الجمعة، 2 ديسمبر 2022

الأمانة كما يصورها القرآن الكريم

 

 

الحمد لله رب العالمين، خلق الكون ووضع كل شيء في موضعه بنظام دقيق، واستأمن الإنسان على هذا الكون وحمله الأمانة العظمى بعدما عرضها على السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وحمله الإنسان، فقال تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير؛ جعل الأمانة من أخلاقه العظيمة، فهو القائل: ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64].
وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ربَّى أتباعه على الصدق والأمانة فربط بين الإيمان والأمانة، فقال صلى الله عليه وسلم (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)؛ رواه أحمد.
فاللهم صل على سينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا.

أمَّا بعدُ: فيا أيها المؤمنون..

 لقد أعطتنا الهجرة درسًا عظيمًا في التمسك بالأخلاق العالية في أحلك المواقف ومع أعدى الأعداء، وهي أنَّ المبادئ لا تتجزَّأ، وأنَّ الالتزامَ بها ضرورةٌ لأهل العقيدة، رغمَ كلِّ الظروف، فالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان حريصًا على أداءِ الأمانات التي كانتْ مودعةً لديه إلى أهلها، وهو القائِل: (أدِّ الأمانةَ لمَن ائتمنَك، ولا تَخُن مَن خانك)، فترَك على بنَ أبي طالِب رضي الله عنه في فِراشه، وهو أمرٌ عجيب، هؤلاءِ الناس استباحوا دمَه، وأرادوا قتْلَه، بل أدْمَوه وآذوه وطردوه، لكنَّه لم يشأْ قتلَهم، ولم يستبِحْ أموالهم، ولو كلَّفه ذلك بالمخاطرةِ بابن عمِّه، وصَدَق الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58].
لذلك رأينا أن نربي أنفسنا وأولادنا على خلق الأمانة حتى يسعد المجتمع ويسعد معه أفراده جميعا وتنهض الأمة من كبوتها، لذلك كان حديثنا عن (الأمانة كما يصورها القرآن الكريم)، وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية، وهي:
1- تعريف الأمانة.
2- مكانة الأمانة في الإسلام.
3- حاجة الأمة إلى الأمانة.
4- مجالات الأمانة في الحياة.
5- أثر الأمانة على الفرد والمجتمع.
6- كيفية اكتساب خلق الأمانة.
العنصر الأول: تعريف الأمانة:

الأمانةُ ضد الخيانة وهي صفة جميلة، وهي وضع كل شيء في موضعه، وهي أداء الحقوق، والمحافظة عليها، فالمسلم يعطي كل ذي حق حقه.

ورأينا في القرآن الكريم مخايل الأمانة على نبي الله موسى عليه السلام، حين سقى لابنتي الشيخ الكبير ورفق بهما، واحترم أنوثتهما وكان معهما شريفًا عفيفًا، قال تعالى: }فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلۡتَ إِلَيَّ مِنۡ خَيۡرٖ فَقِيرٞ (24) فَجَآءَتۡهُ إِحۡدَىٰهُمَا تَمۡشِي عَلَى ٱسۡتِحۡيَآءٖ قَالَتۡ إِنَّ أَبِي يَدۡعُوكَ لِيَجۡزِيَكَ أَجۡرَ مَا سَقَيۡتَ لَنَاۚ فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيۡهِ ٱلۡقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفۡۖ نَجَوۡتَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ (25) قَالَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا يَٰٓأَبَتِ ٱسۡتَـٔۡجِرۡهُۖ إِنَّ خَيۡرَ مَنِ ٱسۡتَـٔۡجَرۡتَ ٱلۡقَوِيُّ ٱلۡأَمِينُ (26)){ القصص.
وهنا يظهر لنا في تعريف الأمانة أنها:
1- عفة الأمين عما ليس له به حق.
2- تأدية الأمين ما يجب من حق لغيره.
3- اهتمام الأمين بحفظ ما استؤمن عليه من حقوق وعدم التفريط بها والتهاون بشأنها.
 
 العنصر الثاني: مكانة الأمانة في الإسلام:
الأمانة خلق جليل من أخلاق الإسلام، وأساس من أسسه، فهي فريضة عظيمة حملها الإنسان، بينما رفضت السموات والأرض والجبال أن يحملنها لعظمها وثقلها، يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]
1- الأمانة خلق من أخلاق الله عز وجل، فإنه إذا استودع شيئًا حفظه، وإذا أئتمن على شيء رعاه حق الرعاية؛ حيث يقول ﴿ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ يوسف.
2- الأمانة خلق الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان يلقب قبل البعثة بالصادق الأمين.
3- من أخص خصائص المجتمع الإيماني ولقد أثنى الله على عباده المؤمنين بحفظهم للأمانة، فقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8].
فالأمانة هي الصفة المميزة للمجتمع الإسلامي بل هي أخص خصائصه وسبب فلاحه في الدنيا حيث تصان حقوق الناس وتحفظ أموالهم وسبب فلاحه في الآخرة إذ جعل الله رعاية الأمانة وحفظها وأدائها ضمن الصفات الإيمانية التي تثمر الفلاح للمؤمنين والفوز بجنة الفردوس؛ قال تعالى في بداية المؤمنون ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾، وبعد أن عدد صفاتهم وجعل منها الأمانة: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8]، قال في النهاية: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 10، 11].
4- الأمانة دليل على إيمان العبد بالله تعالى، والخيانة دليل نفاقه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائْتُمِنَ خان) البخاري.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)؛ حديث صحيح رواه أحمد في مسنده.
5- إنها من أغلى ما يرزقه الله للعبد، ولا يحزن بعده على أي عرض من الدنيا، كما جاء في
الحديث (أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وحسن
 الخلق، وعفة مطعم) صحيح الترغيب.
6- سر السعادة في الدنيا والآخرة:
ولما كانت السعادة القصوى أن يوقى الإنسان شقاء العيش في الدنيا وسوء المنقلب في الآخرة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع في استعاذته بين الحالين معا إذ قال ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة)).
7- تؤدي للبر والفاجر:
قال ميمون بن مهران: (ثلاثة يؤدين إلى البر والفاجر: الأمانة والعهد وصلة الرحم ).
لذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم عليا في فراشه ليلة الهجرة المباركة لأداء الأمانات ورد الودائع إلى أهلها برغم ما فعلوه معه ومع أصحابه الكرام من اضطهاد وإيذاء.
ولكن أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمنا أن قيم الإسلام ثابتة لا تتجزأ ولا تتغير.
8- لا يحملها الرجال أصحاب الهمم العالية والعزائم الصادقة، وهي فضيلة ضخمة لا يستطيع حملها الرجال المهازيل، بل إنها تُثقِل كاهل الوجود كله، ومن ثَم فلا ينبغي لإنسان أن يستهين بها، أو يُفْرِط في حقِّها، ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السموات وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ ﴾ [الأحزاب: 72].
9- سبب من أسباب نيل محبة الله عز وجل لمحبة الله قال صلى الله عليه وسلم: (من سرَّه أن يحبه الله ورسوله فليصدق حديثه إذا حدَّث، وليؤد أمانته إذا ائتمن)؛ رواه البيهقي وحسنه الألباني.
10- الأمانة يعلو بها شأن الرجال وصف بها النبي صلى الله عليه وسلم شأن أبي عبيدة رضي الله عنه، فيقول: (إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ)؛ رواه البخاري.
العنصر الثالث: حاجة الأمة إلى الأمانة:
إن الأمة في أمس الحاجة إلى الأخلاق الحسنة من الصدق والأمانة والوفاء؛ لأن الأخلاق تعكس ثقافة الأمة وحضارتها، وبقدر ما تعلو أخلاق الأمة تعلو حضارتها، وتلفت الأنظار لها، ويتحير أعداؤها فيها، وبقدر ما تنحط أخلاقها، وتضيع قيمها تنحط حضارتها وتذهب هيبتها بين الأمم، وكم سادت أمة ولو كانت كافرة وعلت على غيرها بتمسكها بمحاسن الأخلاق كالعدل وحفظ الحقوق وغيره، وكم ذلت أمة ولو كانت مسلمة وضاعت وقهرت بتضييعها لتلكم الأخلاق، فإذا شاعت في المجتمع الأخلاق الحسنة من الصدق والأمانة والعدل والنصح أمن الناس، وحفظت الحقوق، وقويت أواصر المحبة بين أفراد المجتمع، وقلت الرذيلة، وزادت الفضيلة، وقويت شوكة الإسلام، وإذا شاعت الأخلاق السيئة من الكذب، والخيانة، والظلم، والغش، فسد المجتمع واختل الأمن، وضاعت الحقوق، وانتشرت القطيعة بين أفراد المجتمع، وضعفت الشريعة في نفوس أهلها، وانقلبت الموازين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على الناس سنوات خداعة؛ يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: ومن الرويبضة يا رسول الله؟! قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)؛ رواه أحمد.
العنصر الرابع: مجالات الأمانة في الحياة:
الأمانة في نظر الشارع واسعة الدلالة، وهي ترمز إلى معانٍ شتَّى مناطها جميعًا شعور المرء بتبعيته في كل أمر يوكل إليه، وإدراكه الجازم بأنه مسئول عنه أمام ربِّه، فالعوام يقصرون الأمانة في أضيق معانيها وآخرها ترتيبًا وهو حفظ الودائع مع أن حقيقتها في دين الله أضخم وأثقل، إنها الفريضة التي يتواصى المسلمون برعايتها ويستعينون بالله على حفظها، حتى إنه عندما يكون أحدهم على أهبة سفر يقول له أخوه استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، وقد أمر الشارع بحفظ الأمانة وأدائها، وذم الخيانة، وحذر منها في نصوص كثيرة؛ منها:
 ‌قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ {النساء:58}.
ذكر ابن كثير رحمه الله أنها عامة في جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، وهي نوعان: حقوق الله تعالى من صلاة وصيام وغيرهما وحقوق العباد كالودائع وغيرها.
والأمانة مع ثقلها إلا أنها ليست مستحيلة، بل تتوج بها عباد الله الصالحين، حتى وصفهم الله بها فقال تعالى: "﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾"{المؤمنون:8}.
والتفت إلى هذا التناغم اللفظي والمعنوي بين الإيمان والأمانة، في قول الحبيب: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ {الأنفال:27}.
‌وقال صلى الله عليه وسلم في الأمر بردِّ الأمانة: (أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك)؛ أبو داود والترمذي.
ومجالات الأمانة متعددة، وهي:
1- الأمانة على دين الله تعالى:
وتلك أعلى مراتب الأمانة؛ لأن أعز ما يملكه الإنسان وأثمن شيء وأغلاه، دين الله وهو أتم النعم وأسبغها على المسلم: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].
والإسلام تمام النعمة وما رضيه الله لنا وهو تاج الرؤوس ووسام الصدور؛ لأنه تسمية الله تعالى لنا: ﴿ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ (78) الحج.
والأمانة على دين الله تتمثل في فهمه ووعيه واستيعابه والالتزام به والدعوة إليه وتسخير جميع الطاقات والامكانات الفردية والجماعية لنشرة في ربوع العالمين.
فمن الأمانة أن يلتزم المسلم بالتكاليف، فيؤدي فروض التي افترضها الله عليه على أتم وجه قاصدًا بها وجه الله تعالى.
2- الأمانة في المسؤولية والقيادة:
من معاني الأمانة وضع كل شيء في المكان الجدير به واللائق له فلا يسند منصب إلا لصاحبه الحقيق به ولا تملأ وظيفة إلا بالرجل الذي ترفعه كفايته إليها واعتبار الولايات والأعمال العامة أمانات ثابت من وجوه كثيرة،
فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله، ألا تستعملني؟- معنى الاستعمال هنا أن يجعله عاملًا، واليًا، حاكمًا، موظفا كبيرًا، رجل مسؤولية،- قال: فضرب بيده على منكبي- تحببًا، وترفقًا، وتلطفًا- ثم قال: يا أبا ذر، إنك ضعيف- أي القيادة تحتاج إلى خصائص- وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها)؛ [أخرجه مسلم في الصحيح، وأبو داود والنسائي في سننهما عن أبي ذر].
إن الكفاية العلمية والعملية ليست لازمة لصلاح النفس قد يكون الرجل رضي السيرة حسن الإيمان ولكنه لا يحمل من المؤهلات المنشودة ما يجعله منتجا في وظيفة معينة.
ألا ترى إلى سيدنا يوسف الصديق إنه لم يرشح نفسه لإدارة شئون المال بنبوته وتقواه فحسب بل بحفظه وعلمه أيضا ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55].
وأبو ذر لما طلب الولاية لم يره الرسول جلدا لها فحذره منها والأمانة تقتضي بأن نصطفي للأعمال أحسن الناس قياما بها فإذا ملنا إلى غيره بهوي أو رشوة أو قرابة فقد ارتكبا بتنحية القادر وتولية العاجز خيانة فادحة، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اسْتَعْمَلَ رَجُلا مِنْ عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وخانَ رَسُولَهُ وخانَ الْمُؤْمِنِينَ» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإسْنَادِ.
وعن يزيد بن أبي سفيان: قال لي أبو بكر الصديق حين بعثني إلى الشام: يا يزيد، إن لك قرابة عسيت أن تؤثرهم بالإمارة، وذلك أكثر ما أخاف عليك بعد ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ولي من أمر المسلمين شيئًا فأمر عليهم أحدًا محاباة، فعليه لعنة الله لا يقبل منه صرفًا ولا عدلا حتى يدخله جهنم)؛ رواه مسلم.
والأُمَة التي لا أمانة فيها هي الأُمَة التي تعبث فيها الشفاعاتُ بالمصالح المقرَّرة، وتطيش بأقدار الرجال الأكْفَاء؛ لتهملهم وتُقَدم مَنْ دونهم، وقد أرشدت السنة إلى أن هذا من مظاهر الفساد الذي يقع آخر الزمان؛
فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء رجل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: ((إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة! فقال: وكيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: ((إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)؛ رواه البخاري.
والوالي راع على الناس بمنزلة راعي الغنم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها، والولد راع في مال أبيه، وهو مسؤول عن رعيته، والعبد راع في مال سيده، وهو مسؤول عن رعيته، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)؛ أخرجاه في الصحيحين.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من راع يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت، وهو غاش لها، إلا حرم الله عليه رائحة الجنة)؛ رواه مسلم،
ودخل أبو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان، فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قل: السلام عليك: أيها الأمير، فقال السلام أيها الأجير، فقالوا: قل: أيها الأمير، فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قل: الأمير، فقال معاوية: دعوا أبا مسلم، فإنه أعلم بما يقول، فقال: إنما أنت أجير استأجرك رب هذه الغنم لرعايتها، فإن أنت هنأت جرباها، وداويت مرضاها، وحبست أولاها على أخراها، وفاك سيدها أجرك، وإن أنت لم تهنأ جرباها ولم تداو مرضاها، ولم تحبس أولاها على أخراها، عاقبك سيدها.
وهذا ظاهر الاعتبار، فإن الخلق عباد الله، الولاة نواب الله على عباده، وهم وكلاء العباد على أنفسهم، بمنزلة أحد الشريكين مع الآخر، ففيهم معنى الولاية والوكالة، ثم الولي والوكيل متى استناب في أموره رجلاً، وترك من هو أصلح للتجارة أو المقارب منه، وباع السلعة بثمن، وهو يجد من يشتريها بخير من ذلك الثمن، فقد خان صاحبه، لا سيما إن كان بين من حاباه وبينه مودة أو قربة، فإن صاحبه يبغضه ويذمه، أنه قد خان وداهن قريبه أو صديقه.
3- الأمانة في حفظ الجوارح:
وعلى المسلم أن يعلم أن الجوارح والأعضاء كلها أمانات، يجب عليه أن يحافظ عليها، ولا يستعملها فيما يغضب الله، وأن تنظر إلى حواسك التي أنعم الله بها عليك وإلى المواهب التي خصك به، وإلى ما حُبيت من أموال وأولاد، فتدرك أنها ودائع الله الغالية عندك، فيجب أن تسخرها في قرباته، وأن تستخدمها في مرضاته، فإن امتحنت بنقص شيء منها، فلا يستخفنك الجزع متوهمًا أن ملكك المحض قد سُلِب منك، فالله أولى بك منك، وأولى بما أفاء عليك، وله ما أخذ وله ما أعطى! وإن امتحنت ببقائها، فما ينبغي أن تجبن بها عن جهاد أو تفتتن بها عن طاعة، أو تستقوي بها على معصية؛ قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 27، 28].
4- أمانة المجالس:
ومن معاني الأماني أن تحفظ حقوق المجالس التي تشارك فيها، فلا تدع لسانك يفشي أسرارها ويسرد أخبارها، فكم من حبال تقطعت ومصالح تعطلت لاستهانة بعض الناس بأمانة المجلس وذكرهم ما يدور فيه من كلام منسوبًا إلى قائله، أو غير منسوب؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حدث رجل رجلاً بحديث ثم التفت فهو أمانة).
وحرمات المجالس تُصان ما دام الذي يجري فيها مضبوطًا بقوانين الأدب وشرائع الدين، وإلا فليس لها حُرمة، وعلى كل مسلم شهد مجلسًا يمكر فيه المجرمون بغيرهم؛ ليلحقوا به الأذى- أن يسارع إلى الحيلولة دون الفساد جهد طاقته؛ قال رسول الله: (المجلس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس: مجلس سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق).
5- أمانة الكلمة:
يقول الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَار* يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم24-27].
وقال سبحانه وتعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ (18){ ق.
ويقول صلَّى الله عليه وسلَّم: (إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالًا من رضوان الله، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم)؛ رواه البخاري، ومسلم.
كم من كلمة أفرحت وأخرى أحزنت، وكم من كلمة انشرح لها الصدر، وأنس بها الفؤاد، وأحس بسببها سعة الدنيا، وأخرى انقبضت لها النفس، واستوحشها القلب، وألقت قائلها أو سامعها في ضيق أو ضنك، فضاقت الدنيا على رحبها، وكم من كلمة آست جروحًا، وأخرى نكأت، وأحدثت حروقًا وآلامًا، والكلمة في الإسلام ليست حركات يؤديها المرء، دون شعور يتبعها، بل إن الانضباط في الكلمة سمة من سمات المؤمنين الصادقين، وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ * الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون: 1-3].
والمؤمن الحق يشعر بقيمة كلمته؛ حيث يعرف أنها معراج للطهر وسبيل إلى الصلاح، وفي ذلك أجمل عزاء حينما تنازعه نفسه؛ ليحارب أرباب الكلام في كثرته وتفلته، دون حسيب أو رقيب؛ يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ * وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُوْلَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيْمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].
قال ابن كثير رحمه الله: "يقول الله تعالى آمرًا عباده المؤمنون بتقواه، وأن يعبدوه عبادة من كأنه يراه، وأن يقولوا قولًا سديدًا؛ أي: مستقيمًا لا اعوجاج فيه، ولا انحراف، ووعدهم أنهم إذا فعلوا ذلك، أثابهم عليه بأن يصلح لهم أعمالهم؛ أي: يوفقهم للأعمال الصالحة، وأن يغفر لهم ذنوبهم الماضية، وما قد يقع في المستقبل يلهمهم التوبة منه"؛ تفسير ابن كثير.
ويقول صلَّى الله عليه وسلَّم: (والكلمة الطيبة صدقة)؛ رواه مسلم.
وإن سلامة الإيمان مرتبطة بنزاهة اللسان؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)؛ رواه البخاري، ومسلم.
وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: (يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تتبعوا عورات الناس، فمن تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، وفضحه ولو في بيته)؛ رواه البيهقي بلفظ ونحوه.
فعلى المسلم أن ينزه لسانه من كل قبيح، وما أجمل أن يجري على لسانه الذكر والتسبيح والتحميد والاستغفار وكلمة الحق، وما أقبح أن يجري على لسانه كلمة زور أو كذب أو غيبة أو نميمة، أو استهزاء واستخفاف بالناس، أو لعن أو إفشاء سر أخيه عند الخصومة، وعلى المسلم أن يضبط لسانه عند الكلام أثناء الغضب أو الجدال، فربَّما طلق زوجته أثناء الغضب، فيكون قد أذى نفسه وأسرته ويندم ولات ساعة مندم.
6- أمانة العلاقة الزوجية:
وللعلاقات الزوجية في نظر الإسلام قداسة، فما يضمه البيت من شؤون العشرة بين الرجل وامرأته يجب أن يُطوى في أستار مسبلة، فلا يطلع عليه أحد مهما قرب، والسفهاء من العامة يُثرثرون بما يقع بينهم وبين أهلهم من أمور، وهذا وقاحة حرمها الله،
فعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده، فقال: (لعل رجلاً يقول: ما فعل بأهله، ولعل امرأة تُخبرها بما فعلت مع زوجها)، فأزَمَّ القوم- سكتوا وجلين- فقلت: أى والله يا رسول الله، إنهم ليفعلون، وإنهن ليفعلنَ! قال: فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك شيطان لقِي شيطانة، فغَشِيها والناس ينظرون)،
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: (إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يُفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها).
7- أمانة الودائع:
والودائع التي تدفع إلينا لنحفظها حينًا ثم نردها إلى ذويها حين يطلبونها، هي من الأمانات التي نُسأل عنها؟
وقد استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هجرته ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ ليسلم المشركين الودائع التي استحفظها، مع أن هؤلاء المشركين كانوا بعض الأمة التي استفزته من الأرض واضطرته إلى ترك وطنه في سبيل عقيدته، لكن الشريف لا يتضع مع الصغار، وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة إلى عثمان بن طلحة عن ابن جريج؛ امتثالاً لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58]،
 قال: نزلت في عُثمان بن طلحة بن أبي طلحة، قَبض منه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاحَ الكعبة، ودخلَ به البيت يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح، قال ميمون بن مهران: "ثلاثة يؤدين إلى البر والفاجر: الأمانة والعهد وصلة الرحم".
واعتبار الوديعة غنيمة باردة هو ضرب من السرقة الفاجرة؛
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: "القتل في سبيل الله يُكفر الذنوب كلها إلا الأمانة، قال: يُؤتي بالعبد يوم القيامة وإن قُتل في سبيل الله، فيُقال: أدِّ أمانتك! فيقول: أي رب، كيف وقد ذهبت الدنيا؟ فيُقال: انطلقوا به إلى الهاوية وتُمثل له أمانته كهيئتها يوم دُفعت إليه، فيراها فيعرفها، فيهوي في أثرها حتى يُدركها، فيحملها على منكبيه، حتى إذا ظنه أنه خارج زلَّت عن منكبيه، فهو يهوي في أثرها أبد الأبدين، ثم قال: الصلاة أمانة والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة، وأشياء عددها وأشد ذلك الودائع"، قال راوي الحديث: فأتيتُ البراء بن عازب، فقلتُ: ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود؟ قال: كذا! قال البراء: صدق، أما سمعت الله يقول: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل".
وقد أُلْحِق بالودائع الديون؛ لأن المدين بقرض أو سلم أو بيع لأجَلٍ؛ إما أن يكون قد أخذ أموال الناس يريد أداءها، وإما أن يكون قد أخذها يريد إتلافها، وآخذها يريد أداءها فقد أدى الأمانة، وإلا فقد خان الأمانة،
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا، أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ))؛ (البخاري، ابن ماجه، أحمد)، وقال تعالى: ﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾ (283) البقرة.
وقد جاء في الحديث الصحيح نموذجًا لمن يؤدي الأمانة ويوفي ما عليه؛ روي البخاري رحمه الله تعالى بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: (إن رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ. فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ. فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا. قَالَ: فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ. قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا. قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً، فَنَقَرَهَا، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَأَلَنِي كَفِيلَا فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا، فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ. فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ، قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إلى بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا).
العنصر الخامس: أثر الأمانة على الفرد والمجتمع:
1- إن الله يحب الأمناء ويحبهم رسول الله، ثم يحبهم الناس لذلك.
2- شيوع الثقة والتعاون بين أفراد المجتمع.
3- وجود الطمأنينة وراحة البال وسهولة التعامل بين الناس.
4- تورث الذكر الجميل بين الناس.
فالأمانة يسعد المجتمع، فتعم المودة والمحبة والإيثار، ونبذ الأنانية وحب الذات، ويتنافس كل فرد في المجتمع في التفاني في إسعاد الجميع، وهذه بعض النماذج العالية التي تبيِّن أثر الأمانة على الفرد والمجتمع؛ قال صلى الله عليه وسلم وهو يحكي لأصحابه رضي الله عنهم: (اشترى رجل من رجل عقارًا له، فوجد الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني، إنما اشتريت منك الأرض، ولم ابتع منك الذهب، فقال الذي شرى الأرض- (أي: الذي باعها): إنما بعتك الأرض وما فيها، قال: فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ فقال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: أنكحوا الغلام بالجارية، وأنفقوا على أنفسكما منه، وتصدَّقا".
وهذا يونس بن عبيد كان من أكابر السلف الصالح، كان يبيع الثياب في محله، وقد رتبها بحسب أسعارها؛ نوع بأربعمائة درهم، ونوع بمائتين، خلف ابن أخيه في الدكان، فجاء رجل، وطلب ثوبًا بأربعمائة، فعرض عليه ثوب المائتين، فاستحسنه، وطلبه، واشتراه ومشى به، ووضعه على يده، فاستقبله يونس، فعرف ثوبه، فسأله: بكم اشتريت هذا الثوب؟ قال: بأربعمائة، قال هذا لا يساوي أكثر من مائتين، فارجع حتى نرده، قال: يا هذا، هذا يساوي في بلدنا خمسمائة وأنا ارتضيته، فقال يونس: انصرف إلى الدكان؛ لنعيد لك فرق الثمن، فإن النصح في الدين خير من الدنيا وما فيها، ثم أخذه إلى المحل ورد عليه المائتين، وخاصم ابن أخيه، وقال له، أما استحييت! أما اتقيت الله عز وجل! تربح مثل الثمن، وتترك النصح للمسلمين، فقال: والله ما أخذه إلا ورضِي به، قال فهلا رضيتَ له ما ترضاه لنفسك!
وهذا العالم الجليل الإمام أبو حنيفة النعمان، كان تاجر قماش، جاءته امرأة بثوب حرير تبيعه له، فقال: كم ثمنه؟ قالت: مائة، فقال أبو حنيفة، هو خير من مائة، بكم تقولين؟ فزادت: مائة، قال: هو خير من مائتين، فكم تقولين؟ قالت: أربعمائة، قال: هو خير من ذلك، قالت: أتهزأ بي، وظنت أنه يهزأ بها، قال: لا والله، هاتِ رجلًا يقومه، فجاءت برجل فاشتراه بخمسمائة، وها هو أبو حنيفة النعمان رحمه الله تعالى جاءته امرأة ضعيفة فقيرة، وإنها أمانة، بعني هذا الثوب بما يقوم عليك، فقال: خذيه بأربعة دراهم، قالت: لا تسخر مني، وأنا عجوز، قال: إني اشتريت ثوبين، فبعتُ أحدهما برأس المال إلا أربعة دراهم، بقي هذا الثوب عليّ بأربعة دراهم، فخذيه بهم.
أيها الإخوة الكرام، لن نصل إلى ما نريد حتى نضبط كل شؤون حياتنا وَفق شرع الله عز وجل.
العنصر السادس: كيفية اكتساب خلق الأمانة:
1- تذكر المسؤولية والموقف أمام الله يوم القيامة، والأمانة التي تدعو إلى رعاية الحقوق وتعصم عن الدنايا لا تكون بهذه المثابة، إلا إذا استقرت في وجدان المرء ورست في أعماقه وهيمنت على الداني والقاصي من مشاعره!
وذلك معنى حديث حذيفة بن اليمان عن رسول الله: (إن الأمانة نزلت في جذر قُلُوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة).
والعلم بالشريعة لا يغني عن العمل بها، والأمانة ضمير حي إلى جانب الفهم الصحيح للقرآن والسنة، فإذا مات الضمير انتزعت الأمانة، فما يغني عن المرء ترديد للآيات، ولا دراسة السنن؟
وأدعياء الإسلام يزعمون للناس وقد يزعمون لأنفسهم أنهم أُمناء، ولكن هيهات أن تستقر الأمانة في قلب تنكر للحق!
ومن ثم يستطرد حذيفة في وصفه لتسرُّب الأمانة من القلوب التي تخلخل فيها اليقين، فيروى عن الرسول: (ثم حدثنا عن رفع الأمانة، فقال: ينامُ الرجل النومة، فتنقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت- وهو الأثر المغاير كالنقطة على الصحيفة- ثم ينام الرجل النومة، فتنقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل- كالثبور التي تظهر في اليد مثلاً في استخدام الأدوات الخشنة- ثم قال: فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يُقال: إن في بني فلان رجلاً أمينًا، وحتى يُقال للرجل:
ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان).
والحديث يصوِّر انتزاع الأمانة من القلوب الخائنة تصويرًا محرجًا، فهي كذكريات الخير في النفوس الشريرة، تمر بها وليست منها، وقد تترك من مرها أثرًا لاذعًا، بيد أنها لا تحيي ضميرًا مات، وأصبح صاحبه يزن الناس على أساس أثرته وشهوته، غير مكترث بكفر أو إيمان!
2- التعود والتنشئة، وتعظيم مكانتها في نفس المسلم منذ الصغر.
3- السعي لحسن الذكر في الدنيا، وعظيم الأجر في الآخرة بفضل الله، ثم بالتحلي بالأخلاق الحميدة، ومنها الأمانة.
4- تذكر عاقبة الخيانة وأنها دليل على النفاق.
5- الاستفادة من سيرة السلف الصالح وحالهم مع الأمانة.
وفي الختام:
أيها المؤمنون، إن الأمانة بهذا المعنى شاملة لكل ما استحفظ عليه العبد من حقوق؛ سواء كانت لله أو لخلقه، وخيانتها من صفات أهل الكفر والنفاق، فهيَّا معًا لنحيي خُلقًا عظيمًا من أخلاق الإسلام، ولنجاهد أنفسنا عليه؛ لننال عظيم الأجر من الله جل وعز، والله الموفق والمستعان.

انتهت بفضل الله وبتوفيقه

=========

رابط pdf

https://top4top.io/downloadf-2527qiteq2-pdf.html

---------

رابط doc

https://top4top.io/downloadf-2527jw5bq1-docx.html

الاثنين، 28 نوفمبر 2022

ظاهرة الانتحار وموقف الإسلام منها

 

              

     
   

الحمد لله شافي الصدور ، وقاضي الأمور ،باعث الأمل في نفوس عباده المؤمنين، وناشر رحمته بين عباده الموحدين فقال تعالي}وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28){ ]الشوري.[ 
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير.
ذم اليأس والقنوط في القرآن الكريم واعتبرهما من لوازم الكفر والضلال فقال تعالي علي لسان نبيه يعقوب عليه السلام }وَلَا تَاْيۡـَٔسُواْ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا يَاْيۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ (87){ ](يوسف[
وقال علي لسان نبيه إبراهيم عليه السلام }قَالَ وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ )56){ ]الحجر[
وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه أُنزل عليه الكتاب شفاءً لما في الصدور، ورحمة للناس أجمعين .. ربي الأمة علي الأمل واليقين في الله تعالي. فعن عبدالله ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله (ﷺ)}إن الله عز وجل بقسطه جعل الفرح والروح في الرضا واليقين، وجعل الغم والحزن في السخط والشك]{ مسند الشهاب[.
 فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ...
 أما بعد : فيا أيها المؤمنون .. 
 لقد ابتليت الأمة بنكبات كثيرة علي مر الدهور والأزمان حتى إلي يومنا هذا ، وأشد أنواع النكبات التي قد تبتلي بها الأمة أن يتسرب اليأس إلي القلوب وتتفرغ القلوب من الأمل واليقين ،فيتخلص المرء من حياته عن طريق الانتحار ، ولقد ظهر في الآونة الأخيرة في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية جريمة تعد من أبشع الجرائم علي الإطلاق وهي جريمة الانتحار .
لذلك كان موضوعنا اليوم حول هذه الجريمة ويتناول هذه العناصر الرئيسية التالية :ــ
1ـ تعريف الانتحار .
 2ـ أعراض الانتحار.
 3ـ أسباب الانتحار .
 4ـ موقف الإسلام من الانتحار
 5ـ علاج ظاهرة الانتحار
 6ـ الخاتمة
=================
 العنصر الأول : تعريف الانتحار :ـ 
الانتحار: هو قتل الإنسان نفسه ، أو إتلاف عضو من أعضائه أو إفساده أو إضعافه بأي شكل من الأشكال مثل الشرق ،أوالحرق، أوتناول السموم ،أو تناول جرعة كبيرة من المخدرات ، أوإلقاء نفسه في النيل، أو قتل نفسه بمأكول أو مشروب، وذلك لأسباب يعتقد صاحبها معها بان مماته أصبح أفضل من حياته .
 العنصر الثاني :ـ أعراض الانتحار:ـ 
هناك بعض العلامات التي تظهر علي الشخص الذي يقدم علي الانتحار من أهمها :ــ
1ـ  الاكتئاب:ـ
 والذي يعني (الشعور بالحزن الشديد والتعاسة، والإحباط، والعجز وعدم القيمة، واليأس من الحياة ومن تغيّر الواقع).
2ـ التغيرات المفاجئة في السلوك:ـ
مثل التغير في نمط النوم أو نمط الطعام، والإهمال في الدراسة أو العمل، إهمال الشخص لعلاقاته الاجتماعية ولمظهره الخارجي، التحدث عن الانتحار والموت بصورة غريبة، فقد الاهتمام بالأنشطة المعتادة والانسحاب منها، فقد المتعة في الأمور المحببة له، التحدث عن فقد الأمل والشعور بالذنب أو اليأس، نقد الذات، القلق النفسيّ، الخمول، السوداوية، الانعزال والانطواء، الحقد على المجتمع، الشكوى من الصداع، قلة التركيز، التخلّص من المقتنيات الشخصيّة الثمينة ).
3ـ  تعاطي المخدرات والمسكرات.
 القيام بأعمال المخاطرة : المبالغ بها كالقفز من مكان مرتفع، أو عبور الطريق وسط سير كثيف أو مسرع .
5 ـ الامتناع عن أخذ دواء ضروري كالأنسولين مثلا .
6 ـ محاولة فاشلة أو أكثر في تجربة الانتحار .
 إن وجود أيٍّ من هذه العلامات يستحق الاهتمام من قبل الآخرين كالوالدين أو المقربين، وإن وجود عدد منها يعتبر مؤشرًا واضحًا على أن الشخص في خطر وعلينا إدراكه.
 إن الذين يعانون من اضطرابات انفعالية يؤذون أنفسهم بشكل أكبر وأشدّ قسوة. فلا يجب على الوالدين التهاون بأي من حالات إيذاء النفس لأنها قد تتطور إلى تفكير جديٍّ في الانتحار.


العنصر الثالث: أسباب الانتحار:ــ
حوالي 35% من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية كالاكتئاب، والفصام
 والإدمان. و65% يرجع إلى عوامل متعددة مثل التربية وثقافة المجتمع والمشاكل الأسرية أو العاطفية والفشل الدراسي والآلام والأمراض الجسمية أو تجنب العار أو الإيمان بفكرة أو مبدأ مثل القيام بالانتحاري.
وهذه بعض الأسباب التي تؤدي إلي الانتحار :ـــ 
1ـ ضعف الوازع الديني:ـ
ضعف الوازع الديني عند الإنسان ، وعدم إدراك خطورة هذا الفعل الشنيع والجريمة الكُبرى التي يترتب عليها حرمان النفس من حقها في الحياة ؛ إضافةً إلى التعرض للوعيد
الشديد والعقاب الأليم في الدار الآخرة.
2ـ عدم اكتمال المعنى الإيماني في النفس البشرية:
 إذ إن الإيمان الكامل الصحيح يفرض على الإنسان الثقة واليقين في الله تعالي،
والرضا بقضاء الله تعالى وقدره ، وعدم الاعتراض على ذلك القدر مهما بدا للإنسان أنه سيءٌ أو غير مرضِ
ولا شك أن الانتحار لا يخرج عن كونه اعتراضاً على واقع الحال ودليلاً على عدم الرضا به .
وغلبة الظن الخاطئ عند المنتحر أنه سيضع بانتحاره وإزهاقه لنفسه حداً لما يعيشه أو يُعانيه من مشكلاتٍ أو ضغوطٍ أو ظروف سيئة ، وهذا مفهومٌ خاطئٌ ومغلوطٌ وبعيدٌ كل البُعد عن الحقيقة .
3ـ الجهل والجزع وعدم الصبر :ـ
الجهل والجزع وعدم الصبر ، والاستسلام لليأس والقنوط وما يؤدي إلى ذلك من الهواجس والأفكار والوساوس.
4ـ المشاكل الاقتصادية:
كالفقر، والبطالة وعدم الحصول على المهن اللازمة على الرغم من الشهادات والمؤهلات، أو فقدان المهنة أو المنزل، وقد أعربت منظمة الصحة العالمية عن خشيتها من أن تؤدي الأزمة الاقتصادية العالمية إلى ارتفاع حالات الانتحار خاصة بعد إقدام بعض رجال الأعمال على الانتحار..
5ـ الانفتاح الإعلامي:ـ
الانفتاح الإعلامي والثقافي غير المنضبط الذي نعيشه في مجتمعنا المعاصر الأمر الذي دعا إلى تقليد الآخرين والتأثر بهم في كل شأنٍ من شؤونهم ، وهو أمرٌ غيرُ محمودٍ لما فيه من ضياع الهوية واستلابها .
6ـ المشاكل الأسرية واحترام الذات :ـ


 قد تؤدي الصراعات الأسرية المتكررة أو الشديدة بين أفراد الأسرة وبالأخص الوالدين، وكذلك عيش الطفل ، أوالمراهق مع زوجة أب قاسية ، أو زوج أمّ قاسٍ، أو تعرض الطفل للضرب والإيذاء، أوالحرمان العاطفي بشكل متكرر، أوالإهمال للطفل ،وحاجته النفسية والجسدية، أو تعرّض المراهق للنقد المستمر أوالاستهزاء، وعدم احترام ذاته ومشاعره، وتعليم الوالدين المتدني، وحالات الاغتصاب للنساء ، قد تؤدي جميعها إلى الوصول إلى حالة اكتئاب شديدة، ومن ثم التفكير في الانتحار ، والتخلّص من الحياة.
7ـ  الفشل:
 يعد الفشل المالي كالفشل في سداد الالتزامات المالية ،أوالتعرض للخسائر، أوالفشل العاطفي، أوالفشل الدراسي، أوالفشل الاجتماعيّ، أوالفشل المهني كتأمين وظيفة كريمة والمحافظة عليها، أحد الأسباب الرئيسيّة المؤدية للانتحار، وقد أظهرت الدراسات الدولية أن 60 % من حالات الانتحار كانت بسبب الفشل.
8ـ الشعور بالذنب أو الوحدة:
يُعتبر هذا سببًا رئيسيٍّا في الانتحار وهو الشعور بالذنب والرغبة في عقاب الذات،
أو الشعور بالوحدة، والاعتقاد بأن العالم لا يفهمه ولا أحد يشعر به، وبسبب عدم القدرة على توجيه العقاب للآخرين فيوجه العقوبة لذاته، وتكثر هذه الحالة عند المراهقين وغير الناضجين فكريًا أو المضطربين نفسيًا.
9ـ المشاكل الصحية الخطيرة:
 الحالة الصحية لها علاقة مباشرة بالاكتئاب، والانتحار، فالمرضى المصابون بأمراض مستعصية الشفاء كالإيدز، والسرطان، أكثر إقبالا على الانتحار، وتتراوح نسبتهم بين 15- 18% من بين المنتحرين، أما المدمنون على الكحول والمخدرات فتصل نسبة انتحارهم إلى 15% وفق إحصائيات في المجتمع المصري.
العنصر الرابع :موقف الاسلام من الانتحار:ـ
هذا العمل كبيرة من كبائر الذنوب ، وقتل النفس ليس حلاً للخروج من المشاكل التي يبثها الشيطان ، والوساوس التي يلقيها في النفوس ، ولو لم يكن بعد الموت بعث ولا حساب لهانت كثير من النفوس على أصحابها ، ولكن بعد الموت حساب وعقاب ، وقبر وظلمة ، وصراط، وزلة ، ثم إما نار، وإما جنة .
ولهذا جاء تحريم الانتحار بكل وسائله من قتل الإنسان نفسه ، أو إتلاف عضو من أعضائه ، أوإفساده، أو إضعافه بأي شكل من الأشكال ، أو قتل الإنسان نفسه بمأكول أو مشروب .
ولهذا جاء التحذير عن الانتحار بقول ربنا جلت قدرته وتقدست أسماؤه حيث قال تعالى:
}ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما (29) ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً (30)}]النساء[
وقال تعالى} :  ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (195) } ]البقرة
وقال تعالى} :  وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69){ ]الفرقان[
وكذلك جاء التحذير في سنة نبينا محمد (ﷺ) حيث روى أبو هريرة قال : قال رسول الله (ﷺ)}من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن شرب سماً ، فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا { ] رواه مسلم[
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي (ﷺ)}الذي يخنق نفسه يخنقها في النار والذي يطعنها يطعنها في النار{ ] رواه البخاري
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال شهدنا مع رسول الله (ﷺ) خيبر فقال رسول الله (ﷺ) لرجل ممن معه يدعي الإسلام هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل من أشد القتال وكثرت به الجراح فأثبتته فجاء رجل من أصحاب النبي (ﷺ) فقال يا رسول الله أرأيت الذي تحدثت أنه من أهل النار قد قاتل في سبيل الله من أشد القتال فكثرت به الجراح فقال النبي (ﷺ) أما إنه من أهل النار فكاد بعض المسلمين يرتاب فبينما هو على ذلك إذ وجد الرجل ألم الجراح فأهوى بيده إلى كنانته فانتزع منها سهما فانتحر بها فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول الله (ﷺ) فقالوا يا رسول الله صدق الله حديثك قد انتحر فلان فقتل نفسه فقال رسول الله (ﷺ) يا بلال قم فأذن لا يدخل الجنة إلا مؤمن وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر{ ] رواه البخاري
 وعن أبى هريرة عن رسول الله (ﷺ) }من خنق نفسه في الدنيا فقتلها خنق نفسه في النار ومن طعن نفسه طعنها في النار ومن اقتحم فقتل نفسه اقتحم في النار { ] رواه ابن حبان [
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال : }مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة { ] رواه البخاري ومسلم[
وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ)  }:كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات .{ 
قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ] {رواه البخاري ومسلم[.
هذه عاقبة الانتحار والعياذ بالله ، ويجب على المسلم أن يعلم أن الانتحار فيه تسخط على قضاء الله وقدره ، وعدم الرضا بذلك ، وعدم الصبر على تحمل الأذى ، وأشد من ذلك وأخطر وهو التعدي على حق الله تعالى ، فالنفس ليست ملكاً لصاحبها وإنما ملك لله الذي خلقها وهيأها لعبادته سبحانه ، وحرم إزهاقها بغير حق ، فليس لك أدنى تصرف فيها ، وكذلك في الانتحار ضعف إيمان المنتحر لعدم تسليم المنتحر أمره لله وشكواه إلى الله عز وجل .
 ما كان الانتحار علاجاً ولن يكون أبداً، فالانتحار حرام بكل صوره وأشكاله ، وليس دواءً يوصف للمعضلات والمشكلات ، بل داء يسبب الانتكاسة والحرمان من الجنة ، ويجلب سخط الرب تبارك وتعالى ، فقد ورد الصحيحين عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ﷺ): «ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء».
وورد أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي (ﷺ) قال: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً إِلَّا الْهَرَمَ» رواه ابن ماجة وأحمد وغيرهما.
 قال (ﷺ): " تداووا ولا تداووا بحرام " ،
وعند ابن حبان من حديث أم سلمة قالت: اشتكت ابنة لي، فنبذت لها في كوز، فدخل النبي (ﷺ) وهو يغلي، فقال «ما هذا؟» فقالت: إن ابنتي اشتكت فنبذنا لها هذا، فقال (ﷺ): «إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام».
العنصر الخامس: علاج ظاهرة الانتحار:ــ 
1ـ التربية الإسلامية الشاملة الواعية:ـ 
إن العودة إلى الدين أوالتدين هي أفضل ، وسيلة للحماية من كل الأمراض النفسية التي تعاني منها البشرية جمعاء, كما أن العودة للدين الإسلامي الحنيف هي العلاج الأفضل للحماية من هذه الأخطار التي تتهدد مجتمعاتنا وقيمنا. والتربية الإسلامية الشاملة تتلخص في ثلاثة أهداف رئيسية :ــ
أ ـ وهو تمكُّن واستحكام اليقظة من القلب، فلا نريد يقظة لحظية، بل نريدها يقظة حقيقية دائمة تتمكن من القلب لتبدأ معها الحياة تدب في جنباته .
ولقد أجمل آثارها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن علامات دخول النور القلب فقال }الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله { ]الطبري والبيهقي[.
 ب ـ ولادة القلب الحي:ـ
هذا الهدف لا يمكن الوصول إليه إلا باستمرار تزويد القلب بالإيمان بعد تمكُّن اليقظة منه، والمقصود بولادة القلب الحي : أي تحرره من أَسر الهوى وانفصاله عنه.
أوبمعنى آخر : انقطاع الحبل الذي يجمع العلائق التي كان القلب مُتعلقًا بها من دون الله كالمال، والجاه ، والناس، التي تحول بينه وبين التعلق التام بالله عز وجل، والالتزام به، والتوجه الدائم نحوه
هذه الولادة تتم عندما يعلو النور في القلب على الظلمة بصورة كبيرة.
ومن علامات حدوثها: 
رقة القلب وسرعة تأثره بالمواعظ، وهبوطه وخشوعه وسجوده لله، وسهولة استدعائه إذا أراد صاحبه استحضاره،
ومن آثارها كذلك تحسن ملحوظ في علاقات المرء المختلفة، فيزداد قربه من ربه، وتعلقه به ، وتنقص رغبته  في الدنيا بصورة ملحوظة، ويقل طمعه في الناس، ويزداد تشميره نحو الجنة ...
ومن آثارها كذلك راحة البال والشعور بالسكينة والطمأنينة والسلام الداخلي .
 ج ــ الحضور القلبي الدائم مع الله، والتعلق الشديد به سبحانه أو بمعنى آخر :
تحقيق قوله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن الإحسان فقال} أن تعبد الله كأنك تراه {. ]متفق عليه أخرجه البخاري ومسلم[.
وهذا يحدث إذا ما استمر الإمداد الإيماني للقلب، فيزداد فيه النور، حتى يصير قلبًا سليمًا أبيضًا.
والشعور الدائم برقابة الله تعالى ، فالذي يؤمن بالله يعلم ما توسوس به نفس الإنسان ، وإنه محص عليه كل أعماله صغيرة كانت أم كبيرة ومحاسبه على ما يقدم ، لن يجرؤ على الإقدام على غير ما يرضي الله من أقوال أو أفعال ، وسيكون في حذر دائم ويقظة لا تغفل عن المحاسبة.
ومن آثار ذلك :
خضوع المشاعر والسلوك في مجمله لله عز وجل كما قال (ﷺ)  }من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان{ ]حديث صحيح : أخرجه أبو داود ، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع[.
 وقال (ﷺ) } لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه { ]حديث صحيح : أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد وقال الهيثمي : إسناده حسن. وأخرجه أيضًا : أحمد ، قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات
ومن آثارها كذلك:
 التعامل مع أحداث الحياة وتقلباتها المختلفة تعاملًا إيمانيًّا كما قال (ﷺ) }عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ولا يكون هذا إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له {. ]رواه مسلم
والقلب في هذه المرحلة العظيمة يعيش في سعادة عظيمة وعلاقة متينة مع ربه ..
فهو شاكرٌ لأنعمه، صابرٌ على بلائه، راضٍ بقضائه، مطمئنٌ بذكره، في شوق دائم إليه
 وتوجه مستمر نحوه .
و تتسع الحياة عنده لتشمل الآخرة ، ويكون له منها غاية وهدف يسعى لتحقيقه ويسعد بذلك كما عبر ربعي بن عامر التميمي رضي الله عنه } إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها- ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام {.
 أما الشخص الذي لا يؤمن بحياة أخرى فإنه يسابق السنوات القليلة المحدودة التي يعيشها في الدنيا ، ويسيطر عليه شعور الضيق والقلق والاضطراب كلما تقدم به العمر وقصرت به طموحاته وآماله ، وغالبا ما يكون أمثال هؤلاء عرضة للأمراض النفسية والعصبية ، والإصابة بأنواع الاكتئاب النفسي والقلق والانتحار ، لأنه حصر الوجود كله في هذه الحياة الدنيا فإن فشل فيه أو عجز عن القيام بما يسعى له فقد قيمة الحياة والوجود بأسره .
ألا فليعلم المربون أن غياب الإيمان هو سبب الشقاء والنكد الذي نعيشه اليوم ليس أبدا قلة ذات اليد والضعف والظلم هم السبب الأول في كل هذه المشاكل لذلك وصف لنا النبي صلي الله عليه وسلم هذه النفسية المعذبة قال(ﷺ) }من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له{ ]رواه الترمذي من حديث أنس[، والمثال علي ذلك :ـ
 نري ونسمع من قديم أن أكثر البلاد انتحاراً هي البلاد التي ارتفع فيها مستوى المعيشة، وتيسرت فيها لأبنائها مطالب الحياة المادية، من مأكل ومشرب، وملبس ومسكن ومركب، مع كماليات كثيرة. في إحدى الدول الكبرى كان المواطن فيها يعيش في مستوي من الرفاهية يشبه الأحلام ، ومع هذا المستوي من المعيشة العالي من ناطحات السحاب، ومراكب الفضاء، وتدفق الذهب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ....،.. 
كان الناس يحيون حياة قلقة مضطربة، كلها ضيق وتوتر، وشكوى وسخط، وتبرم ويأس. ونتيجة هذا أن يهرب الناس من هذه الحياة الشقية النكدة، عن طريق «الانتحار» الذي يلجا إليه الألوف من الناس، تخلصاً مما يعانونه من عذاب نفسي أليم.
وانتهى الباحثون والمحللون إلى أن السر وراء هذا الشقاء يرجع إلى أمر واحد هو فقدان «الإيمان»
وأمريكا أغنى بلد في العالم، لم يحقق الغنى لأبنائه السعادة على الرغم ورأينا من مفكريهم من يقول: "إن الحياة في نيويورك غطاء جميل لحالة من التعاسة والشقاء!".
2ـ إعلاء منظومة القيم الإسلامية :ـ
قيام المؤسسات التربوية بدورها من أجل إعلاء منظومة القيم الإسلامية العالية لأنها تشمل جميع مظاهر النشاط الحيوي للفرد والمجتمع ، فهي تضبط الفرد وتوجه فكره وسلوكه إلي ما يعود عليه بالخير وتحفزه إلي الارتقاء بنفسه وتحقيق إنسانيته ، وهي التي تعطي المجتمع ملامحه الحقيقية وتضبط حركته وترسم له وجهته وغايته .
فإذا تجردت الحياة البشرية منها لم تعد حياة انسانية أبدا فأي كرامة لحياة لا تصان بالتقوي والأمانة ، وأي قيمة لاجتماع بشري لا تسوده الرحمة والتكافل أو نظام سياسي لا يقوم علي أساس العدل والشوري .
والقيم مثل العلم والعمل والحرية والصدق والأمانة والصبر والوفاء والعطاء ، والقدوة ، والحب ...........الخ
والعمل على تطبيقها في واقعنا المعاصر لما تُقدمه من حلولٍ ناجحةٍ لجميع المشكلات والظواهر السلبية في المجتمع .
3ـ حملات التوعية المجتمعية :ـ 
زيادة الجرعات التوعوية اللازمة لأفراد وفئات المجتمع عن طريق مختلف الوسائل الإعلامية والتعليمية ؛ لبيان خطر جريمة الانتحار وبشاعتها وما يترتب عليها من نتائج مؤسفة وعواقب وخيمة سواءً على الفرد أو المجتمع .
وعمل برامج تأهيلية علاجية تتشارك فيها الأسرة والمدرسة مع المعالِج النفسي، للنهوض بشخصية المصاب والتركيز على الجوانب الإيجابية لديه، ومساعدته على القيام بدوره في المجتمع، ومتابعته وتحسين ما يمكن تحسينه في محيطه الاجتماعي كتقليل الصراعات الأُسريّة.
4ـ إحياء الروح المعنوية عن طريق بث الأمل في النفوس:ـ 

لقد حرم الله تعالي اليأس المؤدي إلي الانتحار وندد باليائسين واعتبره قرين الكفر فقال تعالي :} }وَلَا تَاْيۡـَٔسُواْ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا يَاْيۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ (87){ ](يوسف[

وندد بالقنوط واعتبره قرين الضلال فقال تعالي }قَالَ وَمَن يَقۡنَطُ مِن رَّحۡمَةِ رَبِّهِۦٓ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ )56){ ]الحجر[
وأجمع العلماء أنهما من الكبائر بل أشد تحريما، وجعلهما القرطبي في الكبائر بعد الشرك من حيث الترتيب .
 قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:  }الكبائر أربع: الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، واليأْس من روح الله، والأمن من مكر الله{ .
وقال العدوي: ]الإياس : من الكبائر[
 واليأْس فيه سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى:فقال تعالي :} وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا (83){[الإسراء[
واليأس سبب لفساد القلب.
قال ابن القيم وهو يعدد الكبائر: }الكبائر: القنوط من رحمة الله، واليأْس من روح الله..، وتوابع هذه الأمور التي هي أشد تحريمًا من الزنا، وشرب الخمر وغيرهما من الكبائر الظاهرة، ولا صلاح للقلب ولا للجسد إلا باجتنابها، والتوبة منها، وإلا فهو قلب فاسد، وإذا فسد القلب فسد البدن{.
 والأمل توأم الإيمان ، قال تعالي : }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(53) { ]الزمر[
وقد فتح جميع الأبواب أمامك واسمع إليه سبحانه وتعالي في الحديث القدسي الجليل فقد روى الترمذي وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله (ﷺ)  يقولقال الله: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيك بقرابها مغفرة.{ 
هذا خطاب الله لعباده فإذا كنت عبدا من عباد الله فهذا النداء يخصك فلا يتسرب اليأس إلي قلبك فيدخل معه الكفر والعياذ بالله .
ولقد عاب النبي (ﷺ) على الذين ينفّرون الناس، ويضعون الناس في موقع الدونية والهزيمة النفسية..
وعن أبي هريرة رضي الله عنه  قال : قال رسول الله (ﷺ) } إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم { ] رواه مسلم[
ما أحوجَنا ونحن في هذا زمن الفتن والغموض إلى عبادة الأمل.
فمن يدري؟!
ربما كانت هذه المصائب بابًا إلى خير مجهول، ورب محنة في طيها منحة، أوليس الله عز وجل قد قال الله }وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ (216){ ]البقرة[؟!
وقال تعالي: فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا(19){  ]النساء[
فلقد ضاقت صدور كثير من العباد اليوم بسبب كثرة الماديات ، ومشاهدة الفضائيات ، والإسراف في المحرمات والسيئات ، والاقتصاد في الطاعات ،والحسنات ، فحصلت تلك الآهات ، وكثرت تلك الصرخات ، بل وحصل أدهى من ذلك وأمر ، فصارت الوسوسة حتى أن البعض يفكر كيف يتخلص من نفسه جراء الضيق والحسرة ، والوحشة التي يعيشها ، فلا طعم للحياة عنده ، ولا هدف ولا غاية يرى أنه من أجلها خلق .
 فلابد من الأمل، فالأمل إذن هو إكسير الحياة، ودافع نشاطها، ومخفف ويلاتها، وباعث البهجة والسرور فيها.
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!
والأمل قبل ذلك كله شيء حلو المذاق، جميل المحيا في ذاته، تحقق أو لم يتحقق.
الأمل دافع للتقدم والنجاح:ـ
 لابد منه لتقدم العلوم، فلو وقف عباقرة العلم والاختراع عند مقررات زمنهم ولم ينظروا إلا إلى مواضع أقدامهم، ولم يمدهم الأمل بروحه في كشف المجهول، واكتساب الجديد من الحقائق والمعارف، ما خطا العلم خطواته الرائعة إلى الأمام ووصل بالإنسان إلى القمر.
 والأمل لابد منه لنجاح الرسالات والنهضات، وإذا فقد المصلح أمله فقد دخل المعركة بلا سلاح يقاتل به، بل بلا يد تمسك بالسلاح، فأنى يرتقب له انتصار وفلاح؟
 وإذا استصحب الأمل فإن الصعب سيهون، والبعيد سيدنو، والأيام تقرب البعيد، والزمن جزء من العلاج.
 صور مضيئة علي طريق الأمل:ـ 
هَذا سيدنا إبراهيمُ عليهِ السلامُ
قَدْ صارَ شَيْخاً كبيراً ولَمْ يُرْزَقْ بَعْدُ بِوَلَدٍ فيدفَعُهُ حُسْنُ ظَنِّهِ بربِّهِ أنْ يَدْعُوَهُ} رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100){  ]الصافات[
فاستجابَ له ربُّهُ ووَهَبَ لهُ إسماعيلَ وإسحاقَ عليهما السلامُ ، وتَبرز قدرة الله عز وجل وتَظهر، عندما تنقطع أسباب البشر مع هذه الزوجة الصالحة المؤمنة (هاجر) وولدها إسماعيل عليه السلام..
فقد تركها زوجها إبراهيم عليه السلام مع ولدها في وادٍ غير ذي زرع، وذلك بأمرٍ من الله سبحانه وتعالى..
 فقالت له بعد أن تأكّدت أنه أمر الله: "اذهب فإنه لن يُضيّعَنا"!.. 
وهذا سيدنا موسى عليه السلام يخرج ومعه بنو إسرائيل من مصر، ويتبعه فرعون وجنوده، ثم يعترضه البحر أمامه، وفرعون بجيوشه وسيوفه وحرابه من ورائه، فإذا ببعض بني إسرائيل ممن لم يعمر الإيمان قلبه ولم تعظم ثقتهم بالله عز وجل} قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61){  [الشعراء.
لا أمل لنا في النجاة مطلقاً، وجاء رد موسى عليه السلام بقدر ما كان على عظيم الأمل وكماله: قال تعالى :} قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ(62){  [الشعراء[.
لا يمكن أن تكون هذه هي النتيجة؛ لأن هناك وعداً من الله سبحانه وتعالى، ولم يكن موسى عليه السلام إذ ذاك يعلم كيف سيكون الخلاص؟
هو يعلم أن ثمة خلاصاً لكنه لا يعلم كيف يكون، ثم جاء السبب اليسير.}اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ(63){ [الشعراء[
فلما مر موسى ومن معه وجاء فرعون ومن معه أطبق البحر عليهم فماتوا غرقى
وهذا سيدنا زكريا عليه السلام قال تعالي : }ذِكۡرُ رَحۡمَتِ رَبِّكَ عَبۡدَهُۥ زَكَرِيَّآ (2) إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ نِدَآءً خَفِيّٗا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ ٱلۡعَظۡمُ مِنِّي وَٱشۡتَعَلَ ٱلرَّأۡسُ شَيۡبٗا وَلَمۡ أَكُنۢ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّٗا (4) وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيّٗا (6){ ]مريم[
فاستجابت له السماء : }يَٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ ٱسۡمُهُۥ يَحۡيَىٰ لَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ مِن قَبۡلُ سَمِيّٗا (7){ ]مريم[
وأيوبُ عليهِ السلامُابتلاهُ ربُّه بِذَهابِ المالِ والوَلَدِ والعافِيَةِ، ثُمَّ ماذا ؟
قالَ اللهُ تعالىَ }وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسّــَنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَـفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَــهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَــةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكـْرَى لِلْعَابِدِينَ (84){ ]الأنبياء[
ويونس قد ابتلعه الحوت : }فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ (87) فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (88){  ]الأنبياء[
وهذا هو رسولنا الكريم (ﷺ) في غزوة الأحزاب حيث يتألب الشرك الوثني بكل عناصره، والغدر اليهودي بكل تاريخه، ويشتد الأمر على النبي (ﷺ) وأصحابه: قريش وغطفان ومن يحطب في حبلهما من خارج المدينة، واليهود والمنافقون من الداخل. موقف عصيب صوَّره القرآن بقوله تعالى : }إِذۡ جَآءُوكُم مِّن فَوۡقِكُمۡ وَمِنۡ أَسۡفَلَ مِنكُمۡ وَإِذۡ زَاغَتِ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَبَلَغَتِ ٱلۡقُلُوبُ ٱلۡحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا۠ (10) هُنَالِكَ ٱبۡتُلِيَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَزُلۡزِلُواْ زِلۡزَالٗا شَدِيدٗا (11){ ]الأحزاب[
في هذه الساعات الرهيبة التي يذوي فيها عود الأمل، ويخبو شعاع الرجاء، ولا يفكر المرء إلا في الخلاص والنجاة ...
في هذه اللحظات والنبي (ﷺ) يسهم مع أصحابه في حفر الخندق حول المدينة يصدون بحفره الغزاة، ويعوقون الطامعين العتاة ، يحدث النبي (ﷺ) أصحابه عن الغد المأمول، والمستقبل المرجو حين يفتح الله عليهم بلاد كسرى بفارس، وبلاد قيصر بالشام، وبلاد اليمن بالجزيرة، حديث الواثق المطمئن الذي أثار أرباب النفاق فقالوا في ضيق وحنق: إن محمداً يعدنا بكنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الخلاء وحده! أو كما قال القرآن }وَإِذۡ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ إِلَّا غُرُورٗا (12){ ]الأحزاب[
ماذا تسمي هذا الشعاع الذي يبزغ في دياجير الأحداث من القلوب الكبيرة، فينير الطريق ويبدد الظلام؟
إنه الأمل، وإن شئت فهو الإيمان بنصر الله: }  بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ (5) وَعۡدَ ٱللَّهِۖ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ (6){ ]الروم[
وانظر أخي الكريم إلى سورة الشرح التي تتضمن اليسر والأمل والتفاؤل للنبي (ﷺ) ، وتذكير النبي (ﷺ) بنعم الله عليه، ثم اليسر بعد العسر، والطريق لهذا اليسر هو النّصَب والطاعة لله عز وجل، والرغبة والأمل في موعود الله عز وجل قال تعالى} أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) { ]الشرح [


فلقَدْ كانَ رسولُنا (ﷺ) يُعْجِبُهُ الفأْلُ لأنَّه حُسْنُ ظَنٍّ باللهِ سبحانه وتعالى، فقَدْ أخرجَ البخاريُّ ومسلمٌ عَنْ أنسٍ  رضي الله عنه  أنَّ نبيَّ اللهِ (ﷺ) قالَ: }لا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ ويُعُجِبُنِي الفأْلُ: الكَلِمَةُ الحسَنَةُ، الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ{
فبالأملِ يذوقُ الإنسانُ طَعْمَ السعادَةِ، وبالتفاؤُلِ يُحِسُّ بِبَهْجَةِ الحياةِ.
والإنسان بطبعه يحب البشرى وتطمئن إليها نفسه، وتمنحه دافعاً قوياً للعمل، بينما التنفير يعزز مشاعر الإحباط واليأس لديه ويصيبه بالعزوف عن القيام بدوره في الحياة؛ ولذلك قال (ﷺ) في الحديث الذي رواه أنس بن مالك  رضي الله عنه عن النبي (ﷺ) قال: }يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا{ .
وقَدْ بشَّرَنا النبيُّ (ﷺ) بانتصارِ الإسلامِ وظُهورِهِ مَهْما تكالبَتْ عليهِ الأعداءُ وتألَّبَتْ عليهِ الخُصومُ؛ فعن تَمِيمِ الدَّارِيِّ - رضي الله عنه- قالَ: سمعتُ رســولَ اللهِ (ﷺ) يقولُ لَيَبْلُغَنَّ هَذا الأمرُ ما بَلَغَ الليلُ والنَّهارُ، ولا يَتْركُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلاَّ أدخَلَهُ اللهُ هــذا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أوْ بِذُلِّ ذَليـلٍ، عِزّاً يُعِزُّ اللهُ بهِ الإسلامَ، وذُلاًّ يُذِلُّ اللهُ بهِ الكفـرَ{ [أخرجَهُ أحمدُ [
 العنصر السادس: الخاتمة:ـ 
أيها الأحبة الكرام هذه وصيتي للمربين تتلخص في ثلاثة نقاط :ـ
أ ـ الإنصات للأشخاص المقربين والأصدقاء والأبناء ومن يمرون بظروف صعبة، والتواصل العاطفي معهم، وعدم الضغط على الأبناء بخصوص التحصيل الدراسي، وعدم مقارنتهم بآخرين أو انتقادهم المستمر أو إحراجهم والاستهزاء بهم.
 ب ـ محاولة تفهم الظروف والأسباب التي قد تدفع بعض أفراد المجتمع إلى محاولة الانتحار ، ومن ثم العمل على مد يد العون لهم ، ومساعدتهم في حلها
وبذلك يتم القضاء على أسباب هذه الظاهرة ودواعيها بإذن الله .
 ج ـ معالجة الأمراض النفسية ،والاضطرابات لدى الفرد كالاكتئاب ،والفُصام والإدمان .. فلا يجب إخفاء أو إهمال ما يَظهر على الفرد من اضطرابات سلوكية غير مألوفة، فيجدر بعائلة المريض التوجه إلى الطبيب النفسي أو الأخصائي لعلاجه وإدخاله المصحة النفسيّة إن لزم الأمر، وعدم الخجل أو ووصيتي للشباب ومن تسول له نفسه بالإقدام علي هذا الفعل الشنيع ،عظموا رجاءكم بالله وأيقنوا برحمته سبحانه التي وسعت كل شيء، وجددوا صلتكم بالله ‏وأكثروا من الطاعات والجأوا إليه سبحانه بالدعاء والتضرع أن يصرف عنكم السوء وأن ‏يحبب إليكم الإيمان وأن يزينه في قلوبكم وأن يكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان وأن ‏يجعلكم من الراشدين، وتفاءلوا بالخير تجدوه ، واعلموا أن الحياة نعمة عظيمة أنعم الله بها عليكم وفرصة لا يمكن ‏تعويضها فاغتنموها في العمل الصالح حيث به تحيون حياة كريمة كما قال تعالى: }مَنْ ‏عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ‏مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97){ [النحل[
واعلموا أن كل شئ ممكن وليس هناك مستحيل ، وأنكم من تصنعون الظروف لا الظروف تصنعكم ‏،فكونوا متفائلين وإيجابيين ، وهو ما يُشير إليه قوله تعالى }إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ (11)} ]الرعد[
ويقول الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله} لو أن رجلاً وقف أمام جبل وعزم على إزالته لأزاله
ويكفي أن رسول الله (ﷺ) قال} خير الناس من طال عمره وحسن ‏عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله{ ]رواه أحمد والحاكم، والترمذي وصححه[.‏

نسأل الله تعالى أن يحفظنا جميعاً من كل شر ، وأن يوفقنا إلى طاعته ، وأن يرزقنا حياةً طيبةً 

وأن يختم لنا بخاتمةٍ حسنة ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين .

تمت بحمد الله

====================

رابط pdf

https://top4top.io/downloadf-2523fopm32-pdf.html

======

رابط doc

https://top4top.io/downloadf-25233h4qm1-docx.html

المشاركة المميزة

شؤم المعصية

الحمد لله رب العالمين ..أنار الطريق لعباده الصالحين فجعل العبيد ملوكا بطاعته، والملوك عبيدا بمعصيته ، فالعز كل العز في طاعته والذل كل الذل ف...