وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له..
له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير ..أنعم علينا بالنعم التي لا
تعد ولا تحصي ؛ فقال تعالي {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا
بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ
الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)}
[الإسراء].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) أوصي بالاهتمام بالصحة وبين أنها
من أعظم نعم الله تعالي علي الإنسان فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) {نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ
الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ}.[أخرجه البُخَارِي وأحمد والتِّرْمِذِيّ والدارِمِي
وابن ماجة].
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم
تسليما كثيرا إلي يوم الدين .
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون .
فإن الإسلامَ منهجُ حياة متكامل لجميع
شؤون الإنسان: الاجتماعية، والأخلاقية، والاقتصادية، والسياسية، والعلمية،
والفكرية، وغيرها.
ولقد خلق الله تعالي الإنسان مكون من جسد
وروح، فبالجسد يتحرك الإنسان ويحس، وبالروح يدرك ويعي، ويحب ويكره، ولكل من الجسد
والروح مقوماته ورغائبه ، فمقومات الجسد ورغائبه هي الطعام والشراب وغيرهما من
الشهوات المادية واللذائذ الحسية، وقد تعرض الإسلام لهذه المقومات والرغائب
بالتهذيب للمحافظة على صحة الأجسام، لذلك كان موضوعنا عن {منهج الإسلام في المحافظة علي الصحة العامــــــة }
وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية :ـ
1ـ نظرة الإسلام إلي الصحة .
2ـ منهج الإسلام في المحافظة
علي الصحة .
3ـ الصحة نعمة تحتاج إلي شكر
الله عز وجل .
===============
العنصر الأول : نظرة الإسلام
إلي الصحة :ـ
الصحة في نظر الإسلام ضرورة إنسانية،
وحاجة أساسية وليست ترفا، أو أمرا كماليا، ولحياة الإنسان حرمتها، ولا يجوز
التفريط بها، أو إهدارها، إلا في المواطن التي حددتها الشريعة، قال تعالى {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ
أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ
فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا
النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ
كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)} [المائدة].
كما يستدل من قول الرسول (ﷺ) { كان
فيمن قبلكم رجل به جرح، فجزع فأخذ سكينا، فحز بها يده، مما رقأ الدم حتى مات، فقال
الله تعالى: {بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة}[رواه البخاري ].
ومن يتأمل هدي رسول الله (ﷺ) ، يجده أفضل هدي يحفظ الصحة فإن
حفظ الصحة موقوف على تدبير المشرب والملبس والمسكن والهواء والنوم واليقظة والحركة
والسكون، فإذا حصلت هذه على الوجه المعتدل الموافق الملائم للبدن وظروفه ، [السن-
محل السكن- السعادة] ، كان ذلك أقرب إلى دوام الصحة والعافية وحفظها وحمايتها.
فقد روى الإمام أحمد في مسنده، من حديث
ابن عباس قال، قال رسول الله (ﷺ): {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ }. [رواه البخاري].
وأمر (ﷺ)
أن يغتنم هذه النعمة قبل فوات وقتها، وأن يستغلها فيما يُصلح دينه ودنياه فيقول
صلى الله عليه وسلم: {اغتنم خمساً قبل خمس، اغتنم شبابكَ
قبل هرمكِ، وصحتكَ قبل سقمكٍ، وغناكَ قبل فقركِ، وفراغك قبل شُغلك، وحياتك قبل
موتك}. [أخرجه الحاكم في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه ].
كما روى ابن ماجه في سننه من حديث عبد الله بن
محصن الأنصاري قال: قال رسول الله (ﷺ)
{من أصبح معافى ، في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما
حيزت له الدنيا بحذافيرها}[البُخَارِي ، في الأدب المفرد
وابن ماجة والتِّرمِذي].
والأحاديث، الكثيرة في شأن الصحة والعافية
لهي أكبر دليل على اهتمام الإسلام ورسوله الكريم بحفظ الصحة والعناية بها، ولهذه
العناية مظاهر وشواهد وآثار.
العنصر الثاني : منهج الإسلام
في المحافظة على الصحة العامة :ـ
إن الإسلام الحنيف ينظر للإنسان علي أنه
ذلك المخلوق المكرم، فاعتنى به، وشرع له من الأحكامِ ما يحفظ حياته، وكرامته،
ويقيه مما يؤذيه ويؤذي صحته، وقد اهتم الإسلامُ بصحة الإنسان أيِّما اهتمام، تُلكم
النعمة العظيمة التي وهبها الله للإنسان، فاعتنى بها، وذَّكر الإنسان بـأهميتها
وعظيم شأنها ولقد تنوعت مظاهر الاهتمام بصحة الإنسان في الإسلام، فلم تقتصر الصحة
على الجسد وحده بل تعدت إلى صحة العقلِ، والصحة النفسية، فأمَّا صحة الأبدان ومن
أساليب الإسلام وتشريعاته ومبادئه التي جاء بها للمحافظة على صحة الإنسان:ـ
1-الحث على النظافة
والطهارة .
اعتنى الإسلام بالنظافة عناية فائقة، واهتم بها
اهتماما بالغا، وأولاها رعاية خاصة، وذلك لما للنظافة من أثر عظيم على صحة الأفراد
والمجتمعات، وسلامة الأبدان ونضارتها، فهي عنوان المؤمنين، وسمة من سمات المسلمين،
قال تعالى :{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ
وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)}[ البقرة] .
وعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ ،
قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ (ﷺ) {الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ}. [أخرجه أحمد والدارِمِي] .
فقد حث الإسلام على الاعتناء بنظافة البدن
بصفة دائمة ،فأوجب الاغتسال عند حدوث الجنابة ، وبعد انقطاع دم الحيض والنفاس
للمرأة ، كما سن الاغتسال أيام الجمع والأعياد ، وعند لبس الإحرام ودخول مكة
والطواف .
عنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ (ﷺ) قَالَ:
{مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، فَأَحْسَنَ غُسْلَهُ ، وَتَطَهَّرَ
فَأَحْسَنَ طُهُورَهُ ، وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ، وَمَسَّ مَا كَتَبَ
اللَّهُ لَهُ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ ، وَلَمْ يَلْغُ ،
وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اثْنَيْنِ ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْجُمُعَةِ الأُخْرَى}.[ أخرجه أحمد] .
كما أمرنا الله تعالى بأخذ الزينة
والاعتناء بطهاة الثوب ، والتطيب وبخاصة في أماكن العبادة ، قال تعالى :{ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ
مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ
الْمُسْرِفِينَ (31)}[ الأعراف].
هذا عن طهارة البدن وأما عن طهارة الثوب
فقد قال الله لنبيه (ﷺ): {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)}[المدثر].
عن أبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قال :
سَمِعْتُ رَسُولَ الله (ﷺ): {يَقُولُ: إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ ,
فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ , وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ , حتى تكون كأنكم شامة في
الناس , فَإِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلاَ التَّفَحُّشَ}. [أخرجه أحمد
وأبو داود].
كما أمرنا بالمحافظة على طهارة المكان ، فعَنْ
صَالِحِ بْنِ أَبِى حَسَّانَ , قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ
يَقُولُ : {إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ ,
نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ ، جَوَادٌ يُحِبُّ
الْجُودَ ، فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ}[أخرجه
الترمذي] .قال أبو عِيسَى التِّرْمِذِي : هذا حديث غريب.
ومن المحافظة على المكان إماطة الأذى عنه ،عَنْ
أَبِى هُرَيْرَةَ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ):{الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَابًا فَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ
الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَأَرْفَعُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} .[أخرجه
أحمد].
2- الوسطية في الطعام
والشراب :ــ
الإسلام دين الوسطية والاعتدال في كل شيء، وهو
الدين الذي ارتضاه الله لعباده من عهد آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ونظرة
الإسلام إلى الطعام والشراب أي: الغذاء الذي هو عصب حياة الإنسان هي كذلك نظرة
الوسطية والاعتدال، فلا إفراط ولا تفريط, ولا إسراف ولا تقصير، ولا علو ولا تقصير،
ويأمرنا الله سبحانه وتعالى ويرشدنا إلى ذلك في قوله تعالى : {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا
يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)}[ الأعراف] .
وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ)
{كُلْ وَاشْرَبْ، وَالْبَسْ وَتَصَدَّقْ، فِي غَيْرِ
سَرَفٍ وَلَا مَخِيلَةٍ }[رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَعَلَّقَهُ
الْبُخَارِيُّ هذا حديث صحيح الإسناد] .
وعن الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِي كَرِبَ
الْكِنْدِيَّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (ﷺ)
:{يَقُولُ: مَا مَلأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ
بَطْنٍ ، حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فَإِنْ كَانَ لاَ
مَحَالَةَ ، فَثُلُثُ طَعَامٍ ، وَثُلُثُ شَرَابٍ ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ }.[أخرجه
أحمد والتِّرمِذي، والنَّسائي في الكبرى].
فيجب أن يشتمل الطعام على جميع المواد
المكونة للغذاء المتوازن ولكي تكون التغذية سليمة لا بد من تناول القدر المطلوب
للجسم من الغذاء فإذا زادت كمية الطعام عن احتياج الجسم اختزن هذا الزائد على هيئة
دهون تؤدي إلى مرض السمنة ويمكن القول إن الإسراف في الطعام هو السبب الحقيقي لمرض
السمنة ، والسمنة تؤدي إلى تصلب الشرايين وأمراض القلب وتشحم الكبد وتكون حصوات
المرارة ومرض السكر ودوالي القدمين والجلطة القلبية والروماتزم المفصلي الغضروفي
بالركبتين وارتفاع ضغط الدم والأمراض النفسية والآثار الاجتماعية التي يعاني منها
البعض. إن الإسراف في الطعام يؤدي إلى اضطرابات شديدة بالجهاز الهضمي من أوله إلى
آخره وهذا دائماً ما يؤدي إلى دوام شكوى المريض وتوتره وعصبيته وقلقه وتردده على
عيادات الأطباء المختلفة التخصصات لو علم أن هذا كله يرجع إلى الإسراف في الطعام
والشراب.
فعن سفيان الثوري قال: {إن أردت أن يصح جسمُك، ويقل نومك؛ فأقل من الأكل} وروي
عن رسول الله (ﷺ) :{أن
رجلاً تجشَّأ عنده: فقال له عليه الصلاة والسلام كُفَّ عنا جشاءك، فإن أكثرهم
شبعًا في الدنيا، أطولُهم جوعًا يوم القيامة}.
[رواه مسلم] .
وروي عنه (ﷺ)
أنه قال:{إن من السرف أن تأكل كلَّ ما اشتهيت}[ رواه مسلم
بشرح الإمام النووي].
و جاء في وصايا لقمان لابنه:{يا بني، إذا امتلأتِ المعدة؛ نامتِ الفكرة، وخرستِ الحكمة،
وقعدت الأعضاء عن العبادة}.
3- ممارسة الرياضة :ــ
حث الإسلام على ممارسة الرياضة المفيدة
النافعة ، وجعلها أداة لتقوية الجسم ؛لأنه يريد أن يكون أبناؤه أقوياء في أجسامهم
وفى عقولهم وأخلاقهم وأرواحهم, ولقد مدح الله تعالى القوة في كتابه الكريم ، فقد
وصف الله تعالى نفسه فقال تعالي:{ذُو الْقُوَّةِ
الْمَتِينُ (58)}[ الذاريات].
والمسلم مطالب بحفظ صحته والمجتمع مطالب
بوقاية نفسه من الأمراض بل توفير الصحة الايجابية بمفهومها الحديث، يقول الله
تعالى:{إن خير من استأجرت القوى الأمين }[القصص].
ويقول الرسول(ﷺ):{ لو لم يكن لابن آدم الا اسلامه والصحة لكفاه }.
وليس ذلك بغريب فالمؤمن القوي الصحيح أقدر على
اداء الرسالة التي خلق الله الانسان من أجلها ليعيش على الأرض ويؤدي الامانة التي
تقبل ان يحملها. والاسلام لا يقبل أن تكون أمة المسلمين غثاء كغثاء السيل تعيش
هامش الحياة في عجز جسماني وفكري فعندئذ يكون بطن الأرض خيرا لها من ظاهرها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ):{ المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل
خير ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني
فعلت كان كذا وكذا ولكن قل :قدر الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان }[رواه
مسلم].
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَتَتَرَّسُ مَعَ النَّبِيِّ (ﷺ) بِتُرْسٍ
وَاحِدٍ ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ حَسَنَ الرَّمْيِ ، فَكَانَ إِذَا رَمَى
يُشْرِفُ النَّبِيُّ (ﷺ) ، فَيَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ نَبْلِهِ}.[أخرجه أحمد والبُخَارِي].
4- الجسم أمانه فأعطه حقه
من الراحة :ـ
أكد الإسلام على حق البدن ، فالبدن أمانة
عند الإنسان، من واجبه أن يحافظ عليه ويلبي احتياجاته من الغذاء الكافي والنوم
الكافي ، والراحة والملبس اللائق النظيف والمسكن اللائق والأثاث المريح ، والمنكح
الحلال والتداوي من المرض، والتمتع بما أحل الله من الطيبات في حدود العرف الاجتماعي
الذي يكون سائرا وفق شريعة الله تبارك وتعالى. قال سبحانه وتعالي: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا
تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا(77)}[القصص].
من هنا فقد حثنا النبي الكريم (ﷺ) على العناية والاهتمام بحق البدن
.
وقد قال النبي (ﷺ)
لعبد الله بن عمرو بن العاص وقد أرهق نفسَه بالعِبادة صيامًا وقيامًا: {صُمْ وأفْطِرْ وقُمْ ونَمْ، فإنّ لبدنِك عليك حَقًّا وإنّ
لعينِك عليك حقًّا}[رواه البخاري ومسلم].
وقال (ﷺ):
{لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه. قيل: وكيف يذل نفسه؟ قال:
يتعرض من البلاء ما لا يطيق }[رواه أحمد والترمذي].
وراحة الجسم الطبيعة ،وحقه الفطري في النوم يكون
بالليل ، فبعض الناس قد حولوا نهارهم إلى ليل وليلهم إلى نهار، وهذا يؤثر على
الصحة العامة للجسم ولقد قال الله في كتابه الكريم {وَالَّذِي
جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67)}[يونس].
وقال تعالي:{وَهُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ
النَّهَارَ نُشُورًا (47) }[الفرقان].
وقال تعالي:{اللَّهُ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ
اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ
(61)}[غافر].
وقال تعالي أيضا : {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا
اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)} [النبأ].
5- حماية البيئة من
التلوث:ـ
لقد حرص الإسلام الحنيف على نظافة البيئة
التي ستنعكس حتماً على صحة الفرد والمجتمع والتي تتمثل في:
- نظافة المساكن والأفنية ونظافة الطرقات
وأماكن التجمع :ـ
عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ (ﷺ) ، قَالَ: {عُرِضَتْ عَلَىَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي ، حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا
، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا ، الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ ،
وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا ، النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ
لاَ تُدْفَنُ}.[أخرجه أحمد والبُخاري في الأدب المفرد ومسلم] .
وعنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ
الأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (ﷺ) يَقُولُ:{غَطُّوا
الإِنَاءَ ، وَأَوْكِئُوا السِّقَاءَ ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ
فِيهَا وَبَاءٌ ، لاَ يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَمْ يُغَطَّ ، وَلاَ سِقَاءٍ لَمْ يُوكَ
، إِلاَّ وَقَعَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ} [أخرجه أحمد ومسلم] .
ـ حفظ الهواء من التلوث.
فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:{نهى رسول الله (ﷺ) أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه}[رواه أبو
داود].
وحفظ الماء من التلوث عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال سمعت رسول الله (ﷺ) يقول:{لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه}[متفق
عليه].
عن ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) يَقُولُ:
{اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ قِيلَ مَا
الْمَلاَعِنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْ يَقْعُدَ أَحَدُكُمْ فِى ظِلٍّ
يُسْتَظَلُّ فِيهِ أَوْ فِى طَرِيقٍ أَوْ في نَقْعِ مَاءٍ}. [أخرجه أحمد أبوداود
وابن ماجة].
6- تحريم الأشربة والأطعمة
الضارة.
ولتحقيق مبدأ الوقاية قبل العلاج فقد حرم
الإسلام بعض الشربة وبعض الأطعمة ،
قال تعالى:{وَيُحِلّ
لَهُمُ الطّيّبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ (157)}[الأعراف].
فحرم كل مسكر ومفتر كالخمر والمخدرات،
فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[ المائدة]
وقال الرسول(ﷺ):
{اتقوا الخمر فإنها أم الخبائث} . [الألباني في
السلسلة الصحيحة ].
كما حرم الإسلام بعض الأطعمة المضرة ،
والتي تنقل العدوى ,فحرم أكل لحوم الحيوانات الميتة والدم وأكل لحم الخنزير،
والسباع والطيور الجارحة، وأكل الحيوانات والطيور التي تتغذى على القاذورات،
واقتناء الكلاب والتعامل معها إلا لضرورة، وقد أثبت العلم أن هذه الحيوانات
ولحومها تشكل بؤراً لتجمعات هائلة وخطيرة من الكائنات الدقيقة الفاتكة بالإنسان،
فماذا قال العلم الحديث فيها ؟ .
قال تعالى :{حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ
اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ
وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ
وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ
أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ
تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ
عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ
الْحِسَابِ (4)} [المائدة].
وقال تعالي:{قُلْ
لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا
أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ
رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ
وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا
حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ
شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا
اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
(146)}[الأنعام].
وقد أجمع العلماء على تحريم جميع أجزاء
الخنزير، وذكر الآية للحم الخنزير هو من باب المجاز اللغوي ، إذ أطلق الله عز وجل
الجزء ( وهو اللحم) وأراد الكل ( وهو جميع الخنزير) ، لأن اللحم هو الجزء الأهم
والمأكول من الخنزير ، وقد أثبت العلم الحديث الحقائق التالية المتعلقة بلحم
الخنزير.
حيث يقول ربنا سبحانه عنه: (فإنه رجس)
والرجس الشيء القذر، والأقذار والنجاسات هي السبب الأكبر في إصابة الإنسان
بالأمراض المختلفة لما فيها من جراثيم وطفيليات ممرضة.
ومن اللحوم المحرمة أيضا والتي تنقل
العدوى : أكل لحوم الجلاّلة وشرب ألبانها: قلقد نهى النبي (ﷺ) {عن أكل لحم الجلالة وشرب
ألبانها وأكل الحمر الأهلية}.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: {نَهَى رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) عَنْ أَكْلِ الْجَلاَّلَةِ وَأَلْبَانِهَا}.
[أَخْرَجَهُ أبو داود (ابن ماجة) والتِّرْمِذِيّ]. والجلالة هي كل
دابة تأكل الأقذار وخصوصاً العذرة، التي تعتبر بيئة خصبة لنمو وتكاثر الديدان
والطفيليات والجراثيم الضارة، إذ تحتوي على عدد هائل منها، يزيد على المائة بليون
جرثومة في الجرام الواحد، لذلك فالعذرة تشكل مخزناً ومصدراً رئيسياً للخطر.
7- الوقاية خير من العلاج (العناية
بالطب الوقائي):ـ
تفرد الإسلام بوضع أسس الطب الوقائي التي
أثبت العلم الحديث إعجازها، وزعم الغرب أنه مكتشفها، بينما هي متأصلة في جذور
العقيدة الإسلامية.
وفي الأحاديث النبوية الشريفة التي أرست
قواعد الوقاية من الأوبئة من خلال سلوكيات فردية مردودها الإيجابي جماعي ويمس
الصالح العالم.
فكان الإسلام من أول من سن ما يسمي بعزل
المرضى أو الحجر الصحي: َ
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، سَمِعَ أَبَا
هُرَيْرَةَ بَعْدُ يَقُولُ : قَالَ النَّبِيُّ (ﷺ):
{لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ}. [أخرجه أحمد
والبُخاري ومسلم] .
عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي
وَقَّاصٍ ،عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) :{إِذَا سَمِعْتُمْ
بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ ، فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ وَأَنْتُمْ
بِأَرْضٍ ، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ }. [أخرجه مالك الموطأ وأحمد
والبُخَارِي ومسلم] .
عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (ﷺ) يَقُولُ : {فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ}. [أخرجه ابن
أبي شَيْبَة ].
عن أبي هريرة رضي الله عنه : {لا عدوى ، ولا طيرة ،ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر
من الأسد}.[أخرجه البخاري معلقا ] [صحيح].
قال أبو عبيدة لعمر رضي الله عنهما لما
أراد الفرار من الطاعون بالشام: أتفر من القضاء؟
قال: أفر من قضاء الله إلى قدر الله ،
وهذا شطر من حديث طويل أخرجه البخاري في الطاعون، وفيه:{فنادى عمر في الناس: إني
مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة : أفرارا من قدر الله ؟ فقال عمر: لو
غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله }. [ فتح الباري].
ثم إذا حدثت العدوى ، أو قدر على الإنسان
المرض ، فلا بد من التداوي منه ،
فقد كان من هدي النبي (ﷺ) فعل التداوي في نفسه ، والأمر به لمن أصابه مرض
من أهله.
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللهِ (ﷺ): {إِنَّ اللهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ ، وَجَعَلَ
لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً ، فَتَدَاوَوْا ، وَلاَ تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ}.[أخرجه أبو
داود] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ﷺ) قال :
ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاء. صحيح البخاري في الطب وعنْ ذَكْوَانَ ، عَنْ
رَجُلٍ مِنَ الأنْصَار .
قَالَ :عَادَ رَسُولُ اللهِ (ﷺ) رَجُلاً
بِهِ جُرْحٌ .
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (ﷺ):{ ادعوا لَهُ طَبِيبَ بَنِي
فُلاَنٍ ، قال : فَدَعَوْهُ ، فَجَاءَ .
فَقَالَ : يَا
رَسُولَ اللهِ ، وَيُغْنِي الدَّوَاءُ شَيْئًا؛ فَقَالَ : سُبْحَانَ اللهِ ،
وَهَلْ أنْزَلَ اللّهُ مِنْ دَاءٍ فِي الأرْضِ إِلاَّ جَعَلَ لَهُ شِفَاءً}.[أخرجه
أحمد] .
قال ابن حجر رحمه الله : فيه الإشارة إلى
أن الشفاء متوقف على الإصابة بإذن الله ، وذلك أن الدواء قد يحصل معه مجاوزة الحد
في الكيفية أو الكمية فلا ينجع ، بل ربما أحدث داء آخر إذا قدر الله ذلك ، و إليه
الإشارة بقوله : بإذن الله فمدار ذلك كله على تقدير الله و إرادته .
والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه
دفع الجوع والعطش للأكل والشرب ، وكذلك تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع
المضار وغير ذلك.
8- المحافظة على الصحة
العقلية والنفسية :ـ
إن هناك ثمة علاقة وطيدة بين الصحة
العقلية والنفسية وبين الصحة الجسمانية , فالإجراءات التي يجب إتباعها لكي يحافظ
الإنسان على صحته، هي ليست حكراً على الأشخاص الأسوياء الذين يتمتعون بصحة جيدة،
بل هي ضرورية أيضاً لأولئك الأفراد من ذوي الخلفية المرضية تاريخياً كذلك.
وهناك علاقة بين الصحة العقلية والنفسية
وبين الأمراض الجسمية : فهناك حقيقة إحصائية تقول : إن غير قليل من الذين يترددون
على المصحات والعيادات والمستشفيات لا يعانون من أمراض جسمية واضحة، رغم أعراضها
البدنية والعضوية ، وهناك حقيقة أخرى تؤكد على أن بعض الأمراض الجسدية ذات أصل
انفعالي ، فبعض أسباب القرح المعدية والمعوية تعود إلى اضطراب الحياة المزمنة.
وقد اهتم الإسلام بالصحة النفسية للمسلم
بأن أرشده إلى الإيمانِ بالله، والإيمان بقضاء الله وقدره، وأنَّ ما شاء الله كان
وما لم يشأ لم يكن، وأن رزق العبدِ مقدر كائن معروف لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها
وأجلها، فاتقوا الله وأجملُ في الطلب.
أخي المسلم ...
فإيمانك بقضاء الله وقدره يقتضي منك السير
بما ينفعك والحرص على ما ينفعك {هُوَ الَّذِي جَعَلَ
لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ
وَإِلَيْهِ النُّشُورُ(14)} [الملك].
وعندما تفقد الآمل في أشياء ترجوها، وعندما
لا تنجح في أمور تتمناها ، فلا تيأس ولا تقنط وواصل الجد بالجد، وارضى بما قسم
الله، واعلم أن لله حكمةً فيما قضى وقدر لكن اليأس والقنوط ممنوع، كنُ عالي الهمة
أبذل السبب والجهد وتحرى الأمور النافعة، وإذا فشلت فلا تيأس فربما فشل اليوم
تُحققه مطالبك في يومٍ آخر، ولله الحكمة فيما يقضي ويُقدر، إيَّاك أن تكون قلقاً
على مستقبلك ورزقك ، فالكُلُ بيد الله، أمضي في طريقك وشق الطريق مع الاتزان في
الأمور واستخارة الله قبل كل شيء، والاستشارة النافعة، والطمأنينة والأناة في
الأمور، والله على كل شيء قدير قال تعالي{للَّهُ يَبْسُطُ
الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ (62)}[العنكبوت].
لذا كان النبي (ﷺ)
يعجبه التفاؤل؛ عَنْ قَتَادَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ (ﷺ) قَالَ: {لاَ عَدْوَى ، وَلاَ طِيَرَةَ ،قَالَ
: وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ .فَقُلْتُ : مَا الْفَأْلُ ؟ قَالَ : الْكَلِمَةُ
الطَيِّبَةُ}. [أخرجه أحمد والبُخَارِي ،ومسلم] .
ويحرص على بث روح التفاؤل والأمل فيمن
حوله ،عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ ، قَالَ:{شَكَوْنَا
إِلَى رَسُولِ اللهِ (ﷺ) ، وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ ، فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ،
فَقُلْنَا : أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا ، أَلاَ تَدْعُو لَنَا ، فَقَالَ : قَدْ
كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ ،
فَيُجْعَلُ فِيهَا ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ ،
فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ
وَعَظْمِهِ ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللهِ ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا
الأَمْرُ ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ
يَخَافُ إِلاَّ اللهَ ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ
تَسْتَعْجِلُونَ}. [أخرجه أحمد والبُخَارِي، وأبو داود ، والنَّسائي] .
لأن التفاؤل تنشرح له النفوس وتسر له
القلوب، فهو من أسباب سعادة الإنسان وزوال الهم عنه، ولذلك فإن التفاؤل من أهم
أسباب الصحة النفسية والعقلية والبدنية.
قال تعالى :{وَعَسَى
أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا
وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) }[
البقرة] .
العنصر الثالث : الصحة نعمة
تحتاج إلي شكر الله عز وجل :ـ
الصحة نعمة من الله يهبها من يشاء من
عباده و ما على الانسان إلا المحافظة عليها بالامتناع عن كل ما يؤدي إلى إصابتها
بالأمراض أو الضعف و ما دامت الصحة هبة من الله فلا بد من شكر الواهب بعبادته و
طاعته لأن الشكر من أسباب دوام نعمه. وقد بين رسول الله (ﷺ)
، أن صحة البدن وعافيته من أكبر نعم الله على الإنسان في الدنيا،
فقد روي الترمذي من حديث أبي هريرة عن
النبي (ﷺ) أنه قال:{
أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له،ألم نصح لك جسمك ونروك من
الماء البارد}.
وقد قال السلف الصالح في قوله تعالى: (ثم
لتسئلن يومئذ عن النعيم) أي عن الصحة.
كما روى الإمام أحمد في مسنده أن النبي (ﷺ) قال للعباس{يا عباس يا عم رسول الله سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة}.
ومنه عن أبي بكر الصديق قال سمعت رسول
الله (ﷺ) يقول{سلوا
الله اليقين والمعافاة فما أوتي أحد بعد اليقين خيرا من العافية }[رواه النسائي] .
وفي الترمذي :{ما
سئل الله شيئا أحب إليه من العافية }.
فجمع بين عافيتي الدين والدنيا، ولا يتم
صلاح العبد في الدارين إلا باليقين والعافية، فاليقين يدفع عنه عقوبات الآخرة ،
والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه. فعلينا أن نقدر نعم الله تعالي
علينا ، وإذا أراد المرء أن يعرف قيمة تلك النعمة العظيمة فليذهب إلى المستشفيات،
ولينظر إلى الراقدين على الأسرة، والمصابين بأنواع من الأمراض الجسدية مثل مرض
القلب والشلل، وفقدان بعض الأعضاء، وهم يتمنون أن يكونوا في كامل صحتهم وعافيتهم،
ولذا حثنا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام على استغلال تلك النعمة في طاعة الله
ورسوله .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ (ﷺ) قَالَ :{بادِرُوا
بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى
مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا
مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؛
فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [أخرجه الترمذي في سننه].
إذا أراد المسلم أن يحفظ الله له هذه
النعمة فعليه أن يحفظ أوامر الله تعالي ويؤدي حقوق الله عز وجل ويوظف هذه النعمة
في طاعة الله تعالي ،كما قال (ﷺ) (احفظ الله يحفظك ) من حديث ابن عباس رواه الترمذي .
قال ابن رجب :مَنْ حفظ الله في صباه وقوته
: حفظه الله في حال كبَره وضعف قوته ، ومتَّعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله ،
وكان بعض العلماء قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله ، فوثب يوماً وثبةً
شديدةً فعوتب في ذلك ، فقال : هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغَر فحفظها الله
علينا في الكبَر ، وعكس هذا : أن بعض السلف رأى شيخاً يسأل الناس فقال : إن هذا
ضعيف ضيَّع الله في صغره فضيَّعه الله في كبَره .
وعلينا بالدعاء وسؤال الله العافية فعَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ (ﷺ):
الدُّعَاءُ لاَ يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ. قَالَ
: فَمَاذَا نَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : {سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ }. [أخرجه أحمد] .
ومما يحفظ لنا نعمة الصحة أن نشكر الله
عليها، ونثني علي الله بما هو أهله يقول سبحانه وتعالى {لَئِنْ
شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (7)}[إبراهيم].
وجاء في حديث أنس رضي الله عنه قال: قال
رسول الله (ﷺ) {إن
الله ليَرضى عن العبد أن يأكل الأَكلة، فيَحمده عليها، أو يشرب الشَّربة، فيحمده
عليها}[رواه مسلم].
وكان من دعاء رسول الله (ﷺ) {اللهم
إني أعوذ بك من زوالِ نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتِك، وجميع سخطك}[ رواه
مسلم].
وقانا الله وإياكم شر الآفات والأمراض،
ورزقنا جميعا الصحة والعافية، ووقانا شر مصارع السوء.
ربنا أوزعنا أن نشكرَ نعمتَك التي أنعمتَ
علينا وعلى والدينا، وأن نعمل صالحًا ترضاه ، وأصلح لنا في ذرياتِنا، وتب علينا.
اللهم عافنا في أبداننا، وعافنا في
أسماعِنا، وفي أبصارنا، لا إله إلا أنت.
اللهم ما أصبح أو أمسى بنا من نعمةٍ فمنك
وحدك لا شريكَ لك؛ فلك الحمد ولك الشكر، اللهمَّ إنا نصبحُ ونمسي في نعمةٍ وعافية
وستر دائمٍِ فأتم نعمتَك علينا وعافيتك وسترَك في الدنيا والآخرة.
اللهم آمين وصل اللهم وسلم علي سيدنا
ومولانا محمد وعلي آله وصحبه وسلم .
انتهت
بفضل الله تعالي وتوفيقه.
========
رابط pdf
رابط doc
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق