الخميس، 19 يناير 2023

ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً..!!

 



الحمد لله رب العالمين .. أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام ديناً فقال تعالى:} ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ (3){ ] المائدة[.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير.. خصنا بخير كتاب أنزل وأكرمنا بخير نبي أرسل وجعلنا بالإسلام خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله فقال تعالى :}كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ (110){ ] آل عمران[.
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين هو القائل (ﷺ): }إنَّ مَثَلي ومثلَ الأنبياء منْ قَبلي، كَمَثَلِ رجلٍ بنى بَيْتًا، فأحْسَنَهُ وأجْمَلَهُ، إلا مَوْضعَ لَبِنَةٍ من زاوية، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفونَ بِهِ، ويَعْجَبونَ له، ويقُولونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هذه اللَّبِنَة؟!، قال: فأنا اللَّبِنَة، وأنا خاتمُ النَّبيِّينَ{ [رواه الشيخان].
فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين .
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون
إن الله تعالى أكرمنا بهذا الدين العظيم دين الإسلام ، وميز الإسلام بخصائص لم تكن في أي نظام آخر وهذه الخصائص هي.. الربانية ، والإنسانية ، والشمول، والوسطية، أو التوازن، والواقعية ، والوضوح ، الجمع بين الثبات والمرونة.
فمن الخصائص التي نتكلم عنها خاصية الشمول وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ الإسلام رسالة الزمان كله .
2ـ الإسلام رسالة العالم كله.
3ـ الإسلام رسالة الإنسان كله.
4ـ الإسلام رسالة الإنسان في جميع مجالات الحياة.
5ـ واجبنا تجاه شمول الإسلام .
 العنصر الأول : الإسلام رسالة الزمان كله
الشمول من الخصائص التي تميز بها الإسلام عن كل ما عرفه الناس من الأديان والفلسفات والمذاهب، إنه شمول يستوعب الزمن كله، ويستوعب الحياة كلها، ويستوعب كيان الإنسان كله. ، ونعني به: شمول الزمان والمكان والإنسان، وهو في الواقع يضم خصائص ثلاثًا هي: الخلود، والعالمية، والاستيعاب.
وأرسل جميع الأنبياء من أجل هذا الدين، فنادوا بالتوحيد واجتناب الطاغوت فالأنبياء جميعاً جاءوا بالإسلام ونادوا بالتوحيد، واجتناب الطاغوت ، وهذا ما قرره القرآن في وضوح وتأكيد، فكل الأنبياء أعلنوا أنهم مسلمون ودعوا إلى الإسلام ، وأخبر عنه القرآن الكريم فقال تعالى: }وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ(25){ ]الأنبياء[ ،
وقال تعالى : }وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (36){ ]النحل[.
قال تعالى عن سيدنا نوح عليه السلام {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ(72)} ] يونس[،
وقال عن سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام: }رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ(128){ ]البقرة[
وقال عن سيدنا إبراهيم عليه السلام : } وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ(132){ [البقرة]
وقال عن سيدنا يعقوب عليه السلام وبنيه:} أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَآءَ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ ءَابَآئِكَ إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ (133){ ] البقرة[
وقال عن سيدنا يوسف عليه السلام: }تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101){ ]يوسف[
وقال عن سيدنا موسى عليه السلام قال تعالى{ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ (84)}]يونس[
وقال عن سحرة فرعون حين آمنوا بسيدنا موسى عليه السلام قالوا:} رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ(126){ ]الأعراف[
وقال عن سيدنا سليمان عليه السلام عندما بعث لبلقيس وقومها:}أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31){ ]النمل[
وقال عن بلقيس أنها قالت:} قَالَتۡ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَيۡمَٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (44){ ] النمل[.
وأخبر عن سيدنا عيسى عليه السلام }وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111){ ]المائدة[
وقال عن الحواريون {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)}]آل عمران[.
وقال فيمن تقدم من الأنبياء:}يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيۡهِ شُهَدَآءَۚ (44)] {المائدة[
إذن الإسلام رسالة كل نبي جاء من عند الله تعالى منذ عهد سيدنا آدم إلى سيدنا محمد عليهم الصلاة والسلام .
العنصر الثاني : الإسلام رسالة العالم كله
إنها الرسالة الشاملة التي تخاطب كل الأمم وكل الأجناس وكل الطبقات.
رسالة العالمين الإنس والجن ، وهذا ما وضحه القرآن منذ العهد ا لمكي حيث قال تعالى:{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)}]الأنبياء[
وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(158)}]الأعراف[.
وقال تعالى :} وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(28){ [سبأ].
وقال تعالى : }تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1){  ]الفرقان[.
وقال تعالى : }إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ (104)]{ يوسف[
كما أكد صلى الله عليه وسلم على أنه جاء بالرسالة الخاتمة الهادية لجميع الناس , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ } قِيلَ مَا هُنَّ أَىْ رَسُولَ اللهِ قَالَ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِىَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِىَ النَّبِيُّونَ مَثَلِى وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى قَصْرًا فَأَكْمَلَ بِنَاءَهُ وَأَحْسَنَ بُنْيَانَهُ إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ فَنَظَرَ النَّاسُ إِلَى الْقَصْرِ فَقَالُوا مَا أَحْسَنَ بُنْيَانَ هَذَا الْقَصْرِ لَوْ تَمَّتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ أَلاَ فَكُنْتُ أَنَا اللَّبِنَةَ أَلاَ فَكُنْتُ أَنَا اللَّبِنَةَ {.] أخرجه أحمد ومسلم[
وجعل الكعبة المشرفة هي قبلة لجميع الخلق ,وبركة وهداية لكل الناس , فقال تعالى :}إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96){ ]آل عمران[ .
وتبشير النبي صلى الله عليه وسلم بعالمية الإسلام : فعَنْ ثَوْبَانَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: }إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ ، فَرَأَيْت مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا ، فَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا , وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ : الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ{]أخرجه أحمد ومسلم[
العنصر الثالث : الإسلام رسالة الإنسان كله
وهي كذلك رسالة الإنسان من حيث هو إنسان متكامل, إنها رسالة الإنسان كله: روحه وعقله وجسمه وضميره وإرادته ووجدانه ، إن الإسلام تعامل مع الإنسان ككيان متكامل جسد وروح لم يفصل بين المادة(الجسد) والروح ،لأن هذا يتلائم مع فطرة الإنسان وطبيعته كما خلقه الله ؟
فالإنسان ليس مجزئا ولا مشطوراً إنه (كل) متكامل لا تنفصل فيه روح عن مادة ولا مادة عن روح، وأيضا الإسلام رسالة الإنسان في أطوار حياته كلها من لحظة ميلاده إلى أن يموت :
فرسالة الإسلام تصحبه طفلاً ويافعاً وشاباً وكهلاً وشيخاً وترسم له في كل هذا المراحل المتعاقبة المنهج الأمثل الذي يحبه الله ويرضاه.
فلا عجب أن تجد في الإسلام أحكاماً تتعلق بالمولود منذ ساعة ميلاده مثل التأذين في أذنه واختيار اسم حسن له وغير ذلك .
ونجد أحكاماً تتعلق بإرضاع الرضيع ومدته وفصاله وفطامه وبعد ذلك نجد أحكاماً تتعلق بالجنين من حيث حمايته واستمرار غذائه بمقدار كاف {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى(6)} ]الطلاق[.
كما نجد في الإسلام أحكاماً أخرى تتعلق بالإنسان بعد موته: من وجوب تغسيله وتكفينه والصلاة عليه وغير ذلك من الأحكام.
العنصر الرابع : الإسلام رسالة الإنسان في جميع مجالات الحياة
فلا يدع جانباً من جوانب الحياة الإنسانية إلا وقد وضع للإنسان فيه تشريع ،فلا يتركه وحده بدون هداية الله له في أي طريق يسلكه: مادياً كان أو روحياً, فردياً أو جماعياً, فكرياً أوعملياً، دينياً أو سياسياً, اقتصادياً أو أخلاقياً. :
وقد أكرمنا الله بالقرآن الكريم فكان منهج حياة متكامل صالح لكل زمان ومكان يتناول مظاهر الحياة جميعاً ، فقال تعالى :}مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ(38){ ]الأنعام[
وقال تعالى :}وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِينَ (89){ ] النحل[
حتى قال الخليفة الأول أبو بكر الصديق رضي الله عنه لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله عز وجل .
ويتضح هذا الأمر أيضا في آية واحدة من كتاب الله عز وجل : }لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ(177){ ]البقرة[
فهذه آية واحدة من آيات الله بيَّنت الشمول في الإسلام، فهي تتضمن: العقائد والأخلاق والعبادات والمعاملات، فنحن نقرأ في الصلاة آيات العقيدة والعبادة، والحكم والقضاء والسياسة، والتجارة والدَّيْن والجهاد والقتال.
فالعبادة في الإسلام تستوعب الكيان البشري كله, فالمسلم لا يعبد الله بلسانه فحسب أو ببدنه فقط أو بقلبه أو بعقله, بل يعبد الله بهذه كله: بلسانه ذاكراً داعياً تالياً, وببدنه مصلياً صائماً مجاهداً, وبقلبه خائفاً راجياً مجيباً متوكلاً, وبعقله متفكراً متأملاً.
ونجد أن القرآن استخدم صيغة واحدة في طلب الأمور التي يعتبرها الناس
 مختلفة باختلاف مجالاتها، مثل قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي
 الْقَتْلَى (178)}]البقرة[
وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ(180)}]البقرة[
وقال تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} ]البقرة[.
وقال تعالى :{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ (216)}]البقرة[.
فهذه صيغة واحدة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ} وهي تفيد تأكيد الوجوب والفرضية، استعملت في القِصاص وهو في القانون الجنائي، وفي الوصية وهي من الأحوال الشخصية وشئون الأسرة، وفي الصيام وهو من شعائر العبادات، وفي القتال وهو من شئون العلاقات الدولية، وكلها مما كتبه وفرضه على المؤمنين.
وكل عمل نافع يقوم به المسلم لخدمة المجتمع وخصوصاً الضعفاء وذوي العجز والفاقة منهم هو كذا عبادة أي عبادة, ويدخل في دائرة العبادة: سعي الإنسان على معاشه ومعاش أسرته ليغنيهم بالحلال ويعفهم عن السؤال، وأكثر من ذلك أنه جعل من وضع شهوته في حلال كان له بها أجر.
العنصر الخامس : واجبنا تجاه شمول الإسلام
يجب على المسلم أن يأخذ الإسلام بشموله  وعمومه  فقد أمرنا الله بذلك فقال تعالى : } يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ (208){ ] البقرة[." السلم" أي: الإسلام، على أرجح الأقوال.
"ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً " أي: ادخلوا في جميع شرائع الإسلام، عاملين بجميع أحكامه، من غير تذوق، ولا انتقاء، ولا تخير، فيكون الحال كأولئك الذين ذمهم الله تبارك وتعالى بقوله: }أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ(86)}]البقرة[{ [البقرة].
لذلك نجد هناك ممن يدَّعون الإسلام أناس يقولون: نحن نؤمن بالقرآن الكريم، ونخضع لأحكامه، ولكن في بعض المجالات دون بعض، فهم يقبلون أحكامه في مجال العقائد والعبادات والأخلاق، ولكن لا يقبلونها في شئون التشريع والاقتصاد والسياسة وغيرها.
وبعضهم يقبل الأخذ بها في التشريع، ولكن في محيط الأسرة والأحوال الشخصية لا في محيط المجتمع، وأمور الحكم والسياسة والاقتصاد، والعلاقات الدولية.
والعجيب أن يصدر هذا ممن يدَّعي الإسلام، ويزعم أنه رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً، وبالقرآن إمامًا!
كيف يصدر هذا ممن يعتقد أن القرآن كتاب الله، وأن كل ما بين دفتي المصحف كلام الله سبحانه؟
فالقرآن وحدة لا تتجزّأ، وتعاليمه وأحكامه مترابطة متكاملة، بين بعضها وبعض ما يشبه الوحدة العضوية بين أعضاء الجسم الواحد، فبعضها يُؤثِّر في بعض.
ولا يجوز أن يُفصل منها جزء أو أكثر عن سائر الأجزاء. فالعقيدة تغذي العبادة، والعبادة تغذي الأخلاق، وكلها تغذي الجانب العملي والتشريعي في الحياة.
فلا يجوز في نظر الإسلام العناية بالعبادات والشعائر وإهمال جانب الأخلاق والفضائل قال تعالى :{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ(45)}] العنكبوت[.
فيقوم المنهج الإسلامي على صحة الاعتقاد، وصدق الاتباع، ويمتاز بالشمول والعموم، والكمال والدوام، ولا يفرق بين العقيدة والشريعة، ولا الصلاة والجهاد..
حتى يجعل حياة المسلم كلها لله كما قال تعالى:}قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162){ ]الأنعام[
 
===================

 رابط doc

https://top4top.io/downloadf-2575wwzpj1-docx.html 

رابط pdf

 https://top4top.io/downloadf-2575l95472-pdf.html

ليست هناك تعليقات:

المشاركة المميزة

شؤم المعصية

الحمد لله رب العالمين ..أنار الطريق لعباده الصالحين فجعل العبيد ملوكا بطاعته، والملوك عبيدا بمعصيته ، فالعز كل العز في طاعته والذل كل الذل ف...