الثلاثاء، 24 أكتوبر 2023

مكانة سيناء في الإسلام





الحمد رب العالمين .. كرم أرض مصر وجعل أهلها في أمانٍ فقال تعالى: {وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ (99)}] يوسف[ .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير .. أقسم بأرض سيناء في القرآن الكريم فقال تعالى:}وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ (3){ ] التين[ .
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) أمر بالدفاع عن الدين والأرض والعرض. فعنْ أَبي الأعْوَر سعيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرو بنِ نُفَيْلٍ، أَحدِ العشَرةِ المشْهُودِ لَهمْ بالجنَّةِ، رضي الله عنه، قَالَ: سمِعت رسُول اللَّهِ (ﷺ) يقولُ: }منْ قُتِل دُونَ مالِهِ فهُو شَهيدٌ، ومنْ قُتلَ دُونَ دمِهِ فهُو شهيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهو شهيدٌ، ومنْ قُتِل دُونَ أهْلِهِ فهُو شهيدٌ{ ] رواه أَبو داود، والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ[.
فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً .
أما بعد : فيا أيها المؤمنون
إن الله تعالى جعل حب الأوطان والغيرة عليها أمر فطري وغريزة بشرية فحب الأوطان من الإيمان بالله عز وجل ، وخاصة لما يكون مكان له قدسية ومكانة عند الله عز وجل فمن الأوطان العزيزة في قلب كل مسلم أرض سيناء حيث ذكرها الله عز وجل في كتابة الكريم وعاش فيها كثير من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، لذك كان حديثنا عن }مكانة سيناء في الإسلام{ ، وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية..
1ـ سيناء في القرآن الكريم .
2ـ مكانة سيناء في الإسلام.
3ـ أنبياء الله على أرض سيناء.
4ـ سيناء عبر التاريخ الإسلامي والحديث .
5ـ الأطماع اليهودية في سيناء
6ـ طباع اليهود.
7ـ واجب الأمة تجاه الأوطان.
8ـ الخاتمة .
العنصر الأول : سيناء في القرآن الكريم :

لقد ذكرها الله عز وجل صريحة في بعض الآيات القرآنية منها ...

1ـ قال تعالى : }وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ (3){ ] التين[ .
2ـ وقد ذكر الله سيناء وشجر الزيتون بها فقال تعالى: {وَشَجَرَةٗ تَخۡرُجُ مِن طُورِسَيۡنَآءَ تَنۢبُتُ بِٱلدُّهۡنِ وَصِبۡغٖ لِّلۡأٓكِلِينَ (20)}]المؤمنون[ .
معنى الآية: ( وشجرة ) أي : وأنشأنا لكم شجرة ( تخرج من طور سيناء) وهي الزيتون ، قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو " سيناء " بكسر السين .
وقرأ الآخرون بفتحها واختلفوا في معناه وفي " سينين " في قوله تعالى :" وطور سينين "
 قال مجاهد : معناه البركة ، أي : من جبل مبارك .
وقال قتادة : معناه الحسن ، أي : من الجبل الحسن .
وقال الضحاك : هو بالنبطية ، ومعناه الحسن .
وقال عكرمة : هو بالحبشية .
وقال الكلبي : معناه الشجر ، أي : جبل ذو شجر .
وقيل: هو بالسريانية الملتفة بالأشجار .
وقال مقاتل : كل جبل فيه أشجار مثمرة فهو سينا ، وسينين بلغة النبط .
وقيل: هو فيعال من السناء وهو الارتفاع .
قال ابن زيد : هو الجبل الذي نودي منه موسى بين مصر وأيلة .
وقال مجاهد : سينا اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها لوجودها عنده .
وقال عكرمة : هو اسم المكان الذي فيه هذا الجبل .
 وذكرت ضمناً في أكثر من آية منها ...
1ـ قال تعالى: }وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) { ]البقرة[.
2ـ وقال تعالى :}وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ (93){ ] البقرة[
2ـ قال تعالى: }وَرَفَعۡنَا فَوۡقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَٰقِهِمۡ (154) { ]النساء[.
3ـ قال تعالى: }وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا(52){  ]مريم[.
4ـ قال تعالى: }وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ (80){  ]طه[.
5ـ قال تعالى: }فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا (29){ ]القصص[.
6ـ قال تعالى: }وَٱلطُّورِ (1) وَكِتَٰبٖ مَّسۡطُورٖ (2){ ]الطور[.
العنصر الثاني : مكانة سيناء في الإسلام:
لأهميتها عند المسلمين وغير المسلمين، وكبر حجمها وتاريخها ، تكثر حولها المؤامرات والمواجهات ،فسيناء سد وحد، وفاصل ومانع وعقبة في وجوه الأعداء قديمًا وحديثًا، سيناء تاريخ وحضارة ، وجمال ، وجلال، ومقدسات. سيناء ليست مجرد اسم جغرافي لمساحة من الأرض نعرفها بحدودها ومساحتها وتضاريسها ومناخها ومواردها الطبيعية وسكانها، مثل مناطق كثيرة هنا وهناك على اتساع الدنيا وإنما هي قطعة حية من التاريخ والأسطورة وقصص الأديان السماوية. فهذه الأرض الساحرة الباهرة التي تشكل ما يقرب من ستة بالمائة من إجمالي مساحة مصر، ترتبط بالتاريخ أكثر مما تنتمي إلى الجغرافيا؛ تحكى كل قطعة فيها قصصًا وسرديات تتعلق بمصائر البشر أكثر من عدد آنات الزمن الذي يمضي لتدوس عجلته فوق السنين والقرون؛ تحكى عن الأسطورة والتاريخ، والدين والحرب والبطولة، والعادات والتقاليد، وحياة الناس ومشاعرهم ومتاعبهم؛ أكثر مما تهتم بما يخرج من أحشائها من معادن، وأحجار كريمة، بترول وغاز وفحم …. سيناء كل هذا وأكثر, ونذكر بعض أهميتها ومكانتها في النقاط التالية ..
 1ـ أرض شهود الوحي الإلهي وحوار الله مع نبيه موسى عليه السلام:
إن ذكر الله لسيناء في القرآن الكريم فيه تعظيم وتشريف لها وما يزيدها تشريفاً أكثر أن الله كلم سيدنا موسى عليه السلام على هذه الأرض ففيها "جبل الطور" فمن بين جبال الكرة الأرضية ينفرد من بينها جبل الطور ليشهد الوحي الإلهي وأول حوار دار بين الله تعالى ونبيه موسى عليه السلام قال تعالى: {وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِيمٗا (164) } ]النساء[.
فمنطقة الوحي المبارك في جبل الطور هي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ  قال تعالى:{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(30){ ]القصص[.
وهناك قَرَّب الله تعالى نبيه موسى عليه السلام ،فكان بالجانب الأيمن فقال تعالى : {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)] مريم[.
والمشهور عند أكثر العلماء أن الله سبحانه وتعالى ناجى موسى عليه السلام عند جبل الطور المعروف بسيناء.
2ـ أرض مقدسة مباركة :
وصفها الله بالبقعة المباركة فقال تعالى :} فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ {.
وفى موضع آخر يصفها رب العزة جل وعلا بالوادي المقدس أي الذى تقدس .
قال تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى(12)}]طه[ .
3ـ شهدت نزول الألواح على سيدنا موسى عليه السلام :
قال تعالى:{ وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ فَتَمَّ مِيقَٰتُ رَبِّهِۦٓ أَرۡبَعِينَ لَيۡلَةٗۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَٰرُونَ ٱخۡلُفۡنِي فِي قَوۡمِي وَأَصۡلِحۡ وَلَا تَتَّبِعۡ سَبِيلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِي وَلَٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِيۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (143) قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّي ٱصۡطَفَيۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَٰلَٰتِي وَبِكَلَٰمِي فَخُذۡ مَآ ءَاتَيۡتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ (144) وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِي ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَيۡءٖ مَّوۡعِظَةٗ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ فَخُذۡهَا بِقُوَّةٖ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ يَأۡخُذُواْ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُوْرِيكُمۡ دَارَ ٱلۡفَٰسِقِينَ (145)}]الأعراف[ 
أقام سيدنا موسى عليه السلام في طور سيناء أربعين يوماً صائماً، قائماً، مناجياً ربه، وبعد تمام الأربعين، أنزل الله عليه الكتاب المقدس التوراة وقد قال سبحانه: }(إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ (44){ ] المائدة[ .
وكان هذا الكتاب على ألواحٍ من زبرجد أخضر من ألواح الجنة، وفيها أحكام الله سبحانه، التي تنظمّ أمور البشر دينهم، ودنياهم.
4ـ شهدت العهود والمواثيق التي أخذها الله على بني إسرائيل:
شهد جبل الطور إعطاء العهد والميثاق على بني إسرائيل ، وفيه رفع الله جبل الطور فوق رؤوسهم فسجدوا لله تعالى رعبا وهم ينظرون إلى الجبل المرفوع فوقهم كأنه ظلة ، وفى ذلك الموقف الرهيب أخذ الله عليهم العهد والميثاق ، ويقول الله تعالى يصف ذلك الحدث قال تعالى: }وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171){ ]الأعراف[
5ـ نزول الوصايا العشر على موسى عليه السلام :
على أرض سيناء تلقى موسى علية السلام الوصايا العشر من ربه سبحانه وتعالى ، والقاضية بوحدانية الله عز وجل والجامعة لدروس الآداب الدينية. قال تعالى: }ثُمَّ ءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ وَتَفۡصِيلٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ
وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لَّعَلَّهُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمۡ يُؤۡمِنُونَ (154) وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ (155) أَن تَقُولُوٓاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلۡكِتَٰبُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيۡنِ مِن قَبۡلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمۡ لَغَٰفِلِينَ (156) أَوۡ تَقُولُواْ لَوۡ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡكِتَٰبُ لَكُنَّآ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمۡۚ فَقَدۡ جَآءَكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞۚ فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنۡهَاۗ سَنَجۡزِي ٱلَّذِينَ يَصۡدِفُونَ عَنۡ ءَايَٰتِنَا سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصۡدِفُونَ (157) ] الأنعام[.
كانت الوصايا العشر في الآيات الثلاث التي قبل هذه الآيات من حجج الله الأدبية على حقية دينه القويم ، ووجوب اتباع صراطه المستقيم ، قفى بها على ما قبلها من الحجج العقلية على أصول هذا الدين ، ودحض شبهات المعاندين والممترين ، ولما كملت بذلك حجج السورة وبيناتها حسن أن ينبه هنا على مكانة القرآن في جملة من الهداية ووجوب اتباعه ، وإعذار المشركين بما يعملون به أنه لن يكون لهم عذر عند الله تعالى على ضلالهم بالجهل وعدم إرسال رسول إذا هم لم يتبعوه . وقد افتتح هذا التنبيه والتذكير والإعذار بذكر ما يشبه القرآن في شرعه ومنهاجه مما اشتهر عند مشركي العرب ، وهو كتاب موسى عليه السلام فقال عز وجل : " ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون ".
 سبق في هذه السورة وغيرها الجمع بين ذكر التوراة والقرآن للتذكير بالتشابه بينهما ; لأن العرب كانوا يعلمون أن اليهود المجاورين لهم أهل كتاب اسمه التوراة ، ولهم رسول اسمه موسى ، وأنهم أهل علم وشريعة ، وكان بعض عقلائهم يتمنى لو يؤتى العرب مثلما أوتي اليهود ويقولون : إنه لو جاءهم كتاب مثل كتابهم لكانوا أهدى منهم وأعظم انتفاعا ; لما يعتقدون من امتيازهم عليهم بالذكاء والعقل وعلو الهمة .
6ـ قسم الله تعالى :
اقسم الله تعالى بها في القرآن الكريم ، والله تعالى لا يقسم إلا بالعظيم لأن العظيم لا يقسم إلا بالعظيم فهذه الأماكن لها من المكانة العظيمة عند الله تعالى فقال تعالى: }وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيۡتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ ٱلۡأَمِينِ (3){ ] التين[ وطور سنين هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام وهو جبل الطور في سيناء.
 7ـ سيناء أرض الخير والنماء:
جعل الله تعالى فيها سرا وبركة اقتصادية يمكن أن نلمحها من قوله تعالى :}وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلۡخَلۡقِ غَٰفِلِينَ (17) وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٖ فَأَسۡكَنَّٰهُ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابِۭ بِهِۦ لَقَٰدِرُونَ (18) فَأَنشَأۡنَا لَكُم بِهِۦ جَنَّٰتٖ مِّن نَّخِيلٖ وَأَعۡنَٰبٖ لَّكُمۡ فِيهَا فَوَٰكِهُ كَثِيرَةٞ وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ (19){ ] المؤمنون[.
فهنا يتحدث الله تعالى عن خلق السماوات السبع والبشر وإنزال الماء من السماء وجنات النخيل والأعناب ، وبعدها يقول تعالى : " وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين". أي جعل شجرة الزيتون التي تنبت في جبل الطور في الوادي المقدس من نعم الله تعالى على الخلق شأن النعم التي سبقتها في الآيات
وجعل نعمة هذه الشجرة مستمرة متجددة شأن المطر والجنات والبساتين والسماوات السبع وجاء التعبير بالمضارع فقال : " وشجرة تخرج " " تنبت بالدهن " . وأن هذا الخير الإلهي مستمد من ذلك الوادي المقدس الذي شهد وحده كلام الله تعالى لأحد الأنبياء ، وأن هذا الخير وضعه الله لكفاية البشرية .
8ـ تفجر فيها عيون الماء ونزول المن والسلوى:
في أرض سيناء ضرب موسى الأحجار لتنفجر منها ينابيع المياه (عيون موسى) الاحدى عشر بعدد أسباط بنى إسرائيل حيث عرف كل قوم مشربه والتي هي موجودة حتى الأن تشهد بمعجزة الخالق عز وجل .
قال تعالى }وَقَطَّعۡنَٰهُمُ ٱثۡنَتَيۡ عَشۡرَةَ أَسۡبَاطًا أُمَمٗاۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنۢبَجَسَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۚ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡغَمَٰمَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ (160){ ] الأعراف[
وعلى أرض سيناء أنزل الله على موسى وقومه من بنى إسرائيل المن والسلوى ولكن تجبر بنو إسرائيل وعصوا موسى فغضب الله عليهم وكتب عليهم التيه بين الجبال وفى أودية سيناء  أربعين عاما جزاء ما اقترفوه كفرا وعصيانا ، وكتب الله عليهم المذلة والمسكنة كما في قوله عز وجل :}قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين(26) { ]المائدة[
العنصر الثالث: أنبياء الله على أرض سيناء:
لقد شرف الله تعالي أرض سيناء فجعلها معبراً للأنبياء (إبراهيم وإسماعيل ويعقوب ويوسف وموسي وهارون وعيسي وأمه البتول مريم عليهم الصلاة والسلام..)
أبو الأنبياء الخليل عليه السلام :
فأبو الانبياء إبراهيم الخليل عليه السلام والذى شق طريقه خلالها هو وزوجته السيدة ساره  إلى مصر قادما من بلاد الرافدين متجها إلى أرض كنعان بفلسطين حيث اشتد القحط بتلك البلاد وذهب إلى مصر متخذا سيناء طريقاً حيث أقام مدة من الزمن في مصر وعاد ثانية إلى فلسطين ، عبر سيناء ومعه زوجتيه ساره  وهاجر "أم إسماعيل" الأميرة المصرية الأسيرة التي هي من مدينة الفرما من قبيلة أم العرب بشمال سيناء والتي أهداها إليهما فرعون مصر .
نبي الله يعقوب وسيدنا يوسف وإخوته عليهم السلام
كما وطأ أرضها كل من سيدنا يوسف الصديق وأبيه سيدنا يعقوب عليهما السلام واخواته أسباط بنى إسرائيل حيث كان في هذه المنطقة عبورهم وذهابهم ومجيئهم ورواحهم ، حيث تم لقاء سيدنا يوسف بأبيه سيدنا يعقوب ، فعلى أرضها التأم شملهما والتقيا بعد سنوات من العذاب والغربة والحرمان .
وعلى أرض العريش فصلت العير ومن أرضها انطلقت رائحة قميص يوسف عليه السلام  حت وصل إلى فلسطين ليشمه يعقوب علية السلام ويقول قولته المأثورة إني لأجد رائحة يوسف وهذا ما جاء في تأويل قوله تعالى:
}وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ { . ]يوسف[
وتفسيرها أنه َلَمَّا فَصَلَتْ عِير أي عندما وصلت قافلة بَنِي يَعْقُوب الى مدينة العريش قادمة مِنْ عِنْد يُوسُف بمصر مُتَوَجِّهَةً إِلَى أرض فلسطين عبر سيناء وكان قميص يوسف بحوزتها فراحت روائح الجنة في الدنيا واتصلت بيعقوب، فوجد ريح الجنة فعلم أنه ليس في الدنيا من ريح الجنة إلا ما كان من ذلك القميص، فعند ذلك قال "إني لأجد" أي أشم رائحة يوسف .
لقد انطلقت هذه المعجزة من أرض العريش إلى أرض فلسطين حيث كان يقيم نبي الله يعقوب .
سيدنا موسى الكليم عليه السلام :
لجأ إليها سيدنا موسى عليه السلام ، وكان لقاؤه مع ربه عز وجل ،حيث أمره الله عز وجل بتلقي رسالته للإنسانية في تلك الأرض التي باركها الله عز وجل ، حيث تجلت القدرة الإلهية ، وعندما عاد سيدنا موسى ثانية بقومه من بنى إسرائيل هرباً من فرعون ، ساروا متجهين إلى سيناء ، حيث وجدوا البحر الأحمر في مواجهتهم ومن خلفهم لحقهم فرعون وجنوده ، فحدث المعجزة على أرضها حينما أمر الله موسى أن يضرب البحر بعصاه ليجد الطريق أمامه يابسا ممهدا له ومن معه ثم يعود البحر مرة أخرى إلى حالته الأولى فيغرق فرعون وجنوده وينجو
موسى وقومه بإذن الله ، حيث حدثت المعجزات الإلهية .
ومن شطآنها انطلق سيدنا موسى عليه السلام للقاء العبد الصالح سيدنا الخضر عليه السلام، والذى علمة مالم يحط به خبرا ، وهذا ما ورد في قوله عز وجل :}وإِذ ْقَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَاأَبْرَحُ حَتَّى ٰأَبْلُغ َمَجْمَعَ الْبَحْرَيْن ِأَوْأَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْر سَرَبًا (61){ ]الكهف[
السيدة مريم وابنها سيدنا عيسى عليهما السلام:
جاء المسيح عليه السلام مولودًا بمعجزة ربانية من السيدة مريم العذراء في بيت لحم من أرض فلسطين التي كانت آنذاك تحت حكم الإمبراطورية الرومانية.
وقد اضطرت السيدة مريم للهرب بطفلها من بطش الرومان، ووشاية اليهود إلى مصر؛ وكانت رحلة الهروب إلى مصر عبر سيناء.
العنصر الرابع : سيناء عبر التاريخ الإسلامي والحديث:
سيناء والفتح الإسلامي:
جاء الفاتحون المسلمون إلى مصر تحت قيادة عمرو بن العاص عن طريق سيناء، ومنذ اللحظة الأولى لقصة الفتح الإسلامي ترددت أسماء أماكن ومواقع على أطراف شبه جزيرة سيناء، أو في داخلها، في سرديات الفتح: فقد كانت رفح والفرما من أوائل الأماكن التي وصلها الفاتحون المسلمون.
حيث يُسجل التاريخ أنه منذ اكثر منذ أربعة عشر قرناً من الزمان , وأكثر بقليل شهدت سيناء إقامة أول صلاة لعيد الأضحى المبارك علي أرض مصر وذلك حينما دخل عمرو بن العاص بجيشه الظافر أرض سيناء المقدسة التي باركها الله تعالى ،والتي نالت قدسية استقبال كل الرسالات على أرضها .
إن الفتح الإسلامي كان مشجعا لبعض العناصر البدوية في شبه جزيرة العرب للنزوح إلي سيناء والاستقرار بها مما شجع علي انتشار الإسلام بين سكانها، وقد اعتبرتها بعض هذه العناصر نقطة وثوب إلي شمال أفريقيا فاستقر بعضها بمصر بينما نزح البعض الآخر إلي بلاد المغرب.
فكانت سيناء أحد أهم المعابر البشرية خلال القرون الأولي من الفتح الإسلامي. وهذه الهجرات التي عبرت سيناء منذ الفتح الإسلامي أخذت تزداد علي سيناء خلال العصرين الأموي والعباسي، ثم أخذت تقل بشكل ملحوظ منذ عصر الطولونيين، نتيجة انهيار النفوذ العربي خلال العصر العباسي الثاني، وتزايد نفوذ عناصر أخرى كالفرس والأتراك.
سيناء والحروب الصليبية :
خلال فترة الحروب الصليبية تعرضت سيناء لمحاولة الغزو من قبل الصليبين،ولقد ارتبطت سيناء بحكايات عديدة في ملحمة الحروب الصليبية: نكتفي بمثال واحد يتناول قصة الصليبي المتوحش المدعو " أرناط"، وهي قصة ملؤها الإثارة والعنف، كان هذا الرجل الشيطان واحدًا من صغار الأمراء ومن أصول اجتماعية غامضة حار فيها المؤرخون الصليبيون أنفسهم؛ وكان يفتقر إلى أبسط قواعد الخلق بصورة فجة، فلم يكن يحفظ عهدًا ولا ذمة، وكان أميرًا على الكرك في شرق الأردن مما شكَل تهديدًا خطيرا على القوافل بين مصر والشام عن طريق سيناء.
سيناء وصلاح الدين الأيوبي :
لقد امتاز العصر الأيوبي بالاهتمام الملحوظ بتعمير سيناء نظرا لظروف الحروب الصليبية التي كانت تملي عليهم ضرورة تجديد القلاع والموانئ خوفا من هذا الخطر القريب، فقد قام صلاح الدين الأيوبي بتعمير وإصلاح ميناء الطور عام 580هـ/1184م، فعمر المراكب والميناء، وبدأت تصله المراكب المحملة بالبضائع من اليمن، وهجر أصحاب المراكب مينائي عيذاب والقصير، وقد تبع ذلك أن صارت الغلال ترسل إلي الحجاز بصورة دورية ومنتظمة، وشجع ذلك حركة التجارة في البحر الأحمر.
 وكان صلاح الدين الأيوبي قد تمكن من انتزاع ميناء إيلات من أيدي الصليبين في عام 566هـ/1170م، ومن ثم صار البحر الأحمر تحت سيطرته.
وتغير مركز سيناء ابتداء من القرن الرابع عشر الميلادي، فقد رأيناها منذ الفتح الإسلامي مجرد قنطرة تعبرها القبائل المختلفة من بلاد الحجاز والشام في طريقها إلي وادي النيل، لكنها منذ ذلك التاريخ صارت منطقة تلجأ إليها القبائل،
سيناء وحرب المغول :
في عهد السلطان سيف قطز، خرجت الجيوش المصرية عبر سيناء لقتال المغول في غزة وبلاد الشام وألحقت بهم هزيمة فادحة في معركة عين جالوت سنة 658هـ ..1260م…
سيناء والعدوان الثلاثي 1965م:
 قامت كل من إسرائيل وفرنسا وإنجلترا بعمل هجوم منظم علي مصر فيما يسمي بالعدوان الثلاثي علي مصر وقد قامت المقاومة الشعبية بأعمال بطوليه لصد الفرنجا والإنجليز اما إسرائيل فأخذت سيناء بالكامل ولكن صدر قرار من مجلس الأمن آنذاك برد جميع الأرض المحتلة الي مصر وعدم شرعية الهجوم علي مصر قامت إسرائيل في 5 يونيو 1967 م بشن هجوم على مصر وسوريا والأردن واحتلت سيناء والجولان والضفة الغربية للأردن·
واستطاع جيش مصر برغم فداحة الخسارة أن يعبر هذه المحنة في صموده أمام القوات الإسرائيلية ودخوله حرب الاستنزاف، واستعادة مصر سيناء مرة ثانية في أكتوبر 1973م .
العنصر الخامس : الأطماع اليهودية في سيناء :
شبه جزيرة سيناء تحتوي على أقدس مقدسات اليهود، فمن جانب الطور الأيمن نودي موسى وعليه تلقى الألواح، وبها صخرة العهد، وسيناء هي أرض التيه، ما يجعل أطماع اليهود تحوم في فلكها،  وقد تربى أبناؤهم على عقيدة أن جزيرة سيناء هي قلب مملكتهم الموعودة.
وما فلسطين إلا جزءاً صغيراً من تلك المملكة التي تضم سيناء وفلسطين وشرق الأردن وقسما من سورية والعراق حتى الرافدين.
وأما عن أطماع اليهود في سيناء والتي يربطونها بالمعتقدات اليهودية والتاريخ الإسرائيلي فيرى بعض المؤرخين أن قصص التلمود ونبؤات الأقدمين وأسطورة الشعب المختار ليست في الواقع إلا وسيلة من وسائل التعبئة والإقناع يستخدمها القادة والموجهون الصهاينة لدفع الشباب اليهودي نحو هذه الأهداف التوسعية الاستعمارية، وإن كانت لا تمثل في الواقع أمرا مهما فالتوسع الاستعماري يعتمد على النفوذ قبل أية حجة.
العنصر السادس: طباع اليهود :
لقد اتصفت الشخصية اليهودية بخصائص وطباع مختلفة عن البشر تماماً ،ولقد كثُر ذكرهم في القرآن الكريم وذلك للعلم بهم ومعرفتهم، وقطع الطريق على من يحاولون تحسين صورتهم، والتعايش معهم، والتدليس على الناس بقلب الحقائق؛ لأن القرآن يكشف ذلك ويوضحه، وهو محفوظ لا يستطيع أحد أن يمحوه أو يبدله، وتحذير الناس من سلوك مسلكهم، والاتصاف بصفاتهم؛ لئلا يصيبهم ما أصابهم؛ فإن سنن الله تعالى لا تحابي أحدا من خلقه.
و تحذير المؤمنين من حيلهم ومكايدهم، وفضح تزويرهم وتلبيسهم، ودحض
براهينهم وحججهم، وكشف شبهاتهم التي يحاولون بها لبس الحق بالباطل،وأيضا كشف تحريفهم لكتبهم، وتغييرهم لدينهم حسب أهوائهم؛ لئلا يغتر بهم غيرهم أو يقلدهم في فعلهم... فمن هذه الطباع ما يلي ..
1ـ العناد والتمرد :
لقد كان ابتلاء سيدنا موسى عليه السلام باليهود، ابتلاءً عظيماً، فإنهم في نفس الوقت الذي كانوا يعترفون له بالنبوة، ويرون منه الآيات، لا يصدّقون كلامه، لا خفاءً فحسب، بل كانوا يجهرون بذلك جهراً.
ومن ذلك أنّ سيدنا موسى عليه السلام حين أخبرهم بأن الله سبحانه، يناجيه ويتكلّم معه، أنكر جماعة منهم، وقالوا: إنا لا نصدّق قولك وكيف يمكن أن يتكلّم الله معك؟ ولن نؤمن إلا إذا سمعنا نحن كلام الله، فاذهب بنا إلى الطور، حتى نسمع نحن كما تسمع أنت. وأجازه الله سبحانه في ذلك.. وقد كان الطالبون لهذا الأمر سبعين ألفاً، فاختار
 سيدنا موسى منهم سبعة آلاف، ثم اختار منهم سبعمائة، ثم اختار منهم سبعين قال تعالى: } وَٱخۡتَارَ مُوسَىٰ قَوۡمَهُۥ سَبۡعِينَ رَجُلٗا لِّمِيقَٰتِنَاۖ فَلَمَّآ أَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ قَالَ رَبِّ لَوۡ شِئۡتَ أَهۡلَكۡتَهُم مِّن قَبۡلُ وَإِيَّٰيَۖ أَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآۖ إِنۡ هِيَ إِلَّا فِتۡنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهۡدِي مَن تَشَآءُۖ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَاۖ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡغَٰفِرِينَ (155){ ] الأعراف [ .
أي الوقت المحدود لسماعهم كلام الله تعالى.
فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل، وصعد موسى إلى الطور، وسأل الله سبحانه وتعالى أن يكلّمه ويسمع القوم كلامه، فاستجاب الله تعالى دعاءه، وكلّم موسى عليه السلام ، بحيث سمع السبعون كلام الله تعالى.
ولم يكن لكلامه اتجاه خاص كما يكلّم أحدنا صاحبه بل جاء كلامه من فوق ومن تحت، ومن اليمين واليسار، ومن الخلف والأمام، فإنه تعالى لا يتكلّم باللسان، ولا له جهةٌ خاصّةٌ وإنما يلقي الكلام في الفضاء، ولذا يحيط الكلام بالسامع.
ولمّا سمعوا كلامه سبحانه، قالوا: لا نصدّق أن هذا كلام الله، فيجب أن نرى الله عياناً حتى نؤمن بك، وأنّك كليم الله ونبيّه، وحيث تمّت عليهم الحجة ولم يبق إلا العناد، أرسل الله صاعقة أرجفتهم وأهلكتهم جميعاً.
لكن سيدنا موسى عليه السلام ، خاف أن يقول بنو إسرائيل: إنك لم تكن تقدر على إسماعهم كلام الله، ولذا قتلتهم ومن هذه الجهة طلب من الله سبحانه أن يحييهم. فاستجاب الله سبحانه دعاءه وأحيا السبعين، فرجعوا مع موسى عليه السلام، وأخبروا بني إسرائيل بالقصة كلّها قال تعالى :}وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ (55) { ] البقرة[
حين نزول الصاعقة فلمّا أخذتهم الرجفة الّتي أحدثتها الصاعقة قال موسى: يا رب كيف تهلكهم الآن؟ فإن بني إسرائيل يتهمونني بقتلهم، ولو شئت إهلاكهم بسبب عنادهم، لكنت أهلكتهم من قبل وإياي فإني لا مانع لي من أن تهلكني إذا اقتضت مشيئتك ذلك.
فاستجاب الله دعاء سيدنا موسى في إحيائكم يا معاشر اليهود }ثُمَّ بَعَثۡنَٰكُم مِّنۢ بَعۡدِ مَوۡتِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (56){ ] البقرة[ نعمي وآلائي.
ولم يكن كلام سيدنا موسى عليه السلام حول إهلاك الله اليهود اعتراضاً، وإنما ضراعةً ودعاءً. كما أنه سبحانه لم يبد له في إحيائهم بعد أن لم يعلم، تعالى عن ذلك وإنما عاقبهم حسب عصيانهم، ثم أحياهم حسب المصلحة، واستجابة لدعاء نبيه العظيم موسى عليه السلام، وليزيد حجّةً على حجة.
فهذه طبيعة اليهود التمرد والعناد وعدم الحياء من الله تعالى .إن السبعين نفراً الذين بعثوا بعد الموت، بدعاء الكليم عليه السلام، لم ينفكّوا عن عنادهم وتماديهم في الغيّ ، بل طابوا من كليم الله موسى عليه السلام أن يطلب من الله تعالى الرؤية فقال كليم الله موسى عليه السلام}قَالَ رَبِّ أَرِنِيٓ أَنظُرۡ إِلَيۡكَۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِي وَلَٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوۡفَ تَرَىٰنِيۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكّٗا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقٗاۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (143){ ]الأعراف[
2ـ جرأتهم وتطاولهم على الله تعالى وجحودهم نعم الله تعالى :
لما نجاهم الله تعالى من فرعون وجنوده طلب منهم كليم الله موسى عليه السلام دخول الأرض المقدسة جبنوا وقالوا كما قال القرآن الكريم } قالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24){ ]المائدة[
ويسيئون لذات الله تعالى فيما يقولون: فتارة يصفون الله تعالى بالفقر قال تعالى{لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ(181)} [آل عمران]،
وتارة بالبخل {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء..(64)} [المائدة].
ويعتبرون أنفسهم أبناء الله وأحباؤه: قال تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ..(18)} [المائدة].
3ـ أشد الناس عداوة وحسداُ لأهل الإيمان:
على مدى الزمان، قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ(82)} [المائدة].
وقال تعالى: }وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(109){ [البقرة] .
ومن شدة العداء أنهم يعرفون الحق لكنهم لا يتبعونه، فهم يعرفون أن النبي (ﷺ) حق، وأنه من عند الله؛ ولكنهم لم يتبعوه، ولما هاجر النبي (ﷺ) ووصل إلى المدينة نظر إليه اليهود فعرفوه، وأكنوا له العداوة كما روت ذلك أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب زوجة نبينا (ﷺ) فإنها ذكرت أن حيي بن أخطب أحد زعماء يهود لما قدم النبي (ﷺ) المدينة رآه فعرف أنه نبي مما قرأ عنه في التوراة، تقول صفية رضي الله عنها :أن أباها وعمها التقيا بعد أن رأيا النبي (ﷺ) ، فقال عمها لأبيها: أهو هو؟ قال: نعم أعرفه بوجهه أو بنعته ، قال: فما في صدرك له؟، قال: عداوته ما بقيت”، وهذا مصداق قول الله جل وعلا: } فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ (89){ ] البقرة[
4ـ الجبن والتعلق بالدينا:
قال تعالى: {لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لّا يَفْقَهُونَ (14) لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لّا يَعْقِلُونَ(15)} [الحشر].
والتعلق بالحياة ، أيّة حياة ولو كانت بذل قال تعالى:{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ(96)} [البقرة]، فأي حركة فيها تخويف تفزعهم وتهزهم هزًا.
5ـ الفساد والإفساد:
 بشكل مستمر قال تعالى: { لَّمَآ أَوۡقَدُواْ نَارٗا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)} [المائدة].
حيث أنهم قساة القلوب لا يعرفون معنى الرحمة  والإنسانية ، يتعاملون مع غيرهم بوحشية مطلقة ، قال تعالى }ثُمَّ قَسَتۡ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَٱلۡحِجَارَةِ أَوۡ أَشَدُّ قَسۡوَةٗۚ وَإِنَّ مِنَ ٱلۡحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنۡهُ ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخۡرُجُ مِنۡهُ ٱلۡمَآءُۚ وَإِنَّ مِنۡهَا لَمَا يَهۡبِطُ مِنۡ خَشۡيَةِ ٱللَّهِۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ (74) { ] البقرة [ ، وقال تعالى :}وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلۡفُۢۚ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَقَلِيلٗا مَّا يُؤۡمِنُونَ (88){ ] البقرة[
قاموا بعمل أكثر من مجزرة في صبرا وشاتيلا ودير ياسين ومدرسة بحر البقر ومستشفى المعمداني وغيرها من المجازر ..
6ـ الغدر والخيانة ونقض العهود واشعال الفتن:
فلا عهد لهم ولا ذمة: قال تعالى:{أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ(100)} [البقرة].
نقضوا العهود مع رسول الله (ﷺ) في بني قريظة وبني النضير ، وبني قينقاع ويهود خيبر.
غدروا بالأنبياء وقتلوا كثير من الأنبياء، قتلوا أشعياء، وزكريا، ويحيى وغيرهم، وحاولوا قتل سيدنا محمد (ﷺ) مرة بوضع السم له الطعام امرأة سلام ابن مشكم في خيبر، ومرة بإلقاء الحجر من أعلى الجدار عليه وهو جالس بجوار الحائط في بني النضير ، والله تعالى عصمه وحفظه منهم (ﷺ) ، قال الله تبارك وتعالى:}إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(21){ ]آل عمران[
وهم الذين قتلوا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهم الذين أشعلوا الفتن في عهد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وأشعلوا الفتن يبن سيدنا على بن أبي طالب وسيدنا معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنهم جميعاً، وهم الذين قتلوا سيدنا على ابن أبي طالب رضي الله عنه بقيادة اليهودي الكبير عبد الله بن سبأ الملقب بابن السوداء ، وما زالوا يشعلون الفتن والحروب بين الدول الإسلامية والعربية  ولولا أن الله تعالى برحمته على الناس كلما أشعلوا فتنة أطفأها لما هدأت الدنيا من شرهم قال تعالى : { لَّمَآ أَوۡقَدُواْ نَارٗا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)} [المائدة].
7ـ الكذب وتحريف الآيات:
فمن صفاتهم أنهم حرفوا كلام الله تعالى الذي أُنزل إليهم، وغيروا وبدلوا حتى قال الله تبارك وتعالى  عنهم للمؤمنين:}أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(75){ ]البقرة[.
وقال تعالى:{.. وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ..(41)} [المائدة].
8ـ سماعون للكذب أكالون للسحت:
قال الله تبارك وتعالى: }سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين (42){ ]المائدة[.
العنصر السابع : واجب الأمة تجاه الأوطان:
إن الأوطان من أغلى الأشياء لدي الإنسان لذلك يجب على الإنسان مسئولية تجاه وطنه في الدفاع عنه والمحافظة على أمنه واستقراره ولكي نؤدي الواجب نحو الوطن علينا بالآتي ..
1ـ المعرفة الحقيقية لمفهوم الوطن :
إن حدود الوطن التي تلزم التضحية في سبيل حريته وخيره، لا تقتصر على حدود قطعة الأرض التي يولد عليها المرء؛ بل إن الوطن يشمل القطر الخاص أولاً، ثم يمتد إلى الأقطار الإسلامية الأخرى المرتبطة بالعقيدة ، فوطني مصر وسيناء ، وكذلك فلسطين والقدس ،ومكة والمدينة ، وغيرها من بلاد العروبة والإسلام.
2ـ إصلاح النفس والمجتمع :
إصلاح النفس والمجتمع ، فالنصر والتمكين من عند الله لا يعطيه إلا للمؤمنين الصادقين كما وهبه لأصحاب النبي (ﷺ) قال تعالي }فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6){ ]الإسراء[ .
وقال تعالي }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7){ ]محمد[
فلابد من إحياء الإيمان في قلوب المسلمين ، فالقوة الروحية لا بديل لها في المعارك بين الحق والباطل .
3ـ فهم طبيعة المعركة بيننا وبين عدونا :
إن المعركة بيننا بين عدونا معركة  عقيدة ،فعدونا يحاربنا بالعقيدة فلا بد أن نحاربه بالعقيدة، وأن يكون الولاء لله ولرسوله وللمؤمنون، فنهانا الله تعالى عن موالاة غير المؤمنين وعدم الأمان لهم فقال تعالى }وَلَا تُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمۡ (73){ ] آل عمران[  
وبين سبحانه وتعالى أن من صفات جيل النصر والغلبة أنه يوالون الله ورسوله والمؤمنين فقال تعالى } يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡمٖ يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمٖۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَٰكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ (56){ ] المائدة[
وعلينا أن نُعلي من شأن أوطاننا وأن نعمل على نهضته اقتصاديا ، وسياسيا واجتماعيا في جميع المجالات ، بأن نشجع منتجات أوطاننا الإسلامية والعربية ، وأن نقاطع منتجات عدونا على جميع المستويات ، فهذا من الواجب علينا تجاه الأوطان.
4ـ وحدة الصف وعدم التنازع :
قال تعالى :}وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ (46){ ]الأنفال[
ولا شك أن توحيد الصفوف واجتماع الكلمة هما الدعامة الوطيدة لبقاء الأمة ، ودوام دولتها ، ونجاح رسالتها ، ولئن كانت كلمة التوحيد هي عنوان الدخول في الإسلام ، فإن توحيد الكلمة هي سر البقاء في الإسلام ، والإبقاء عليه ،
فأمرنا الله تعالى أن نكون صفاًّ واحداً ، ونهانا عن التفرق ففيه الشقاء والهزيمة فقال تعالى: }وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ (103) وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ (105){ ]آل عمران[
5ـ قتل الهزيمة النفسية وبث روح الأمل والتفاؤل :
الأمل هو انشراح النفس في وقت الضيق والأزمات؛ بحيث ينتظر المرء الفرج واليسر لما أصابه، والأمل يدفع الإنسان إلى إنجاز ما فشل فـيه من قبل، ولا يمل حتى ينجح في تحقيقه.
إن أخطر ألوان الهزيمة , أن تمتلئ القلوب باليأس والقنوط من رحمة الله ، وأن تتفرغ القلوب من الأمل في وعد الله تعالى، والله تعالى حرم اليأس وندد باليائسين فقال تعالى }وَلَا تَاْيۡـَٔسُواْ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا يَاْيۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ (87){ ] يوسف[ .
ووعد بالنصر للمؤمنين في أكثر من آية في القرآن الكريم فقال تعالى } وَلَقَدۡ سَبَقَتۡ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلۡمُرۡسَلِينَ (171) إِنَّهُمۡ لَهُمُ ٱلۡمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ (173){ ] الصافات[
وقال تعالى } كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ (21){ ] المجادلة[
وقال تعالى }لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلۡبِلَٰدِ (196) مَتَٰعٞ قَلِيلٞ ثُمَّ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ (197){ ] آل عمران[
 فنحن في هذه الأيام في أمس الحاجة إلى أن نعيش الحياة وكلنا أملٌ في الله عز وجل؛ حتى في أحلك الظروف واشتداد الكرب والأزمة والله تعالى : }حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110){ [يوسف].
8ـ الخاتمة :
في النهاية ينبغي أن نقف صفاًّ واحداً في وجه أي محتل غاصب يريد أن ينهب ثرواتنا وخيراتنا ويحتل بلادنا مهما كلفنا ذلك من نفس ومال وأي تضحيات، فالله يشتري من النفس والمال مقابل جنة عرضها السماوات والأرض فقال تعالى }إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُواْ بِبَيۡعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعۡتُم بِهِۦۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ (111){ ]التوبة[  
فالموت من أجل الدفاع عن الدين والأرض شهادة في سبيل الله تعالى، فعنْ أَبي الأعْوَر سعيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرو بنِ نُفَيْلٍ، أَحدِ العشَرةِ المشْهُودِ لَهمْ بالجنَّةِ، رضي الله عنه، قَالَ: سمِعت رسُول اللَّهِ (ﷺ) يقولُ: }منْ قُتِل دُونَ مالِهِ فهُو شَهيدٌ، ومنْ قُتلَ دُونَ دمِهِ فهُو شهيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهو شهيدٌ، ومنْ قُتِل دُونَ أهْلِهِ فهُو شهيدٌ{.]رواه أَبو داود، والترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ[.

نسأل الله تعالى أن يحفظ أوطاننا من كيد الأعداء ، وينصرنا على أعدائنا ، ويجعل بلادنا آمنا مطمئنا سخاءاً رخاءاً وسائر بلاد المسلمين.

رابط PDF

https://www.raed.net/file?id=432650

رابط DOC

https://www.raed.net/file?id=432653


ليست هناك تعليقات:

المشاركة المميزة

شؤم المعصية

الحمد لله رب العالمين ..أنار الطريق لعباده الصالحين فجعل العبيد ملوكا بطاعته، والملوك عبيدا بمعصيته ، فالعز كل العز في طاعته والذل كل الذل ف...