الحمد لله رب العالمين .. أنعم علينا بالنعم التي لا تعد ولا تحصي فقال تعالي (﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم:34]. وأشهد أن لا إله إلا الله ... وحده لا شريك له ... من علينا بتزكية نفوسنا وتهذيب أخلاقنا فقال تعالي }وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21){ النور.
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم سيد المحبين وإمام المرسلين . "كان إذا دخل العشر شد مئزره، وجدَّ، وأحيا ليله، وأيقظ أهله"[رواه البخاري]
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعـــــــــد .. فيا أيها المؤمنون ..
ها هو الضيف الكريم يلوح بالرحيل , تمضى ايامه مسرعه وكأنها حلم جميل
فيا ايها الضيف الكريم على رسلك ؛فقلوبنا لازالت مشتاقه إلى وصللك.
انتظر......تمهل فما اجمل مقامك وما أحلى أيامك........وما أمتع صيامك!
لقد ذقنا فيك لذه غير ما ذقناها فى غيرك , لقد عشنا فيك عيشه فى غيرك ما عشناها !
فكيف ترحل عنا بعد ايام لنا حلوه قضيناها ؟؟
ان رحيلك عنا مصيبه ابدا لن ننساها ........ولكن تلك مقادير ربى قدرها وسواها،
فاللهم اجرنا فى مصيبتنا..........ولت أيام رمضان مسرعه ولم يبقى منه إلا أيام .
إن بلوغ رمضان من النعم العظيمة التي حرم منها خلق كثير قال تعالي } وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ{ (النحل 53 ).
وهذه النعمة تستحق منا الشكر والشكر مرتبط بالمزيد قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم :7].
وها نحن قد وصلنا إلي المحطة الأخيرة في سباق رمضان وهي العشر الأواخر حيث فيها الخير العظيم فيها ليلة خير من ألف شهر وهي ليلة القدر وفيها نزول القرآن الكريم فحري بنا أن نحي الهمم في نهاية السباق حتي لا تضعف ،ويصيبها الفتور والكسل ويحرم الإنسان الأجر في رمضان قال صلي الله عليه وسلم } من أدرك رمضان فلم يُغفر له، فأبعده الله، قلت: آمين"[رواه الطبراني في الأوسط{ .
كارثة عظيمة أن يحرم الإنسان الخير في رمضان ..
وخاصة أن كان حال النبي صلي الله عليه وسلم في العشر الأواخر الإجتهاد في العبادة ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله، وجدَّ وشدَّ المئزر".
ومعنى شد المئزر: أي شمر واجتهد في العبادات، وقيل: كناية عن اعتزال النساء. وعنها رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره".
وهذا الإحياء شامل لجميع أنواع العبادات: من صلاة، وقرآنٍ، وذكرٍ، ودعاء، وصدقة، وغيرها، ومما يدل على فضل العشر: إيقاظ الأهل للصلاة والذكر، فيهيا بنا أيها الأكارم نحيي همتنا في العشر الأواخر من رمضان وإحيائها يكون بهذه الوسائل .. وهي :ـ
1ـ الاعتكاف فيها،
وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، وهو ثابت بالكتاب والسنة، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ﴾Ÿ [البقرة]. لأن المؤمن في هذا الزمان أشد حاجة للانتباه ومعالجة قلبه وتفتيشه مما كان عليه المسلمون في العصور الماضية)،
و قال حذيفة رضي الله عنه: (أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ورب مصل لا خير فيه، ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيهم خاشعاً).
وعن عائشة رضي الله عنها، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً".
وفي لفظ: "كان يعرضُ على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قُبض فيه، وكان يعتكف في كل عام عشراً فاعتكف عشرين في العام الذي قُبض فيه".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجدُ الناس بالخير، وكان يلقاه في كل ليلةٍ في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرضُ عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة". والمقصود بالاعتكاف انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله تعالى في مسجد من مساجد الله طلباً لفضل ثواب الاعتكاف من الله تعالى، وطلباً لإدراك ليلة القدر، وحقيقته : قطع العلائق عن الخلائق للاتصال بخدمة الخالق "
2ـ تحري ليلة القدر :ـ
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر،
وعن ابن عمر رضي الله عنه ( من كان متحريها فليتحرها ليلة سبع وعشرين، وقال: تحروها ليلة سبع وعشرين يعني ليلة القدر )) [ أخرجه الإمام أحمد]
وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ .
وقال عز وجل: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ﴾[الدخان3].
والقول الأقوى أنّها في الوتر من العشر الأواخر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «التمسوها في العشر الآواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة» [رواه البخاري].
و سميت ليلة القدربهذا الإسم للآتي :ـ
1- لأن الله يقدر فيها الأرزاق وأمور العباد وتأخذ الملائكة صحائف الأقدار عاماً كاملاً من ليلة القدر إلى ليلة قدر أخرى، فلا يبقى جليل ولا حقير إلا كتب الله أمره عاماً كاملاً، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ(3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 3-4] .
2- لأن الله أنزل فيها القرآن وهو أعظم ما يكون من الكتب قدراً.
3- لأن الإنسان يعظم قدره فيها إذا أحياها، لذلك قد تكتب السعادة لإنسان بعد إحيائها قال تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3] إحياؤها أفضل من عبادة 84 عاما.
4- لأن الأرض تضيق والقدر هو التضييق كما قال تعالى: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق:7]، أي ضيق عليه لأن الأرض تضيق من كثرة الملائكة التي نزلت من السماء.
والصحيح أن كل ذلك واقع في ليلة القدر كما ثبت في النصوص.
والحكمة من إخفاء ليلة القدر وعدم معرفتها :ـ
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يخبرنا بليلة القدر فتلاحا رجلان فقال: « إني خرجت وأنا أريد أن أخبركم بليلة القدر فتلاحا فلان وفلان لعل ذلك أن يكون خيرا، التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة» [مصنف بن أبي شيبة] ..
وقد أوصانا النبي صلي الله عليه وسلم بالإجتهاد في ليلة القدر بالقيام والدعاء
لقد حض النبي صلى الله عليه وسلم علي قيام ليلة القدر: فعن أبي هريرة رضي الله عنه ليلة القدر ليلة السابعة أو التاسعة وعشرين، وإن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى ) [ أخرجه والإمام أحمد وابن خزيمة] لقول عائشة رضي الله عنه: «قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ماذا أقول فيها؟ قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» [رواه الترمذي].
3ـ حب المكث في المسجد:ـ
فالمسجد سفارة الله في الأرض فكما أن سفارة كل دولة تعتبر ملكاً لها و تابعة لسلطانها مع أنها مقامة على أرض دولة أخرى، فكذلك المسجد الذي يقع على الأرض لكنه بقعة انتزعت من السماء.
والمسجد يعتبر حياة المسلم، ولأن المؤمن في المسجد كالسمك في الماء، والمنافق في المسجد كالطير في القفص، فإن القلوب كثيرةُ التقلبات والتحولات، فلِلْقَلبِ من اسِمْه حظٌّ ونصيب، ونستطيع أن نُشَبِّهها بالإناء، فيمكن أن يُغرَف به ماءٌ عذبٌ، ويمكن أن يُغرَف به ماءٌ أُجَاجٌ، وهكذا القلب، يمكن أن يتقبل الخير، ويمكن أن يتقبل الشر، ويمكن أن يتقبل الخير والشر، وهو إلى ما غلب أقرب، ولذلك فقد جاء الثناء والمدح لأصحاب القلوب الخيرة - نسأل الله أن يجعلنا منهم - فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من سبعة الأصناف الذين يمتَنُّ الله عليهم بالإظلال تحت ظل عرشه يومَ لا ظل إلا ظله؛ ((ورجل قلبه معلَّقٌ في المساجد))،
قال ابن رجب رحمه الله، في وصف الرجل المعلَّق قلبُه بالمساجد: فهو يحب المسجد ويألفه لعبادة الله فيه، فإذا خرج منه تعلَّق قلبه به حتى يرجع إليه، وهذا إنما يحصل لمن ملك نفسه، وقادها إلى طاعة الله، فانقادت له؛ فإن الهوى إنما يدعو إلى محبة مَواضِع الهوى، واللعب المباح أو المحظور، ومواضع التجارة واكتساب الأموال، فلا يَقْصُر نفسه على محبة بقاع العبادة إلا من خالف هواه، وقدَّم عليه محبةَ مولاه، فهو ممن قال الله تعالى فيهم: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37]،
وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((لا يُوَطِّنُ الرجلُ المساجدَ للصلاة والذكر إلا تَبَشْبَشَ اللهُ به مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ كما يتبشبش أَهْلُ الغائب بغائبهم إذا قَدِم عَلَيْهِمْ))، وقد روي عن سعيد بن المسيب رحمه الله، قال: "من جلس في المسجد؛ فإنما يُجَالِس ربه عز وجل"، فبالله عليك، هل من يجالس ربه في بيته، بالذكر، وتدبُّرِ القرآن، وتعلُّمِ العلم وتعليمه، كمن يجلس أمام تفاهات التمثيل، وسفاسف اللهو واللعب، وخُزَعْبِلات الصحف والمجلات؟!.
رجل تعلق قلبه بالمساجد، كلما نودي للصلاة فيها سارع إليها وإليه بشوقٍ وشديدِ رغبة؛ لينال القلب ارتياحه الذي لا يتهيأ بمتاع الدنيا وإنْ عَظُم، فسبيله في ذلك سبيل من كان يأمر بلالاً رضي الله عنه: ((أَرِحنا بها يا بلال)) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وإذا قُضِيَت الصلاة ظلَّ القلب معلَّقًا بالمسجد، وإن خرج منه الجسد، حتى يعود إليه مرة أخرى. وما كان هذا التعلُّق أن يأتِيَ من فراغ، ولكنه ثمرة التعلق بالله سبحانه وتعالى، محبةً وإنابةً ورغبة ورهبة وخوفًا ورجاءً وإخلاصًا وتوكُّلاً وذلاً وتعبُّدًا، فالتعلق بالله عز وجل وحده هو الغاية العظمى والنجاة الحقة.
ومن تعلَّق بغير الله عز وجل شأنه خَسِر خسرانًا مبينًا؛ كما قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ﴾ [العنكبوت: 41]،
وكما قيل:
والمستجير بعمرٍو عند كربته كالْمُستجير من الرمْضَاء بالنارِ
ولقد أعطي المولي عز وجل للمسلم المتعلق بالمسجد فضائل كثيرة منها :ـ
• الاتصاف بصفة من يُظِلُّهم الله في ظله: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(سبعة يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظلُّه) فذكر منهم: (ورجل قلبه معلَّق بالمساجد)؛ رواه البخاري ومسلم، وفي رواية الإمام مالك: (ورجل قلبه معلَّق بالمسجد حتى يعود إليه).
• زيادة الحسنات ومحو السيئات: عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من راح إلى مسجد الجماعة فخطوةٌ تمحو سيئة، وخطوة تكتب له حسنة، ذاهبًا وراجعًا).
• الحياة الطيبة وحسن الخاتمة: ففي حديث اختصام الملأ الأعلى: (.... قال لي: يا محمد، أتدري فيمَ يختصم الملأ الأعلى؟ قلتُ: (نعم، في الدرجات والكفارات، ونقل الأقدام إلى الجماعة، وإسباغ الوضوء في السبرات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ومن حافظ عليهن عاش بخير، ومات بخير، وكان من ذنوبه كيومَ ولدَتْه أمه).
• ومن هذه الفضائل تبشبُشُ الله له: فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتوضأ أحدكم، فيُحْسِن وضوءه فيُسْبِغه، ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه، إلا تبشبش الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته).
• ومنها إعداد النُّزل له في الجنة: فعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نُزُلاً في الجنة، كلما غدا أو راح).
• ومنها البشارة بالنور التام يوم القيامة: عن بُرَيْدَة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (بَشِّرِ الْمَشَّائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة).
• ومنها أنه ضامن على الله عز وجل: عن أبى أُمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ثلاثٌ كلُّهم ضامن على الله، إن عاشَ رُزِقَ وكُفِي، وإن مات دخل الجنة: من دخل بيته فسَلَّم فهو ضامن على الله، ومن خرج إلى المسجد فهو ضامن على الله، ومن خرج في سبيل الله فهو ضامن على الله).
• ومنها أن الله عز وجل يباهى به الملائكة: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: "صلَّيْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، فرَجَع من رجع، وعقب مَنْ عقب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مُسْرِعًا، قد حفره النَّفَس، قد حسر عن ركبتيه، قال: (أبشِروا، هذا ربكم قد فتح بابًا من أبواب السماء، يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي، قد قَضَوا فريضة، وهم ينتظرون أخرى).
• ومنها حصول الرحمة، والجوازُ على الصراط: عن أبى الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (المسجد بيت كل تقِيٍّ، وتكفَّل الله لمن كان المسجد بيته بالرَّوح والرحمة، والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة).
• ومنها علاقة خاصة بالملائكة: عن عبدالله بن سلام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن للمساجد أوتادًا هم أوتادها، لَهُم جُلَسَاء من الملائكة، فإن غابوا سَأَلُوا عنهم، وإن كانوا مرضى عادوهم، وإن كانوا في حاجة أعانوهم).
فلنربط قلوبنا بالمساجد، ولنجعلْها بيوتنا، ولنكُنْ كصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعلُّقهم بالمساجد، وشعورهم بالأمان فيها، فقد كانوا إذا فَزِعوا من شيء أتوا إلى المساجد، ولنحجز أماكننا في الصف الأول لننال المنزلة العظيمة الْمُعَدَّة لأهله، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول)؛ فالصف الأول على مِثْل صف الملائكة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (والصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابْتَدَرْتُموه).
مثل صف الملائكة؛ أي: في القرب من الله عز وجل، ونزول الرحمة، وإتمامه واعتداله.
ـ أجر المرابط في سبيل الله :ـ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرِّبَاط)) كررها ثلاث مرات؛ أخرجه مسلم.
• وأخيرًا فإن اعتياد الذهاب إلى المساجد والتعلق بها، من علامات صدق الإيمان، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان)، فإن الله تعالى قال: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [التوبة: 18].
4ـ إحياء الليل:ـ
لقد علم العارفون أنَّ قيام الليل مدرسة المخلصين، ومضمار السابقين، وأنّ الله -تعالى- إنما يوزّع عطاياه، ويقسم خزائن فضله في جوف الليل، فيصيب بها من تعرض لها بالقيام، ويحرم منها الغافلون والنيام، وما بلغ عبدٌ الدرجات الرفيعة، ولا نوَّر الله قلبًا بحكمة، إلاّ بحظٍّ من قيام الليل.
ويكون حال المؤمن كما قال أحد الصالحين مخاطبا نفسه ...
ألا يا نفس ويحك ساعديني بسعي منك في ظلم الليالي
لعلك في القيامة ان تفوزي بطيب العيش في تلك العلالي
فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر.
ومعنى (إحياء الليل): أي استغرقه بالسهر في الصلاة والذكر وغيرهما. وقد جاء عند النسائي عنها أنها قالت: (لا أعلم رسول الله قرأ القرآن كله في ليلة ولا قام ليلة حتى أصبح ولا صام شهرًا كاملاً قط غير رمضان).
فعلى هذا يكون إحياء الليل المقصود به أنه يقوم أغلب الليل، ويحتمل أنه كان يحيي الليل كله، كما جاء في بعض طرق الحديث.
وقيام الليل في هذا الشهر الكريم وهذه الليالي الفاضلة لا شك أنه عمل عظيم جدير بالحرص والاعتناء؛ حتى نتعرض لرحمات الله جل شأنه.
وكان النبي صلي الله عليه وسلم يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيره من الليالي، قال سفيان الثوري: أحب إليّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل، ويجتهد فيه، ويُنهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك.
وقد صح عن النبي أنه كان يطرق فاطمة وعلياً ليلاً فيقول لهما: { ألا تقومان فُتصليان } [رواه البخاري ومسلم].
وكان يوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يُوتر. وورد الترغيب في إيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة، ونضح الماء في وجهه. وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب كان يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي، حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: الصلاة الصلاة، ويتلو هذه الآية: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132].
وكانت امرأة أبي محمد حبيب الفارسي تقول له بالليل: ( قد ذهب الليل وبين أيدينا طريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا، ونحن قد بقينا ).
يا نائماً بالليل كم ترقد *** قم ياحبيبي قد دنا الموعد
وخُذ من الليل وأوقاته *** ورِداً إذا ما هجع الرّقد
من نام حتى ينقضي ليله *** ثم يبلغ المنزل أو يجهد
فضل قيام الليل :ـ
لقد حثَّ النبي صلي الله عليه وسلم على قيام الليل، فجاء في فضله من الأحاديث جملة مباركة، منها:
- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل"[ رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن خزيمة في صحيحه.].
- وعن عبد الله بن سلام قال: "أول ما قدم رسول الله المدينة، انجفل الناس إليه، فكنت فيمن جاءه، فلمّا تأمّلت وجهه، واستبنته، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، قال: فكان أول ما سمعت من كلامه، أن قال: أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام"[ رواه الترمذي].
- عن معاذ بن جبل عن النبي قال: "ما من مسلم يبيت طاهرًا، فيتعار من الليل، فيسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلاَّ أعطاه الله إياه"[ رواه أبو داود، ورواه النسائي، وابن ماجه.].
- وعن المغيرة بن شعبة قال: "قام النبي حتى تورمت قدماه، فقيل له: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا"[ رواه البخاري، ومسلم، والنسائي].
- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله قال: "أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يومًا، ويفطر يومًا"[ رواه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.].
- وعن جابر قال سمعت رسول الله يقول: "إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم، يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة"[ رواه مسلم].
- وعن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله قال: "عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم"[ رواه الترمذي].
- وعن أبي هريرة وأبي سعيد -رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله : "إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصلّيا، أو صلّى ركعتين جميعًا، كتبا في الذاكرين والذاكرات"[ رواه أبو داود].
- وعن سهل بن سعد -رضي الله عنهما- قال: "جاء جبريل إلى النبي فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس"[ رواه الطبراني في الأوسط].
- وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله : "أشراف أمتي حملة القرآن، وأصحاب الليل"[ رواه ابن أبي الدنيا، والبيهقي].
- وعن أبي الدرداء عن النبي قال: "ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم، ويستبشر بهم، الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله ، فإما أن يقتل، وإما أن ينصره الله ويكفيه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا، كيف صبر لي بنفسه؟ والذي له امرأة حسنة، وفراش لين حسن، فيقوم من الليل، فيقول: يذر شهوته ويذكرني، ولو شاء رقد. والذي إذا كان في سفر، وكان معه ركب، فسهروا، ثم هجعوا، فقام من السحر في ضراء وسراء"[ رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن].
حال السلف مع الليل :ـ
كان الليل في حياة السلف مختلف تماما عن الليل في حياتنا كما قال الإمام ابن الجوزي: ـ واعلم أن السلف كانوا في قيام الليل على سبع طبقات:
• الطبقة الأولى: كانوا يحيون كل الليل، وفيهم من كان يصلي الصبح بوضوء العشاء.
• الطبقة الثانية: كانوا يقومون شطر الليل.
• الطبقة الثالثة: كانوا يقومون ثلث الليل، قال النبي : {أَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صَلاةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صَوْمُ دَاوُدَ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا ، وَيُفْطِرُ يَوْمًا} [متفق عليه].
• الطبقة الرابعة: كانوا يقومون سدس الليل أو خمسه. • الطبقة الخامسة: كانوا لا يراعون التقدير، وإنما كان أحدهم يقوم إلى أن يغلبه النوم فينام، فإذا انتبه قام.
• الطبقة السادسة: قوم كانوا يصلون من الليل أربع ركعات أو ركعتين.
•الطبقة السابعة: قوم يُحيون ما بين العشاءين، ويُعسِّـلون في السحر، فيجمعون بين الطرفين. انتهي كلام ابن الجوزي.
وقد ورد في صحيح مسلم أن النبي قال:{إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيراً إلا آتاه، وذلك كل ليلة }.
ولقد صلى سيد التابعين سعيد بن المسيب – رحمه الله – الفجر خمسين سنة بوضوء العشاء وكان يسرد الصوم.
وأخذ الفضيل بن عياض رحمه الله بيد الحسين بن زياد رحم الله ، فقال له : يا حسين : ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول الرب : كذب من أدعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني ؟!! أليس كل حبيب يخلو بحبيبه ؟!! ها أنا ذا مطلع على أحبائي إذا جنهم الليل ،.....، غداً أقر عيون أحبائي في جناتي .
• قال محمد بن المنكدر رحمه الله : كابدت نفسي أربعين عاماً ( أي جاهدتها وأكرهتها على الطاعات ) حتى استقامت لي.
• كان ثابت البناني يقول كابدت نفسي على القيام عشرين سنة !!
وتلذذت به عشرين سنة .
• كان أحد الصالحين يصلي حتى تتورم قدماه فيضربها ويقول يا أمّارة بالسوء ما خلقتِ إلا للعبادة .
• كان العبد الصالح عبد العزيز بن أبي روّاد رحمه الله يُفرش له فراشه لينام عليه بالليل ، فكان يضع يده على الفراش فيتحسسه ثم يقول : ما ألينك !! ولكن فراش الجنة ألين منك!! ثم يقوم إلى صلاته .
• قال معمر : صلى إلى جنبي سليمان التميمي رحمه الله بعد العشاء الآخرة فسمعته يقرأ في صلاته : {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} حتى أتى على هذه الآية {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا } فجعل يرددها حتى خف أهل المسجد وانصرفوا ، ثم خرجت إلى بيتي ، فما رجعت إلى المسجد لأؤذن الفجر فإذا سليمان التميمي في مكانه كما تركته البارحة !! وهو واقف يردد هذه الآية لم يجاوزها {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا }.
• كان السري السقطي رحمه الله إذا جن عليه الليل وقام يصلي دافع البكاء أول الليل ، ثم دافع ثم دافع ، فإذا غلبه الأمر أخذ في البكاء والنحيب .
• قال الفضيل بن عياض رحمه الله : أدركت أقواماً يستحيون من الله في سواد هذا الليل من طول الهجعة !!
إنما هو على الجنب ، فإذا تحرك ( أي أفاق من نومه ) قال : ليس هذا لك !! قومي خذي حظك من الآخرة !!.
• دخلت إحدى النساء على زوجة الإمام الأوزاعي رحمه الله فرأت تلك المرأه بللاً في موضع سجود الأوزاعي ، فقالت لزوجة الأوزاعي : ثكلتك أمك !! أراك غفلت عن بعض الصبيان حتى بال في مسجد الشيخ ( أي مكان صلاته بالليل ) فقالت لها زوجة الأوزاعي : ويحك هذا يُصبح كل ليلة !! من أثر دموع الشيخ في سجوده .
ومن أقوال الأوزاعي: من أطال قيام الليل، هوَّن الله عليه وقوف يوم القيامة.
• كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يصلي من الليل فإذا أصابه فتور أو كسل قال لنفسه : أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا عليه ، والله لأزاحمنهم عليه ، حتى يعلموا أنهم خلفوا بعدهم رجالا !! ثم يصلي إلى الفجر .
• كان شداد بن أوس رضي الله عنه إذا دخل على فراشه يتقلب عليه بمنزلة القمح في المقلاة على النار!! ويقول اللهم إن النار قد أذهبت عني النوم !!
ثم يقوم يصلي إلى الفجر.
• قال الفضيل بن عياض - رحمه الله - : إني لأستقبل الليل من أوله فيهولني طوله فأفتتح القرآن فأُصبح وما قضيت نهمتي ( أي ما شبعت من القرآن والصلاة ) .
• لما احتضر العبد الصالح أبو الشعثاء رحمه الله بكى فقيل له : ما يبكيك !! فقال : إني لم أشتفِ من قيام الليل !!
• قال الفضيل بن عياض رحمه الله : كان يقال : من أخلاق الأنبياء والأصفياء الأخيار الطاهرة قلوبهم ، خلائق ثلاثة : الحلم والإنابة وحظ من قيام الليل .
• كان ثابت البناني رحمه الله يصلي قائما حتى يتعب ، فإذا تعب صلى وهو جالس .
• قال سعيد بن المسيب رحمه الله : إن الرجل ليصلي بالليل ، فيجعل الله في وجه نورا يحبه عليه كل مسلم ، فيراه من لم يره قط فيقول : إن لأحبُ هذا الرجل !!
• قيل للحسن البصري رحمه الله : ما بال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجوها ؟ فقال لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم من نوره .
• كان شريح بن هانئ رحمه الله يقول :ما فقد رجل شيئاً أهون عليه من نعسة تركها!!! ( أي لأجل قيام الليل ) .
• قال ثابت البناني رحمه الله : لا يسمى عابد أبداً عابدا ، وإن كان فيه كل خصلة خير حتى تكون فيه هاتان الخصلتان : الصوم والصلاة ، لأنهما من لحمه ودمه !!
• قال طاووس بن كيسان رحمه الله : ألا رجل يقوم بعشر آيات من الليل ، فيصبح وقد كتبت له مائة حسنة أو أكثر من ذلك
• قال سليمان بن طرخان رحمه الله : إن العين إذا عودتها النوم اعتادت ، وإذا عودتها السهر اعتادت .
• قال يزيد بن أبان الرقاشي رحمه الله : إذا نمت فاستيقظت ثم عدت في النوم فلا أنام الله عيني .
• قال ابن الجوزي رحمه : لما امتلأت أسماع المتهجدين بمعاتبة [ كذب من أدعى محبتي فإذا جنه الليل نام عني ] حلفت أجفانهم على جفاء النوم .
• وقد عرف السلف الدواء الناجع للقيام ، فقال رجل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله : إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء؟!! فقال : لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بين يديه في الليل ، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف .
• قال سفيان الثوري رحمه الله : حرمت قيام الليل خمسة أشهر بسبب ذنب أذنبته .
• قال رجل للحسن البصري رحمه الله : يا أبا سعيد : إني أبيت معافى وأحب قيام الليل ، وأعد طهوري فما بالي لا أقوم ؟!! فقال الحسن : ذنوبــك قيــدتك !!
• كان أبو إسحاق السبيعي رحمه الله يقول : يا معشر الشباب جدوا واجتهدوا ، وبادروا قوتكم ، واغتنموا شبيبتكم قبل أن تعجزوا ،ـ فإنه قلّ ما مرّت عليّ ليلة إلا قرأت فيها بألف آية !!
• قال محمد بن يوسف : كان سفيان الثوري رحمه الله يقيمنا في الليل ويقول : قوموا يا شباب !! صلوا ما دمتم شبابا !! إذا لم تصلوا اليوم فمتى ؟!!
• قال أبو عثمان النهدي:( تضيّفت أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل ثلاثاً، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا)
• كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: لولا ثلاثة ما وددت أن أعيش في الدنيا ساعة: الظمأ بالهواجر، والسجود في جوف الليل، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما تنتقى أطايب الثمر.
وفي الختام :ـ
علينا أن نحرص أيها المسلمون أن ننتفع بالعشر الأواخر من رمضان لكي نكون من سكان القمم
فسكان القمم لا يرضون لأنفسهم من كل شيء إلا أحسنه، ومن كل أمر إلا أتمه وأجمله، وقد قيل قديمًا:'قدر الرجل على قدر همته'.
فمن كان عالي الهمة؛ كان عالي القدر..فبادر ولا يقعد بك العجز عن المكرمات، حاول أن تكون من سكان القمم، وابذل في تحصيله كل غال ورخيص، ولا تدخر في ذلك أي نفيس. لكل مُجِدٍّ مكافأة تليق بمقامه:
فإياك أن تخرج منها خاسرًا، قبل أن تبنى لك بيتًا في الجنة.. قال تعالى:{ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ[21]}[سورة الحديد] .
كان ربيعة بن كعب، له همة فوق الشمس.. قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: [سَلْ] فَقُلْتُ أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ قَالَ: [أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ] قُلْتُ هُوَ ذَاكَ قَالَ: [ فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ] رواه مسلم. أين كانت تحلق همة ربيعة؟ كانت تحلق في سماء رفيعة، وقمم شاهقة .
5ـ زكاة الفطر :ـ
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ . " رواه أبو داود 1371 قال النووي : رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ .
قوله : ( طهرة ) : أي تطهيرا لنفس من صام رمضان ، وقوله ( والرفث ) قال ابن الأثير : الرفث هنا هو الفحش من كلام ، قوله ( وطعمة ) : بضم الطاء وهو الطعام الذي يؤكل . قوله : ( من أداها قبل الصلاة ) : أي قبل صلاة العيد ، قوله ( فهي زكاة مقبولة ) : المراد بالزكاة صدقة الفطر ، قوله ( صدقة من الصدقات ) : يعني التي يتصدق بها في سائر الأوقات.
حكمها :ـ
الصَّحِيحُ أَنَّهَا فَرْضٌ ; لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ :{ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ } .
وَلإجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا فَرْضٌ.
وقت وجوبها :ـ
فَأَمَّا وَقْتُ الْوُجُوبِ فَهُوَ وَقْتُ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شهر رَمَضَانَ المبارك ، فَإِنَّهَا تَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ شَهْرِ رَمَضَانَ . ويجوز قبل ذلك .فَمَنْ وَلَدٌ له مولود قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، فَعَلَيْهِ زكاة الفطر.
وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْغُرُوبِ ، لَمْ تَلْزَمْهُ .. وَمِنْ مَاتَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ ، فَعَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ .
ولا مانع شرعا من التعجيل في إخراج زكاة الفطر من أول رمضان كما عند الشافعية . على من تجب :ـ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . البخاري . - تجب على المستطيع ، قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَوَّالٌ وَعِنْدَهُ قُوتُهُ وَقُوتُ مَنْ يَقُوتُهُ يَوْمَهُ وَمَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْهُ وَعَنْهُمْ أَدَّاهَا عَنْهُمْ وَعَنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا مَا يُؤَدِّي عَنْ بَعْضِهِمْ أَدَّاهَا عَنْ بَعْضٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا سِوَى مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَتِهِمْ يَوْمَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلا عَلَى مَنْ يَقُوتُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ .
قيمتها :ـ
فقد ذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله إلى أن زكاة الفطر إنما تخرج من الطعام الغالب عند أهل البلد. واعتبر الإمام الشافعي أن الكيلة المصرية من الحبوب تجزئ علي أربعة أفراد .
وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى إلى أنه يجزيء إخراج القيمة بدلاً عن الطعام.
وكذلك يري الإمام البخاري، وقول عمر بن عبدالعزيز والحسن البصري وغيرهم ،أو مع التقييد بالحاجة وهو رواية عند الحنابلة اختارها ابن تيمية ، في حالة ما إذا كان إخراجها قيمة من النقود أو غيرها تترتب عليه مصلحة راجحة للفقير.
والمقصد الأسمي من الزكاة هو تلبية حاجة الفقير فالزكاة تدور مع مصلحة الفقير ، وذلك حسب كل عصر ومصر .
وتخرج للفقراء والمساكين. والأولي أن نبدأ بالأقربين فالصدقة علي المسكين صدقة والصدقة علي المسكين القريب ثنتان صدقة وصلة رحم . انتهي
فنسأل الله -تعالى- أن يمنَّ علينا بكرمه، ويرزقنا ليلة القدر ويعيننا علي إحيائها، ويفتح لنا به أبواب الخير.. آمين.
تمت بفضل الله ورحمته
==============
تحميل word
تحميل pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق