الحمد لله رب العالمين مُيسرِ سبل العبادة لمن سلكها ومبين طُرق النجاة لمن طلبها، فحذر من حال أهل الغفلة، فقال تعالي}وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) {الأعراف .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق النفس من العدم فأنطقها وبث في الكون آثار وحدانيته فجلاها وأظهرها (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ۗ (3)) (الأنبياء).
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم حث علي اغتنام الأوقات والفرص ، فعن محمد ابن سلمة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (ألا إن لله في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها، فإنَّ مَن تعرَّض لنفحة من نفحات الله لم يعذبه الله أبدًا).رواه الطبراني في الكبير .
فاللهم صل وسلم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبة وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين .
أما بعد :ـ فيا أيها المؤمنون ..
أيام مضت، وشهور انقضت، ودار التاريخ دورته، فأقبلت الأيام المباركة تبشِّر بقدوم شهر القرآن، وبين يدي هذا القدوم يهلُّ علينا شهر شعبان، مذكرًا جميع المسلمين بما يحمله لهم من خير، والمسلم يعلم أن شهر شعبان ما هو إلا واحد من شهور السنة } إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ (36){ (التوبة)؛
ولكن المسلم يشعر أن لشهر شعبان مذاقاً خاصاً فيفرح بقدومه ويستبشر به خيراً، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾ (يونس)،
إن المؤمن ليتقلب في هذا الزمان ، ويمد الله له في الأجل، وكل يوم يبقاه في هذه الدنيا هو غنيمة له ليتزود منه لآخرته، ويحرث فيه ما استطاع ويبذر فيه من الأعمال ما استطاعته نفسه وتحملته.
وها قد مضى شهر رجب، ودخل شعبان، وفاز من فاز بالتقرب والاستعداد في رجب لرمضان، ودخل شعبان والناس عنه غافلة.
ومن هنا كانت تلك الوقفات التربوية مع هذا الشهر الكريم:
الوقفة الأولي : مكانة شهر شعبان .
الوقفة الثالثة: الحياء من الله تعالي.
الوقفة الثالثة: الحياء من الله تعالي.
الوقفة الرابعة: مغفرة الذنوب.
الوقفة الخامسة : لا تكن من الغافلين.
الوقفة السادسة : شعبان دورة تأهيلية لرمضان.
وسنذكر بفضل الله وتوفيقة كل وقفة علي حدة بالتفصيل كما يلي ....
الوقفة الأولي : مكانة شهر شعبان :ـ
يأتي شهر شعبان من كلِّ عام ليفيض علينا من الخيرات والبركات والرحمات والذكريات الطيبة المباركة ما نحن في أَمَسِّ الحاجة إليه.
فشهر شعبان كله متميز من أشهر العام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفل به بعد شهر رمضان كما لم يكن يحفل بأي شهر من شهور العام.
هو الشهر الذي يتشعب فيه خير كثير؛ من أجل ذلك اختصَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة تفضِّله على غيره من الشهور، ولذلك يتميز شهر شعبان بأنه الشهر الذي أحبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفضَّله على غيره من الشهور، فقد روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله يصوم ولا يفطر حتى نقول: ما في نفس رسول الله أن يفطر العام، ثم يفطر فلا يصوم حتى نقول: ما في نفسه أن يصوم العام، وكان أحب الصوم إليه في شعبان).
ومن شدّة محافظته صلى الله عليه وسلم على الصوم في شعبان أن أزواجه رضي الله عنهن كن يقلن: إنه يصوم شعبان كله، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شهر غير رمضان؛
فهذه عائشة رضي الله عنها وعن أبيها تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان. [رواه البخاري ومسلم].
فهذه عائشة رضي الله عنها وعن أبيها تقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صيامًا منه في شعبان. [رواه البخاري ومسلم].
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله: لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان!! قال: "ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم". [رواه النسائي].
وهذه أم سلمة رضي الله عنها تقول: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان، ولشدة معاهدته صلى الله عليه وسلم للصيام في شعبان، قال بعض أهل العلم: إن صيام شعبان أفضل من سائر الشهور، وإن كان قد ورد النص أن شهر الله المحرم هو أفضل الصيام بعد رمضان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل". [رواه مسلم].
قال ابن رجب رحمه الله : صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم ، وأفضل التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده ، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض ، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده ، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه .
ووقفتنا التربوية هنا:
هل تحب ما أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟،
وهل تجد في نفسك الشوق لهذا الشهر كما وجده الحبيب؟
وهل تجعل حبك للأشياء مرتبطًا بما يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟؛
هو اختبار عملي في أن تحب ما يحب الله ورسوله "لا يؤمن أحدكم؛ حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به".
ولماذا أحبه رسول الله صلي الله عليه وسلم ؟
لأنه ترفع فيه الأعمال إلي الله رب العالمين ....
الوقفة الثانية: عرض الأعمال:
هو الشهر الذي فيه تُرفع الأعمال إليه سبحانه وتعالى؛ فقد روى الترمذي والنسائي عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ من حديث النبي صلي الله عليه وسلم: "لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان!! قال:"ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم". [رواه النسائي].
وهو الشهر الذي يرحم الله عز وجل فيه المسترحمين، ويغفر لعباده المستغفرين، هذا الشهر شهر يعتق الله سبحانه وتعالى فيه أعدادًا لا تُحصى.. لا يحصيها إلا الله عز وجل من النار.
ففي هذا الشهر يتكرَّم الله على عباده بتلك المنحة العظيمة؛ منحة عرض الأعمال عليه سبحانه وتعالى، وبالتالي قبوله ما شاء منها، وهنا يجب أن تكون لنا وقفة تربوية ؛ فإن شهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك وحصاد أعمالك عن هذا العام، فبم سيُختم عامك؟
ثم ما الحال الذي تحب أن يراك الله عليه وقت رفع الأعمال؟
وبماذا تحب أن يرفع عملك إلى الله؟
هي لحظة حاسمة في تاريخ المرء، يتحدد على أساسها رفع أعمال العام كله إلى المولى تبارك وتعالى القائل:}إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ (10){ (فاطر)،
فهل تحب أن يُرفع عملك وأنت في طاعة للمولى وثبات على دينه وفي إخلاص وعمل وجهاد وتضحية؟
أم تقبل أن يُرفع عملك وأنت في سكون وراحة وقعود وضعف همة وقلة بذل وتشكيك في دعوة وطعن في قيادة؟ راجع نفسك أخي الحبيب، وبادر بالأعمال الصالحة قبل رفعها إلى مولاها في شهر رفع الأعمال.
الوقفة الثالثة: الحياء من الله تعالي :
ففي حديث رفع الأعمال السابق بُعْدٌ آخر يجب أن نقف معه وقفةً تربويةً......
فالناظر إلى حال الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في شعبان، يظهر له أكمل الهدي في العمل القلبي والبدني في شهر شعبان، ويتجسد الحياء من الله ونظره إليه بقوله: ".. وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم"،
ففي الحديث قمة الحياء من الله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بألا يراه الله إلا صائمًا، وهذا هو أهم ما يجب أن يشغلك أخي المسلم، أن تستحي من نظر الله إليك، تستحي من نظره لطاعات قدمتها امتلأت بالتقصير،
ولذلك قال بعض السلف: (إما أن تصلي صلاة تليق بالله جل جلاله، أو أن تتخذ إلهًا تليق به صلاتك)،
وتستحي من أوقات قضيتها في غير ذكر لله، وتستحي من أعمال لم تخدم بها دينه ودعوته، وتستحي من همم وطاقات وإمكانيات وقدرات لم تستنفذها في نصرة دينه وإعزاز شريعته، وتستحي من قلم وفكر لم تسخره لنشر رسالة الإسلام والرد عنه، وتستحي من أموال ونعم بخلت بها عن دعوة الله، وتستحي من كل ما كتبته الملائكة في صحيفتك من تقاعس وتقصير، وتستحي من كل ما يراه الله في صحيفتك من سوءات وعورات، كل ذلك وغيره يستوجب منك أخي الحبيب الحياء من الله والخشية منه.
الوقفة الرابعة: مغفرة الذنوب:
فإن شهر شعبان هو شهر المنحة الربانية التي يهبها الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن لله في أيام دهركم أيامًا وأشهرًا يتفضَّل بها الله على عباده بالطاعات والقربات، ويتكرَّم بها على عباده بما يعدُّه لهم من أثر تلك العبادات، وهو هديةٌ من رب العالمين إلى عباده الصالحين؛ ففيه ليلة عظيمة هي ليلة النصف من شعبان، عظَّم النبي صلى الله عليه وسلم شأنها في قوله صلى الله عليه وسلم: "يطِّلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلاَّ لمشرك أو مشاحن"
روت أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فصلى وسجد وأطال السجود حتى ظننت أنه قد قُبض، فلما رأيت ذلك قمت وحركت أنمله فتحرك، فرجعت فسمعته يقول في سجوده:
"اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك" فلما سلَّم قال لي "يا عائشة: أظننت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خاس بك؟
" قلت لا والله يا رسول الله، ولكنني ظننت أنك قد قُبِضت أي لطول سجوده وعدم تحركه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتعلمين أي ليلة هذه؟" قلت: الله ورسوله أعلم، "قال: إنها ليلة النصف من شعبان، يَطَّلِع الله عزَّ وجلَّ فيها على عباده فيقول: ألا هل من مستغفر فأغفر له، ألا هل من سائل فأعطيه، ألا هل من داع فأستجيب له، ويؤخر أهل الأحقاد كما هم .
هي فرصة تاريخية لكل مخطئ ومقصر في حق الله ودينه ، وهي فرصة لمحو الأحقاد من القلوب تجاه إخوانه، فلا مكان هنا لمشاحن وحاقد وحسود؛ وليكن شعار المسلم قوله تعالى:}رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (10){ (الحشر)،
قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور، وسخاوة النفوس، والنصيحة للأمة، وبهذه الخصال بلغ من بلغ، وسيد القوم من يصفح ويعفو، وهي فرصة لكل من وقع في معصية أو ذنب مهما كان حجمه، هي فرصة لكل من سولت له نفسه التجرؤ على الله بارتكاب معاصيه، هي فرصة لكل مسلم قد وقع في خطأ "كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون"
هي فرصة إذًا لإدراك ما فات، وبدء صفحة جديدة مع الله تكون ممحوة من الذنوب وناصعة البياض بالطاعة.
الوقفة الخامسة : لا تكن من الغافلين :
شهر شعبان هو الشهر الذي يغفل عنه الناس كما قال الحبيب صلي الله عليه وسلم: "ذلك شهر يغفل عنه الناس"
ولذلك قال أهل العلم: هذا الحديث فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله عز وجل، وقد كان بعض السلف يستحبون إحياء ما بين العشائين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة ، فهي دعوة لوقفة مع النفس ، هل صرنا من الغافلين عن شهر شعبان وفضله ؟
وهل أدركتنا الغفلة بمعناها المطلق ؟
هي وقفة تربوية نقيم فيها أنفسنا ومدى تملك الغفلة منا ، و نعرض فيها أنفسنا على قوله تعالى}وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28){ (الكهف)،
وقوله تعالى:}وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الغَافِلِينَ (205){ (الأعراف) ،
وقوله تعالى }لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (179){ (الأعراف)
إن الداء الذي أضعف الأمة وأصابها في مقتل رجالها ونساءها إلا من رحم الله هو : داء الغفلة .
فالغفلة هي : هي السهو عن الشيء .
إن المصيبة الأعظم والداهية الأطم أن يغفل العبد عن دينه ، أن يغفل عن الله ، أن يغفل عن اليوم الآخر، فتلك والله المهلكة للفرد والأمة على السواء ألم تسمعوا ما أخبر الله به عن قوم فرعون وبين سبب هلاكهم حيث قال:}فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136){ الأعراف .
فالغفلة لها صور متعددة منها ...
1ـ غفلة العبد بعظمة خالقه، وإعراضه عنه، وانصرافه عن طاعته، وتعلقه بغيره، وانكبابه على شهواته وملذاته، وتقديم نفسه على ما يرضي ربه، وحرصه على دنياه، وسعيه على جمع حطامها :ـ
وصدق الله العظيم إذ يقول [بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى(17)](الأعلى)،
فتجده مفرطاً في الصلوات، مضيعاً للنوافل والقربات، إن أدى زكاة ماله لم تخرج طيبة بها نفسه، وإن صام إنما يصوم رياءً، وإن بادر لفعل الخير قام به مجاملة وسمعة، تجد لسانه غافلاً عن الله، لاهياً بالقيل والقال، والغيبة والنميمة، والكذب والبهتان، يفرح بمعصية الله، ويغضب إذا نُصح في الله، قلبه بالدنيا معلق، وإلى المال محبب، همه فرجه وبطنه، إذا ذُكِّر لا يذكَر، وإذا نُصح لا يستنصح، حياته لدنياه، وعمره فانٍ في هواه، كل ما ترغبه نفسه يبادر إليه، فهل بعد هذا الخسران خسران؟
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:(ليس تحسُّرُ أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها) (رواه البيهقي والطبراني) ذكر الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب وغيره..
2 ـ ومن الغفلة: تقصير العبد في حق أهله وولده:ـ
يسارع إلى أعماله وكأنما يسارع إلى كنز ثمين، تاركاً وراءه زوجته وأولاده وهم أمانة في عنقه، يقضي حاجاتهم من طعام وشراب ولباس وتعليم وغيره، ولا يقضي حاجتهم من المحبة والنصح والإرشاد، إذا دخل بيته لم يُعلم به، وإذا خرج غاب، فماذا يفعل مع هذه الأمانة عندما يسأله عنها ربه، أحفظ أم ضيع؟
عن الحسن رحمه الله عن النبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)(رواه ابن حبان في صحيحه).
3 ـ ومن الغفلة: تقصيره في حقوق العباد:ـ
فلا يصل رحمه، ولا يزور جاره، ولا يعود مريضاً، ولا يبش في وجوه إخوانه، تجده قاسياً في معاملته، باخلاً عن البذل لإخوانه، يبادر إلى الإساءة وينتظر الإحسان، همه نفسه وهو لنفسه مضيعٌ.
4ـ الغفلة عن ذكر الله تعالي :ــ
إن من صفات الغافلين أنهم قليلو الذكر لله ... يقول سبحانه موجهاً نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ (205)} الأعراف .
وفي سنن الترمذي...عَنْ يُسَيْرَةَ وَكَانَتْ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ قَالَتْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ مُسْتَنْطَقَاتٌ وَلَا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ)...
إن مجالسَ الذكرِ مجالسُ الملائكةِ ومجالسَ اللغوِ والغفلةِ مجالسُ الشياطينِ فليتخيرِ العبدُ أعجبهما إليه وأولاهما به فهو مع أهله في الدنيا والآخرة، وكم من المجالس اليوم سواء في العمل أو في الحي أو حتى في المنزل تكون مجالس غفلة لا يُذكر الله فيها إلا قليلاً أو قد لا يذكر فيها بالمرة ، كم من المجالس يود المرء أن يخرج منها كفافاً لا له ولا عليه لما يتم فيها من أكل لحوم الناس من خلال الغيبة .
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لاَ يَذكُرُونَ اللهَ فِيهِ إِلاَّ قَامُوا عَنْ مِثلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً». أخرجه أبو داود والترمذي.
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِساً لَمْ يَذكُرُوا اللهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبيِّهِمْ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ». أخرجه أحمد والترمذي.
فكيف يعيش هنيئاً من طال بعده عن الله، وكيف يعيش سعيداً من هجر محبة الله، وكيف يرتاح من شكا همه وغمه لغير الله؟
فكيف يعيش هنيئاً من طال بعده عن الله، وكيف يعيش سعيداً من هجر محبة الله، وكيف يرتاح من شكا همه وغمه لغير الله؟
وقال أيضاً: (إن كل مجلس لا يذكر العبد فيه ربه تعالى كان عليه حسرة وترة يوم القيامة).
معاشر الأحبة : إن الغافل عياذاً بالله يستهين بمحارم الله لأن حاله كما يصفه الإمام ابن القيم رحمه الله بقوله:
إن حجاب الهَيْبَةِ لله عز وجل رقيقٌ في قلبِ الغافلِ.
وقال أيضاً:على قدر غفلة العبد عن الذكر يكون بعده عن الله.
أيها الأحبة : الغافل لا يترقي أبداً ، تقعد به غفلته عن الترقي في مراتب الكمال ، يقول الإمام ابن القيم في ذلك:
لا سبيل للغافل عن الذكر إلى مقام الإحسان،كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت.
5ـ الغفلة عن الآخرة :ـ
وليست الغفلة قصراً على الجاهل وغير المتعلم بل هناك ممن يحملون أكبر الشهادات في علوم الدنيا وهم من الغافلين أخبر عن ذلك الله بقوله تعالي{ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) }الروم.
عباد الله:
من خاف الوعيد قَصُر عليه البعيد، ومن طال أمله ضعف عمله، وكل ما هو آت قريب، وما شغل عن الله فهو شؤم، فالتوفيق خير قائد، والإيمان هو النور، والعقل خير صاحب، وحسن الخلق خير قرين.
يقول الحسن البصري رحمه الله: (المؤمن قوَّامٌ على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خفّ الحساب يوم القيامة على أقوام حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وشقّ الحساب على أقوام يوم القيامة أخذوا هذا الأمر على غير محاسبة، فحاسبوا أنفسكم رحمكم الله، وفتشوا في قلوبكم)
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم}تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأيُّ قلب أُشْربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأيُّ قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين، قلب أسود مربادٍّ كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب هواه، وقلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض{(أخرجه مسلم).
فاحذروا يا عباد الله من مرض القلوب، وبادروا إلى تصحيح الأخطاء، فاليوم مهلة، وغداً حساب.
يقول أحد الصالحين: يا عجباً من الناس يبكون على من مات جسده، ولا يبكون على من مات قلبه، شتان بين من طغى وآثر الحياة الدنيا، وبين من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى.
تمرض القلوب وتموت إذا انحرفت عن الحق، وقارفت الحرام، تمرض القلوب إذا فتنت بآلات اللهو وخليع الصور قال تعالي[نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ](التوبة:67(
الغافلون موعدهم النار غداً وعدهم بذلك جبار السموات والأرض بقوله تعالي }إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8){ يونس .
تأمل فيمن حولك فستجد أن من غفل توافرت فيه هذه الصفات رضي بالحياة الدنيا واطمأن بها وكأنها النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول وتسبب هذا الرضى وهذا الاطمئنان في غفلته عن الموت وأنه لا شك في يوم راحل، غفل أنه سيسأل غداً عما جنت يداه فأقبل على الشهوات يعب منها عباً ما عاد يفرق بين حلالها وحرامها يتابع نفسه في كل ما تشتهيه بغير تفكير ولا ترو ولا وجل،هذا الصنف من بني البشر وصفه الله لنا في كتابه وذكر مصيره فقال تعالي:}ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109){ النحل .
والغفلة لها أسباب منها .....
السبب الأول: الانشغال بالدنيا عن الآخرة :ـ
فأهل الدنيا في غفلة عظيمة لذلك كان من دعاء النبي صلي الله عليه وسلم (اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :(من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره،وجعل فقره بين عينيه،ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ،ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره،وجعل غناه في قلبه،وأتته الدنيا وهي راغمة) .أخرجه أحمد والترمذي ، وابن ماجه .
السبب الثاني : طول الأمل الذي ينسي الآخرة :ــ
قال تعالى }ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ(3){ (الحجر)
وصح في الحديث الذي رواه مسلم والبخاري : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (لا يزال قلب الكبير شاباً في اثنتين: في حب الدنيا، وطول الأمل ) متفق عليه، واللفظ للبخاري.
يا من بدنياه اشتغل وغرّه طول الأمل
فالموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العمل
عباد الله :
اتفقت وصايا الأنبياء عليهم السلام وأتباع الأنبياء على أن المؤمن ينبغي له أن يكون في الدنيا كأنه على جناح سفر.
إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ،وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء
قال صلى الله عليه وسلم (ما لي وللدنيا، ما أنا فيها إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها) رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
قال أبو الدرداء : قال أبو الدرداء: أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث.....
قال أبو الدرداء : قال أبو الدرداء: أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث.....
أضحكني : مؤمل الدنيا والموت يطلبه ، وغافل لايغفل عنه ، وضاحك ملء فيه ، ولا يدري أساخط ربه أم راض.
وأبكاني: هول المطلع ، وانقطاع العمل ، وموقفي بين يدي الله ، ولا أدري أيؤمر بي إلى الجنة أم النار .
فالأمل يا عباد الله سلطان الشيطان على قلوب الغافلين.
يا غافلا تتمادى...غدا عليك ينادى فالله جل وعلا خلق خلقا كثيرا للنار ..
قال تعالى:}وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ ....... ما هي صفاتهم ؟؟
لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ(179 {( الأعراف.
أولئك كالأنعام ..في همتها وشهواتها للدنيا.. الموقوفة على الأكل والشرب والتمتع بالشهوات ،قال تعالي }وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ(12){محمد.
بل هم أضل .... أضل من البهائم... وهذا لسببين :
الاول : أن البهائم تميز بين الضار والنافع أما هؤلاء الغافلون لا يميزون فكانوا بفعلهم هذا أضل من الأنعام
قال تعالي} وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11){ الملك.
الثاني : أن الأنعام تذكر الله وتسبحه وتصلي إليه} أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41){النور.
عباد الله: متى ينتبه الغافلون من غفلاتهم؟!
قال تعالي }يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ(7){ الروم.
ينتبهون في موقفين:
الموقف الأول:
في ساعة الاحتضار،عند السكرات والزفرات، يعلم الغافل أنه كان غافلاً }وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19){. ق
فالموت ياتي بغة.....وأنتم لا تشعرون ......
قال تعالي }وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) {ق.
لقد كنت في الدنيا في غفلة عن ذلك اليوم كنت في غفلة عن الموت وسكرته والقبر وظلمته والحساب وشدته.
عند الاحتضار تعاين المغيبات،الملائكة .
يقول علي رضي الله عنه (الناس نيام اذا ماتوا انتبهوا ( .
في هذه اللحظة يعلم أنه غافل ويستفيق ويصرخ: (رَبِّ ارْجِعُونِ( أريد العودة، أريد الرجعة ..لما العودة أيها الغافل ؟! لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ) يصرخ: رَبِّ ارْجِعُونِ يا رب فرصة أخرى لأحافظ على الصلوات ،وأترك المنكرات ، يصرخ: (رَبِّ ارْجِعُونِ يا رب فرصة أخرى ،أرد المظالم إلى أصحابها، يصرخ: (رَبِّ ارْجِعُونِ(
سأمر نسائي وبناتي بالحجاب والستر ، كَلَّا ؟
انقضى زمن العمل ، لا رجعة للعمل .
سأمر نسائي وبناتي بالحجاب والستر ، كَلَّا ؟
انقضى زمن العمل ، لا رجعة للعمل .
عباد الله ...
ينتبه الغافلون في ساعة الاحتضار فيقول أحدهم}: رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيب فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10){ (المنافقون)
والجواب: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ..وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ .
أما حالك في القبر ، إما أن تكون في حسرة ، فتقول: رب لا تقم الساعة، وإما أن تكون فرحاً مما ترى من كرامات الله ، من روح وريحان فتقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة.
والموقف الثاني
الذي يتذكر الغافلون أنهم في غفلة: هو موقف الآخرة} وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ(12){ ) السجدة)
عندما يعاينون جهنم والعذاب ، يتذكر الغافلون فيقولون} وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ (37){ فاطر.
عباد الله ..
متى الغفلة ؟ فلنسارع إلى التوبة والإنابة .
مر الحسن البصري على مجموعة من الشباب، ومن بينهم شاب يضحك بأعلى صوته، فقال له الحسن : هل مررت على الصراط ؟ قال: لا !
قال: هل تدري إلى الجنة يؤخذ بك أم إلى النار؟ قال: لا !
قال: إذاً: على ماذا هذا الضحك؟
ورأينا بعض السلف يقول: ما نمت ليلة إلا ظننت أني لا أستيقظ بعدها.
وآخر كلما أراد الخروج من المسجد بكى بكاء شديداً، فإذا قيل له: ما الذي يبكيك؟ قال: أخاف أن لا أرجع إليه مرة ثانية.
حقا إنهم (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) النور.
وهذا عبد الله بن عامر رحمه الله سمع منادياً ينادي لأذان المغرب وكان في مرض شديد، بل ربما كان ينتظر ساعة الاحتضار، فقال لأبنائه: خذوني إلى المسجد، قالوا: أنت ممن عذرهم الله، ليس على المريض حرج، قال: والله إني لأستحي أن أسمع النداء فلا أجيب.
واليوم نري من يمرون من جانب المساجد وكأن الأمر لا يعنيهم، ويسمعون حي على الصلاة، حي على الفلاح فلا يجيب إلا قليل.
قال: خذوني إلى المسجد، فإني والله لأستحي أن أسمع النداء ولا أجيب، فاغتسل وتطيب وتعطر وذهب لأداء صلاة المغرب، فلما سجد السجدة الأولى لم يرفع رأسه بعدها، وما أحلاه من ختام ، وما أحلاها من نهاية، --
السبب الثالث : عدم التدبر والتفكر في آيات الله ومعجزاته الكبرى:ـ
يقول الله سبحانه وتعالى: ]وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ(105)[ يوسف
آيات الله في الكون كثيرة،عظيمة،واضحة للعيان,الشمس آية,القمر آية ,الليل آية ,النهار آية ,الجبال آية,السحاب آية, إمساك الأرض آية,ثبات الأرض آية،جاذبيتها آية,الصوت آية...
الإنسان نفسه فيه آيات عظيمة كما قال الشاعر:
وتَحسبُ أنكَ جُـرْمٌ صغـير وفيكَ انطوى العالَمُ الأكـبرُ؟!
فهذه آيات عظيمة من آيات الله سبحانه وتعالى، تحتاج وقفات من التدبر، والتأمل؛ لتزيدَ العبدَ صلةً بالله، فما أجمل التدبر والتفكر! لأنه يزيد المسلمَ قُرباً من الله، ويزيده حالاً وصلةً بالله تبارك وتعالى، فلْنعلمْ إذا كنا ممن يُعرض عن آيات الله في الكون أننا من الغافلين عنه تبارك وتعالى.
السبب الرابع : صُحبة أهل السوء:ـ
الصحبة الفاسدة سبب مهم جداً من الأسباب التي تجعل الإنسان غافلاً عن الله، فقد قيل قديماً: "الصاحب ساحب".
وقيل أيضاً: " قلّي من تصاحب، أقُلْ لك من أنت". وقيل: "الطبعُ يسرق من الطبعِ".
فمن جالس أهل الغفلة، وأهل الجرأة على المعاصي، سرى إلى نفسه ذلك الداء, ومن تجرّأ على الله في مجلسٍ من المجالس، ولم يجد من يردعه، أو يعظه، أو يذكّره، انتقل هذا الداء إلى غيره, مثل كثيرٍ من القضايا, فبعض الناس مثلاً اعتاد أن يستخدم ألفاظ الطلاق في مجلسه, فدائماً يحلف بالطلاق, ويحلف بالحلال والحرام, فينتقل هذا الخُلُق السيئ إلى بعض زملائه, وبعض الأشخاص ربما لا يعرف لعب الورق، فإذا أدام المجلس مع زملائه الذين يلعبون بالورق، تعلّم منهم وسايَرَهم, بعض الناس لا يدخن، فإذا جلس مع المدخنين، فإن هذا الداء الخطير يسري إليه منهم, وهكذا فكل خُلقٍ، وكل طبعٍ سيئٍ وفاسدٍ، إنما سببه الصحبة الفاسدة, فلْنحرِصْ على ألا نصاحب إلا مؤمناً, كما ورد في الحديث الشريف: "لا تصاحبْ إلا مؤمناً، ولا يأكلْ طعامَك إلا تقيٌّ". صحيح ابن حبان.
عاقبة الغافلين :ــ
إن الغفلة داء عضال، ومرض فتاك، أهلك الماضين، وأوقع الأحياء في بُعد عن التزود ليوم الدين، صرف الكثيرين عن ربهم، وأرداهم الموت فكانوا من الخاسرين، سهوا عن طلب النجاة لأنفسهم، وغفلوا عن التزود للقاء ربهم، فاستيقظوا من غفلتهم، وهم موسدون في قبورهم، مرتهنون بأعمالهم، يتمنى الواحد منهم أن يرجع إلى الدنيا كي يقدم زاداً يجده بين يدي ربه عندما تنشر الصحائف، وتفضح الخلائق بما قدموا من مساوىء أعمالهم.
ولقد لخص بعض أهل العلم مضار الغفلة في عدة نقاط منها :ـ
أولها: أنها تجلبُ الشيطانَ وتُسخطُ الرحمنَ.
ثانيها: أنها تُنزل الهم والغم في القلب وتبعد عنه الفرح وتميت السرو.
ثالثها: أنها مدعاة للوسوسة والشكوك.
رابعها: أنها تورث العداوة والبغضاء وتذهب الحياء والوقار بين الناس.
خامسها:أنها تبلد الذهن وتسد أبواب المعرفة.
سادسها: أنها تُبعد العبد عن الله وتجره إلى المعاصي.
سابعها : تـُوصِلُ العَبدَ بَعْدَ الموتِ إلى الحسرة والندامة يوم يلقى الله تعالى.
ثامنها : تُسَبِّبُ الخُسرانَ في دار الخزي البوار مع الكفار والفجار.
أيها الأحبة في الله :
لو كان لأحدنا شجرة يتعاهدها بالسقيا ثم غفل عنها ما الذي يحدث فيها تذبل أوراقها وتموت أغصانها وهكذا أيها الأحبة في الله شجرة الإيمان في القلب تغذيها وتسقيها بذكر الله ، ومتى ما غفلت عنها فإنه لن يسقيها أو يتعهدها أحد سواك فقد تذبل و تموت والعياذ بالله وحينها تكون من الغافلين،أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ}(13) الأعراف .
إن النجاة للعبد في الدنيا والآخرة هي في الإقبال على الله تعالى بقلبه وقالبه، فمدار السعادة هو طاعة الله، ومحبته، والانقياد لأمره، والعمل بما يرضيه، والحرص على كل ما يقربه إليه، [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ للَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ](الأنفال:24( .
فلا بد من علاج لداء الغفلة فلا تتردد ولا تتأخر ولا تسوف
فلا بد من علاج لداء الغفلة فلا تتردد ولا تتأخر ولا تسوف
أي لا تسوّف، ولا تنتظر، ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد؛ لأن التسويف، والتأجيل والتعليل، أمرٌ دخيلٌ على هذه الأمة، ويفترض أن يتخلص الإنسان من هذا المرض.
ويقول الشاعر:
وانتـبه مـن رقـدةِ الغفـ ـلةِ فـالعـمـرُ قـليـلُ
واطَّــرِحْ سـوفَ وحـتى فـهُـمــا داءٌ دخـيـلُ
علاج الغفلة :ــ
1 ـ ملازمة ذكر الله تعالى في كل الأوقات:ـ
يقول تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا(41)[ الأحزاب .
أمرنا بالإكثار من الذكر، وليس ذكراً عادياً. ويقول في آية أخرى:[فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا... (200)[ البقرة
وقد أشار النبي صلي الله عليه وسلم إلى فضيلة التفرد بالذكر في وقت من الأوقات لا يوجد فيه ذاكر ولاستيلاء الغفلة على الناس، ولهذا لو نظرت إلى الفضائل والدرجات التي منحت للذاكرين في وقت غفلة الناس تجد شيئًا عجبًا، فهذا الرجل الذي يدخل السوق فيذكر الله، له أجر عظيم؛ لأنه ذكر الله في مكان غفلة الناس، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم}من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة، وبني له بيت في الجنة{
2 ـ ترك المعاصي والتنّزّه من الذنوب ومحاسبة النفس :ـ
قال النبي صلى الله عليه وسلم}إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع، واستغفر، وتاب صُقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه{ . رواه الترمذي.
أي إن عاد إلى الذنوب فإنّ اسوداد القلب يتضاعف، ويكثر حتى يعم القلبَ القسوةُ والظلمة.
والله تعالى وصف هذه الحالة وقال: ]كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ(14)[ المطففين .
أي إن الذنوب والمعاصي كانت سبباً لكثرة الران, وهي الظلمة والقسوة في قلوبهم.
لابد من محاسبة النفس فيما يعتريها من الغفلة لتوقظ مشاعر الإقبال على الله في القلب واللسان والجوارح جميعاً، فمن لم يظفر بذلك فحياته كلها والله هموم في هموم، وأنكاد وغموم، وآلام وحسرات،[ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىٰ(14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ (15)](الأعلى)
3- الصحبة الصالحة:ـ
مما يُبعد الغفلة عن الإنسان أن نختار صحبةً صالحة، كما قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطً(28){ الكهف.
صاحب من يخاف الله ويتقيه، صاحب من يريد وجه الله، ويسعى إلى رضا الله سبحانه وتعالى، ولا تصاحب الأردى,
كما قال الشاعر:
إذا كنتَ في قومٍ فصاحبْ خِيـارَهم ولا تَصْحَبِ الأردى فتَردى مع الرَّدِي.
الوقفة السادسة : شعبان دورة تأهيلية لرمضان:
شهر شعبان هو شهر التدريب والتأهيل التربوي والرباني؛ يقبل عليه المسلم سليم الصدر من الأحقاد والضغائن ، ليكون مؤهلاً للطاعة في رمضان، وبمراجعة الأحداث التي تمت في هذا الشهر تجد أنه قد حدث في الشهر أربعة أمور عظام..
1ـ فرض الصيام في رمضان..
2ـ فرض الزكاة.. والزكاة كانت مفروضة في مكة لكن دون تحديد لنصاب والأحكام المختلفة.. فحدد ذلك في شعبان 2 هجرية..
3ـ فرض القتال على المسلمين بعد أن كان مأذوناً به فقط.. وذلك عندما نزل قول الله عز وجل: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا"..
4ـ تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة في النصف من شعبان سنة 2 هجرية..
فهذه أربعة أمور في غاية الأهمية تركزت كلها في شهر واحد وهو شعبان 2 هجرية!!..
لماذا؟!!
لأن في الشهر القادم – رمضان سنة 2 هجرية - سيحدث أمر هام جداً يحتاج إلى كثير إعداد, وإلى عظيم تربية....
فعلي المسلم أن يغتنم شعبان في إعداد نفسه إعدادا روحيا وعلميا ، فيقرأ في شهر شعبان كل ما يخص شهر رمضان ووسائل اغتنامه، ويجهِّز برنامجه في رمضان، ويجدول مهامه الخيرية، فيجعل من شهر شعبان دورة تأهيلية لرمضان، فيحرص فيها على الإكثار من قراءة القرآن والصوم وسائر العبادات، ويجعل هذا الشهر الذي يغفل عنه كثير من الناس بمثابة دفعة قوية وحركة تأهيلية لمزيد من الطاعة والخير في رمضان؛ فهو دورة تأهيلية لصيام رمضان؛ حتى لا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرَّن على الصيام واعتاده، ووجد في صيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذَّته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط، وحتى يتحقَّق هذا الأمر.
قال أبو بكر البلخي: (شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع)،
وقال أيضًا: (مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر)، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان، ولذلك كان تسابق السلف الصالح على هذا الأمر واضحًا، قال سلمة بن كهيل كان يُقال: شهر شعبان شهر القراء، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال هذا شهر القراء، وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرَّغ لقراءة القرآن، فأدرك زرعك أخي الحبيب في شهر شعبان، وتعهده بالسقي وتفقده ألا يصاب بالجفاف.
أيها المؤمنون ...
أطرقوا أبواب الجنان:فإن شهر شعبان بمثابة البوابة التي تدخلنا إلى شهر رمضان؛ ولأن رمضان هو شهر تفتح فيه أبواب الجنة، كما أخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله: " إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين" (البخاري)، فأين المشمرون عن السواعد؟!
أين المشتاقون إلى لقاء الله؟!
أين المشتاقون إلى الجنة؟!
ها هي الجنة تنادي أنا أصبحت عند أبوابكم، ففي شهر شعبان مجال طرق الأبواب، بكل وسائل الطرق المتاحة، فاطرقوا أبواب الجنان بالتوبة والاستغفار والإنابة إلى الله واللجوء إليه، واطرقوا أبواب الجنان بالتضرع والوقوف على أعتاب بابه مرددين: (لن نترك بابك حتى تغفر لنا)، واطرقوا أبواب الجنان بالصيام والقيام والصلاة بالليل والناس نيام، واطرقوا أبواب الجنان بالطاعات والقربات وبالإلحاح في الدعاء؛ فإن أبا الدرداء كان يقول: (جِدوا بالدعاء، فإنه من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له)، هي دعوة للتحفز والاستعداد والتهيؤ بالوقوف على العتبات والأعتاب؛ لعله يفتح عن قريب فترى نور الله القادم من شهر القرآن.
عباد الله ...
قد اقترب الموعد وحان الأجل .. كما قال الله تعالي (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ.) (الأنبياء:1ـ3).
فلنبادر بالتوبة والعمل الصالح قبل أن يفاجئنا الموت وساعتها نندم في وقت لاينفع فيه الندم .
فاللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا علي القوم الكافرين ..
اللهم آمين وصل اللهم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق