الأربعاء، 25 يناير 2023

الإسراء منحة بعد محنة وفرج بعد كرب

 

الحمد لله رب العالمين ....  حلق الموت والحياة للابتلاء فقال تعالي } الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ  لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2){ الملك .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .... جعل الابتلاء بالخير والشر فقال تعالي } كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35){ الأنبياء.
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ).. بين أن الابتلاء سنةٌ الله في خلقه لم يستثنِ منه أحدًا حتى أنبيائه ورسله، وهم أقرب الخلق وأحبهم إليه؛ روى الإمام أحمد في مسنده وابن حبانَ في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنّه قال: «قلت: يا رسول الله أيُّ الناسِ أشدّ بلاء؟ فقال: أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثلُ فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسَب دينه، فإن كان في دينِه صلبًا اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقَّة ابتُلِي على قدرِ دينِه، فما يبرَح البلاءُ بالعبدِ حتّى يتركَه يمشِي على الأرض وما عليه خَطيئة»
- فاللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا ......
أما بعـد.. فيا أيها المؤمنون..
إن الله تعالى جعل الدنيا دار ممر وامتحان، وجعل فيها الابتلاء سنة من سننه الربانية الجارية ؛ ذلك أن طبيعة الحياة الدنيا، وطبيعة البشر فيها تقتضي ألا يخلو المرء فيها من كوارث تصيبه، وشدائد تحل بساحته ، فكم منا من يُخفق في عمل، ويخيب له أمل، أو يُبتلى بموت حبيب، أو يَمرض له بدن، أو يُفقد منه مالٌ أو ولد، أو يُبتلى في قوة تمسكه بدينه، أو غير ذلك مما تفيض به الحياة الدنيا من ابتلاءات وشدائد وتمحيصات، وكذلك تجد من يبتليه الله تعالي بكثرة المال والأولاد ، ووفرة في الصحة ، فهذا كله ابتلاء واختبار ،، وما من محنة تصيب المؤمن مطلقاً إلا وراءها منحة، وما من شِدة يقع بالمؤمن إلا وراءها شَدة إلى الله، المحنة تنتهي بمنحة، الشِدة تنتهي بشَدة، ذلك لأن هذه الدنيا في الأصل دار ابتلاء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء، لأن الرخاء مؤقت، والشقاء مؤقت، قد جعلها الله دار بلوى. يقول الله تعالي ﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ ]المؤمنين[ لذلك كان موضوعنا عن }الإسراء منحة بعد محنة وفرج بعد كرب ويسر بعد عسر{ وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ...
1ـ حقيقة الفتنة والابتلاء .
2ـ الابتلاء سنة الله في خلقه .
3ـ الحكمة من الابتلاء .
4 ـ مراتب الابتلاء .
5ـ  بعض الشدائد والمحن التي سبقت الإسراء والمعراج.
6ـ الفرج بعد الشدة سنة إلهية .
7ـ  عوامل الثبات عند المحن والابتلاءات.
العنصر الأول : حقيقة الفتنة والابتلاء:
خلاصة القول في الفتنة والابتلاء : هو الاختبار والامتحان للإنسان في الشدّة والرخاء .
وكذلك لفظ البلاء مع زيادة في المعنى الذي نريده بلفظ (البلاء) وهو الحادث الذي فيه شدّة ومشقة وينزل بالمرء لغرض اختباره وامتحانه به .
وقيل البلاء هي التكاليف كلها مشاق علي الأبدان فصارت من هذا الوجه بلاء .
قال تعالي:}وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31){ محمد .
قال تعالى : }الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3){ ]العنكبوت[.
أي لا يختبرون فيميز خبيثهم من طيبهم .
اختبار الله تعالى للعبد تارة بالمسار ليشكر وتارة بالمضار ليصبر فصارت المحنة والمحنة جميعاً بلاء .
قال تعالى : } كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35){ ]الأنبياء[.
العنصر الثاني : الابتلاء سنة الله في خلقه :
لقد جعل الله سبحانه وتعالى الابتلاء في الدنيا بما فيها سنة ماضية في الأمم والأفراد والشعوب وجعل الآخرة للجزاء، قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7)} [الكهف].
وقال تعالي { فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43){[ فاطر] .
لقد قضت سنة الله في الابتلاء أنه يمتحن عباده بالشر والخير أي يختبرهم بما يصيبهم مما يثقل عليهم كالمرض والفقر والمصائب المختلفة كما يخبرهم بما ينعم عليهم من النعمة المختلفة التي تجعل حياتهم في رفاهية ورخاء وسعة العيش كالصحة والغنى ونحو ذلك ، ليتبين بهذا الامتحان من يصبر في حال الشدّة ومن يشكر في حال الرخاء والنعمة ،قال تعالى } كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35){ الأنبياء
أي نختبركم بما يجب فيه الصبر من البلايا والمصائب والشدائد كالسقم والفقر وغير ذلك مما يجب فيه الصبر ، كما نختبركم بما يجب فيه الشكر من النعم كالصحة والغنى والرخاء ونحو ذلك فيقوم المنعم عليه بأداء ما افترضه الله عليه فيما أنعم به عليه .
وكلمة (فتنة) في قوله تعالى : (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) أي ابتلاه فهي مصدر مؤكد لقوله تعالى : (وَنَبْلُوكُم) من غير لفظه . (وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)أي فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر أو الشكر.
وقد وصف الله تعالي نفسية الإنسان الضعيفة في التعامل مع الابتلاء والفتن  فقال تعالي }فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16){ الفجر.
فالمحنة والمنحة جميعاً بلاء ، فالمحنة مقتضية للصبر والمنحة مقتضية للشكر ، والقيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر ، فالمنحة أعظم البلاءين .
وبهذا النظر قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلينا بالضراء فصبرنا وبلينا بالسراء فلم نصبر، وقضت سنة الله في الابتلاء أنه يمتحن عباده بالشر كما يمتحنهم بالخير .
العنصر الثالث : الحكمة من الابتلاء
1ـ الابتلاء إعداد وتربية للرجال:  
لأن أثقال الحياة لا يطيقها المهازيل، والمرء إذا كان لديه متاع ثقيل يريد نقله  لم يستأجر له أطفالا أو مرضى أو خوارين ؛ إنما ينتقى له ذوى الكواهل الصلبة ، والمناكب الشداد !!
كذلك الحياة  لا ينهض برسالتها الكبرى  ولا ينقلها من طور إلى طور إلا رجال عمالقة وأبطال صابرون . .
ومن ثم كان نصيب القادة من العناء والبلاء مكافئا لما أوتوا من مواهب ،.
ـ ففي حديث أخرجه الطبراني في معجمه الكبير عن أخت حذيفة بن اليمان فاطمة أو خولة قالت : قال رسول الله (ﷺ): (أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل) .
فاختلاف أنصبة الناس من الجهد والتبعة والهموم الكبيرة يعود إلى طاقتهم في التحمل والثبات .
وسنة العظمة والاعتداد هي التي أوحت لقائد أمريكي كبير أن يقول: " لا تسأل الله أن يخفف حملك ، ولكن اسأل الله أن يقوى ظهرك "
إن خفة الحمل ، وفراغ اليد ،وقلة المبالاة صفات قد يظفر الأطفال منها بقسط كبير لكن مشاغل العيش وهموم الواجب ، ومرارة الكفاح ، واستدامة السعي ،هي أخلاق الجاهدين البنائين في الحياة والرجل القاعد في داره لا يصيبه غبار الطريق، والجندي الهارب لا يشوكه سلاح ، ولا يروعه زحف .
أما الذين أسهموا في معركة الحياة وخاضوا غمارها ،فستغبرهم وعثاؤها ، وتنالهم جراحاتها ، ويدركهم من النصب والكلال ما يدركهم.
ومن هنا كرم الإسلام المنتصبين لأعراض الدنيا وواسى المتعبين مواساة تطمئن بالهم وتخفف آلامهم . " مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تُفيئها الريح، تصرمها مرة وتعدلها أخرى حتى يأتيه أجله، ومثل الكافر كمثل الأرزة المجذبة على أصلها لا يصيبها شيء حتى يكون انجعافها مرة واحدة" .
فالمؤمن السارب في الحياة هدف لمشاكلها الجمة ، أما العاجز الهارب من الميدان فماذا يصيبه ؟! وذاك سر قوله (ﷺ): " من يرد الله به خيرا  يصب منه "
وقوله: " إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن رضى فله الرضا ، ومن سخط فله السخط " فالمتعرض لآلام الحياة يدافعها وتدافعه  أرفع عند الله درجات من المنهزم القابع بعيدا  لا يخشى شيئا ولا يخشاه شيء .
وما ادخره الله لأولئك العانين الصابرين يفوق ما ادخره لضروب العبادات الأخرى من ثواب جزيل :قال رسول الله (ﷺ)"يود أهل العافية يوم القيامة  حين يُعطى أهل البلاء الثواب  لو أن جلودهم كانت قرضت بالمقاريض" .
2ـ الابتلاء دواء للنفوس البشرية :
قال ابن القيم : " فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا ، والله سبحانه إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله ، يستفرغ به من الأدواء المهلكة ، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه : أهَّله لأشرف مراتب الدنيا ، وهي عبوديته ، وأرفع ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه " انتهى . " زاد المعاد "
العنصر الرابع : مراتب الابتلاء
الابتلاء على خمسة مراتب :
1ـ ابتلاء (كشف)
2ـ ابتلاء (رفع)
3ـ ابتلاء (دفع)
4ـ ابتلاء (ردع)
5ـ ابتلاء (قصم وقطع وأخذ)
1ـ ابتلاء الكشف :
يكون لكشف قوة الايمان والكشف عن صفات الصبر والرضا ،إظهار حقائق الناس ومعادنهم . الى غير ذلك كابتلاء الصالحين، فهناك ناس لا يعرف فضلهم إلا في المحن .
قال تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(3)} [العنكبوت]
إن الإيمان ليس كلمة تقال إنما هو حقيقة ذات تكاليف ; وأمانة ذات أعباء ; وجهاد يحتاج إلى صبر , وجهد يحتاج إلى احتمال ، فلا يكفي أن يقول الناس آمنا ، وهم لا يتركون لهذه الدعوى , حتى يتعرضوا للفتنة فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صافية عناصرهم خالصة قلوبهم . كما تفتن النار الذهب لتفصل بينه وبين العناصر الرخيصة العالقة به وهذا هو أصل الكلمة اللغوي وله دلالته وظله وإيحاؤه  وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب .
هذه الفتنة على الإيمان أصل ثابت , وسنة جارية , في ميزان الله سبحانه: قال تعالي : }وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3){. .العنكبوت .
والله يعلم حقيقة القلوب قبل الابتلاء ; ولكن الابتلاء يكشف في عالم الواقع ما هو مكشوف لعلم الله , مغيب عن علم البشر ; فيحاسب الناس إذن على ما يقع من عملهم لا على مجرد ما يعلمه سبحانه من أمرهم ، وهو فضل من الله من جانب , وعدل من جانب , وتربية للناس من جانب , فلا يأخذوا أحدا إلا بما استعلن من أمره , وبما حققه فعله ، فليسوا بأعلم من الله بحقيقة قلبه ! .
قال الفضيل بن عياض : " الناس ما داموا في عافية مستورون ، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم ؛ فصار المؤمن إلى إيمانه ، وصار المنافق إلى نفاقه "  وأخبر الله تعالي عما حدث في غزوة أحد من ابتلاءات ومصائب من أجل كشف حقيقة الإيمان وتمحيص المؤمنين ومحق الكافرين فقال تعالي } إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ(140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142){ آل عمران .
وقال تعالي }مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179){ آل عمران.
فلولا المحن ما ظهر العطن ولا فاح العفن ، ولو كانت كل الأيام بدرا لكان ابن سلول سيد القوم... فكان لا بد من أحد ليخرج ما في نفسه كل أحد!!
2ـ ابتلاء الرفع : 
والرفع للدرجات فقد يكون عمل العبد لا يساوى درجة عالية بالجنة فيبتلى ليصبر ويرضى لينال تلك الدرجة.
إن هذا الابتلاء الذي يتعرض له المسلم في حياته بما فيه من مشقةٍ وشدةٍ وعسر ومعاناة، إلا أن فيه منح إلهية وجوائز ربانية جعلها الله لعباده المؤمنين وللمجتمع والأمة المسلمة، فمن ذلك تكفير الذنوب والخطايا ورفع الدرجات وتطهير النفوس وتزكيتها، وربطها بخالقها والتمكين والنصر والتمييز والتمحيص بين العباد ومعرفة أهل الصدق والصبر والإيمان، وكشف وفضح أهل الخيانة والكذب والنفاق قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَٰهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَٰرَكُمْ (31)} [محمد]
ففي الأثر: " وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبة في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه ". 
إذا وصلنا إلى القبر، وقد طهرنا الله من أدران الدنيا، من شهوات الدنيا، من شبهات الدنيا، فنحن في خير كبير، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي (ﷺ): (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه ، وولده ، وماله ، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ) ]رواه الترمذي وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة[.
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): }إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ
بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ{ . ]رواه الترمذي  وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة[  .
وحصول الأجر ورفعة الدرجات، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ):} مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً ، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً { رواه مسلم .
3ـ ابتلاء الدفع :
وابتلاء الدفع يكون عندما نذنب فنبتلى لندفع إلى باب التوبة ونعود لباب الجنة والدفع بعيد عن أبواب النار.
أحيانا يضعف سير المؤمن إلي الله عز وجل فيبتليه الله تعالي ابتلاء دفع إليه سبحانه وتعالي ليخرج العِجب من النفوس ويجعلها أقرب إلى الله ، وذلك مثل ما حدث يوم حنين .
قال ابن حجر : " قَوْله : ( وَيَوْم حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتكُمْ ) رَوَى يُونُس بْن بُكَيْر فِي " زِيَادَات الْمَغَازِي " عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس قَالَ : قَالَ رَجُل يَوْم حُنَيْنٍ : لَنْ نُغْلَب الْيَوْم مِنْ قِلَّة , فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ الْهَزِيمَة .."
قال ابن القيم زاد المعاد: " واقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أولاً مرارة الهزيمة والكسرة مع كثرة عَدَدِهم وعُدَدِهم وقوة شوكتهم ليضع رؤوسا رفعت بالفتح ولم تدخل بلده وحرمه كما دخله رسول الله واضعا رأسه منحنيا على فرسه حتى إن ذقنه تكاد تمس سرجه تواضعا لربه وخضوعا لعظمته واستكانة لعزته " انتهى .
وأيضا مثل ما حدث مع الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك ،ابتلاهم الله تعالي بمقاطعة الرسول (ﷺ) وأصحابه رضوان الله عليهم كان دفعا لهم للتوبة الندم عما حدث منهم قال تعالي } وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119){ التوبة.
4ـ ابتلاء الردع :
ابتلاء الردع عندما يتمادى العبد في الذنوب فيبتلى ليكون الابتلاء ردع لعلهم يرجعون الى الله قال الله عز وجل يقول : } وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيئَةٍ فَمِن نفسِكَ (79){ النساء. ،
ويقول سبحانه : }وَمَا أَصابَكُم من مصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُوا عَن كَثِيرٍ(30){ الشورى .
وابتلاء الردع مثل ما حدث مع أصحاب الجنة في سورة القلم قال تعالي } إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ(28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ(30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَىٰ رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَٰلِكَ الْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33){ القلم.
فالبلاء فرصة للتوبة قبل أن يحل العذاب الأكبر يوم القيامة ؛ فإنَّ الله تعالى يقول :} وَلَنُذِيقَنهُم منَ العَذَابِ الأدنَى دُونَ العَذَابِ الأكبَرِ لَعَلهُم يَرجِعُونَ (21){ السجدة
 والعذاب الأدنى هو نكد الدنيا ونغصها وما يصيب الإنسان من سوء وشر .
وإذا استمرت الحياة هانئة ، فسوف يصل الإنسان إلى مرحلة الغرور والكبر ويظن نفسه مستغنياً عن الله ، فمن رحمته سبحانه أن يبتلي الإنسان حتى يعود إليه .
5ـ ابتلاء القصم والقطع والأخذ:
قد مضت سنّة الله في الأمم الكافرة أن يبتليها بالبأساء والضراء عسى أن يردعها فإذا لم ترتدع عن كفرها وغيها وترجع إلي ربها كان ابتلاء القصم والهلاك والأخذ ، قال تعالى}وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(95){ الأعراف. 
والمعنى أن سنّة الله تعالى في الأمم التي كذبت رسلها أن الله تعالى أخذها بالبأساء وبالضرّاء أي بالشدة في أنفسهم وأبدانهم وأرزاقهم وأموالهم ، وقد فعل الله تعالى ذلك بهم لكي يتضرعوا .
وابتلاء القطع للكافرين المتكبرين الذين خلوا من الخير فيكون الابتلاء قصم وقطع دابرهم ، قال تعالي } فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45){ الأنعام.
وقال تعالي عن الأمم السابقة } فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40){ العنكبوت .
وكما حدث مع قوم سيدنا نوح عليه السلام قال تعالي } وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14){ [العنكبوت].
العنصر الخامس : بعض الشدائد والمحن التي سبقت الإسراء والمعراج:
لجأت قريش إلى ترويج الاتهامات الباطلة لصد الناس عن النبي (ﷺ):}وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا (8){ ]الفرقان[ .
وبدأت حملة من السخرية والاستهزاء والضحك والغمز واللمز والتعالي – عليه صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين وما أشبه الليلة بالبارحة }وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ(53){ ]الأنعام[، ثم لجأ المشركون إلى المطالبة بالمعجزات قال تعالى }وَقَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ يَنۢبُوعًا (90) أَوۡ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٞ مِّن نَّخِيلٖ وَعِنَبٖ فَتُفَجِّرَ ٱلۡأَنۡهَٰرَ خِلَٰلَهَا تَفۡجِيرًا (91) أَوۡ تُسۡقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمۡتَ عَلَيۡنَا كِسَفًا أَوۡ تَأۡتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوۡ يَكُونَ لَكَ بَيۡتٞ مِّن زُخۡرُفٍ أَوۡ تَرۡقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤۡمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيۡنَا كِتَٰبٗا نَّقۡرَؤُهُۥۗ قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا (93) ]الإسراء[.
وحاولت قريش من خلال أسلوب المساومات أن يلتقي الإسلام والجاهلية في منتصف الطريق حتى يترك النبي (ﷺ) بعض ما هو عليه, قال تعالى }وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ(9){) ]القلم[.
وتحالف المشركون مع اليهود ليطرحوا على الرسول (ﷺ) أسئلة تعجيزية, فقالوا لهم سلوه عن أهل الكهف, وعن ذي القرنين, وعن الروح. 
ولما لم تجدي هذه الوسائل بدأوا في أسلوب الترغيب, وعرضوا عليه السيادة، وعندما لم تثمر كل الأساليب السابقة لجأت قريش إلى أسلوب الاعتداء والتصفية الجسدية, وبدأت حملات التعذيب للصحابة رضي الله عنهم ونالت عملية التعذيب النساء، ولجأت قريش إلى المقاطعة للمسلمين وسجنهم في شعب أبي طالب, واستمرت المقاطعة ثلاث سنوات, واشتد عليهم البلاء والجهد والجوع, ولكن المسلمين صمدوا وثبتوا وصبروا, حتى سخر الله تعالى رجالاً من قريش لنقض هذه الصحيفة الظالمة, وجاء الفرج من الله تعالى بعد هذه الشدة والمعاناة.
وقبل الهجرة بثلاث سنوات توفي عمه أبو طالب, وكان أبو طالب يحوط النبي (ﷺ) ويغضب له  وفي نفس العام توفيت السيدة خديجة رضي الله عنها التي كان يسكن إليها الرسول صلى الله عليه وسلم عند الشدائد.
ولما اشتدت مقاومة قريش للدعوة, وبلغ الأذى مداه, خرج الرسول (ﷺ) إلى الطائف يتلمس أرضًا خصبة تقبل دعوة الإسلام ويلتمس النصرة والمنعة من ثقيف لكنه لم يجد إلا الإيذاء والسخرية والاستهزاء.
وفي ظل هذه الأزمات يعلمنا الرسول (ﷺ) سلاح الدعاء والاستعانة والاستغاثة بالله تعالى, والأمل والثقة في الله, فنراه صلى الله عليه وسلم يتوجه لربه بالدعاء }اللهم إليك أشكو ضعف قوتي, وقلة حيلتي وهواني على الناس, يا أرحم الراحمين, أنت رب المستضعفين, وأنت ربي, إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي, ولكن عافيتك هي أوسع لي, أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات, وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك, أو يحل علي سخطك, لك العتبى حتى ترضى, ولا حول ولا قوة إلا بك{ ]ابن هشام – السيرة وإسناده حسن مرسل, ورواه ابن سعد في الطبقات مختصرا, والبيهقي في الدلائل, وأحمد في المسند, والسيوطي في الجامع الصغير, وعزاه للطبراني وحسنه [ .
العنصر السادس : الفرج بعد الكرب سنة إلهية :
محنة الطائف أوصلت النبي الكريم (ﷺ) إلى الإسراء والمعراج.
} سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{ ]الإسراء [   الناظر والمتأمل في الآية يجد عجباً وهو ختام الآية الكريمة ، لو في غير القرآن لكان الختام (إنه على كل شيء قدير)، ولكن الختام ﴿ إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾
يعني:  يا محمد سمعتك في الطائف، وهذه المكافأة، أنت سيد الخلق، وحبيب الحق، الإسراء والمعراج هي المنحة بعد المحنة، الإسراء والمعراج هي الشَدة إليه بعد الشِدة ، فاطمئن، ما من محنة تبتلى بها كمؤمن إلا وراءها منحة من الله، ما من شِدة تقع بك إلا وراءها شَدة إلى الله.  
أيها المؤمنون ... محنة الطائف كانت سبب الإسراء والمعراج، وفي الإسراء والمعراج أعلم الله نبيه أنه سيد الخلق، وسيد الأنبياء والمرسلين، وسيد ولد آدم، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: } سَلُوا اللّه لِي الوَسِيلَةَ، فإنها مَنْزِلَةٌ في الجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبادِ اللّه، وأرْجُو أنْ أكُونَ أنا {[رواه مسلم عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص].
هذا هو المقام المحمود، ولا يكون إلا لواحد من الخلق، } وأرْجُو أنْ أكُونَ أنا { كما قال عليه الصلاة والسلام:( سَلُوا اللّه لِي الوَسِيلَةَ، فإنها مَنْزِلَةٌ في الجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبادِ اللّه، وأرْجُو أنْ أكُونَ أنا ).
وجاء الفرج من الله تعالى بعد كل هذه الشدائد:ــ
1- في طريق عودته من الطائف, وعند حائط ابني ربيعة, التقى بعداس النصراني فأسلم.
2- وفي طريق عودته من الطائف, أقام الرسول صلى الله عليه وسلم أيامًا في وادي نخلة القريب من مكة وخلال فترة إقامته هذه بعث الله إليه نفرًا من الجن استمعوا إلى القرآن الكريم, وأسلموا وعادوا إلى قومهم منذرين ومبشرين, كما ذكر الله تعالى في كتابه العزيز:}وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ(29){ ]الأحقاف[.
3ـ وفي هذه المعجزة الإلهية, كانت هذه البركات لهذه الأمة:
 أ ــ إمامة الرسول (ﷺ) للأنبياء في المسجد الأقصى, وانتقال الريادة لفلسطين والمسجد الأقصى, بل وقيادة البشرية كلها من بعده لأمته.
ب ـ وفي المعراج فرض الله تعالى الصلاة خمسين صلاة في اليوم والليلة  فلما سأله الرسول صلى الله عليه وسلم (التخفيف) فجعلها الله تعالى أرحم الراحمين خمس صلوات، فهي في العدد خمس صلوات وفي الأجر خمسين صلاة.
 ج ـ ورأى الرسول (ﷺ) من آياته ربه الكبرى, لينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين, ورأى بعضًا من مشاهد نعيم أهل الجنة, وعذاب أهل النار, كما جاء ذلك في أكثر من رواية, حتى نجتهد جميعا فنعمل من الآن بعمل أهل الجنة, وننتهي عن عمل أهل النار.
من هنا تظهر لنا هذه الحقيقة حتى نكون على يقين بها: أن النصر مع الصبر, وأن الفرج مع الكرب}فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(5)إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6){ ]الشرح [
أحيانا يقع حادث سير، لكن ليس ثمة جروح، الضرر في المركبة فقط، وتصليحها سهل، وقد تكلِّف مالاً، أما لو قطعت إصبع فشيء صعب، فكل لمصيبة مصيبة أكبر منها، وأكبر المصائب أن تكون المصيبة في الدين، كشارب خمر، أو زانٍ، أو مَن ينكر معلوم من الدين بالضرورة، هذه مصيبة، أو بنت منحرفة، هذه مصيبة، ابن عاق، هذه مصيبة، دَخْلٌ حرام، هذه مصيبة، ألِف المعصية والإثم، هذه مصيبة، " الحمد لله إذ لم تكن في ديني، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها، والحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها ". 
العنصر السابع : عوامل الثبات عند المحن والابتلاءات :
قال تعالي { اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ (19)} [الشورى] فمن لطف الله تعالي بعباده أن لا يبتليهم إلا بما يطيقون، وأن يلطف بهم فيما ابتلاهم به ،فيعينهم و يثبتهم ،على ما يرضيه عنهم ويرتضيه لهم .
و في دينه الذي ارتضاه لعباده من العوامل المساعدة على ثبات العباد على
 ضراوة الفتن والبلاء الشيء الكثير ، الذي لا يستصحبه عبد في شدّة إلا خفف عنه ، وربط على قلبه ، ومن هذه العوامل :
أوّلاً : التعرف على الله في الرخاء :
من كان مع الله كان الله معه بلا ريب ، كيف و لا جزاء للإحسان إلا بالإحسان ، و من تقرّب إلى الله شبراً تقربّ إليه باعاً ، و من تقربّ إليه باعاً تقرّب إليه ذراعاً ، و من أتى ربّه ماشياً أتاه ربُّه هرولة ، كما ثبت ذلك فيما رواه الشيخان و غيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال النبي(ﷺ)  : يقول الله تعالى : }أنا عند ظن عبدي بي ، و أنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، و إن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم ، و إن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً ، و إن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً ، و إن أتاني يمشي أتيته هرولة { .
والعمل الدائم للدين الله تعالي من عوامل الثبات أمام المحن والشدائد قال تعالي } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7){ محمد .
وليعلم المؤمن أن الثبات من عند الله تعالي ، وأن الإنسان ﻻ يستطيع
الثبات دون عون من الله ، قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم :}وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74){ الإسراء. .
وأن المواظبة على تنفيذ ما أمر الله به من عوامل الثبات، قال تعالى }وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66){ النساء.
وقال تعالي } يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27){ إبراهيم.
ثانياً : الإيمان بالقضاء والقدر :
لا شيء يبعث على التسليم و الطمأنينة عند نزول القضاء مثل التسليم لله في قضائه و قدره ، و البعد عن التسخط  والضجر .
قال تعالى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(22) } [ الحديد  ] .
فلا يكمل إيمان عبد و لا يستقيم حتى يؤمن بالقدر خيره وشرّه ، ويعرف أن من صفته تعالى أن يُقَّدر ويلطف ، و يبتلي ويخفف ، ومن ظن انفكاك لطفه عن قدره فذلك لقصور نظره { إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ (100)} [يوسف]
روى أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن ‏عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال‏ ‏لابنه : يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، سمعت رسول الله ‏(ﷺ) ‏يقول ‏:
( ‏إن أول ما خلق الله القلم فقال له : اكتب . قال : ربِّ ! وماذا أكتب ؟ قال : اكتُب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ) يا بُنَيَّ ! إني سمعت رسول الله ‏يقول : ( من مات على غير هذا فليس مني ) .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه:‏عن النبي صلي الله عليه وسلم ‏قال:} لكل شيء حقيقة ،وما بلغ عبدٌ حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ‏ ‏ليُخطئه ،وما أخطأه لم يكن ليصيبه { . رواه الطبراني في الأوسط
وليعلم المصاب أيضا أن الله  تعالى فعال لما يريد يتصرف فيهم كيف يختار، من موت وغرق وحرق وغير ذلك مما قضاه وقدره وأمضاه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون؟!
فإذا تسخط الإنسان بأقوال وأفعال منكرة نهى الشرع عنها وذم فاعلها لشرعه في الدين ما لم يأذن به الله ولا رسوله فإن سخطه هذا يكون مناف للرضا والصبر ويضر بالنفس والبدن ولا يرد من قضاء الله وقدره شيئا.
وقد جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: يا رسول الله أوصني ولا تكثر علي؟ قال: لا تتهم الله عز وجل  في شيء قضاه لك ".
يقول العلماء: " إن الله  تعالى عدل لا يجور، وعالم لا يضل ولا يجهل، وحكيم أفعاله كلها حكم ومصالح، ما يفعل شيئا إلا لحكمة، فإنه  سبحانه  له ما أعطى، وله ما أخذ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وهو الفعال لما يريد، والقادر على ما يشاء، له الخلق والأمر، وعلى المصاب أن يتكلم بكلام يرضي به ربه، ويكثر به أجره، ويرفع الله به قدره ".   
ثالثاً : النظر إلى ما حلّ بالعبد على أنّه مصيبة ولكنها أهون من غيرها :
جاء في الحكمة : ( من نظر إلى مصاب غيره هانت عليه مصيبته ) .
و من ثمرات إعمال هذه الحكمة الإقرار بأن مصيبة الدنيا أهون من مصيبة الدين ، وقد علمنا رسول الله أن نقول في دعائنا : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما  قال رسول الله (ﷺ) (اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا ،ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ) (رواه الترمذي في سننه و قال : ‏هذا ‏ ‏حديث حسن غريب  و الحاكم في مستدركه).
وتحمُّل البلاء العاجل خوفاً مما يترتب على فتنة الدين من العذاب في الآجل ؛ هو اختيار الأنبياء ، ومن اتبعهم بإحسان من الصالحين الأولياء ، فقد حكى الله تعالى عن نبيه يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة و السلام قوله تعالي{ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ (33)} [ يوسف] ،فقد آثر السجن على ما فيه من الكرب
والضيق واللأواء على ما كان ينتظره من نعيم الدنيا في كنف العزيز وفتنة
 النساء ، و لما كان عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، صار اختيارَ من يدرك العواقب ، بما أوتي من بصيرة و نظر ثاقب ، كما أنّ اختيار أهون الشرين ، وأخف الضررين في أمور الدنيا هو مقتضى العقل و التشريع معاً .ولقد وضع الله تعالي قانونا في القرآن الكريم علينا أن نضعه نصب أعيننا وهو متمثل في قول الله تعالي } وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216){ البقرة
رابعاً : احتساب الأجر عند الله تعالى :
أن ينظر المسلم إلى الجزاء والثواب والأجر الذي يناله من هذا الابتلاء جراء صبره وثقته بما عند الله، قال النبي عليه الصلاة والسلام:(مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا) (رواه مسلم)،
وعنه (ﷺ) قال: (إِنَّ اللَّهَ قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ» (رواه البخاري)؛ ويريد بحبيبتيه عينيه.
عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال: (إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟
 فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد) (صحيح الجامع).
 يا له من أجرٍ عظيم وثواب جزيل لا يناله إلا الصابرون!
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه ،عن النبي (ﷺ) أنه قال :( أن عِظَم الجزاء مع عظم البلاء ،وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط ).رواه ابن ماجة والحاكم و الترمذي.
فالمؤمن يوطن نفسه على مقابلة الابتلاء في كلتي الحالتين على مرضاة الله التي في تحصيل سعادة الدارين ،وبذلك يحوز خير الخيرَين ، وأفضل الأمرين،
روى مسلم ‏عن ‏ صهيب رضي الله عنه ،‏ ‏قال ‏:‏ قال رسول الله ‏: ( عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر ، فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ) .
فعلى المصاب ألا ينشغل بالجزع والشكوى عما يجب أن يلتفت إليه ، ويعلم أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها وهو في الحقيقة يزيد في مصيبته ويشمت عدوه ويسوء صديقه ويغضب ربه ويسر شيطانه ويحبط أجره
ويضعف نفسه، وإذا صبر واحتسب أخزى شيطانه وأرضى ربه وسر صديقه ، وساء عدوه وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه فهذا هو الثبات في الأمر الديني قال النبي (ﷺ) " اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر ". 
وكان السلف رحمهم الله تعالى يكرهون الشكوى إلى الخلق؛ لأنها وإن كان فيها راحة إلا أنها تدل على ضعف وخور والصبر عنها دليل قوة وعز، وهي إشاعة سر الله  تعالى عند العبد، وهي تأثر شماتة الأعداء ورحمة الأصدقاء.
وعلى المصاب أن يعلم، أن ما يعقبه الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما يحصل بدون ذلك، بل يكفيه من ذلك بيت الحمد الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه و استرجاعه على مصيبته فلينظر أي المصيبتين أعظم مصيبته العاجلة بفوات محبوبة أو مصيبته بفوات بيت الحمد في جنة الخلد؟.
خامسا:  التأسي بأهل البلاء :
أن يطفئ المصاب نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب:ـ 
على المصاب أن يعلم أنه في كل قرية وفي كل مدينة، بل وفي كل بيت من أصيب فمنهم من أصيب مرة ومنهم من أصيب مرارا ،وليس ذلك بمنقطع
 حتى يأتي على جميع أهل البيت حتى نفس المصاب فيصاب أسوة بأمثاله ممن تقدمه فإنه إن نظر يمنة فلا يرى إلا محنة وإن نظر يسرة فلا يرى إلا حسرة. 
ولو نظرنا إلي حياة السلف نجد فيها الدروس والعبر والعظات ،فقد جعل الله تعالي في سير السابقين ما يثبت به الفؤاد فقال تعالي } وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ (120){ هود .
سادسا : الاشتغال بالذكر والقرآن والدعاء والاستغفار :ـ
لقد جعل الله تعالي في القرآن ما يثبت به القلب أمام المحن والفتن فقال تعالي } وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32){ الفرقان .
وقال الله تعالى }قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (102){ النحل .
وأيضا علي المبتلى سواء في نفسه أو بولده أو بغيرهما أن يجعل مكان الأنين والتأوه ذكر الله تعالى  والاستغفار والتعبد خاصة في مصيبة مرض الموت.
وفي هذا روى أبو داود أن النبي  صلى الله عليه وسلم  كان يقول: " اللهم إني أعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت ".
وقد جعل الله في الدعاء سلوة للمصاب والمبتلى وقد عد ذلك من صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا (8)} [آل عمران]،
وقال تعالي {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا..(285)} [البقرة]،
ولما كانت «قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء» (رواه الإمام أحمد ومسلم عن ابن عمر مرفوعاً).
كان رسول الله (ﷺ) يكثر أن يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) (رواه الترمذي عن أنس مرفوعاً تحفة الأحوذي وهو في صحيح الجامع).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ):( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ ) [مسلم] 
وليس معني ذلك أن يتمني المسلم الابتلاء ،وقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : (لأن أُعافى فأشكر أحبّ إليّ من أن أبتلى فأصبر) .
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم اجعلنا من الذين يثبتون في السراء والضراء، اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، اللهم إنا نسألك الشوق إلى لقائك، والنظر إلى وجهك في غير ضراء مضرة، ولا
 فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، والحمد لله رب العالمين...
--------------------------------
 
 رابط pdf

ليست هناك تعليقات:

المشاركة المميزة

شؤم المعصية

الحمد لله رب العالمين ..أنار الطريق لعباده الصالحين فجعل العبيد ملوكا بطاعته، والملوك عبيدا بمعصيته ، فالعز كل العز في طاعته والذل كل الذل ف...