الحمد لله رب العالمين …أكرم الأمة بشهر رمضان ، الذي أنزل فيه القرآن ، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، فقال تعالي { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ (185)}[البقرة ].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... جعل الغاية من الصيام التقوي فقال تعالي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)}[البقرة].
وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله (ﷺ) …. معلم الصائمين وإمام المتقين وسيد الأنبياء والمرسلين ، دعانا إلي حسن استقبال رمضان لما فيه من خيرات وفيوضات ونفحات ..
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): {مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ .[رواه البخاري،ومسلم]
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين ..
أما بعـــد .. فيا أيها المؤمنون
يحل شهر رمضان المبارك ضيفاً على أمة الإسلام في أصقاع المعمورة وينتظره المسلمون صغاراً وكباراً رجالاً ونساءً كل عام بلهفة وشوق؛ لينهلوا من بركاته، ويغترفوا من خيراته، ويرتشفوا من ضفافه فهو المعين الدافق، والنهر الخافق، وهو شهر النفحات والرحمات الربانية، وهو شهر تجديد الإيمان وصقل الشخصية وهو شهر المغفرة والتوبة والعتق من النار وهو شهر التآلف والتراحم والبذل والعطاء وهو شهر توحيد القلوب وصفاء النفوس..
فما أحوجنا إلي هذا الشهر وإلى فضائله ومنحه في حياتنا اليومية، وفي هذا الزمان الذي ضعف فيه الإيمان، وفسدت فيه الكثير من القيم والأخلاق، وقست القلوب وزاد القلق وكثرت الهواجس، وضعف اليقين بما عند الله وما أعده لعباده!!
ما أحوجنا إلى هذه النفحات الربانية؛ لننجو بها من شقاء الدنيا وتعاسة الآخرة.. فعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) {افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله؛ فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم}[حديث حسن].
فهل فهمنا مدي حاجتنا إلي رمضان وانتبهنا لأهميته في حياتنا وأحسنا استقباله واغتنامه حتي نفوز في الدارين لذلك كان حديثنا عن [رمضان بين الإستقبال الرباني والإستقبال الجاهلي]
وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ استعداد الكون لاستقبال رمضان .
2ـ استقبال الجاهلين لرمضان
3ـ استقبال المستهترين.
4ـ استقبال الربانيين.
5ـ شهر رمضان اختيار الله للمؤمنين.
6ـ رمضان فرصة لا تعوض .
العنصر الأول : استعداد الكون لاستقبال رمضان :ـ
شهر رمضان هو الشهر الذي يستعد لاستقباله الكون كله، السموات وأهلها والأرض وأهلها. فأما السماوات وأهلها، فهكذا يكون استقبالهم لشهر رمضان:ـ
1ـ تفتح أبوابها طوال الشهر لا تغلق لقول الرسول (ﷺ): {إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب السماء فلا يغلق منها باب حتى يكون آخر ليلة من رمضان}.
2ـ تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد أي تقيد الشياطين لقول الرسول (ﷺ): {إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين}.
3ـ تتزين الجنة وتستعد لاستقبال سكانها من أهل الصيام والإيمان لقوله (ﷺ): {أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسًا لم يعطهن نبي قبلي- منها- فإن الله عز وجل يأمر جنته فيقول لها استعدي وتزيني لعبادي أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي}
4ـ ينادي منادٍ من السماء على أهل الأرض كل ليلة كما أخبر الرسول (ﷺ) قائلاً: {ونادى منادٍ من السماء كل ليله إلى انفجار الصبح يا باغي الخير يمم وأبشر ويا باغي الشر أقصر وأبعد، هل من مستغفر يغفر له، هل من تائب يتوب عليه هل من داعٍ يستجاب له، هل من سائل يعطى سؤله) أي أن السماوات وأهل السماوات يستعدون ويستقبلون شهر رمضان بكل خير}.
أما الأرض وأهلها فأمر استقبال شهر رمضان يختلف، فبالرغم من المنح والعطايا والنفحات التي يمنحها رب العباد لعباده في هذا الشهر مثل زيادة الرزق والبركة فيه ومضاعفة الأجر لقول الرسول (ﷺ): {مَن تقرَّب فيه أي شهر رمضان بخصلة كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضةً فيما سواه، وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه}
فبالرغم من ذلك نجد إنّ استقبال المسلمين اليوم لرمضان ليسوا فيه سواءً؛ فمنهم الرافع رأسه والفاتح يديه، ومنهم المنكّس رأسه والنافض يديه .
العنصر الثاني : استقبال الجاهلين لرمضان :ـ
لقد ذم الله تعالي استقبال قريش لمواسم الدين والعبادة ، حيث يقول سبحانه:{وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً (35)} [الأنفال]، أي: إلا تصفيقًا وتصفيرًا.
يقول العلامة السعدي:"وأما هؤلاء المشركون الذين يصدون عنه، فما كان صلاتهم فيه التي هي أكبر أنواع العبادات (إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً)، أي: صفيرًا وتصفيقًا، فعل الجهلة الأغبياء، الذين ليس في قلوبهم تعظيم لربهم، ولا معرفة بحقوقه، ولا احترام لأفضل البقاع وأشرفها، فإذا كانت هذه صلاتهم فيه، فكيف ببقية العبادات؟!".
وهذا حال بعض الجاهلين من أبناء هذه الأمة في زماننا، المميّعين لمواسم الله العظيمة، ولشعائره الجليلة، ومنها هذا الشهر المقدّر المبجّل؛ حيث يستقبلون رمضان استقبالاً جاهليًا، بل أدهى وأمرّ مما فعلته قريش حيث اقتصرت على التصفير والتصفيق، ولكن هؤلاء المميّعون لهذا الشهر الفضيل يسخّرون أقوى آلات الإعلام ؛ ليجعلوا منها سلّمًا ينشرون من فوقه الدخان على بياض رمضان، ويجمعون الأموال بالباطل والزور والبهتان؛ حيث يوظفون إمكاناتهم لملء ليل رمضان ونهاره بكلّ ما يشغل المسلمين ويقتل أوقاتهم، ويضيع أجر صيامهم، ويزيد من خطيئاتهم، ويقسي قلوبهم ويستنزف أموالهم، فيبثون المسلسلات الماجنة، والبرامج الهابطة، والمسابقات المنكرة، والفكاهات والمسليات المختلطة والفاسدة، وكل هذا يفعل باسم رمضان، فهي تقدم للناس على أنها مسلسلات وبرامج ومسابقات ومفاكهات رمضانية، والسباق والتنافس بين الإعلام والفضائيات محموم محموم، ليسوقوا الناس إلى الحميم.
إنهم لم يبقوا لرمضان بريقه، وصفاءه وطهره، فهلاّ تركوا لنا رمضان بحاله، أما كفاهم ما يفعلونه قبل رمضان وبعد رمضان؟!
إنهم يقتلون روح رمضان، وينفثون النار والسّموم على موائد الرحمن، ليصدق حالة قريش بأبشع صورها:{وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً(35)} [الأنفال].
إنها جاهلية قريش، وجاهلية القروش والكروش، ولكن هنا تفعل باسم رمضان.
العنصر الثالث : استقبال المستهترين:ـ
بعض المسلمين اليوم وبعض المسلمات يفطرون في نهار رمضان عامدين متعمدين، معاندين مصرين، لا يرعون لرمضان عظمة، ولا للمسلمين حرمة، ولا لأنفسهم آخرة، فالإفطار في رمضان كبيرة من الكبائر العظيمة، الإفطار في رمضان ذنب من الذنوب الكبيرة، استمع إلى النبي (ﷺ) وهو يصف لك شيئًا من عذاب المفطرين في نهار رمضان، حيث يقول كما في الحديث الصحيح: {بينما أنا نائم أتاني رجلان، فأخذا بضبعي، فأتيا بي جبلاً وعرًا، فقالا: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت، حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟!
قالوا: هذا عواء أهل النار. ثم انطلقا بي، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشقّقة أشداقهم، تسيل أشداقهم دمًا، فقلت: من هؤلاء؟! قالا: الذين يفطرون قبل تحلّه صومهم}.
فهل تعاند أمر ربك العزيز الجبار الذي أمرك فقال لك: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ(185)} [البقرة]. تفطر لأجل شربة ماء، تخاف العطش، ألا تذكر قول ربك؟!
ألا تخاف أن تكون من أهل النار حيث قال تعالي:{وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي
الْوُجُوهَ (29)}[الكهف].
تفطر لأجل لقيمات تزجها في جوفك، ألا تذكر قول ربك، ألا تخاف أن تكون من أهل: {وَطَعَامًا ذَا غُصَّة(13)} [المزمل].
والمصيبة والداهية أن بعض المسلمين يفطر في رمضان، لماذا؟!
لأجل أن يدخن، لأجل سيجارة، إنه لا يصبر على مفارقة الدخان لساعات، فينتهك حرمة رمضان ، ويرتكب محرمًا بالحرام ولأجل الحرام، يا ويل هذا من الله، نسي قول ربه العظيم:{لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41)}[الأعراف].
إن هؤلاء المستهترين برمضان لا يرونه إلا بمنظور ضيق، يرونه شهرًا يحرمهم من الأكل، والشرب، والتدخين، إنه منظور تعيس وشقي، إنه منظور أهل الدنيا، الذين يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا ولكنهم عن الآخرة غافلون.
العنصر الرابع :ـ استقبال الربانيين :ـ
إن العبد المؤمن يعلم أن رمضان هو اختيار الله تعالي له فيقبل اختيار الله عز وجل بحب وتعظيم ، فالله خلق الأزمنة واختار من أيامها يوم عرفة، ويوم الجمعة، واختار من شهورها شهر رمضان ، فشهر رمضان عظيم لأنّ الذي اختاره هو الله العظيم، وأراده أن يكون عندنا عظيمًا،
إنّ التفكّر في أنّ شهر رمضان هو اختيار الله لنا يجعلنا نعظم هذا الشهر، ونقدّر هذه الخيرة من الله، ونجلها؛ قال تعالي {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ(32)}[الحج].
فرمضان خيرة الله وشعيرة من شعائر الله، وهذا ما يجعل العبد المؤمن الصادق يعظم هذا الشهر ويحتفي به ويستقبله استقبال عباد الله الربانيين.
ألم تسمع إلى قول ربنا جل ثناؤه {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)}[يونس].
ورمضان هو من فضل الله ورحمته التي يفرح بها العبد المؤمن، وللصائم فرحتان، وهو خير من متاع الدنيا الزائل، ومما يجمعه الزائلون من هذه الدنيا الزائلة.
أيها المؤمن: كن عبد الله الرباني، المؤمن بلقاء الله، الراجي لشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع سنته وهديه، الذي يستقبل شهر رمضان بصيام نهاره احتسابًا لله:{من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه}
ولأجل الله: "يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي"، نعم من أجل الله عزّ في علاه، خالقنا وراحمنا وإليه مصيرنا، سنصوم شهر رمضان، من أجل الله سنتحمل عناء صيام رمضان، من أجل الله سنصبر على العطش في نهار رمضان، رجاء أن يسقينا من حوض نبيه شربة لا نظمأ بعدها أبدًا، من أجل الله سنصبر على الجوع في نهار رمضان، سنصبر على التعب والحرّ في نهار رمضان، رجاء أن يجعلنا ربنا من الذين يظلهم في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه.
أيها المؤمن: اجعل همّك همًّا ربانيًّا في رمضان، همّ من يستقبل رمضان استقبالاً ربانيًا، يستقبله وهمّه:
ماذا سأصنع في رمضان؟!
ماذا سأقدم في رمضان؟!
كيف سأستغل نهاره وليلة؟!
كيف سأضاعف أعمالي الصالحات وسجلات الحسنات؟!
كيف سأتميز في رمضان هذا عن رمضان السابق؟!
كيف أجدد حياتي وإيماني؟!
كيف أقوِّي علاقتي بالله؟!
كيف أرضي الله؟!
أيها المؤمنون :
1ـ الاستقبال الرباني لرمضان لا بد أن يكون فيه تجديد التوبة وتأكيد الاستغفار.
عباد الله: إنه قد مرّ علينا أحد عشر شهرًا، الله أعلم ما أسلفنا فيها وكلنا ذو خطأ، والله وحده أعلم بالذنوب التي تراكمت على أظهرنا، وبالخطايا التي سوّدت صحائفنا، وبالتقصير والإهمال الذي انتاب أيامنا وليالينا، وهذا شهر عظيم مبارك قد أظلنا، شهر البركة وشهر التوبة، فلنكن من عباد الله الربانيين التائبين المستغفرين، فلنستقبل شهر الله المعظم هذا بالتوبة إلى الله العظيم؛ استجابة لنداء الله لنا: قال تعالي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً(8)} [التحريم].
ولنقبل على الاستغفار إقبال العطشى والحائرين، يقول التواب الرحيم، واسع المغفرة والإحسان،
في الحديث القدسي الصحيح: عن أنس بن مالك رضي عنه ، قال : سمعت رسول الله (ﷺ) يقول : قال الله تعالى :{يابن آدم ، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم ، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ، ثم استغفرتني ، غفرت لك ، يا ابن آدم ، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا ، لأتيتك بقرابها مغفرة }. [رواه الترمذي وقال : حديث حسن] .
وتذكر قول أحد الصالحين وهو يزيد الرقاشي حينما كان يخاطب نفسه قائلاً: ويحك يا يزيد من ذا يصلي عنك بعد الموت؟!
من ذا يصوم عنك بعد الموت؟!
من ذا يترضى عنك ربك بعد الموت؟!
لقد حرمنا الخير الكثير بسبب ذنوبنا فجاءت الفرصة للتخلص منها لنستريح من عناء الذنوب والآثام ..
فشؤم الذنوب خطير. فكم سلبت من نعم ..
وكم جلبت من نقم ..
وكم خربت من ديار ..
وكم وكم أخلت ديارا من أهلها .. فما أبقى منهم ديّار.
وكم أخذت من العصاة بالثار.
وكم محت لهم من آثار.
يا صاحب الذنب لا تأمن عواقبه عواقب الذنب تُخشى وهي تُنتظر
فكل نفس ستُجزى بالذي كسبت وليس للخلق من ديّانهم وَزر
جاء رجل إلى الحسن البصري رحمه الله وقال له يا أباسعيد : أجهز طهوري وأستعد لقيام الليل ولكني لا أقوم , ما سبب ذلك ؟ فقال له الحسن : قيدتك ذنوبك .
نعم الذنوب والمعاصي سببٌ للحرمان من كل خير .
كم نرى من التفريط وضياع الوقت وعدم استغلالنا لمواسم الخيرات كرمضان وغيره مع علمنا بفضلها , لاشك أن من الأسباب الرئيسية ان ذنوبنا قيدتنا , وحرمتنا هذا الخير .
إن الطاعة شرف , والوقوف بين يدي الله منقبة , واغتنام موسم الخيرات غنيمة , يهبها الرحمن من رضي عليه من خلقه .
2ـ الإستقبال الرباني لرمضان يكون بالتحرر من الشهوات والقيود:ـ
فرمضان شهر التحرير والتنوير، تحرير الروح، فالروح متى حررت رجعت إلى أصلها لتسبح في العلياء وتصعد إلى السماء فهو شهر يعيد إليك زمام نفسك الذي خطفته منك الشهوات بأنواعها..
فهو شهر يمنحك قيادة نفسك من موقع الاقتدار دون منازعة من كبار أو صغار، فباستعلائك على شهوات الجسد تتقوى روحك وتتخلص من أثر الشهوات والمغريات..
إن الأحرار بحق وصدق هم الصائمون الذين تحرروا من الشهوات المقيدة الذين يستعينون على الشهوات الضرورية من أكل وشرب وأسباب نسل، هم الذين يكابدون الجوع والعطش والحر والعرق من أجل الله طمعا فيما عند الله واحتسابا للأجر لديه جل في علاه.
وإذا كان رمضان محررًا من القيود وهو كذلك فما أكثر قيودنا التي نحتاج التخلص منها.
فمن الأمور أيها التي قيدت الكثيرين منا والتي يجب على كل مبتلى أن يستغل فرصة رمضان للتخلص منها آفة الدخان حتي يكون ربانيا ..
هذه الآفة الخطيرة التي تتنافى مع كل تعاليم الإسلام النقية الذكية والتي تتنافى مع مقاصد الصيام والتي تتنافى مع كل مواقع الطهر والنقاء في الإنسان.
فالتدخين أيها المؤمنون … حرام بلا شك ولا ريب ولو سألت المدخنين أنفسهم هل هو من الطيبات أم من الخبائث لأجابك المنصفون منهم:
هو من الخبائث، فإذا تقرر لديك أنه من الخبائث جاءك قوله تعالى في سورة الأعراف:قال تعالي {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ(157)}[الأعراف].
ومن تأمل هذه الآية وجد أن تحريم الخبائث جاء في سياق الإتباع للنبي صلى الله عليه وسلم بمعنى أن من شروط اتباعك لهذا النبي ومن دلائل حبك له أن تترك الخبائث ومنها الدخان، وقال تعالى في آية أخرى:{وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ(2)}[النساء].
ولا يتردد من له أدنى ذرة من عقل أن يدخله ضمن قائمة الخبائث وأنواع المؤذيات، وقد أفتى كثير من العلماء المحققين بتحريمه لما يترتب عليه من الأضرار والمفاسد العظيمة ومنها الإسراف في إنفاق المال والله تعالى يقول: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (32)}[الأعراف] .
وبعد هذه الآية مباشرة {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ(32)} [الأعراف].
والدخان ليس من الزينة ولا من طيبات الرزق، وقد أجمع العلماء على أن كل ما يؤدي إلى الضرر ويوقع في المهالك يجب اجتنابه وفعله محرم، قال (ﷺ): «لا ضرر ولا ضرار».
ثم إن في التدخين غباء ظاهر فالمدخن عندما يشتري علبة الدخان يجد مكتوب عليها "الدخان سبب رئيس من أسباب سرطان الرئة " وغيرها من الأمراض، وهذا الإعلان هو حقيقة في نفسه صورة من صور الاستخفاف.
ثم بعد ذلك ترى المدخن يقبل على التدخين رغم علمه بمضاره ومفاسده ومهالكه، ثم إن المدخن وهو يدخن يتلبس بذنب أعظم وهو الظلم فإنه ينفخ الدخان في وجوه من حوله كبيرهم وصغيرهم لا يراعي في ذلك أحدا، بل يؤذي حتى الملائكة، وقد قال النبي (ﷺ): «إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم».
ثم إن المدخن يعطي صورة سيئة أمام أبنائه ويغرس فيهم هذا الوباء الخطير الفتاك، إن هذا الجسد هو أمانة الله ولا يحق لك العبث فيه ولا إضراره ولا إفساده والتدخين من أعظم الإفساد لهذا الجسد، بل لقد سماه بعض المختصين بالانتحار البطيء.. وأخشى أن يدخل المصِرّ على الدخان تحت قوله (ﷺ):{ومن تحسى سمًا فقتل نفسه به [أي من شرب وتجرع سما]، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا} [رواه البخاري ومسلم].
ثم إن الصالحين لهم سمة تميزهم، لقد كان سلفنا الكرام يعرفون قدوم بعض الصالحين برائحتهم الزكية حيث كانوا يتطيبون ويتطهرون ونحن في شهر الطهارة وفي شهر القرآن والنبي (ﷺ) يقول: «طهروا أفواهكم بالقرآن».
ثم هذا شهر التحرر والانعطاف من القوة والشهوات، فلماذا يا عبد الله تستعبدك سيجارة، لماذا تقيدك؟ وأنت من أنت.. أنت المنتسب إلى الله عبودية وإلى رسول الله (ﷺ) إتباعا وطاعة فكن عبدالله ولا تكن عبدا لما سواه.
اخي المسلم ….
هذه فرصتك العظيمة للتخلص من هذه الآفة الخطيرة ، هذه فرصتك العظيمة للتغلب على هذا العفن فبدءًا من الآن متوكلاً على الله موقنا أنه سبحانه لن يتخلى عنك أبدًا ولا تلتفت لوساوس الشيطان الذي يصور لك أن الأمر خطير أو أنك لا تطيق ذلك، التجأ إلى الله فهذا شهر الدعاء، اتجه إليه في السجود وعند الإفطار وفي كل أوقات الإجابة فالصائم له دعوة لا ترد كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واعلم أنك إن صدقت نيتك وعلم الله منك أنك تريد تركه طاعة له تعالي ، فاعلم أنه سبحانه لن يتخلى عنك أبدا، بل سيعينك ويمدك بكل أسباب الانتصار على هذا البلاء، فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي: «ومن تقرب إلي شبر تقربت إليه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة».
واصبر على ما تجده من الجهد والألم من أجل الله وامزج ذلك بحلاوة حب الله فلا شك سيغلب حب الله، فلقد كان سيدنا بلال رضي الله عنه توضع على صدره الصخرة العظيمة وهو ملقى على رمال مكة الحارة عاريًا من وقت الظهيرة، وكان لا يزيد على قوله "أحد..أحد".
فلما سئل عن سر تحمله وصبره قال: "كنت أخلط آلام العذاب بحلاوة حب الله فتغلب حلاوة حب الله ".
3ـ الاستقبال الرباني يكون بالتنافس والتسابق والتسارع إلي الخيرات:ــ
أليس من أسس الصيام التنافس في طاعة الله سبحانه وتعالى؟
يقول الرسول (ﷺ): {أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء، وينظر الله تعالي إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، فإن الشقي من حُرم فيه رحمة الله عز وجل}.
إن رمضان يأتي ليوقظنا من غفلتنا ، ويذكرنا بالحقيقة.. ويدعونا لنأخذ حظنا من ذكر الله ، ومن كتاب الله لنتنافس مع بعضنا البعض ..
أخي المسلم …
لا تدع أحدًا يسبقك إلى الله، حافظ على الصلوات في الجماعات واحرص حرصًا شديدًا على ألا تفوتك صلاة واحدة في جماعة.. واحرص رحمك الله على صلاة التراويح حتى ينصرف الإمام، فقد صح عن سيد البشر (ﷺ) أنه قال: {من صلى مع الإمام حتى ينصرف – أي ينصرف الإمام – كتب له قيام ليلة} .
سارع إلى الخيرات، تسابق إلى المكرمات، نوّع الطاعات والقربات من صلوات وقراءة قرآن وصدقات وإحسان وبر وصلة أرحام واعف عمن أساء إليك من الإخوان، فمن أراد أن يعفو الله عنه فليعفو عن الناس، قال الله {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)}[النور].
نستقبل رمضان استقبال المتنافس على الخير, والمتسابق على العمل الصالح فشهر رمضان موسم للطاعات, وفيه تضاعف الحسنات, وترفع فيه الدرجات قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ(8)}[فصلت]
والعمل الصالح شرط لقبول التوبة, قال تعالى:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ(82)}[طه].
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله (ﷺ) أجود الناس, وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل, وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فالرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة} أي في الإسراع والعموم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): (من أصبح منكم اليوم صائمًا؟
قال أبو بكر: رضي الله عنه: أنا.
قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟
قال أبو بكر رضي الله عنه أنا.
قال: (فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟
قال أبو بكر رضي الله عنه أنا.
قال (فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟
قال أبو بكر: رضي الله عنه أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة)}[مسلم].
ومن أراد أن يصله الله فليصل رحمه فقد قال الله للرحم: «أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك».
فتنازل عن كبريائك، سامح إخوانك، صل أقاربك، فالسعيد السعيد من عرف قدر هذه الأيام وقام وصام وهجر المنام فإنما هي أيام وعما قريب يقال انصرم الشهر فعندها يفوز أهل الطاعة ويندم المفرطون وأهل العصيان..
رُوي أن الحسن البصري رحمه الله مر بقوم يضحكون في نهار رمضان فقال: "إن الله عز وجل جعل رمضان مضمارًا لخلقه، يَسْتَبِقُونَ فيه بطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا فالعجب كل العجب للضاحك اللاهي في اليوم الذي فاز فيه المسارعون، وخابَ فيه البطّالون".
4ـ الإستقبال الرباني لرمضان استقبال المودع :ـ
فكم من أناس كانوا معنا في شهر رمضان الماضي فأين هم الآن؟
إنهم الآن إما في روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار، فماذا ننتظر؟
إن الواجب علينا الآن عدم التسويف أو ركوب بحر الأماني, أو الانشغال بما لا ينفع ولا يفيد, بعيدًا عن المهمة التي خلقنا الله تعالى من أجلها وهي العبادة.
لقد كان النبي (ﷺ) يذكر المسلمين بقوله الكريم: (صل صلاتك وأنت مودع).
وهكذا على المسلم أن يصوم رمضان وهو مودع, ويقوم رمضان وهو مودع, ويقوم بما يقوم به من عمل صالح وهو مودع فيخلص العمل, ويحسن في الأداء, ويجتهد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
5ـ الإستقبال الرباني لرمضان بحفظ الجوارح عما حرم الله:ـ
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَعَرَفَ حُدُودَهُ وَتَحَفَّظَ مِمَّا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَفَّظَ فِيهِ كَفَّرَ مَا كَانَ قَبْلَهُ}[رواه أحمد والبيهقي بسند جيد].
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن رسول الله (ﷺ) قال:{مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ} [البخاري]
لَحَييه: بفتح اللام وسكون المهملة والتثنية هما العظمان في جانبي الفم, والمراد بما بينهما: اللسان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال: {مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ} [رواه الجماعة إلا مسلما].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال: {رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ}[رواه النسائي وابن ماجه والحاكم].
العنصر السادس : رمضان فرصة لا تعوض :ـ
إن بلوغ رمضان وإدراكه فرصة عظيمة ونعمة كبيرة لا يقدرها إلا من يعقلها ..
هو فرصة لكسب الحسنات بل ومضاعفتها .
فرصة لتكفير السيئات .
فرصة للفوز بعبادة ليلة العبادة فيها تعدل عبادة أكثر من ثلاث وثمانين سنة .
فرصة لتطهير القلب من كل درن وسوء ليدخل على الملكوت العلي طاهراً نقيا .ً
اسمع رعاك الله حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وعن أصحاب النبي وعن أبي هريرة رضي الله عنه طلحة بن عبيد الله يحدّث عن رجلين من قبيلة واحدة أسلما جميعًا كان أحدهما أشد في العبادة من صاحبه، جاهد هذا الأشد المجتهد الذي لم يكن يترك ساعات الليل والنهار دون أن يضيع فيها عبادة أو طاعة أو قُربة، ركب سبيل الجهاد في سبيل الله، فأدركته سهام المنايا، وقُتل شهيدًا في سبيل الله تعالى، وعُمِّر أخوه الذي أسلم هو وإياه في سنة واحدة عُمّر بعده سنة كاملة.
حدث ربما مر كآحاد الأحداث التي تمر على أصحاب النبي (ﷺ) ورضوان الله عليهم أجمعين، لكن طلحة حين آوى إلى فراشه رأى في المنام أن سوق القيامة قد قامت، وأن داعيًا من وراء باب الجنة قد دعا الرجل الذي مات آخرًا ليدخل الجنة قبل الرجل الذي مات قبله بسنة، مع أنه كان أجلّ في العبادة، ومع أنه مات في سبيل الله شهيدًا إلا أن المتأخر دُعي إلى الجنة سابقًا على المتقدم.
استيقظ طلحة يحدّث الناس بما رأى، دارَ العجب والدهشة في وجوه الناس، انتهت الحادثة إلى سمع النبي (ﷺ) فقال (ﷺ) : “ومما تعجبون؟ أليس قد مكث هذا بعده سنة؟” قالوا: بلى يا رسول الله، قال: “وأدرك رمضان فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟ ” قالوا: بلى يا رسول الله، قال: “فما بينهما كما بين السماء والأرض”.
إن فرصة الإدراك نعمة، وأي نعمة ومنة، وأيّ منة لا يعقلها على وجه الخليقة، ولا يقدّر قدرها على قدر التحقيق إلا مَن سمع حديث طلحة.
إن رمضان فرصة لتعمير القلوب بالتقوى والعمل الصالح، وهو ميدان للتنافس في جميع ميادين البر والخير والعطاء، والمحروم من حرم فيه الخير ولم يتزود منه ولم يعمل فيه أعمالاً تقربه من ربه وتسعده في دنياه وآخرته.
فأقبلوا عليه “وخذوا منه الصحة لأجسامكم، والسمو لأرواحكم، والعظمة لنفوسكم، فهو فرصة لمن أراد النجاح في الدنيا والآخرة، وغنيمة لمن أراد جمع الحسنات ليوم تكون فيه الحسرات على ضياع الأعمار والأوقات والسنوات الأوقات، فيا سعادة من أحسن استغلال هذا الشهر! ويا تعاسة من أساء استغلاله ولم يخرج منه فائزا منتصرا ظافرا بمغفرة الله..
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (ﷺ) قال: {كل عمل ابن آدم له؛ الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي. للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه. ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك}[رواه البخاري ومسلم]
وإن رمضان فرصة لإصلاح نفوسنا وأوضاعنا بما فيه من منح ربانية ونفحات إيمانية؛ فهو ينفث في المسلمين روح الأمة الواحدة، والمصير الواحد، والمصلحة الواحدة والدين الواحد، والقبلة الواحدة، والتعاليم والتوجيهات الواحدة ..
فلماذا إذاً نفسد حياتنا بأيدينا؟ ولماذا نبحث عن تعاستنا وشقائنا بسوء أعمالنا؟
فعودوا إلى ربكم وثقوا به سبحانه، وأخلصوا أعمالكم، وتآلفوا وتراحموا وتسامحوا فيما بينكم، ولن يضيع الله جهودكم، ولن يرد دعاءكم، واستفيدوا من شهر رمضان في جميع جوانب حياتكم، وارتشفوا من معينه، واغترفوا من نفحاته فربما لا يعود إلى قيام الساعة..
فهيا نقبل على شهر رمضان بنية تربية النفس, وإصلاح القلب, فصلاح الأفراد والأمم بصلاح قلوبها, ففي الحديث الشريف (..أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) (متفق عليه).
وإن الله تعالى كتب علينا الصيام للوصول بالنفس إلى تقوى الله, والخوف منه سبحانه, وتعديل سلوك الناس إلى الأحسن, والتحلي بمكارم الأخلاق, قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)}[البقرة].
فالصوم جُنة وحصانة للصائم من الشرور والفتن, والصوم فيه مجاهدة لرغبات النفس والجسد, ويكسب صاحبه فضيلة الصبر والحلم, كما أنه يعود المسلم على الاهتمام بالأوقات والدقة في المواعيد, ويربي الجوارح ويهذبها شهرا كاملا حتى تخرج من رمضان شخصية إيمانية أخلاقية, تتعامل بمعاملات الإسلام وأحكامه هيا نغير من أنفسنا حتى يغير الله حالنا, قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ(11)}[ الرعد]
اللهم أعنا علي اغتنام موسم رمضان وبقية الحياة .
اللهم أصلح لنا شأننا كله , ولاتكلنا لأنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك فنضل ضلالا بعيدا .
اللهم بلغنا شهر رمضان .. وأعنا فيه على الصيام والقيام .. واجعلنا فيه ووالدينا من عتقائك من النار، ومن المقبولين .
وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين .
تمت بفضل الله تعالي
=============
رابط docرابط pdf
https://top4top.io/downloadf-2617ds7wy1-pdf.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق