وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير ..جعل الاعتداء على النفس البشرية اعتداء على البشرية كلها فقال تعالى }مِنۡ أَجۡلِ ذَٰلِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَيۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعٗا وَمَنۡ أَحۡيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحۡيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۚ (32){ ] الأعراف[
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) بين حرمة دم المسلم عند الله تعالى، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه: أن رسول الله (ﷺ) قال : }لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق{ ]سنن ابن ماجه[
فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد : فيا أيها المؤمنون
لقد جاءت الشريعة الإسلامية لتحافظ على هذه الضرورات وتسمى بمقاصد الشريعة الإسلامية وهي حفظ النفس والدين والنسب والعقل والمال، فمن هذه المقاصد حفظ النفس ، لذلك أوجب الشرع الحنيف العناية بتوفير كل ما تتحقق به حمايتها وبقاؤها، لدا حرم الاعتداء ، قال تعالى:}وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا(29){ ]النساء[،
ويقصد بحفظ النفس عصمتها من أي صور الاعتداء عليها ، وقد وضع الله تعالى قدسية للنفس البشرية ولا تسلب هذه القدسية إلا بسلطان الشريعة الإسلامية لذلك كان حديثنا عن }قدسية النفس البشرية وحرمة الاعتداء عليها{ وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ قيمة النفس البشرية عند الله تعالى .
2ـ حرمة الاعتداء على النفس البشرية.
3ـ وجوب رد العدوان على النفس البشرية.
4ـ وجوب نصرة المسلم لأخيه المسلم.
5ـ التحذير من خذلان المسلم.
6ـ صور رائعة لنجدة المظلوم.
7ـ حقوق الإنسان بين الإسلام والمنظمات العالمية.
8ـ وسائل نصرة المسلمين في غزة.
العنصر الأول : قيمة النفس البشرية عند الله تعالى:
إن الله تعالى كرم الإنسان تكريما كبيراً، وجعله الخليفة في الأرض وأسجد له الملائكة وعلمه الأسماء ، وسخرَ لهُ ما في السمواتِ وما في الأرضِ جميعًا منه.
وصورَهٌ فأحسنَ تصويرَهُ فتبارَكَ اللهُ أحسنُ الخالقين، قال ربُّنَا{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا(70){ ]الإسراء[
كما أن الإسلام أمعن في الاهتمام بنفس الإنسان، فاعتبرها ملكاً لخالقها، وليست ملكاً لصاحبها يفعل بها ما يشاء، فعظّم من شأنها وقيمتها، فصرّح أن إزهاق نفس واحدة هو إزهاق لكل الأنفس، وإحياء نفس واحدة هو إحياء لسائر الأنفس.. فمن قتل نفسه فهو في النار.. والله لم يكلف هذه النفس ما لا تطيق: قال تعالى}لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا(286){ ] البقرة[
، ووسَّع عليها فقال تعالى: }فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ(16){ ] التغابن[ ، مُحذراً من التفريط بها فقال تعالى: }وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (195){ ] البقرة[، والرسول (ﷺ) نبَّه إلى احترام هذه النفس في خطبته الجامعة فقال(ﷺ): }إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا{، وأخبر أنَّ أول ما يُقضَى يوم القيامة بين العباد في الدماء ففي ذلك يقول الرسول (ﷺ): }أولُ ما يُحاسَبُ به العبدُ الصلاةُ ، وأولُ ما يُقضَى بينَ الناسِ الدماءُ {
وما ذلك إلا لعظم خطرها يوم القيامة فاستعد للموقف العظيم ، والسؤال الصعب الذي ما بعده إلا جنة أو نار .
وأكد النبي (ﷺ) حرمة دماء المسلمين، وأنها معصومة من الاعتداء عليها، فقال (ﷺ) كما في الصحيحين:}لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنّي رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة{
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال:}المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره … كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله{ ]رواه البخاري ومسلم[.
فحرمة هذه الثلاثة الدم والمال والعرض مشهورة معروفة ومعلومة من الدين بالضرورة، وذلك ليصبح التزام الإنسان بحفظ نفسه ليس التزاماً أخلاقياً فردياً فحسب، بل هو التزام قسري.
العنصر الثاني: حرمة الاعتداء على النفس البشرية :
إن رسالةُ الإسلامِ رسالةُ حياةٍ وبناءٍ وإنتاجٍ وتعميرٍ لا رسالةُ سفكٍ وقتلٍ وهدمٍ وتدميرٍ، وإنَّ مِن أعظمِ ما جاءتْ بهِ بعدَ توحيدِ اللهِ: حفظُ النفوسِ، وصيانةُ الأعراضِ، وحمايةُ الحقوقِ، واحترامُ إنسانيةِ الإنسانِ، وحمايةُ حقِّهِ في الحياةِ، فَسُنَّتْ الشرائعُ والأحكامُ التي تكفلُ ذلك، فحرمتْ إزهاقَ الأرواحِ وسفكَ الدماءِ دونَ وجهِ حقٍّ ورتبتْ على ذلك أشدَّ العقوباتِ من ذلك ...
1ـ قتل النفس مقرون بالشرك بالله تعالى :
لقد شدَّد الإسلام على حرمة قتلِ النَّفسِ لما لها من مكانةٍ عاليةٍ لديهِ، ولعظم قتل النَّفس بغير حقٍّ نجدُ أنَّ القرآن قرنه بالشرك بالله تعالى، وكل ذلك حرصًا من الإِسلام على سلامة النفوس المعصومة من الاعتداء، قال تعالى: }قُلْ تَعَالَوْا اَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ اَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصّٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(151){ ]الأنعام[،
وقال تعالى: }وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69){ ]الفرقان[.
2ـ قتل النفس من أكبر الكبائر:
إن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق كبيرة من أكبر الكبائر ، ويعظم الجرم ويشتد الإثم حين تكون هذه النفس نفسا مؤمنة ، فلا شك أن حرمة دم المسلم أعظم عند الله تعالى من حرمة الكعبة بل زوال الدنيا أهون عند الله من قتل المسلم ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ذكر رسول الله (ﷺ) الكبائر أو سئل عن
الكبائر فقال }الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين فقال ألا أنبئكم بأكبرالكبائر قال قول الزور أو قال شهادة الزور قال شعبة وأكثر ظني أنه قال شهادة الزور { ]رواه البخاري[.
3ـ حرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة البيت الحرام :
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال رأيت رسول الله (ﷺ) يطوف بالكعبة ويقول: }ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا خيراً{ ]رواه ابن ماجة [
ونظر ابن عمر رضي الله عنهما يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة فقال }ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك{ ]رواه الترمذي[.
وأما حديث (لهدم الكعبة حجراً حجراً أهون من قتل المسلم).
4ـ قتل النفس من الموبقات:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال: }اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات{ ]رواه البخاري ومسلم[.
5ـ الاعتداء على النفس يصيب الإنسان في دينه :
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ﷺ) }لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصِب دماً حراماً{ ]رواه البخاري[
ونقل الحافظ ابن حجر العسقلاني عن الشيخ ابن العربي قوله: الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره , والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول ] (فتح الباري)
6ـ حرمة المسلم عند الله تعالى أعظم من زوال الدنيا كلها :
عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي (ﷺ) قال }لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم{ ]رواه الترمذي[
وجاء في رواية أخرى عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال: }لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار{ ] صحيح الترغيب والترهيب[
7ـ الدماء كلها معصومة :
قال تعالى: }وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ(33){ ]الإسراء[
يقول القرطبي رحمه الله: «وهذه الآية نهى عن قتلِ النفس المحرمة مؤمنة كانت أو معاهدة إلا بالحق الذي يوجب قتلها».
وكانَ سَهْلُ بنُ حُنَيْفٍ، وقَيْسُ بنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بالقَادِسِيَّةِ، فَمَرُّوا عليهما بجَنَازَةٍ، فَقَامَا، فقِيلَ لهما إنَّهَا مِن أَهْلِ الأرْضِ أَيْ مِن أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقالَا: إنَّ النبيَّ (ﷺ) مَرَّتْ به جِنَازَةٌ فَقَامَ، فقِيلَ له: إنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقالَ: أَليسَتْ نَفْسًا{ ]صحيح البخاري[ .
فالإسلام يَنهى عن قتلِ النفس أيّ نفس كانت ،لأن النفس لها مكانة تعادل كل النفوس في حرمة الاعتداء، وضرورة الحفاظ عليها حتى ولو لم تكن مسلمة، فمن استحلَّ قتلها بلا سببٍ أو جنايةٍ فكأنما قتل الناس جميعا؛ لأنَّه لا فرق عنده بين هذا المقتول وغيره، أي لا فرق بين نفسٍ ونفسٍ، ومن أحياها وحرَّم قتلها واعتقد ذلك، فقد سلِم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار.
وهنا نؤكِّد أن الإسلام عَصَم أيضًا أنفس المعاهدين والمستأمنين ومن في حكمهم، وأنَّ من أعطاهم الأمان من المسلمين )أي مسلم كان ( وجب عدم نقض هذا العهد والأمان، قال (ﷺ): }ذمة المسلمين واحدة فمن أخْفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل{(أخفر: أي نقض العهد). وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ (ﷺ) قَالَ: }مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا{.
8ـ العقوبة الرادعة في الدنيا والآخرة:
لحرمة الدم ولقيمة النفس البشرية ، كان الحكم على المفسدين والقتلة يتناسب وجرمهم، فكما أن الفساد ضرره شديد وآثاره خطيرة كان الحكم على صاحبه شديدًا ردعًا لمن تسوِّل له نفسه ترويعِ الآمنين والاعتداء عليهم، قال تعالى:} إِنَّمَا جَزَٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٞ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33){ ]المائدة[
وجعل أيضا لهم عقوبة الخلود في النار وغضب الله تعالى فقال تعالى {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً (93){ ]النساء [
ويكفي القاتل إثما أنه يحمل وزره وزر من بعده لأنه ينشر القتل والفساد في الأرض ، لذلك وحَمَل «قابيل» إثم قَتْل «هابيل» وكل نفس تقتل إلى يومِ الدِّين؛ لأن قتل النفس عظيم، تغير بعده وجه الأرض فعرف آدم أن شيئًا عظيمًا وقع، قال تعالى: }وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَآ أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلّٰنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأسْفَلِينَ(29){ ]فصلت[
قالوا: من الإنس «قابيل» فهو صاحب أول معصية عُصِي الله بها في الأرض، وأول جريمة نكراء بسبب الحسد فكان قتله لأخيه، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال النبي (ﷺ): }ليس من نفسٍ تُقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ منها؛ لأنه أوَّل من سنَّ القتل أولًا{ ]رواه الشيخان[.
والعقوبة ليست لمن قام بالقتل فقط وإنما لمن اشترك مع القاتل بالكلمة أو بالتحريض أو بالمشاهدة ولم يحرك ساكناً فالعقوبة للجميع }ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار{
إن الذي ذبح ناقة سيدنا صالح إنما هو شخص واحد ولكن الله ذكرهم بالجمع وعاقبهم جميعاً فقال تعالى } فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمۡ ثَلَٰثَةَ أَيَّامٖۖ ذَٰلِكَ وَعۡدٌ غَيۡرُ مَكۡذُوبٖ (65){ ]هود[
قال القرطبي: قوله تعالى: (فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام) قوله تعالى: (فعقروها) إنما عقرها بعضهم، وأضيف إلى الكل؛ لأنه كان برضا الباقين. انتهى.
وقال النبي (ﷺ): }إذا عُمِلت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها - وقال مرة أنكرها- كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها{. ]رواه أبو داود، وحسنه الألباني[.
فإذا كان هذا حال من رضيها، فكيف بمن حرض عليها ومن نفذها.
ولعظم الأمر وخطورته فقد ورد المنع والتحذير من أن يُشار إلى المسلم بحديدة ونحوها، خشية أن تزلّ يد أو يحدث خطأ ما فيصاب المسلم بأذى، فقال (ﷺ): }إن الملائكة لتلعن أحدكم إذا أشار إلى أخيه بحديدة وإن كان أخاه لأبيه وأمه{ ]رواه ابن حبان[.
إذَا استحقَّ من يشيرُ اللعن فكيف الذي يُصيب بها؟، ونهى (ﷺ)أن يتعاطى السيف مسلولًا؛ لأنه ربما غَفَل عنه فيسقط ويُؤذي حينئذ، ما أعظم هذا الدين الذي يعدُّ ترويع المسلم حرامًا بكل حال سواء كان هزلًا ولعبًا أم لا، فسدَّ الباب من مدخله تأكيدًا على حُرمة دمِ المسلم، وقال (ﷺ): }لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعلَّ الشيطان ينزغ في يده، فيقع في حفرةٍ من النَّار{ ]رواه البخاري[.
إنَّ الإسلامَ مبناهُ على الرفقِ واللينِ، وعدم العنف؛ لذا فليس فيه ما يدعو إلى قتل الأبرياء والاعتداء على الأنفس المعصومة، فقد قال النبي (ﷺ) لعائشة رضوان الله عليها وعن أبيها الصديق: }يا عائشة! إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف وما لا يعطى على ما سواه{ ] رواه مسلم[.
وقال (ﷺ): }إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شأنه{ ]رواه مسلم[
العنصر الثالث : وجوب رد العدوان على النفس البشرية:
لا يجوز بأي حال من الأحوال مصادرة حق الفرد في الدفاع عن نفسه وعن حريته ،فلا يجوز لشعب أن يعتدي على حرية شعب آخر، وللشعب المعتدى عليه أن يرد العدوان، ويسترد حريته بكل السُّبل الممكنة قال تعالى: }وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظۡلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۚ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ (42){ ]الشورى[
وقال تعالى:}فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ(194){ [البقرة [
وقال تعالى }لَّا يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلۡجَهۡرَ بِٱلسُّوٓءِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ إِلَّا مَن ظُلِمَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148){ ]النساء[.
وهذا الدّفاع عن النفس هو الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، والفرضيّة التي كتبها الله على عباده نصرة لدينه ولتكون كلمة الله هي العليا، حيث ينبري المسلمون إلى ساحات الوغى لدفع عدوان الظالمين المعتدين، ومنعهم من الاعتداء على حرمات المسلمين أو التّعرّض لها بالسّوء.
والله تعالى أمر بجهاد الأعداء ووعد بتوفيقه للمجاهدين ونصرة للمؤمنين فقال تعالى }يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحۡفٗا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلۡأَدۡبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ إِلَّا مُتَحَرِّفٗا لِّقِتَالٍ أَوۡ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٖ فَقَدۡ بَآءَ بِغَضَبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأۡوَىٰهُ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ (16) فَلَمۡ تَقۡتُلُوهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمۡۚ وَمَا رَمَيۡتَ إِذۡ رَمَيۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبۡلِيَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡهُ بَلَآءً حَسَنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ (17){]الأنفال[
واعتبر النبي (ﷺ) الفرار أمام العدو كبيرة من الكبائر ومن الموبقات التي أمر بتجنبها فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال: }اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات{ ]رواه البخاري ومسلم[.
وعنْ أَبي الأعْوَر سعيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرو بنِ نُفَيْلٍ، أَحدِ العشَرةِ المشْهُودِ لَهمْ بالجنَّةِ، رضي الله عنه، قَالَ: سمِعت رسُول اللَّهِ (ﷺ) يقولُ: }منْ قُتِل دُونَ مالِهِ فهُو شَهيدٌ، ومنْ قُتلَ دُونَ دمِهِ فهُو شهيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهو شهيدٌ، ومنْ قُتِل دُونَ أهْلِهِ فهُو شهيدٌ{ ]رواه أَبو داود، والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ[.
والمجاهدين هم أهل الهداية لذلك قال سفيان بن عيينة لابن المبارك: إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور فإن الله تعالى يقول: }وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (69){ ]العنكبوت[
وقال عبد الله بن عباس: والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا.
العنصر الرابع : وجوب نصرة المسلم لأخيه المسلم :
أمر الله تعالى بنصرة المسلم لأخيه المسلم فقال تعالى :}وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ (2){ ] المائدة [
وقال الله عز وجل: }وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ(72){[الأنفال].
فالمسلم أخو المسلم، يجب عليه أن ينصره في الوقت الذي يحتاج فيه إلى مناصرته، لما في حديث الصحيحين: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ):}انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال: رجل يا رسول الله أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره{.] صحيح أخرجه البخاري في صحيحه والإمام أحمد في مسنده و الترمذي في سننه[
فنصرة المسلم لأخيه المسلم فيها تفريج للكروب ، ومن أسباب معية الله تعالى : ففي الصحيحين عن النبي (ﷺ)أنه قال: }المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة{.
ونصرة المؤمنين دليل على صدق الإيمان قال تعالى :{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة].
وتأمل هذا المثل الذي ضربه نبينا (ﷺ)؛ عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله (ﷺ):}مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى{ [متفق عليه].
وفي الصحيحين قال (ﷺ):}المُؤْمِنُ للْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً{ وشبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ.
العنصر الخامس :التحذير من خذلان المسلم:
أما خذلان المسلم في وقت حاجته لأخيه المسلم سبب لخذلان الله تعالى للعبد الذي وقف يشاهد أخاه يُظلم ولم يقدم له شيء : روى الإمام أحمد وأبو داود عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأنصاري رضي الله عنهما أنهما قالا: قال رسول الله (ﷺ): }ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته{.
كما أن خذلان المسلم وعدم نصرته سبب من أسباب عذاب القبر، فقد بيَّن النبي (ﷺ)أن من أسباب عذاب القبر عدم نصرة المظلوم، حيث روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي (ﷺ)قال:}أُمر بعبدٍ من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة، فجلد جلدة واحدة، فامتلأ قبره عليه ناراً، فلما ارتفع عنه قال: علام جلدتموني؟ قالوا: إنك صليت صلاة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره{ ]رواه ابن حبان وحسنه الألباني[.
قال صاحب عون المعبود: والمعنى ليس أحد يترك نصرة مسلم مع وجود القدرة عليه بالقول أو الفعل عند حضور غيبته أو إهانته أو ضربه أو قتله إلا خذله الله. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: نصر آحاد المسلمين واجب بقوله (ﷺ): "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً وبقوله: المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه". انتهى.
وإن الأمة التي لا تنتصر للضعفاء ولا يؤخذ فيها على أيدي الظالمين لهي أمة غير جديرة بنصرة الله ومعيته وتطهيره لها من الآثام، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لما رَجَعَت إلى رسول الله (ﷺ)مُهَاجرة البحر، قال: }ألا تُحَدِّثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟. قال فتية منهم: بلى يا رسول الله، بينا نحن جلوس مرَّت بنا عجوز من عجائز رهابينهم، تحمل على رأسها قُلَّة من ماء، فمرَّت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثمَّ دفعها، فخرَّت على ركبتيها، فانكسرت قلَّتها، فلمَّا ارتفعت، التفتت إليه، فقالت: سوف تعلم يا غُدرإذا وضع الله الكرسيَّ، وجمع الأولين والآخرين، وتكلَّمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدًا، قال: يقول رسول الله (ﷺ): "صَدَقَت صَدَقَت، كيف يقدِّس الله أمَّة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟{
قال السِّندي: (يقدِّس الله) أي: يُطَهِّرهم من الدَّنس والآثام.
وقال المناوي: (استخبار فيه إنكار وتعجُّب، أي: أخبروني كيف يُطهِّر الله قومًا لا ينصرون العاجز الضَّعيف على الظَّالم القويِّ، مع تمكُّنهم من ذلك؟ أي: لا يطهِّرهم الله أبدًا).
والعقوبة تكون أشد إذا والى المسلم كافرًا ضد أخيه المسلم أنه سيحشر معهم قال تعالى :}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(51){ [المائدة]
صور رائعة لنجدة المظلوم :
1ـ طرد اليهود من المدينة من أجل امرأة:
لقد هبَّ أحد المسلمين على عهد النبي (ﷺ) لنجدة امرأة مسلمة، وقدم روحه دفاعا عن عرضها الذي تعمّد يهودي أثيم من بني قينقاع التعدي على حرمته، الأمر الذي كان سببا في وقوع الحرب بينهم وبين المسلمين.
قال ابن هشام: وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة، عن أبي عون، قال: كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها]والجلب (بتحريك اللام): كل ما يُجلب للأسواق ليُباع فيها[، فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا بها، فصاحت. فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهودياً، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع.
قام رسول اللهِ (ﷺ) والمسلمون بحصار اليهود 15 ليلة حتى وافقه على حكمه وحاول أحد المنافقين التوسط فغضب الرسول (ﷺ) وأجلاهم عن المدينة فجلا بنو قينقاع واتجهوا شمالا إلى الشام حيث أقاموا بأذرعات في شوال من السنة الثانية للهجرة تاركين وراءهم أموالهم وأسلحتهم وأدوات صياغتهم.
وهكذا كان الغدر والخيانة سببا في طرد وإجلاء يهود بني قينقاع عن المدينة المنورة. ]ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية وابن الأثير في الكامل من غير تعليق على سندها[
2ـ نصرت يا عمرو بن سالم !!
ولما غارت قبيلة بكر على قبيلة خزاعة ، وقبيلة بكر كانت في حلف مع قريش ، وقبيلة خزاعة كانت في حلف مع رسول الله (ﷺ) ، وقتلت قبيلة بكر عددا من خزاعة فذهب عمرو بن سالم يستنجد بالنبي (ﷺ) ويقول ..
يَا رَبّ إنّي نَاشِدٌ مُحَمّدًا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا
قَدْ كُنْتُمْ وُلْدًا وَكُنّا وَالِدَا ... ثُمّتَ أَسْلَمْنَا فَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا
فَانْصُرْ هَدَاكَ اللّهُ نَصْرًا أَعْتَدَا ... وَادْعُ عِبَادَ اللّهِ يَأْتُوا مَدَدَا
فِيهِمْ رَسُولُ اللّهِ قَدْ تَجَرّدَا ... إنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبّدَا
فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدًا ... إنّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوك الْمَوْعِدَا
وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُوَكّدَا ... وَجَعَلُوا لِي فِي كَدَاءٍ رُصّدَا
وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَدَا ... وَهُمْ أَذَلّ وَأَقَلّ عَدَدَا
هُمْ بَيّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجّدًا ... وَقَتَلُونَا رُكّعًا وَسُجّدَا
فقال رسول الله (ﷺ): " نُصِرْتَ يَا عَمْرَو بْنُ سَالِمٍ !!! " [ ابن هشام] وجهز جيشا لنصرة قبيلة خزاعة.
3ـ وامعتصماه!!
وهذه الواقعة المشهورة في التاريخ وقعة عمورية في عام 225هـ.] عمورية" هي مدينة حصينة في الأناضول تقع جنوبي غربي مدينة أنقرة، وتسمى اليوم "سيفلي حصار[
تقول إحدى الروايات أن رجلا قدم للمعتصم ناقلا له حادثة شاهدها قائلا: يا أمير المؤمنين، كنت بعمورية فرأيت امرأة عربية في السوق مهيبة جليلة تسحل إلى السجن فصاحت في لهفة: وامعتصماه وامعتصماه
فأرسل المعتصم رسالة إلى أمير عمورية قائلا له: من أمير المؤمنين إلى كلب الروم أخرج المرأة من السجن وإلا أتيتك بجيش بدايته عندك ونهايته عندي. فلم يستجب الأمير الرومي وانطلق المعتصم بجيشه ليستعد لمحاصرة عمورية فمضى إليها، فلما استعصت عليه قال: اجعلو النار في المجانيق وارموا الحصون رميا متتابعا ففعلوا، فاستسلمت ودخل المعتصم عمورية فبحث عن المرأة فلما حضرت قال لها: هل أجابك المعتصم قالت نعم.
رب وامعتصماه انطلقت .. ملئ أفواه الصبايا اليتّم
لامست أسماعهم لكنها .. لم تلامس نخوة المعتصم
كل هذا من أجل امرأة واحدة فما بالكم بأمة تُذبح وشعب يُباد، لقد هان المسلمون أفرادًا وهانوا أممًا، يوم وهت أواصر الأخوة بينهم، ونظر أحدهم إلى الآخر نظرة استغراب وتنكُّرٍ، وأصبح الأخ يُنتقص أمام أخيه فيهز كتفيه ويمضي لشأنه كأن الأمر لا يعنيه!»
العنصر السابع : حقوق الإنسان بين الإسلام والمنظمات العالمية :
إن الإسلام الحنيف بنصوصه قد سبق كل الأنظمة والقوانين البشرية في تأكيده حرمة الاعتداء على النفس البشرية.
انظروا إلى عظمة الإسلام وهو يقرر هذه الحقيقة العظيمة أن النار فتحت أبوابها لامرأة حبست هرِّة ، عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ (ﷺ) قَالَ:}دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ{ ]متفق عليه[.
ويُعلن أن الجنة فتحت أبوابها لبغي سقت كلباً عطشاناً يلهث الثرى من شدة العطش فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ:}بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا قَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ{ ]رواه البخاري[ .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ:}غُفِرَ لِامْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ قَالَ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ فَنَزَعَتْ خُفَّهَا فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ { ]رواه البخاري[
هذا هو الإسلام !!
أما حقوق الإنسان في المنظمات العالمية فضائعة ففي الغرب قتلوا الأطفالَ والشيوخَ والنساءَ ،وأقاموا المذابح على مرأى ومسمع من العالم كله ،ولا أحد يحرك ساكناً ، لله الأمر من قبل ومن بعد.
فأين منظماتُ حقوقِ الإنسانِ العالميةِ مِن أطفالِ غزةَ؟
لقد أخبرَ النَّبيُّ (ﷺ) أنَّهُ ستأتِي فتنٌ في آخرِ الزمانِ يكثرُ فيها القتلُ ويُستهانُ بأمرِ الدماءِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ (ﷺ)، قَالَ:}لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْهَرْجُ قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الْقَتْلُ الْقَتْلُ)]{رواه مسلم[
نرى القتل والدمار يحدث على أرض غزة ، ولا تزالُ هذه الأحداث تُؤلمُ القلبَ وتُبكِي العينَ بدلَ الدموعِ دمًا لمِن كان له قلبٌ أو ألقَى السمعَ وهو شهيدٌ، مِن قتلٍ للأطفالِ وسفكٍ للدماءِ وقتلٍ للنساءِ والشيوخِ وهدمٍ للمساجدِ والبيوت، والمستشفياتِ، فأين مَن يتغنونَ بحقوقِ الإنسانِ بالليلِ والنهارِ؟
فإلى متى يبقى فؤادك قاسياً وإلى متى تبقى بغير شعور
هلا قرأت ملامح الأم التي ذبلت محاسن وجهها المذعور
هلا استمعت إلى بكاء صغيرها وإلى أنين فؤادها المفطور
هلا نظرت إلى دموع عفافها وإلى جناح إبائها المكسور
أين مَن صدَّعُوا رؤوسَنَا بالحرياتِ وحقِّ الحياةِ؟
أين مَن صدعونَا بالرفقِ بالحيوانِ فأين الرفقُ بالأطفالِ في غزةَ.
وأين المنظماتُ العالميةُ مِن سفكِ الدماءِ؟
وللهِ درُّ القائلِ
أطفالُنَا على أحلامِهِم نامُوا وعلى لهيبِ القاذفاتِ أفاقُوا
أطفالُنَا قُتلِوا في بيوتِهِم والعالمُ كلُّهُ خسةٌ وخيانةٌ ونفاقُ
أيُّها المسلمون: إنَّ حقوقَ الإنسانِ التي أعلنَ عنها الغربُ هي في الحقيقةِ سلاحٌ بيدِ الدولِ المستكبرةِ العاتيةِ الظالمةِ الغاشمةِ، تستغلُّهُ ضدَّ العالمِ العربِي الإسلامِي ، وتجعلُهُ سلاحًا فتاكًا ضدَّ الإنسانِ، ولو قرأنا التاريخ والسيرة لوجدنا أنه ما عرفتْ البشريةُ سابقًا ولا لاحقًا رعايةً لحقوقِ الإنسانِ كما رعاهَا الإسلامُ، ولما تخلت الأمة عن منهج الإسلام في رعاية حقوق الإنسان ، وأخذت تبحث عن حقوق الإنسان في غير الإسلام حتى صارتَ مضربَ المثلٍ للاضطهادِ والقهرِ، بعد أن كانتْ خيرَ أمةٍ أخرجتْ للناسِ، يُعمل لها ألف حساب ويهابها أرض الأرض جميعاً كما رأينا في وقعة عمورية.
فالغربُ عندَهُ مكيالين، مكيالٌ لنفسِه، ومكيالٌ لغيرٍه مِن العربِ والمسلمين، أمَّا مكيالُهُ للعربِ والمسلمين في رعايةِ حقوقٍ الإنسانِ فواضحٌ مِن خلالِ قولِهِ تعالَى عنهم إذ قالُوا: { قَالُواْ لَيۡسَ عَلَيۡنَا فِي ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ سَبِيلٞ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ (75)}]آل عمران[.
فهؤلاء هم المطففين الذين قال عنهم الله تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِين (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُون (3) أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُون (4) لِيَوْمٍ عَظِيم (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين(6)}] المطففين[، نعمْ لو كان عندَ هؤلاءِ ظنٌّ في بعثِهِم يومَ القيامةِ لمَا كان هذا حالُهُم في حقِّ العربِ والمسلمين عامةً.
أين حقوق الإسلام إذاً ؟ في الإسلام أم في الغرب؟
العنصر الثامن : وسائل نصرة المسلمين في غزة :
1ـ قانون التغيير:
قال تعالى :} إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ (11){ ]الرعد[
والثقة بأنه ما من حركة ولا سكنه في هذا الكون إلا بأمر الله وحده لا شريك له والحل في أن نتوجه صادقين إلى من بيده ملكوت السماوات والأرض، وأن نُغيِّر ما بأنفسنا إلى الخير وأن نُوثِّق الصلة بالله متمسكين بالله وسنة رسوله (ﷺ) ، والإيمان بالله هو طريق النصر والتمكين والأمن والهداية، كما قال تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ(47)} [الروم]، وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ(82)} [الأنعام].
فنسعى لتحقيق الإيمان الصحيح والعقيدة السليمة ، فإذا وُجد المؤمن الصحيح وُجدت معه أسباب النصر.
والثقة بأن الله تعالى لن يُسلم عباده المؤمنين لأعدائهم ما داموا متمسكين بكتابه تعالى وسنة رسوله (ﷺ) ولن يُسلّط عليهم، كما قال تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا(141)} [النساء].
والثقة بوعد الله تعالى لعباده المؤمنين فقال تعالى :}يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ (56){ ]المائدة[
وقال تعالى : }وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِينَ (171) إِنَّهُمۡ لَهُمُ ٱلۡمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ (173){ ] الصافات[
وكما حدث في يوم الأحزاب من تجمع الأحزاب من كل مكان ، ولما أيقن المسلمون بوعد الله تعالى كان نصر الله تعالى حليفاً لهم فقال تعالى}وَلَمَّا رَءَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡأَحۡزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ وَمَا زَادَهُمۡ إِلَّآ إِيمَٰنٗا وَتَسۡلِيمٗا (22){ ] الأحزاب[ وكان النصر حليفاً للمؤمنين وكفاهم الله شر القتال.
وبإذن الله تعالى سيتم النصر لأهل غزة الأبطال ولن يتمكن الصهاينة من دخولها فالصّهاينة الجُبناء لم يدخلوها مع سيدنا موسى عليه السّلام قديماً، أتحسبون أنّهم سيدخلونها مع نتنياهو! غزَّة أكبر منهم!
قالَ ربُّنَا :}وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(139){[آل عمران].
واسمعْ لقـولِ ربِّنَا عز وجل:}إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36){ [الأنفال].
أليسَ اللهُ هو القائلُ: }إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَاد (51){ ] الأنفال[،
وقالَ ربُّنَا عز وجل {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) { ] الإسراء[
فمهما انتفخَ الباطلُ وانتفشَ فإنَّه زاهقٌ ومهما انزوَي الحقُّ وضعفَ فإنَّهُ ظاهرٌ وتدبرُوا معِي قولَهُ تعالَى } يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَاللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9){ [ الصف [
فالجولةُ القادمةُ بنصِّ اللهِ، وبصدقِ النبيِّ المختارِ ﷺ للإسلامِ والمسلمين، فعن تَميم الداري رضي الله عنه ، قال: سمعتُ رسول الله (ﷺ) يقول: }ليَبْلغنَّ هذا الأمرُ ما بلغ الليلُ والنهارُ، ولا يترك اللهُ بيت مَدَر ولا وَبَر إلا أدخله الله هذا الدين، بعِزِّ عزيز أو بذُلِّ ذليل، عزا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلا يُذل الله به الكفر{ [رواه أحمد]
وعن ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) }إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا {
بل قال (ﷺ)}تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ{ ] رواه مسلم[
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): }لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ { ]أخرجه الطبراني[
واختم بهذا الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ:}لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ{ ] البخاري[ .
2ـ الوحدة وجمع الكلمة:
قال تعالى: }وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ (46){ ]الأنفال[
لقد نجح الغرب الصليبي خلال القرون الأخيرة الماضية في تمزيق جسد الأمة الإسلامية وتقسيم الكيان الواحد إلى كيانات متفرقة شعار أكثرها نفسي نفسي وأصبحت رابطة الإسلام في كثير منها أمري منسي ، وأصبحت الدول الإسلامية تشاهد بملء عيونها دُوَلا إسلامية أخرى يُنكِّلُ بها الظلمة والطغاة ثم لا يكون منهم إلا الشجب والاستنكار.
وصدقَ قولُ نبيِّنَا (ﷺ) إذ يقولُ كما في حديثِ ثوبانَ:}يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ{ ] صحيح الجامع[.
فلا بد من الوحدة ولم الشمل العربي والإسلامي ،فالمسلمون أمة واحدة كما قال تعالى : }وَإِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱتَّقُونِ (52){ ]المؤمنون[
وقال تعالى :}إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُونِ (92){ ] الأنبياء[
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ):}الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ{ [أحمد وأبو داود]. وقوله : «وهم يد»؛ هم : ضمير منفصل يدل على الجمع، ويد : لفظ مفرد، فهذه جملة تدل على التماسك العظيم الذي ينبغي أن يكون عليه المسلمون .
3ـ الجهاد بالمال :
لقد أمر الله تعالى عبادة ببذل المال في سبيله تعالى وفي سبيل نصرة المظلوم فقال تعالى : }إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُواْ بِبَيۡعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعۡتُم بِهِۦۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ (111){ ] التوبة[
وفضله عظيم فهو تجارة رابحة في ميدان الأعمال الصالحة التي تقرب إلى رضوان الله تعالى وسبب للنجاة من عذابه، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(11)} [الصف].
4ـ مقاطعة منتجات أعداء الله تعالى :
من وسائل نصرة قضية المسلمين، مقاطعة منتجات الأعداء المحاربين للإسلام والمسلمين ، خاصة أنهم أعلنوا الحرب علينا ، فقتلتوا خلقاً كثيراً من المسلمين ، ، وشردوا أقواماً ، وحاصروا آخرين ، مصداقاً لقوله تعالى }وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْۚ (217){ ] البقرة[
ويجب أن نعلم أننا لم نقاطع لأجل المقاطعة أو من أجل اختلاف الدين ، هذا الكلام غير صحيح!!
لأن النبي عليه (ﷺ) لم يقاطع اليهود في أول الأمر حين كانوا مسالمين لأنهم لم تظهر لهم نوايا ضد الإسلام والمسلمين ، فلما ظهرت لرسول الله (ﷺ) نواياهم من إحداث ضرر بالمسلمين ونقض، للعهود قاطعهم وحاصر قراهم ، فقد حاصر بني النضير وقاطعهم وقطّع أشجارهم ونخيلهم , فكانت المحاصرة وإتلاف مزارعهم ونخيلهم التي هي عصب قوة اقتصادهم من أعظم وسائل الضغط عليهم وهزيمتهم وإجلائهم من المدينة ,وكذلك فعل (ﷺ) مع بني قريظة لما علم خيانتهم مع الأحزاب ، حاصرهم حصارا محكما حتى نزلوا على حكم الله ، فقتل مقاتلتهم وسبا نساءهم وذراريهم .
ومن المعلوم لدى الجميع أن قوام الصهاينة وغيرهم من دول الكفر يعتمد على الاقتصاد ، ومتى ضعف الاقتصاد ضعفت قوتهم ، لذلك نحث جميع المسلمين على المقاطعة الشاملة لجميع المنتجات أعدائنا من دول الكفر المحاربة للمسلمين ، والبدائل عنها بحمد الله موجودة ، وفي هذا إسهام من المسلمين في جهاد أعداء الله وإضعاف لهذه الحملة الصليبية ومناصرة لإخوانهم المجاهدين ، بل هو متأكد في حق جميع المسلمين لإضعاف العدو الأول الذي سام المسلمين في كل مكان سوء العذاب ، فعلى المسلمين أن يبادروا في تجديد هذه الدعوة .
5ـ الدعاء المستفيض :
النصرة بالدعاء وهي من أهم أنواع النصرة وأنفعها للمنصور وأفتكها بالمنصور عليه، وهي مع ذلك ذات طبيعة إيمانية لا يمارسها إلا أهل الإيمان بالله تعالى ،ويدل عليها قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ(12)} [القمر]،
وكان النبي (ﷺ) يلجأ إلى هذه الوسيلة الناجعة لنصرة المظلومين.. ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي (ﷺ) يدعو في القنوت: «اللهم أنجِ سلمة بن هشام اللهم أنجِ الوليد بن الوليد، اللهم أنجِ عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدُد وطأتك على مضر، اللهم سنين كسني يوسف»،
أيها المؤمنون : نحن مسؤولون عن السّعي لا عن النتائج، عن المسير لا عن الوصول، عن القتال لا عن النصر،
أمّا النّصرُ فهو وعد الله آتٍ لا محالة، وكل من مات على الطريق فاز ولو لم يصِل!
رابط pdf
https://www.raed.net/file?id=450171
رابط doc