الخميس، 12 أكتوبر 2023

الوعي الرشيد وأثره في مواجهة التحديات

 


 



الحمد لله رب العالمين ... شرَّفنا بالإسلام وأكرمنا بالقرآن فهدانا ووعانا إلى السنن الربانية فقال تعالى {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(26)} [النساء].

وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير جعل السمع والبصر والفؤاد ليربي فينا الوعي بحقيقة الأشياء فقال تعالى } وَٱللَّهُ أَخۡرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ شَيۡـٔٗا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَٱلۡأَفۡـِٔدَةَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (78){ ] النحل[

وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) ربى الأمة على الوعي الرشيد ، وَعن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله (ﷺ) يقول:}نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا؛ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ{]قال الترمذي: حديث حسن[.
فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً..
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون
لا يوجد دين احتفى بالعقل وعمل على تقديره وإدراك مكانته كالإسلام ، لذلك نجد أن  الله تعالى، حث البشر، في القرآن الكريم، على الوعي والإِدراك، وأثنى على أهله.
فقال عز وجل: }إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ(12){ ]الحاقة [
وأضاف أن قوله تعالى: «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»؛ أي: يعقلها أولو الألباب، ويعرفون المقصود منها ووجه الآية بها.
فالوعي هو بداية النور الحقيقي للأُمّة، فلا بد من يقظة الوعي في ظل معركة الوعي المعاصرة؛ فأعداء الأمة يحاربون أبناءها في وعيهم؛ فقاموا يزيّفون وعيها ويسوّقون وعيًا جديدًا مهلكًا للغاية ومضيِّعًا للقيمة.
لذلك نحن في أمس الحاجة إلى وعي رشيد ندرك به حقيقة الأشياء من حولنا ، لذلك كان موضوعنا } الوعي الرشيد وأثره في مواجهة التحديات { وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ تعريف الوعي .
2 ـ حاجة الأمة إلي بناء الوعي.
3ـ الوعي بمهمة الإنسان ودوره في الحياة .
4ـ الوعي بطبيعة  وحجم التحديات.
 الوعي بأهداف ومخططات العدو.
6ـ الوعي بالسنن الربانية وكيفية التعامل معها .
7ـ أثر الوعي في حياة الفرد والمجتمع .
8ـ الخاتمة .
العنصر الأول : تعريف الوعي :
جاء في لسان العرب أن الْوَعْيُ: هو حِفْظُ الْقَلْبِ الشَّيْءَ.
وَعَى الشَّيْءَ وَالْحَدِيثَ يَعِيهِ وَعْيًا وَأَوْعَاهُ: حَفِظَهُ وَفَهِمَهُ وَقَبِلَهُ، فَهُوَ وَاعٍ، وَفُلَانٌ
 أَوْعَى مِنْ فُلَانٍ أَيْ أَحْفَظُ وَأَفْهَمُ. قال تعالي { لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)}الحاقة.
قال قتادة: "أُذُنٌ وَاعِيَةٌ" عقلت عن الله فانتفعت بما سمعت من كتاب الله،
وقال الضحاك: "وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ" سمعتها أذن ووعت. أي: من له سمع صحيح وعقل رجيح، وهذا عامٌّ فيمن فهم، ووعى.
وقال تعالي {وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ (18)}المعارج.
وَعن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله (ﷺ) يقول:}نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا؛ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ{ ]قال الترمذي: حديث حسن[.
نضر: معناه الدعاء له بالنضارة وهي النعمة والبهجة، وعى: حفظ وفهم وأدرك وحوى.
إذن الوعي في اللغة يدل على فهم الشيء وحفظه وفقهه والإحاطة به.
إذن الوعي من ناحية عامة معرفة يكتسبها الفرد من مجتمعه، ومن تفاعله معه؛ وتترسخ هذه المعرفة بحيث تصبح مركوزة في العقل والشعور الباطن لدى الإنسان؛ ثم هي معرفة قابلة للنمو والتطور.
وإذا أضاف المسلم لهذه المعرفة من المجتمع والحياة، معرفته الأساسية التي يستمدها من القرآنً والسنة فإنه يتكوّن لديه وعي متميز ومتمايز؛ إذ عنده ما يفتقده الآخرون الذين يقصرون وعيهم على الماديات وما تدركه الحواس.
العنصر الثاني : حاجة الأمة إلي بناء الوعي :
لا يشك عاقل في أن التحلي بالوعي بات ضرورة ملحّة؛ فالكوارث التي نحياها، والهزائم التي نكتوي بنارها سواء على مستوى الداخل ، أو الخارج إنما هي بسبب غياب الوعي المناسب للتحديات المفروضة، وللآمال المعلقة.
إن قضية الوعي ينبغي أن نوليها أهمية تتناسب مع قدرها؛ إذ هي قضيةُ حياةٍ أو موت، وجودٍ أو فناء، فاعليةٍ أو خمول!
وخاصة في زمنٍ كثُرت فيه الفِتن وانقلبتْ المفاهيم والقيم، وأضْحى الحقّ باطلاً والباطل حقاً، كان فرْضاً على كلِّ ذي عقيدةٍ راسخةٍ ورأيٍ سديدٍ وهِمّةٍ شامخة، أن يسهم في صِناعة وعيٍ إسلاميّ مُضادّ، يصُون الثّوابث ويرُدّ الشّبُهات ويُصوِّب المفاهيم ويُقوِّم الأفكار، دون حزبية ، ولا تخْدِيرٍ للعَوامّ ولا بيْعٍ للأوهام!
مع تِبيان آليات وسُبُل تحقيقِ نَهضةِ الأمّة، كلٌّ مِن موقعِه ، لأنّ شُبُهات المُغرِضين وأباطِيل المُدلِّسين أَضعَفَت الأمّةَ وزَرَعَت في جَسدِها الوَهَن والعَجز، وزَيَّنت لها
 الإذْعان لِلأمرِ الواقع والإِخْلادَ إلى الأرضِ!
وأيضا وجب علينا أن نغرس الوَعي الرشيد ونربطه بالوحي الإلهي(الكتاب وسنة النبي (ﷺ) فهُما المِعيار والمِيزان. يقول الله تعالى: }حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ(53)
 ]فصلت[
العنصر الثالث : الوعي بمهمة الإنسان ودوره في الحياة :
لا بد للإنسان أن يكون على وعي كبير بمهمته في الحياة ولماذا أوجده الله تعالى ! هل خلقه  الله تعالى سدى أو عبثا ؟ حاشا لله تعالى أن يكون كذلك ، وإنما خلقة لثلاث مهام وهي :
 1ـ معرفة الله وعبادته:
لأن الإنسان بلا إيمان ضائع في الحياة، و بلا رسالة متحير ، وبلا مبادئ هائم نكد تعس شقي يكون حاله كما أخبر الله عز وجل في كتابه العزيز {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124) }[طه].
إذا الإيمـان ضــاع فلا أمـان .. .. ولا دنيا لمن لم يحيي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين .. .. فقــد جعـل الفناء لها قرينا
فمن أراد السعادة الأبدية، فليلزم عتبة العبودية لله تعالى قال تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(97)}[النحل].
وحتى لا يضطرب الإنسان في حياته، ويقع في الحيرة والشك والغفلة، ويغرق في الشهوات والملذَّات الفانية، قال سبحانه وتعالى: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56){ [الذاريات]
وقال سبحانه: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21){ [البقرة].
وقال تعالى}إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(72){[الأحزاب]
 فبيَّن سبحانه أن الغاية الكبرى من خلق الجن والإنس في هذه الحياة هي عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وأن الواجب على الإنسان إقامة العبادة لله تعالى على الوجه الذي طلبه، وأراده منه؛ لأن العبادة هي حقُّ الله على عباده المكلفين من الجن والإنس، وهي الأمانة الكبرى التي تحمَّلَها الإنسان.
وهذا ما أكده الله تعالى في رسالة جميع الأنبياء والرسل  كما قال تعالى: }وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ(25){[الأنبياء]،
وقال تعالى: }وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ(36){ [النحل]،
وقال أيضًا لنبيه ورسوله محمدٍ (ﷺ):}وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ(99){[الحجر]، واليقين هنا هو: الموت؛ والمعنى: الزم عبادة ربك حتى يأتيك الأجَلُ، كما قال سبحانه: }قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(163){ [الأنعام].
وجاء في الصحيحين من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنتُ رِدْفَ النبي (ﷺ)على حمار فقال:}يا معاذُ، هل تدري ما حَقُّ الله على عبادِهِ، وما حَقُّ العبادِ على اللهِ؟)، قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلمُ، قال: فإنَّ حَقَّ اللهِ على العبادِ أنْ يعبُدُوه، ولا يُشرِكُوا به شيئًا، وحق العبادِ على اللهِ ألَّا يُعَذِّب مَن لا يُشرِك به شيئًا))، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أفلا أُبشِّر الناسَ؟ قال: لا تُبشِّرْهُمْ فيتَّكِلُوا{.
والوعي بحقيقة العبادة بدون غلو ولا تقصير، ففي الحديث كما عند البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه يَقُولُ: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ (ﷺ)، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ (ﷺ)، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ (ﷺ)؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ)إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» بل وتوعّد المتنطعين المتشددين بالهلاك والخسارة؛ فقال: (هلك المتنطّعون) .
2ـ عمارة الأرض :
لقد كرم الله تعالى الإنسان وشرفه وميزه على سائر المخلوقين ، قال تعالى }وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا(70){ ]الإسراء[ .
حتى يقوم بمهمة السعي لتعمير الأرض ولتلبية حاجاته الروحية والبدنية، كما قال جلّ شأنه: }هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا(61){ ]هود[،
ووجّه إلى إصلاحها والعمل على بنائها بالصلاح لا بالفساد؛ فقال سبحانه: }وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا (56){ [الأعراف].
وقال سبحانه وتعالى:}هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ(15){  ]الملك [.
فالوعي بهذه المهمة وهي عمارة الأرض في عمارة الأوطان وبنائها وإصلاحها ومواجهة أي دعوات هدامة ، هدفها التخريب والإفساد ، وأن يكون حاله دائما إيجابياً كما علمنا رسول الله (ﷺ) في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): }إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل{.
الوعي بهذه القيمة وهي عمارة الأرض تقتضي السعي إلى قضاء مصالح العباد فيه وتخفيف العبء عنهم، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ (ﷺ) إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْـرِفُ بَصَـرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رَسُولُ (ﷺ): }مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ{ ] رواه مسلم[
3ـ إقامة مجتمع إنساني :
قال الله تعالى }وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ (30){ ] البقرة[
من مهام هذا الخليفة إقامة مجتمع إنساني يسوده القيم المُثلى من الحقّ والخير والعدل ، قال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13){ ]الحجرات[
قال تعالى: }يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ(26){ ]ص[.
وقال تعالى }يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَيۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ۩ (77){ ] الحج[
إذاً لا بد أن يدرك الإنسان مهمته ودوره في هذا الوجود حتى لا ينحرف عن طريقه فتتقرف به السبل فيضل في الأرض ويسلك سبيل الضالين المنحرفين ويكون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً كما قال الله تعالى } قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا (103) ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا (104){ ] الكهف[
العنصر الرابع : الوعي بطبيعة وحجم التحديات:
الوعي بطبيعة وحجم التحديات من أهم وأخطر القضايا في حياة الإنسان ، فالتحديات ليست وليدة الساعة ولكن منذ أول يوم وُجد الإنسان على هذه الأرض، فيوم أن كان آدم وحواء في الجنة كان الله عز وجل قد خلقهما للابتلاء والاختبار، ولذلك قال الله عز وجل: }فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117){ [طه]
ومنذ تلك اللحظة ابتلي الإنسان بكيد الشيطان وخصومته وصراعه معه، وما زال الشيطان يكيد لآدم وحواء حتى أُهبِطا إلى هذه الدنيا، وبعد إهباطهما وإهباط الشيطان يقول الله جل وعلا: }بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُو(36){ [البقرة] وهنا انتقل ميدان  الصراع إلى هذه الأرض، وبدأت الخصومة.
ولذلك بعد هبوط آدم وحواء إلى الأرض ظلت أجيال من الناس على الهدى قروناً طويلة يتوارثون الهدى والخير والإيمان عن أبيهم آدم عليه الصلاة والسلام كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه عند الحاكم والطبري وغيرهما في تفسير قول الله جل وعلا في سورة البقرة: }كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِين (213){ [البقرة] .
قال ابن عباس: كان بعد آدم عشرة قرون كلهم على الهدى فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين.
وبعد بعثة هؤلاء الرسل عليهم الصلاة والسلام صارت الخصومة بين الرسل وأتباعهم وبين أعداء الرسل من أتباع الشيطان، ولذلك يقول جلا وعلا: }وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِين(31){ [الفرقان] .
فما من نبي بعث إلا ويتصدى له أعداء من المجرمين يضعون العراقيل في طريقه، ويعترضون عليه بمختلف الوسائل، قال الله تعالى: }وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ(113){ [الأنعام].
وبعد بعثة النبي الخاتم (ﷺ)انحصرت الخصومة بين أتباع النبي (ﷺ)وبين أعدائه , فالنبي صلى الله عليه وسلم كان له أعداء كثيرون من المجرمين, ومن الأكابر، قال تعالي}وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ( 123 ){ ]الأنعام[
وقال تعالي{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا(56)} ]الكهف[
ولوتتبعنا سير الأنبياء عليهم السلام لوجدنا سبب الصدود والاضطهاد من أقوامهم كان سببه العقيدة الإسلامية وليس المنصب والجاه.
كما قال الله تعالي عن العداء من قوم لوط عليه السلام} وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ(82){[الأعراف]
وقالوا لشعيب عليه السلام} قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَاشُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88)]الأعراف[
و قول ائمة الكفر لأئمة الحق}وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَولَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13){[ ابراهيم]
وقال تعالي عن أصحاب الأخدود }قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ(6) وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9){ ]البروج[.
وقال تعالى}وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120){ [البقرة]
والسبب في ذلك ما بينه ربنا بقوله تعالى}لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا(82){ [المائدة]
وقال تعالى}وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ. (109){ ]البقرة].
فالتحدي مستمر إلى قيام الساعة، وفي كل شتى ميادين الحياة ، وبوسائل متنوعة ، وحامل لواء التحدي إبليس وخلفه جنوده وأعوانه من الجن والإنس قال تعالى}إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ(6){ [فاطر].
وقد أخبرنا الله في القرآن أن إبليس قال بخصوص المؤمنين: }قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17){ [الأعراف].
فإبليس هو حامل لواء الباطل ينبغي أن نعي أن الله تعالى قد بيّن لنا عداوته، عداوة الشيطان وأعوانه، بين أن عداوتهم له هو بالأصل جل وعلا  قبل أن تكون لأوليائه المؤمنين فقال سبحانه: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ(1){ [الممتحنة] أي: لا تلقوا إليهم بالمودة وهم أعدائي.
وإبليس يورث جنوده في كل زمان عداوة الإسلام، يُحكى أنه  لما مرض أبو أحيحة وهو سعيد بن العاص بن أمية مرضه الذي مات فيه ، دخل عليه أبو لهب يعوده ، فوجده يبكي ، فقال :ما يبكيك يا أبا أحيحة ؟ أمن الموت تبكي ولا بد منه ؟
قال : لا ، ولكني أخاف أن لا تعبد اللات والعزى بعدي !
فقال أبو لهب : والله ما عبدت في حياتك لأجلك ، ولا تترك عبادتها بعدك لموتك ،
فقال أبو أحيحة : الآن علمت أن لي خليفة !
العنصر الخامس : الوعي بأهداف ومخططات العدو، وسبل المواجهة:
لقد عني القرآن الكريم بكشف أهداف أعداء الإسلام والمسلمين من الكفار والمنافقين، وفضْح أساليبهم ومحاولاتهم للتفريق بين المسلمين، والقضاء على وَحدتهم وأمنهم، ودورهم في التخذيل والتوهين وتثبيط العزائم، ومحاولتهم للتشكيك وزعزعة الثقة في النصر على الأعداء، وأرشد القرآن المسلمين إلى طريق مواجَهة هذه المحاولات ومقاومتها والقضاء عليها، وهذا كما ذكره القرآن الكريم فيما يلي:
أ- فضْح محاولات التفرقة ومقاومتها: قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ(100){[آل عمران]،
ثم قال تعالى: }وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(101){[آل عمران].
بين الله تعالى كيف نواجه هذا التحدي فقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103){ [آل عمران].
والقرآن يدعو المسلم إلى الحذر من الأعداء مع تِبيان هؤلاء الأعداء: فقال تعالى }هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ(4){ [المنافقون]. ويُقصَد بهم المنافقون في هذه الآية.
ب- كشْف محاولات التخذيل وتثبيط العزائم: يُقرِّر القرآن الكريم أن الدور الذي يؤدِّيه أعداء الإسلام في التخذيل وتثبيط العزائم وإضعاف الهمم له خطورتُه، إذا انساق في تياره أبناء الأمة، ويوضِّح أنه كلما لقيت دعواتهم آذانًا مصغية، فإنهم يفرحون بذلك ويستبشِرون، وهذا شأنهم في كل عصر.
ومن الأمثلة التي أوردها القرآن في هذا المجال أولئك المنافقون الذين دعوا المسلمين - عندما أمر الرسول (ﷺ) بالإعداد لغزوة تبوك  إلى أن يتخلَّوا عن الرسول،(ﷺ) ولا ينفِروا في لظى الشمس ووهجِ الحرِّ، فجاءت الآية الكريمة تُحذِّر من اتِّباعهم، وتُنبئهم بأن جهنم أشد حرًّا، وتطلب من الرسول (ﷺ)ألا يستعين بهم في غزوة أخرى؛ قال تعالى: }فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ(83){  [التوبة: 81 - 83]، فالقرآن هنا لا يَكشِف محاولات تثبيط العزائم، ويُحذِّر المسلمين من الاستجابة لها فحسب، بل يُقرِّر أيضًا ضرورة تطهير الجيش من أمثال هؤلاء المنافقين؛ لشدة خطرهم عليه.
ج- كشْف محاولات زعزعة الثقة في النصر: ويَكشِف القرآن أيضًا محاولات أعداء الإسلام لزعزعة المسلمين؛ فأورد مثالاً على ذلك أولئك المنافقين الذين أرادوا أن يَنفُثوا سمومهم في أهل المدينة يُشكِّكونهم في وعْد الله ورسوله بالنصر والفتح المبين، فركَّزوا على جانب التوهين والتخذيل والتخويف وإضعاف العزائم؛ ليتركوا الرسول في غزوة الخندق وحده مع نفرٍ قليل، وليَرجِعوا إلى بيوتهم متعلِّلين بأنها غير محصَّنة  وكان الخندق خارج المدينة قال تعالى:}وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا(13){ [الأحزاب].
العنصر السادس :الوعي بالسنن الربانية وكيفية التعامل معها :
السنن الربانية هي عبارة عن قوانين وقواعد أشبه ما تكون بالمعادلات الرياضية، قد خلقها الحق سبحانه لتنظم وتحكم حركة الكون والحياة والأحياء، وتحكم حركة التاريخ، وتنظم ناموسية التغيير، وتتحكم بالدورات الحضارية، موضحة عوامل السقوط وعوامل النهوض الحضاري. فلله في الأفراد سنن، وفي الأمم سنن، وفي المسلمين سنن، وفي الكافرين سنن.
فينبغي إذنْ معرفتها وتدبرها واستيعابها والاستفادة منها، لقوله تعالى:{ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26)}[النساء[
وقال تعالي }سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (53){]فصلت[ وهذه السنن من طبيعتها :
أ ـ الثبات: السنن الإلهية  تعمل مجتمعه ولا تتخلف أو تتبدل، يخضع لها البشر في تصرفاتهم وأفعالهم وسلوكهم في الحياة، ويترتب على ذلك من نتائج كالنصر أو الهزيمة، والسعادة أو الشقاوة، والعز أو الذل، والرقي أو التخلف، والقوة أو الضعف، وفق مقادير ثابتة لا تقبل التخلف ولا تتعرض للتبديل:}فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43){ ]فاطر[.
ب ـ العموم: أي أنها تشمل كل البشر والخلائق دون استثناء وبلا محاباة}لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا(124){ ]النساء[.
فالسنن الإلهية في الحياة البشرية دقيقة كل الدقة، صارمة منتظمة أشد الانتظام، لا تحيد ولا تميل، ولا تحابي ولا تجامل، ولا تتأثر بالأماني وإنما بالأعمال، وهي في دقتها وانتظامها وجديتها كالسنن الكونية سواء بسواء.
فهي حاكمة على جميع الأفراد، والأمم والمجتمعات، فإذا وقفنا عند قانون من قوانين الله تعالى كقانون النصر نعلم أن له ضوابط ومعالم تنسحب على الجميع دون مجاملة ولا محاباة.
والناظر في حياة الرسول (ﷺ)وسيرته يجد هذا المعنى واضحًا، فعندما أخذ الصحابة سنة الله في النصر مثلا آتى النصر لهم أُكُله وأعطى ثمره، وعندما خالفوا أمر الرسول (ﷺ) في غزوة أحد ، لم تنخرم لهم السنة ولم تتبدل ؛ بل حكمت عليهم وفيهم أعظم خَلْق الله (ﷺ) . قال تعالي }أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165){ ]آل عمران[
فإن السنن لا تحيد ولا تميل مع الأماني، وإنما تتأثر بالأعمال الجيدة والجهود المنظمة والمخططات المحكمة؛ للوصول إلى النتائج المحددة المطلوبة. 
ج ـ التكرار: تتكرر السنن الإلهية أينما وجدت الظروف المناسبة مكانا وزمانا وأشخاصا وأفكاراَ قال تعالي } قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)هَٰذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)}آل عمران.
"جاء القرآن يبين للناس أن مشيئة الله تعالى في خلقه إنما تنفذ على سنن حكيمة وطرائق قويمة، فمن سار على سنته في الحرب مثلا ظفر بمشيئة الله وإن كان ملحدا، ومن تنكبها خسر وإن كان مسلما.
إن سنن الله  تعالى  أو القوانين التي يخضع لها الكون ثابتة وشاملة لا تتغير مهما تغيّر الزمان والمكان:} فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) 43){[فاطر].
ومن السنن الربانية سنة التدافع بين الحق والباطل والتدافع بين الخير والشر ، بين الطاعة والمعصية فإذا لم نحقق هذه السنة في حياتنا خسرنا الدنيا والأخرة واستحوذ علينا عدونا لذلك قال تعالى }وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40){  ]الحج[
وقال تعالى بعد الحديث المعركة الفاصلة التي كانت بين طالوت وجالوت }وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ (251){ ] البقرة[
ومن السنن الربانية أن النصر لا يأتي بالمعجزة السحرية ، ولا بد له من أسباب وشروط فمن أهما الاستقامة على منهج الله بطاعة أمره واتباع رسوله: قال تعالى:{ إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ(7)}[ محمد] .
وقال تعالى:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ (171) إنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ(172) وَإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ (173)}]الصافات [.
وجاءت عوامل النصر جلية واضحة في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(46)}[ الأنفال] .
وأخبر النبي (ﷺ) عن الطائفة المستقيمة على أمر الله تعالى باتباع أمره واجتناب نهيه بأنها المنصورة دائماً فقال رسول الله (ﷺ) }لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين منصورين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس}
فلا بد من حسن التعامل مع السنن الربانية بالأخذ بجميع الأسباب متوكلين على رب الأسباب سبحانه وتعالى.
العنصر السابع : أثر الوعي في حياة الفرد والمجتمع:
ـ بالتأكيد للوعي أثر عظيم في حياة الفرد والمجتمع ، فيجعل الإنسان لا يسلم عقله لأحد يضع فيه أي أفكار ، وذلك ما حدث في عهد النبي (ﷺ) كان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول الله (ﷺ) بها، فمشى إليه رجال قريش، وكان الطفيل رجلا شريفاً شاعراً لبيبا، فقالوا له: إنك قدمتَ بلادنا وهذا الرجل الذي بين أظهرنا فرَّق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين المرء وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا فلا تَكْلِمَنَّهُ وَلَا تَسْمَعَنَّ مِنْه، قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئاً ولا أكلمه، حتى حشوْت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا (قطنا) فرَقَاً (خوفا) من أن يبلغني شيء من قوله .
قال: فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله (ﷺ) قائم يصلي عند الكعبة، فقمت قريبا منه فأبَىَ الله إلا أن يُسمعني بعض قوله، فسمعت كلاماً حسناً، فقلتُ في نفسي: وَاثُكْلَ أُمَّاه، والله إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فما يمنعني مِنْ أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان الذي يأتي به حسناً قبِلْتُ، وإن كان قبيحا تركت، قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله (ﷺ) إلى بيته، فتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك، ثم أبَى الله عز وجل إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولاً حسناً، فاعرض عليَّ أمرك، قال: فعرض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليَّ الإسلام، وتلا عليَّ القرآن، فلا والله ما سمعت قولاً قط أحسن منه، ولا أمراً أعدل منه، فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي وإني راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال: اللهم اجعل له آية .
ـ وأيضا الوعي الرشيد يجعل الأمة تعيش في أمن وأمان بعيداً عن التفرق والتشرذم يعرف كل فرد ماله وما عليه ، قلا يطلب أكثر مما له ، ويتفانى في أداء ما عليه ويكون المجتمع كالجسد الواحد كما أخبر عنه النبي (ﷺ) فعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ﷺ): }مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى{ ]متفق عليه[
ـ تعليم الأمة فقه الاختلاف وأدب الحوار ، مما يساعد على تطوير علاقات أقوى وأفضل مع الأشخاص المنتمين إلى المجتمع، وأيضاً يقلل من التمييز ضد الآخرين، من خلال فهم أفكار ووجهات نظر الآخرين، وبالتالي استيعاب وجهات نظر متعددة فتقل حالات التمييز والعنصرية ، سواء أكانت هذه العنصرية قائمة على عرق، أو دين، أو طبقة.
ـ تزداد مشاعر التعاطف والاحترام والإيجابية وتجعل الحياة أكثر سعادة وأفضل ،
ـ نتعلم احترام المجتمع الذي ننتمي إليه ونحاول تحسين سلوكنا تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين..
الخاتمة ...
أيها المؤمنون ....إن ديننا الحنيف دين الوعي وأول ما نزل من الوحي الإلهي يحث على الوعي وإعمال العقل فقال تعالى } ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ (2) ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ (3) ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ (4) عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ (5){ ] العلق[
وغياب الوعي سبب في خسارة الدنيا والآخرة فأخبر الله عن أهل النار فقال تعالى } وَقَالُواْ لَوۡ كُنَّا نَسۡمَعُ أَوۡ نَعۡقِلُ مَا كُنَّا فِيٓ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ (10){ ] الملك[
فلا بد أن نعطي لهذه القضية أولوية في حياتنا فنرفع من وعي أنفسنا ووعي أولادنا ووعي مجتمعاتنا حتى ننعم في أوطاننا وننهض بها ، ونسعد في آخرتنا ويرضى عنا ربنا سبحانه وتعالى.
نسأل الله العظيم أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا ويزيدنا علما إنه ولي ذلك والقادر عليه .
اللهم آمين
 رابط pdf
https://www.raed.net/file?id=407280


رابط doc

https://www.raed.net/file?id=407288

ليست هناك تعليقات:

المشاركة المميزة

شؤم المعصية

الحمد لله رب العالمين ..أنار الطريق لعباده الصالحين فجعل العبيد ملوكا بطاعته، والملوك عبيدا بمعصيته ، فالعز كل العز في طاعته والذل كل الذل ف...