما في القبور و حصل ما في الصدور و قد أتيت بصلاة و زكاة و صوم و حج و لكنك قد أكلت المواريث نظر إلى نفسك في عرصات يوم القيامة ...عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:} ما تعدون المفلس فيكم؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار قال: المفلس من يأتي يوم القيامة وله حسنات أمثال الجبال فيأتي وقد شتم هذا وأخذ مال هذا وسفك دم هذا وقذف هذا وضرب هذا فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار{رواه مسلم.

سادسا: الإثم الكبير:
اعلم علمني الله وإياك: أن التعدي على المواريث جرم عظيم وإفك مبين قال الله تعالى }وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ، وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً (2){[النساء].
والمعنى: إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه.
روى أن رجلا من بنى غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه فترافعا إلى النبي عليه السلام فنزلت هذه الآية فلما سمع العم قال اطعنا الله واطعنا الرسول نعوذ بالله من الحوب الكبير فدفع اليه ماله فقال النبي صلى الله عليه وسلم « من يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فانه يحل داره » يعنى جنته فلما قبض الفتى ماله انفقه في سبيل الله فقال عليه السلام « ثبت الأجر وبقى الوزر » فقالوا كيف بقى الوزر فقال « ثبت الأجر للغلام وبقى الوزر على والده » تفسير الثعلبي [ لم اقف على صحة هذا الأثر].

سابعا: أكلة الميراث أكلة النار:
 أيها الأحباب: الذين يأكلون الميراث هم الذين وصفهم الله تعالى بقول }إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10){ [النساء10].
إن اليتامى مظنة أن يبخسوا في الميراث، فأكل مالهم هنا ظلما هو بخسهم حظهم في الميراث، أو أكل الأوصياء أموالهم والأخذ من مال اليتيم سماه الله تعالى أكلا لما فيه من معنى الأخذ وأن يقصد به تنمية ماله كما ينمي جسمه بالأكل، ولكنها تنمية آثمة مالها البوار } ومن نبت لحمه من حرام فالنار أولى به{ .
وقال سبحانه }وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) { [آل عمران] لكمال التشنيع على الأكل، إذ هم يظلمون ضعيفا لا يقوى على الانتصاف منهم، وقد ذكر سبحانه إثم ذلك الأكل بقوله: } إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ(10){ ﴾ [النساء] .
وهذا تصوير لضرر الأكل عليهم؛ لأنه يكون أكلهم كمن يأكل النار ويضعها في بطنه أي يملأ بطنه بها فهو في ألم دائم حتى يهلك، وكذلك دائما من يأكلون أموال اليتامى لَا يأكلون أكلا هنيئا ولا مريئا، بل هم في وسواس دائم حتى يقضى الله عليهم، وقد رأينا بيوتا خربت لأنها أكلت مال اليتيم. وهذا عقابهم في حاضرهم، أما العقاب الذي ينتظرهم في الآخرة فقال تعالي:
} وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10){ [النساء] أي ستوقد بهم نار شديدة الأوار، يستمرون في بلاء شديد منها. اللهم ارزقنا رزقا حسنا، وجنبنا ما حرمت، وأقنعنا بالحلال الطيب، إنك سميع الدعاء.
قال القاسمي -رحمه الله - ما أشد دلالة هذا الوعيد على سعة رحمته تعالى وكثرة عفوه وفضله، لأن اليتامى لما بلغوا في الضعف إلى الغاية القصوى، بلغت عناية الله بهم إلى الغاية القصوى.

ثامنا: الفضيحة يوم القيامة.
ألا فلتعلمَ أن ما أكلتَ من حق أختك؛ من مال وعقار؛ ستُطوقه يومَ القيامة بإذن الله، لو ظلمتها جنيهًا سيأتي عليك نارًا، ولو ظلمتها شبرًا من أرضِ فسيأتي حول عنقك يومَ القيامة نارًا من سبع أرضين، قال الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى: } مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الأرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ{ [أخرجه البخاري، في كتاب المظالم].
وهذا الحديثُ له قصةٌ عجيبة في صحيح مسلم؛ وذلك أَنَّ أَرْوَى بِنْتَ أُوَيْسٍ ادَّعَتْ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ  رضي الله عنه  أَنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهَا فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَقَالَ سَعِيدٌ وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة (أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئًا بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الأرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ).
فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: لا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا! فَقَالَ سَعِيدُ بْن زَيْدٍ - رضي الله عنه اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً؛ فَعَمِّ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا!.
قال بعض الرواة: فَمَا مَاتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، ثُمَّ بَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ أخرجه مسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم }خَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ نَهْبُ مُؤْمِنٍ، أَوْ الْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ، أَوْ يَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالاً بِغَيْرِ حَقٍّ{[أخرجه أحمد، وحسنه الألباني في صحيح الجامع].

تاسعا: أن أكل الميراث يدخل في السبع الموبقات.
قال صلى الله عليه وسلم اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ:(الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، إِلا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ ) [أخرجه البخاري].

العنصر الخامس: من روائع من تاريخ السلف مع الميراث.
وهذه القصص هي لنسوة عرفن الله تعالى و قالوا } وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ(285) ﴾ [البقرة].

القصة الأولى:
استَمِع لهذه القصة، ومُلَخَّصها أنَّ رجلاً كان ببغداد يعمل بزَّازًا  يَبيع البزَّ؛ أي: الثياب؛ يعني: قمَّاش له ثروة، فبينا هو في حانوته، أقْبَلَت إليه صبيَّة، فالْتَمَست منه شيئًا تَشتريه، فبينما هي تُحادثه، كشَفَت وجهها في خلال ذلك، فتحيَّر، وقال: قد والله تحيَّرت مما رأيت، فقالت: ما جِئْت لأشتري شيئًا، إنما لي أيَّام أتردَّد إلى السوق؛ ليقع بقلبي رجلٌ أتزوَّجه، وقد وقَعْت أنت بقلبي ولي مالٌ، فهل لكَ في التزوُّج بي؟
 فقال لها: لي ابنة عم وهي زوجتي وقد عاهَدتها ألاَّ أُغَيِّرها، ولي منها ولد، فقالت: قد رَضِيت أن تَجِئ إليّ في الأسبوع نوبتين، فرَضِي، وقام معها فعَقَد العقد، ومضى إلى منزلها، فدخَل بها، ثم ذهب إلى منزله، فقال لزوجته: إنَّ بعض أصدقائي قد سألني أن أكون الليلة عنده، ومضى فبات عندها، وكان يمضي كلَّ يوم بعد الظهر إليها، فبَقِي على هذا ثمانية أشهر، فأنْكَرَت ابنه عمه أحوالَه، فقالت لجارية لها: إذا خرَج، فانظري أين يمضي؟
فتَبِعتْه الجارية وهو لا يدري، إلى أن دخل بيت تلك المرأة، فجاءَت الجارية إلى الجيران، فسألتْهم: لِمَن هذه الدار؟
 فقالوا لصبيَّة قد تزوَّجت برجلٍ تاجر بزَّاز، فعادَت إلى سيدتها، فأَخْبَرَتْها فقالت لها: إيَّاكِ أن يعلمَ بهذا أحد، ولَم تُظهر لزوجها شيئًا، فأقام الرجل تمام السنة، ثم مَرِض ومات، وخلَّف ثمانية آلاف دينار، فعَمدت المرأة التي هي ابنة عمه إلى ما يستحقُّه الولد من التركة  - وهو سبعة آلاف دينار  - فأفْرَدَتْها، وقَسَمت الألف الباقية نصفين، وتَرَكت النصف في كيس، وقالت للجارية: خذي هذا الكيس واذْهَبي إلى بيت المرأة، وأعْلِميها أنَّ الرجل مات وقد خلَّف ثمانية آلاف دينار، وقد أخَذ الابن سبعة آلاف بحقِّه، وبَقِيَتْ ألف، فقَسَمتُها بيني وبينك، وهذا حقُّك، وسَلِّميه إليها، فمَضَت الجارية، فطَرَقت عليها الباب ودخَلت، وأَخْبَرَتها خبرَ الرجل، وحَدَّثتها بموته، وأَعْلَمتها الحال، فبَكَت وفتَحَت صندوقها، وأخْرَجَت منه رقعة، وقالت للجارية:
عودي إلى سيِّدتك، وسَلِّمي عليها عني، وأَعْلميها أنَّ الرجل طَلَّقني، وكتَب لي براءة، ورُدِّي عليها هذا المال؛ فإني ما أستحقُّ في تَرِكته شيئًا، فرَجَعت الجارية، فأَخْبَرَتها بهذا الحديث.
القصة الثانية: 
ومن ورع نساء السلف ما حكاه الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: أن امرأة من الصالحات كانت تعجن عجينة، فبلغها وهي تعجن موت زوجها، فرفعت يدها منه، وقالت: هذا طعام قد صار لنا فيه شركاء. أي: أن مال الرجل إذا توفي انتقل وصار ملكاً لورثته الشرعيين، فلم يصبح لها وحدها، فلذلك رفعت يدها من العجين، وقالت: هذا طعام قد صار لنا فيه شركاء.
القصة الثالثة:
وأخرى كانت تستصبح بمصباح يعني: بالزيت أو شيء من هذا فجاءها خبر زوجها فأطفأت المصباح، وقالت: هذا زيت قد صار لنا فيه شركاء، يعني: ما يجوز لها أن تستقل بالانتفاع به.
فيا ويل من يأكلون أموال الميراث! وينفقون أموال الطفل اليتيم في السرادقات والتفاخر، وهم لا يخافون الله سبحانه وتعالى من أكل أموال اليتامى ظلماً، ويتلفون أموالهم في أشياء حرم الله أن تنفق فيها كالمباهاة والفخر.
عباد الله: إن الله تعالى قد أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه} إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(56){ ﴾ [الأحزاب].
فاللهم احفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن واغفر لنا وارحمنا وتولي جميع أمورنا وتوفنا وأنت راض عنا
اللهم آمين ..

المشاركة المميزة

شؤم المعصية

الحمد لله رب العالمين ..أنار الطريق لعباده الصالحين فجعل العبيد ملوكا بطاعته، والملوك عبيدا بمعصيته ، فالعز كل العز في طاعته والذل كل الذل ف...