الثلاثاء، 9 أبريل 2024

عيد الفطر المبارك والأخوة

 



الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وبعفوه تغفر الذنوب والسيئات ، وبكرمه تقبل العطايا والقربات ،وبلطفه تستر العيوب والزلات ، الحمد الله الذي أضحك وأبكي وأمات وأحيا ، ومنع وأعطي ، وأرشد وهدي .
{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (111)}[الإسراء].
الله أكبر، الله أكبر ، الله أكبر، لا إله إلا الله إلا الله ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ..  
الله أكبر ما صام صائم وأفطر ،الله أكبر ما قام قائم وكبر ، الله أكبر ما أشرق صبح وأسفر.
الله أكبر تسبيحة العابد المطهر ، الله أكبر صيحة الفاتح المظفر ، الله أكبر بها هزمنا جحافل كسرى وقيصر.
الله اكبر, الله اكبر في مطلع الفجر في المساء، الله أكبر في الظهر, في العصر, في العشاء.
الله أكبر ما وفق الله المسلمين لصيام رمضان ، الله أكبر ما انتصروا علي شهواتهم ورغباتهم طمعا في الرحمة والرضوان .
الله أكبر ما وفق الله المسلمين لقيام رمضان ، الله أكبر ما أدي كل مسلم زكاة فطره وعلي مقاومة النفس والشيطان صبر وانتصر.
 الله أكبر ما تجلي عليهم ربهم في رمضان بالرحمات ، الله أكبر ما تجلي رب الكائنات علي كل واحد من الصائمين فطهرهم من ذنوبه وكفر عنهم سيئاته ومنحهم بفضله الأجرالعظيم والثواب الأكبر .
سبحانك يا من جمعت القلوب علي الحق بحكمتك ووسعت كل شيء بعلمك وقدرتك ورحمتك ، سبحانك تخلق ما تشاء وتختار سبحانك أنت الواحد القهار ، سبحانك آناء الليل وأطراف النهار .
اللهم لولا الله ما اهتدينا   و لا تصَدَّقنا و لا صلينا
فأنزلَن سكينة علينا        وثبتِ الأقدامَ إن لا قينا
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. ألف بين قلوب عبادة بالحب والإيمان  فقال تعالى {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا (103)}[آل عمران ].
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ،و صفيه من خلقه وحبيبه ، بلغ الرسالة ،وأدي الأمانة ، ونصح للأمة وكشف الله به الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده حتي أتاه الله اليقين ، أقام المجتمع علي الحب في الله تعالى فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عن النَّبِيِّ (ﷺ) ، قال: { إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ } ] رواه أحمد وحسنه محققو المسند ، وكذا حسنه الألباني في صحيح الترغيب[
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه الذين بشرهم ربهم بالفوز العظيم وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون ..
من المقاصد العظيمة التي شرعت لأجلها الأعياد في الإسلام، تعميق التلاحم بين أفراد الأمة الواحدة، وتوثيق الرابطة الإيمانية، وترسيخ الأخوة الإسلامية بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، مصداقاً لقول المصطفى (ﷺ): }المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً ]البخاري[
فلقد جاء العيد ليرسم على الشفاه معاني الحب ، ويكتب في حياة المسلمين حياة من الإخاء الصادق ، جاء اليوم لنردد مع النبي (ﷺ) قوله :}لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام{  ] البخاري ومسلم[.
العنصر الأول :  حقيقة الأخوة :
هي منحة قدسية وإشراقه ربانية ونعمة إلهية يقذفها الله عز وجل في قلوب المخلصين من عباده والأصفياء من أوليائه والأتقياء من خلقه.
قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63)}[الأنفال]. 
إن رابطة الأخوة الإسلامية هي إشراقة إلهية سامية ، وهي الحبل الذي يجمع القلوب ويعقدها ببعضها ، وهي النور الذي يسري بين أرواح المؤمنين .
والأخوة لكي تؤدي ثمارها المرجوة لابد أن تنطلق من رياح الإيمان بالله تعالي .
إن نعمة الأخوة هي أثمن منحة ربانية للعبد من بعد نعمة الإسلام، كما قال تعالى {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا (103)}[آل عمران ].
العنصر الثاني:  أهمية الأخوة :
1ـ أهم ركائز المجتمع :
تعتبر الأخوة من أهم ركائز المجتمع المسلم ودعامة أساسية من أهم دعائم الدولة الإسلامية لذلك حرص النبي (ﷺ) علي بناء المجتمع المسلم علي ركيزة الأخوة من أول يوم وصل للمدينة بعد الهجرة وبناء المسجد  فآخي بين المهاجرين والأنصار ليقوي علاقة المسلم بأخيه المسلم .
2ـ أمان للبشرية:
إن الأخوة في الله هي طريق إسعاد البشرية بوجه عام لذلك لا يتصور للأمة المسلمة أن تقوم أو يشتد عودها بدونها، فبالأخوة يُصبح أفراد الأمة المسلمة كأغصان الشجرة الواحدة لا تكاد تؤثر فيها عواصف الأعداء، وإذا كان قانون الجاذبية يمسك الأرض والكواكب والأفلاك أن تصطدم فتتساقط أو تحترق وتزول، فقانون الحب هو الذي يمسك العلاقات الإنسانية أن تتصادم فتحترق، وتستحيل إلى دماء.
3ـ وسيلة لاكتساب حلاوة الإيمان
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): }ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ{ ]البخاري ومسلم[
4ـ السبيل إلى الجنة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): }وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا أَنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ{ ]رواه مسلم [
فكيف لحلاوة الإيمان أن تمتلىء بها قلوبنا وقد ظهرت الخصومات والأحقاد والحسد وفساد ذات البين بين المسلمين حتى تجرأ المسلم على أخيه المسلم فسفك دمه ،وأكل ماله واستطال في عرضه دون وجه حق ..  
5ـ استكمال الإيمان :
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): }من أحبّ لله ، و أبغض لله ، و أعطى لله ، و منع لله ، فقد استكمل الإيمان { ]رواه أبو داود بسند حسن[.
5ـ  من أسباب قوة الأمة :
أيها المسلمون العالم لا يعترف إلا بالأقوياء في جميع المجالات، وهذه القوة ثمرة طيبة من ثمار الألفة والوحدة والمحبة، فما ضعفت الأمة بما نراه الآن إلا يوم أن غاب عنها أصل وحدتها وقوتها ألا وهو الأخوة الإنسانية بالمعنى الذي جاء به رسول الله (ﷺ) فمحال محال أن تتحقق الأخوة بمعناها الحقيقي إلا على عقيدة التوحيد بصفائها وشمولها وكمالها، كما حولت هذه الأخوة المسلمون الأوائل من رعاة للغنم إلى سادة وقادة لجميع الدول والأمم .
فالله تعالى أمر بالوحدة والتعاون من أجل الحفاظ على قوة الأمة وتماسكها فقال
 تعالى }إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أمة وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ(92){ ]الأنبياء[
وقال تعالى {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ(52)} [المؤمنون]
ولقد جاء في القرآن الكريم ما يؤكد هذا المعنى قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)}[الصف].
وفي الصحيحين قال (ﷺ):}المُؤْمِنُ للْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً{ وشبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ."
العنصر الثالث: حقوق الأخوة الإنسانية :
في العيد يشعر المسلم بإخوانه المسلمين في بقاع الأرض ويدرك أهمية هذه الأخوة والرابطة الإيمانية بين المسلمين في قوتهم وسعادتهم ، وهو بذلك يسعى للقيام بواجباته نحوهم وأداء حقوقهم التي شرعها الإسلام وأمر بها منها ...
1ـ نصرته وعدم خذلانه :
أمر الله تعالى بنصرة المسلم لأخيه المسلم فقال تعالى :}وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ (2){ ] المائدة [
وقال الله عز وجل: }وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ(72){[الأنفال].
فالمسلم أخو المسلم، يجب عليه أن ينصره في الوقت الذي يحتاج فيه إلى مناصرته، لما في حديث الصحيحين: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ):}انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال: رجل يا رسول الله أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره{.] صحيح أخرجه البخاري في صحيحه والإمام أحمد في مسنده و الترمذي في سننه[
فنصرة المسلم لأخيه المسلم فيها تفريج للكروب ، ومن أسباب معية الله تعالى :
ففي الصحيحين عن النبي (ﷺ)أنه قال: }المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة{.
ونصرة المؤمنين دليل على صدق الإيمان قال تعالى :{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة].
وتأمل هذا المثل الذي ضربه نبينا (ﷺ)؛ عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله (ﷺ):}مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى{ [متفق عليه].
فنصرة المؤمنين أمارة دالة على صدق الإيمان بالله تعالى.
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ):}الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، ويَسْعَى  بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ {[أحمد وأبو داود].
وقوله : «وهم يد»؛ هم : ضمير منفصل يدل على الجمع، ويد : لفظ مفرد، فهذه جملة تدل على التماسك العظيم الذي ينبغي أن يكون عليه المسلمون.
وحذر النبي (ﷺ) من خذلان المسلم ،فعن جابر بن عَبْدِ اللَّهِ وأبي طَلْحَةَ بْنَ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّ رضي الله عنهم جميعاً، قالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ):}مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ{ [أحمد وأبو داود). 
وهذه واقعة مشهورة في التاريخ تبين مدي حرص المسلمين الأوائل على نصرة ونجدة غيرهم من المسلمين ..إنها  واقعة عمورية في عام 225هـ.] عمورية" هي مدينة حصينة في الأناضول تقع جنوبي غربي مدينة أنقرة، وتسمى اليوم "سيفلي حصار[
تقول إحدى الروايات أن رجلا قدم للمعتصم ناقلا له حادثة شاهدها قائلا: يا أمير المؤمنين، كنت بعمورية فرأيت امرأة عربية في السوق مهيبة جليلة تسحل إلى السجن فصاحت في لهفة: وامعتصماه وامعتصماه
فأرسل المعتصم رسالة إلى أمير عمورية قائلا له: من أمير المؤمنين إلى كلب الروم أخرج المرأة من السجن وإلا أتيتك بجيش بدايته عندك ونهايته عندي. فلم يستجب الأمير الرومي وانطلق المعتصم بجيشه ليستعد لمحاصرة عمورية فمضى إليها، فلما استعصت عليه قال: اجعلو النار في المجانيق وارموا الحصون رميا متتابعا ففعلوا، فاستسلمت ودخل المعتصم عمورية فبحث عن المرأة فلما حضرت قال لها: هل أجابك المعتصم قالت نعم.
رب وامعتصماه انطلقت .. ملئ أفواه الصبايا اليتّم
لامست أسماعهم لكنها .. لم تلامس نخوة المعتصم
كل هذا من أجل امرأة واحدة فما بالكم بأمة تُذبح وشعب يُباد، لقد هان المسلمون أفرادًا وهانوا أممًا، يوم وهت أواصر الأخوة بينهم، ونظر أحدهم إلى الآخر نظرة استغراب وتنكُّرٍ، وأصبح الأخ يُنتقص أمام أخيه فيهز كتفيه ويمضي لشأنه كأن الأمر لا يعنيه!»
2ـ عدم إيذاء المسلم  بأي لوم من ألوان الأذى :
عن ابنِ عمر رضي الله عنهما قال: صعِدَ النبيُّ (ﷺ) المنبرَ فنادَى بصوتٍ رفِيع، فقال:{يا معشرَ مَنْ أسلَمَ بلسانِهِ ولمْ يُفضِ الإيمانُ إلى قلبِه، لا تُؤذُوا المسلمِينَ ولا تُعيِّرُوهُمْ ولا تتَّبِعُوا عورَاتِهِم؛ فإنَّه مَنْ تتبَّعَ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبَّعَ اللهُ عورتَه، ومنْ
تتبَّعَ الله عورتَه يفضَحْهُ ولو في جوفِ رَحلِه}.
قال: ونظر ابن عمرَ يوما إلى البيت أو إلى الكعبة فقال:}ما أعظمَك! وما أعظم حرمتَك! والمؤمنُ أعظم حرمةً منكِ{ ]رواه الترمذيّ بإسناد صحيح[.
بل ورد في صحيحِ مسلمٍ من حديث عائذ بن عمرو رضي الله عنه: أنّ من أغضَب مسلمًا فقد أغضب ربَّه، وأنه على خطر من عقوبتِه وانتقامِه حتى وإن كان المؤذِي من أفاضلِ الناس وخيارِهم.
إنَّ أذيةَ المؤمن ظلم، ودعوة المظلومٍ ليس بينها وبين الله حِجاب، والصبرُ على أذى الخلق أفضلُ من الدعاء عليهم، {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ(126)} [النحل].
وإنَّ من الأذى ما لا تكفِّره الصلاةُ ولا الصدقةُ ولا الصومُ، بل لا يُغفَر للظالم حتى يَغفِر له المظلومُ، وهيهات أن يعفوَ المظلومُ يومَ تتطاير الصحُف وتعزّ الحسنات! قال رسول الله (ﷺ) : ((أتدرونَ مَنْ المفلِس؟)) قالوا: المفلسُ فينا مَنْ لا درهمَ لهُ ولا متاع، فقال: }إنَّ المفلسَ مِنْ أمّتي مَنْ يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاة، ويأتي وقد شتمَ هذا وقذفَ هذا وأكلَ مالَ هذا وسفكَ دمَ هذا وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناتِهِ وهذا من حسناته، فإن فنِيَتْ حسناتُهُ قبلَ أنْ يُقضَى ما عليه أُخذَ منْ خطاياهُم فطُرِحَتْ عليه ثُمَّ طُرِحَ في النار{ ]رواه مسلم[.               
وأكد النبي (ﷺ) حرمة دماء المسلمين، وأنها معصومة من الاعتداء عليها، فقال (ﷺ) كما في الصحيحين:}لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنّي رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة{
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال:}المسلم أخو المسلم لا يظلمه
 ولا يخذله ولا يحقره … كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله{ ]رواه البخاري ومسلم[.
وقال (ﷺ) }لا تحاسَدوا، ولا تناجَشوا، ولا تباغَضُوا، ولا تدابَروا، ولا تقاطَعوا، ولا يبِع بعضُكم على بيعِ بعضٍ، وكونوا عبادَ الله إخوانًا، المُسلمُ أخو المُسلمِ لا يظلِمُه ولا يحقِرُه ولا يخذِلُه، التقوى ها هُنا". ويُشيرُ إلى صدرِه (ﷺ) ثلاث مرات، ثم يقول: "بحسبِ امرئٍ من الشرِّ أن يحقِرَ أخاه المُسلِمَ، كلُّ المُسلِم على المُسلمِ حرامٌ: دمُه ومالُه وعِرضُه{] أصلُه في الصحيحين، واللفظُ لمُسلم[.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي (ﷺ) قال }لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم{ ]رواه الترمذي[
وجاء في رواية أخرى عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال:
}لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار{ ] صحيح الترغيب والترهيب[
3ـ التغافر والتغافل :
هذه دعوة لكل المتخاصمين في صباح العيد إلى أن تتصافح قلوبهم كما تتصافح أيديهم؛ روى ابن السُّنِّي والطبرانيُّ عن أنس رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال:} أيَعجز أحدُكم أن يكون كأبي ضَمضَمٍ؟، قالوا: مَن أبو ضمضم يا رسول الله؟ قال: كان إذا أصبح قال: اللهمَّ إني قد وهبتُ نفسي وعِرضي لك، فلا يشتم من شتَمَه، ولا يَظلِم مَن ظلَمه، ولا يَضرب مَن ضربَه{
4ـ أن تكون في حاجته :
من الصور المشرقة لأصحاب الرسول (ﷺ) سيدنا عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما يروى أنه كان معتكفًا في مسجد الرسول (ﷺ)  فأتاه رجل على وجهه علامات الحزن والأسى، فسأله عن سبب حزنه؛ فقال له: يا ابن عم رسول الله، لفلان علي حق ولاء، وحرمة صاحب هذا القبرأي قبر الرسول (ﷺ) ما أقدر عليه؛ فقال له: أفلا أكلمه فيك؟ فقال الرجل: إن أحببت؛ فقام ابن عباس، فلبس نعله، ثم خرج من المسجد، فقال له الرجل: أنسيت ما كنت فيه؟‍! (أي أنك معتكف ولا يصح لك الخروج من المسجد).
فرد عليه قائلاً: لا، ولكن سمعت صاحب هذا القبر(ﷺ) والعهد به قريب -فدمعت عيناه- وهو يقول: (من مشى في حاجة أخيه، وبلغ فيها كان خيرًا له من اعتكاف عشر سنين، ومن اعتكف يومًا ابتغاء وجه الله تعالى، جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق أبعد مما بين الخافقين (المشرق والمغرب) (لطبراني والبيهقي والحاكم).
الخاتمة:
إن أمتنا اليوم في حاجة ماسة للوحدة أكثر من أي وقت مضى ، ،ولأن الاجتماع والاتفاق سبيل إلى القوة والنصر ، والتفرق والاختلاف طريق إلى الضعف والهزيمة ، وما ارتفعت أمة من الأمم وعلت رايتها إلا بالوحدة والتلاحم بين أفرادها ، وتوحيد جهودها ، والتاريخ أعظم شاهد على ذلك .
نحن في هذا اليوم جدير بنا أن نمدَّ أيدينا بالمصافحة، وألسنتَنا بالكلام الطيب، وقلوبنا بغَسلِها مِن الأضغان والأحقاد والشَّحناء والبغضاء؛ فيجب اليوم أن تتواصَلَ أرحامُنا ، وتتقارَب قلوبُنا؛ هذا هو جوهر العيد في الإسلام.
فالعيد الحقيقي يوم يعطف الغني على الفقير، ، يوم يتصالح الناس ويتسامحون، يوم يتحابّ المسلمون فيما بينهم، يوم يحافظ الناس على ما يرضي ربهم لا ما يغضبه، يوم يشعر الناس بهموم الناس، يوم يتم احترام قيمة الإنسانية فلا يُعتدى على مال الإنسان وحريته وعقله ودينه ونفسه.
"والله لو كبَّرَت قلوبُ المسلمين كما كبَّرت ألسنتهم، لغيَّروا وجه التاريخ، ولو
اجتمعوا دائمًا كما يجتمعون لصلاة العيد، لهزَموا جحافل الأعداء، ولو تصافحَت قلوبهم كما تتصافح أيديهم، لقضوا على عوامل الفُرقة، ولو تبسَّمت أرواحهم كما تبسَّمت شفاههم، لكانوا مع أهل السماء، ولو لبسوا أكمل الأخلاق كما يلبسون أفخر الثياب، لكانوا أجمل أمة على الأرض".
ويكون حال الأمة كما وصفها الشاعر ..
لو كبرت في جموع الصين مئذنة     سمعت في المغرب تهليل المصلين.
إذا اشتكي مسلم في الهند أرَّقني         وإن بكى مسلم في الصين أبكاني
ومصر ريحانتي والشام نرجسي      وفي الجزيرة تاريخي وعنواني
أرى بُخَارَى بلادي وهي نائية         وأستريح إلى ذكرى خُرَاسان
وأينما ذكر اسم الله في بلدٍ            عددت ذاك الحمى من صُلْب أوطاني
شريعة الله لَمَّتْ شملنا                 وَبَنَتْ لنا معالم إحسان وإيمان
فهنيئاً لكم بالعيد يا أهل العيد ،واذكروا الله  كما هداكم، واشكروه على ما أعطاكم؛ وجددوا إيمانكم وحسنوا أخلاقكم ،واحفظوا دمائكم واجتنبوا الفتن تفوزوا برضا ربكم وأدام الله عليكم أيام الفرح ، وسقاكم سلسبيل الحب والإخاء .
نسأل الله تعالى أن يوحد صف المسلمين وأن يجمع شمل المسلمين ، وأن يؤلف بينهم ، وأن يصلح ذات بينهم .
اللهم تقبل من الصائمين صومهم ومن القائمين قيامهم ، ومن المنفقين نفقتهم  واجعلنا من عتقائك من النار ومن المقبولين واجعلنا من الفائزين برمضان.
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺃﺻﻠﺢ ﻟﻨﺎ ﺩﻳﻨﻨﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻋﺼﻤﺔ ﺃﻣﺮﻧﺎ، ﻭﺃﺻﻠﺢ ﻟﻨﺎ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻌﺎﺷﻨﺎ، ﻭﺃﺻﻠﺢ ﻟﻨﺎ ﺁﺧﺮﺗﻨﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻌﺎﺩﻧﺎ، ﻭﺍﺟﻌﻞ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﻟﻨﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺧﻴﺮ، ﻭﺍﻟﻤﻮﺕ ﺭﺍﺣﺔ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﺮ.
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﺧﺘﻢ ﻟﻨﺎ ﺑﺨﺎﺗﻤﺔ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ، ﻭﺍﺟﻌﻠﻨﺎ ﻣﻤﻦ ﻛﺘﺒﺖ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ ﻭﺯﻳﺎﺩﺓ، ﻳﺎ ﻛﺮﻳﻢ ﻳﺎ ﺭﺣﻴﻢ.
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻻ‌ ﺗﺤﺮﻡ بلاد الإسلام ﻣﻦ ﺍﻷ‌ﻣﻦ ﻭﺍﻷ‌ﻣﺎﻥ ،واجعل بلدنا مصر آمناُ مطمئناً سخاءً رخاء وسائر بلاد المسلمين.، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين .

وكل عام وحضراتكم بخير .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

================== 

رابط pdf

https://www.raed.net/file?id=728823

رابط doc

https://www.raed.net/file?id=728825


ليست هناك تعليقات:

المشاركة المميزة

شؤم المعصية

الحمد لله رب العالمين ..أنار الطريق لعباده الصالحين فجعل العبيد ملوكا بطاعته، والملوك عبيدا بمعصيته ، فالعز كل العز في طاعته والذل كل الذل ف...