الحمد لله رب العالمين .. من علينا ببعثة النبي الأمين (ﷺ) فقال تعالى }لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ (164){ ] آل عمران[
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير... بعث رسوله محمداً بالحق بشيراً ونذيراً وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً فأخرج به الناس من الظلمات إلى النور وهدى به خلقاً كثيراً قال تعالي }هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا (28){ ]الفتح[ .
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) أرسله الله بالدين القويم رحمة للعالمين ، فهدى من ضلالة ، وعلم من جهالة ، وفتح قلوب الحيارى ، وربى أصحاباً أطهارا نصروا هذا الدين ورفعوا لوائه في العالمين ، اصطفاه الله تعالى من الخلق جميعاً فقال (ﷺ)}إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم{. ]رواه البخاري[.
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ......
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون
إن الحديث عن رسول الله (ﷺ) له حلاوة تتذوقها القلوب المؤمنة ، وتهفو إليها الأرواح الطاهرة، وهو في ذاته قربة كبرى يتقرب بها إلى الله كل مُريد رضوانه ومثوبته جل وعلا.
ورحاب النبي (ﷺ) واسعة ، فهو بستان العارفين ، ومتنزه المحبين ، يحنون إلى سيرته وشمائله وأخلاقه ، فيقطفون منها على قدر جهادهم في حب الله وحب رسول الله (ﷺ).
إن مثلي ومثلك يا رسول الله كمثل أعرابي ضل الطريق في الصحراء، فلما طلع عليه القمر اهتدى بنوره، فقال: ماذا أقول لك أيها القمر؟
أأقول رفعك الله؟ لقد رفعك الله.
أأقول لك نوَّرك الله؟ لقد نورك الله.
أأقول جملك الله؟ لقد جملك الله.
وانا ماذا اقول لك يا سيدي يا رسول الله؟
أأقول رفعك الله؟ لقد رفعك (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك)
أأقول نورك الله؟ لقد نورك ( قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ )
أأقول جملك الله؟ لقد جملك قال تعالى}يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدٗا وَمُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا (45) وَدَاعِيًا إِلَى ٱللَّهِ بِإِذۡنِهِۦ وَسِرَاجٗا مُّنِيرٗا (46){ ]الأحزاب[.دعونا نعيش مع رسول الله (ﷺ) لنتعرف عليه من خلال حديثه عن نفسه (ﷺ) وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ حديث النبي (ﷺ) عن تكريم الله له في القرآن.
2ـ حديث النبي (ﷺ) عن اسمه ونسبه.
3ـ حديث النبي (ﷺ) عن نفسه يوم القيامة.
4ـ حديث النبي (ﷺ) عن شفاعته لأمته يوم القيامة .
5ـ حديث النبي (ﷺ) عن أفضليته بين الأنبياء.
6ـ حديث النبي (ﷺ) عن سؤاله ربه عز وجل لأمته.
7ـ حديث النبي(ﷺ) عن الغاية من بعثته.
8ـ حديث النبي (ﷺ) عن مكانة الحياء في الإسلام.
9ـ وصية النبي (ﷺ) لأمته بالحياء.
10ـ الخاتمة.
العنصر الأول : حديث النبي (ﷺ) عن تكريم الله له في القرآن:
ـ وصف الله تعالى نبينا الكريم بالنور الذي يهدي إلى سبل السلامة من كل شر في الدنيا والآخرة، ويُخرج متبعيه من ظلام الجهل والضلال إلى نور الهداية والعلم، فقال تعالى: }قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ(14) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16){ [المائدة].
ـ ووصفه سبحانه بأنه شاهد على أمته بالبلاغ، ومبشر للمؤمنين به بالخير والجنة، ونذير لمن عصاه بالشر والنار، وأنه سراج ينير للناس الطريق إلى ربهم، فقال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46){[الأحزاب].
ـ وأثنى عليه بأنه برهان منه للناس كلهم، "وهو الدليل القاطع للعُذْر، والحجة
المزيلة للشبهة فقال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174){ [النساء].
ـ ومدحه بكون رسالته رحمة للعالمين، "فمن آمن به سَعِد ونجا، ومن لم يؤمن به خاب وخسر ، فقال تعالى:}وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ(107){[الأنبياء].
ـ وأكرمه وشرفه حينما لم يناديه باسمه المجرد ، في حين ندائه للأنبياء بأسمائهم لقد أثنى اللَّه عزّ وجلّ على رسله وأنبيائه، وناداهم بقوله: (يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ)، و(يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ)، و(يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)، و(يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا)، و(يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى)، و(يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)، و(يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، و(يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ)، وهكذا فقد نادى اللَّه عزّ وجلّ جميع أولي العزم من الرسل بأسمائهم، إلا النبي مُحمَّدًا (ﷺ) لم يناده باسمه قط، بل ناداه بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، يَا أَيُّهَا المُزَّمِّل ويَا أَيُّهَا المُدَّثِّر)، تنويهًا بفضله، ورفعة منـزلته على سائر منازل الأنبياء والمرسلين صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين.
لقد زكى الله تعالى نبينا تزكية ما زكاها لأحد من الخلق:
• زكاه في "عقله" فقال : }مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمۡ وَمَا غَوَىٰ (2){ ]النجم[
• زكاه في "بصره" فقال : }مَا زَاغَ ٱلۡبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17){.]النجم[
• زكاه في "فؤاده" فقال : }مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ (11){ ] النجم[
• زكاه في "صدره" فقال : }أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ (1){ ]الشرح[.
• زكاه في "ذكره" فقال : }وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ (4) { ]الشرح[.
• زكاه في "طهره" فقال : }وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ (2){ ]الشرح[
• زكاه في "معلمه" فقال : }عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلۡقُوَىٰ (5){ ]النجم[
زكاه في "صِدقه" فقال : }وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ (3){ ]النجم[
• زكاه في "حلمه" فقال : }بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ (128) { ]التوبة[
وزكاه كذلك في خلقه الكريم، بلغ في حسنه النهاية، وفي دماثته الغاية، فقال تعالى: }وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4){ [القلم].
كما زكاه تعالى في ذات السياق كذلك بكمال أمانته في تبليغه؛ حيث لم يكتم شيئًا أُمر بإعلام الناس به بخلاً منه، فقال: }وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ(24){ [التكوير] أي: ببخيل.
ـ ومما أنعم الله عليه به في الآخرة: إعطاؤه المقام المحمود يوم القيامة، والمقام المحمود، في قول أكثر أهل العلم: هو المقام الذي هو يقومه (ﷺ) يوم القيامة للشفاعة للناس؛ ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدّة ذلك اليوم، قال تعالى }وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79){[الإسراء]
ـ ومما أنعم الله تعالى به عليه (ﷺ): أنه أعطاه الكوثر، فقال: }إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1){[الكوثر] ،
العنصر الثاني : حديث النبي (ﷺ) عن اسمه ونسبه:
النبي (ﷺ) يحدثنا عن نفسه فيقول : "إن لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي". ]متفق عليه[.
ويقول (ﷺ) }إن الله خلق الخلق، فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين، ثم تخير
القبائل، فجعلني من خير قبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسًا وخيرهم بيتًا{. ]رواه الترمذي[.
وقال (ﷺ) }إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم{. ] رواه البخاري [.
ويقول (ﷺ) }بعثت من خير بني آدم قرنًا فقرنًا، حتى كنت من القرن الذي كنت فيه{. ]رواه البخاري[.
ويقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : }إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد (ﷺ) خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته {.
العنصر الثالث : حديث النبي (ﷺ) عن نفسه يوم القيامة :
قال النبي (ﷺ) عن نفسه يوم القيامة }أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع{ ]رواه مسلم[.
وقال (ﷺ) }أنا أكثر الأنبياء تبعًا يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة{. ]رواه مسلم[.
وقال (ﷺ) }أنا أول شفيع في الجنة، لم يُصدَّق نبي من الأنبياء ما صدقت، وإن من الأنبياء نبيًّا ما صدقه من أمته إلا رجل واحد{. ]رواه مسلم[.
العنصر الرابع : حديث النبي (ﷺ) عن شفاعته لأمته يوم القيامة:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) أُتِيَ بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَشَ مِنْهَا نَهْشَةً، ثُمَّ قَالَ: "أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ البَصَرُ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الغَمِّ وَالكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ النَّاسُ: أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ، أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بِآدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ المَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي، نَفْسِي، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذِبَاتٍ فَذَكَرَهُنَّ أَبُو حَيَّانَ فِي الحَدِيثِ ـ نَفْسِي، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى فَيَأْتُونَ، مُوسَى فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ عَلَى النَّاسِ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي المَهْدِ صَبِيًّا، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ عِيسَى: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا، نَفْسِي، نَفْسِي، نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتِمُ الأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا، لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، أُمَّتِي يَا رَبِّ، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ البَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ، كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ ـ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى". وهذا لفظ البخاري.
العنصر الخامس : حديث النبي (ﷺ) عن أفضليته بين الأنبياء :
قال (ﷺ) }فضلت على الأنبياء بستٍّ: أُعْطِيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون{. ]رواه مسلم[.
وقال (ﷺ) }إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بنيانًا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون هلاَّ وُضِعَت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين{.]متفق عليه[.
العنصر السادس : حديث النبي (ﷺ) عن سؤاله ربه عز وجل لأمته:
قال رسول (ﷺ) }سألت ربي ثلاثًا؛ فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة: سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسِّنَة السِّنَةُ: القحط. فأعطانيها، وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وفي رواية: فسألته ألا يسلط عليهم عدوًا من غيرهم فأعطانيها. وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها{. ]رواه مسلم[.
العنصر السبع : حديث النبي(ﷺ) عن الغاية من بعثته :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ):} إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق { ]رواه أحمد[ .
ولقد امتدح الله عز وجل نبيه (ﷺ) بأنه على خلق عظيم، واشتهر النبي (ﷺ) بحسن الخلق ومن أشهر هذه الأخلاق "الحياء" فكان النَّبيُّ (ﷺ) أشدَّ النَّاس حياءً، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :}كان رسول الله (ﷺ) أشد حياء من العذراء في خدرها وكان إذا رأي شيئا يكرهه عرفناه في وجهه { ]متفق عليه[
ومِن مظاهر حيائه (ﷺ) حياؤه مِن خالقه سبحانه وتعالى؛ وذلك لما طلب سيدنا موسى عليه السَّلام مِن نبيِّنا (ﷺ) في ليلة الإسراء أن يراجع ربَّه في تخفيف فرض الصَّلاة، قال النَّبيُّ (ﷺ) لموسى عليه السَّلام:(استحييت مِن ربِّي)
بل بلغ حياؤه (ﷺ) مبلغا عظيما فعن عائشة رضي الله عنها أنَّ امرأة سألت النَّبيَّ (ﷺ) عن غسلها مِن المحيض، فأمرها كيف تغتسل، ثمَّ قال: خذي فرصة مِن مسك فتطهَّري بها. قالت: كيف أتطهر بها؟
قالت: فستر وجهه بطرف ثوبه، وقال: سبحان الله! تطهَّري بها. قالت عائشة: فاجتذبت المرأة فقلت: تتبَّعي بها أثر الدم)
- ومِن صور حيائه (ﷺ) ، ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه، حيث قال: (بُنِيَ على النَّبيِّ (ﷺ) بزينب بنت جحش رضي الله عنها بخبز ولحم، فأُرْسِلتُ على الطَّعام داعيًا، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثمَّ يجيء قومٌ فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتى ما أجد أحدًا أدعوه، فقلت: يا رسول الله، ما أجد أحدًا أدعوه. قال: ارفعوا طعامكم، وبقي ثلاثة رهط يتحدَّثون في البيت، فخرج النَّبيُّ (ﷺ) فانطلق إلى حجرة عائشة رضي الله عنها، فقال: السَّلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته. قالت: وعليك السَّلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك يا رسول الله؟
بارك الله لك، فتقرَّى حُجَر نسائه كلِّهنَّ، يقول لهنَّ كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة، ثمَّ رجع النَّبيُّ (ﷺ) ، فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدَّثون، وكان النَّبيُّ (ﷺ) شديد الحَيَاء، فخرج منطلقًا نحو حُجْرة عائشة فما أدري أخبرته أم أُخْبِر أنَّ القوم خرجوا، فرجع حتى إذا وضع رجله في أُسكفَّة الباب داخله والأخرى خارجة، أرخى السِّتر بيني وبينه، ونزل قول الله تعالي }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53){ ]الأحزاب[
وحياؤه في النصيحة لبعض لأصحابه ،فعن عائشة رضي الله عنها قالت كان النَّبيُّ (ﷺ)}إذا بلغه عن الرَّجل الشَّيء لم يقلْ: ما بال فلانٍ يقول؟ ولكن يقول: ما بال أقوامٍ يقولون كذا وكذا؟{.
العنصر الثامن : حديث النبي (ﷺ) عن مكانة الحياء في الإسلام:
لقد جعل الإسلام العبادات والأخلاق نسيجاً واحداً؛ فللأخلاق صلة وثيقةٌ بعقيدة الأمة ومبادئها، فهي عنوان التمسك بالعقيدة، ودليل الالتزام بالمبادئ والمثل، وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، قال رسول الله (ﷺ): }ألا أخبرُكم بأحبِّكم إلى الله، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة؟ قالوا: بلى، قال: أحسنكم خلقاً { ]أخرجه الإمام أحمد في مسنده[.
فأحسنهم خلقاً أقربهم منزلة ومجاورة للحبيب المصطفى (ﷺ) يوم القيامة.
"فالحياء دليل الدين الصحيح، وشاهد الفضل الصريح، وسمة الصلاح الشامل، وعنوان الفلاح الكامل..." فمكانة الحياء عالية ومنزلته رفيعة وذلك للآتي...
1ـ الحياء خلق من أخلاق الله عز وجل :
عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ (ﷺ) ، قَالَ : }إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ ، يَسْتَحِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ {. ]جامع الترمذي[
2ـ الحياء خلق الإسلام الأعظم:
الحَيَاءُ هُوَ مِن أَفضَلِ الأَخلَاقِ وَأَجَلِّهَا، وَأَعظَمِهَا قَدرًا، وَأَكثَرِهَا نَفعًا .
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ):}إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الإِسْلَامِ الْـحَيَاءُ{ .]رواه ابن ماجه [
وَمَعنَاهُ: أَنَّ كُلَّ دِينٍ لَهُ طَبعٌ وَسَجِيَّةٌ؛ وَإِنَّ طَبعَ هَذَا الدِّينِ، وَسَجِيَّتَهُ الَّتِي بِهَا قِوَامُهُ: الحَيَاءُ .
وَذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَةَ الإِسلَامِ حُسنُ الخُلُقِ. إِذًا فَالحَيَاءُ تَركُ القَبَائِحِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَإِتيَانُ المَحَاسِنِ وَالخَيرَاتِ، وَهَذَا خُلُقُ الإِيمَانِ ،وَلَولَا هَذَا الخُلُقُ لَم يُكرَمْ ضَيفٌ، وَلَم يُوفَ بِوَعدٍ، وَلَم تُؤَدَّ أَمَانَةٌ، وَلَم تُقْضَ حَاجَةٌ، وَلَم تُصَل رَحِمٌ؛ وَلَا بُرَّ وَالِدٌ، وَلَا رُحِمَ صَغِيرٌ، وَلَا وُقِّرَ كَبِيرٌ؛ وَلَا تَحَرَّى الرَّجُلُ الجَمِيلَ فَآثَرَهُ، وَالقَبِيحَ فَتَجَنَّبَهُ، وَلَا سَتَرَ لَهُ عَورَةً، وَلَا امتَنَعَ مِن فَاحِشَةٍ.
3 ـ الحياء أصل الإيمان :ـ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (ﷺ):}الـحَيَاءُ وَالإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الآخَرُ{ ]رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين[
الحَيَاءُ وَالإِيمَانُ مَقرُونَانِ لَا يَفتَرِقَانِ إِلَّا جَمِيعًا؛ لِاستِوَائِهِمَا فِي الحَثِّ عَلَى كَثِيرٍ مِن أَعمَالِ البِرِّ وَالخَيرِ، وَالزَّجرِ عَن كُلِّ شَرٍّ وَقَبِيحٍ مِنَ الفُحشِ وَالفَوَاحِشِ، وَالكَذِبِ وَالفُجُورِ وَالآثَامِ، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْمَرْءِ رُفِعَ مِنْهُ الْآخَرُ، وَهَذَا مُشعِرٌ بِعَظَمَةِ الحَيَاءِ، وَعُلُوِّ مَكَانَتِهِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ (ﷺ) قَالَ: }الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ{ .]متفق عليه[
والسر في كون الحياء من الإيمان: أن كلاًّ منهما داعٍ إلى الخير مقرب منه صارف عن الشر مبعدٌ عنه.
وإذا رأيت في الناس جرأةً وبذاءةً وفحشًا، فاعلم أن من أعظم أسبابه فقدان الحياء، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البدري رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (ﷺ): }إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ، فَاصْنَع مَا شِئْتَ{ .]رواه البخاري[
فَبَيَّنَ (ﷺ) أَنَّ الحَيَاءَ لَمْ يَزَل مُسْتَحْسَنًا فِيْ شَرَائِعِ الأَنْبِيَاءِ الأَوَّلِيْنَ، وَأَنَّهُ لَمْ يُرْفَعْ وَلَمْ يُنْسَخْ فِيْ جُمْلَةِ مَا نَسَخَ اللَّهُ مِنْ شَرَائِعِهِ، بَل تَدَاوَلَهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ، وَتَوَارَثُوهُ عَنْهُمْ، وَتَوَاصَوْا بِهِ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ.
4ـ الحَيَاءُ مِفتَاحُ كُلِّ خَير:
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): }الـحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ{ قَالَ: أَوْ قَالَ: }الـحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ{ .]رواه مسلم[ .
وَهُوَ أَصلُ كُلِّ خَيرٍ، وَذَهَابُهُ ذَهَابُ الخَيرِ أَجمَعِهِ .
«لِأَنَّهُ بَاعِثٌ عَلَى أَفْعَالِ الخَيْرِ وَمَانِعٌ مِنَ المَعَاصِي، وَيَحُولُ بَيْنَ الـمَرْءِ وَالقَبَائِحِ، وَيَمْنَعُهُ مِمَّا يُعَابُ بِهِ وَيُذَمُّ، فَإِذَا كَانَ هَذَا أَثَرَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ خُلُقٌ مَحْمُودٌ، لَا يُنْتِجُ إِلَّا خَيْرًا، فَالَّذِي يَهُمُّ بِفِعْلِ فَاحِشَةٍ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنَ ارْتِكَابِهَا، أَوْ يَعْتَدِي عَلَيْهِ سَفِيهٌ بِسَبٍّ وَشَتمٍ، فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ مُقَابَلَةِ السَّيِّئَةِ بِالسَّيِّئَةِ، أَوْ يَسْأَلُهُ سَائِلٌ فَيَمْنَعُهُ حَيَاؤُهُ مِنْ حِرْمَانِهِ، أَوْ يَضُمُّهُ مَجْلِسٌ فَيُمْسِكُ الحَيَاءُ بِلِسَانِهِ عَنِ الكَلَامِ المُحَرَّمِ، كَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَالخَوْضِ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ؛ فَالَّذِي يَكُونُ لِلْحَيَاءِ فِي نَفْسِهِ هَذِهِ الآثَارُ الْحَسَنَةُ، فَهُوَ ذُو خُلُقٍ مَحْمُودٍ» ، وَلِـهَذَا كَانَ الحَيَاءُ خَيرًا كُلُّهُ، بَل هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ.
عَنْ قُرَّةَ ابنِ إِيَاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ (ﷺ) ، فَذُكِرَ عِنْدَهُ الحَيَاءُ،
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الحَيَاءُ مِنَ الدِّينِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): }بَل هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ{. ]رواه الطبراني[ .
لِعُلُوِّ مَنزِلَتِهِ، وَجَلِيلِ قَدْرِهِ، وَسُمُوِّ مَحَلِّهِ، وَرِفعَةِ شَأنِهِ، وَعَظِيمِ نَفعِهِ.
فبِغِيَابِ الحَيَاءِ تُدَمَّرُ الأَخْلَاقُ، وَتُرْتَكَبُ الفَوَاحِشُ وَالمُوْبِقَاتُ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَحِ فَإِنَّهُ يَصْنَعُ مَا شَاءَ.
فَالحَيَاءُ هُوَ الحَائِلُ بَيْنَ الإِقْدَامِ عَلَى المَعْصِيَةِ وَالإِمْسَاكِ عَنْهَا، وَأَنَّهُ كَالسَّدِّ إِذَا تَحَطَّمَ انْهَمَرَ المَاءُ يُغْرِقُ كُلَّ شَيْءٍ؛ فَالَّذِي لَا حَيَاءَ لَهُ لَا سَدَّ عِنْدَهُ، فَهَذَا لَا يَمْنَعُهُ مَانِعٌ مِنَ الإِقْدَامِ عَلَى المَعْصِيَةِ لِيَفْعَلَهَا، وَلَا يَرَى بِهَا بَأْسًا.
5 ـ الحَيَاءُ أَبهَى زِينَةٍ:
لَنْ يَتَزَيَّنَ إِنْسَانٌ بِزِيْنَةٍ، هِيَ أَبْهَى وَلَا أَجْمَلُ مِنَ الحَيَاءِ.
عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ (ﷺ) قَالَ: }مَا كَانَ الحَيَاءُ فِي شَيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا كَانَ الفُحْشُ فِي شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ{ . ]حسن رواه الترمذي[
فَلَا يَكُونُ فِي شَيءٍ مِنَ الأَقوَالِ وَالأَفعَالِ، إِلَّا زَيَّنَهُ وَجَمَّلَهُ وَحَسَّنَهُ؛ وَلَا يُنزَعُ مِن شَيءٍ، إِلَّا شَانَهُ وَعَابَهُ وَقَبَّحَهُ، وَجَرَّ إِلَيهِ العَيْبَ وَالقُبْحَ.
ومن الحكم التي قيلت في شأن الحياء: "من كسي الحياء ثوبه, لم ير الناس عيبه"
6ــ الحَيَاءُ خُلُقٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:ـ
عَن يَعلَـى بنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) رَأَى رَجُلًا يَغتَسِلُ بِالبَرَازِ
بِلَا إِزَارٍ، فَصَعِدَ الـمِنبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثنَى عَلَيهِ؛ ثُمَّ (ﷺ): }إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّـيـرٌ، يُحِبُّ الحَيَاءَ وَالسَّترَ، فَإِذَا اغتَسَلَ أَحَدُكُم فَليَستَتِـر{ .]رواه أبي داود [.
7ـ الحَيَاءُ يَقُودُ إِلَى الجَنَّةِ:
عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): }الحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ،
وَالإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ؛ وَالبَذَاءُ مِنَ الجَفَاءِ، وَالجَفَاءُ فِي النَّارِ{. ]رواه الترمذي والإمام أحمد بن حنبل وابن حبان[
«الإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ»: هُوَ أَهلُ الإِيمَانِ فِي الجَنَّةِ.
وَمَعنَى البَذَاءِ فِي النَّارِ: هُوَ أَهلُ البَذَاءِ فِي النَّارِ.
«البَذَاءُ»: الفُحْشُ فِي القَوْلِ، وَالسُّوءُ فِي الخُلُقِ. وَالكَلَامُ البَذِيءُ: الكَلَامُ القَبِيحُ.
«مِنَ الجَفَاءِ»: أَي أَهلُهُ التَّارِكُونَ لِلوَفَاءِ، الثَّابِتُونَ عَلَى غَلَاظَةِ الطَّبعِ وَقَسَاوَةِ
القَلْبِ. وَهَذَا يُوْرِثُ تَرْكَ الصِّلَةِ وَالبِرِّ.
العنصر التاسع : وصية النبي (ﷺ) لأمته بالحياء :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال الرسول (ﷺ): }استحيوا من الله حق الحياء. قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك استحيا من الله حق الحياء{. ]أخرجه الإمام الترمذي[.
فالمقصود أن الحياء من الله يكون باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه ومراقبة الله في السر والعلن. قال رسول الله (ﷺ): {استحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك} [صحيح الجامع].
وهذا الحياء يسمى حياء العبودية الذي يصل بصاحبه إلى أعلى مراتب الدين وهي مرتبة الإحسان الذي يحس فيها العبد دائماً بنظر الله إليه وأنه يراه في كل حركاته وسكناته فيتزين لربه بالطاعات.
وهذا الحياء يجعله دائماً يشعر بأن عبوديته قاصرة حقيرة أمام ربه لأنه يعلم أن قدر ربه أعلى وأجل.
قال ذو النون: "الحياء وجود الهيبة في القلب مع وحشة مما سبق منك إلى ربك" وهذا يسمى أيضاً حياء الإجلال الذي متبعه معرفة الرب عز وجل وإدراك عظم حقه ومشاهدة مننه وآلائه.
ومن الحياء حياء الجناية والذنب: ومثال ذلك ما ذكره ابن القيم في كتابه مدارج السالكين. عندما فر آدم هارباً في الجنة فقال الله تعالى له: "أفراراً مني يا آدم؟
فقال: لا بل حياء منك ".
إنَّ مسارعة آدم وحواءَ إلى سترِ عوراتهما بأوراقِ الشجرِ، دليلٌ على أنَّ الحياءَ عنصرٌ أصيلٌ مركوزٌ في فطرةِ الإنسان، فعليه أن يهتمَّ به، ويحافظَ عليه، ويصونه من أن ينثلم؛ وإذا لم يستح المرءُ، فليصنع ما يشاء.
ولله در القائل :
وإذا خلوتَ بريبةٍ في ظلمةٍ والنفسُ داعيةٌ إلى العصيان
فاستحْيِ من نظرِ الإله وقل لها إنَّ الذي خلَق الظلام يرانِي
وقال سيدنا عمر رضي الله عنه : "من استحيا اختفى، ومن اختفى اتَّقى، ومن اتقى وُقِي".
وأيضا الحياء من نظر الله إليه في حالة لا تليق كالتعري ،كما في حديث بهز بن حكيم عندما سأل رسول الله (ﷺ) فقال: }عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟
فقال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك.
قال: يا نبي الله إذا كان أحدنا خالياً؟ قال: فالله أحق أن يستحي منه الناس{. ]أخرجه الإمام أحمد[.
ولقد بلغ سلفنا الصالح في الحياء من الله مبلغاً عظيماً، فهذا التابعي الجليل عبيد بن عمير، كما ذكر أبو الفرج وغيره أن امرأة جميله كانت بمكة وكان لها زوج فنظرت ذات يوم إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها :أترى احد يرى هذا الوجه ولا يفتتن به قال: نعم قالت من ؟ قال عبيد ابن عمير قالت: فأذن لي فيه فلأفتنه قال: قد أذنت لكِ فأتته كالمستفتية فخلى معها في ناحية من المسجد الحرام فأسفرت عن وجهها مثل فلقة القمر فقال لها: يا أمة الله استتري فقالت: إني قد فُتنت بك فقال: إني سائلك عن شيء إذا صدقتيني نظرت في أمرك قالت: والله لا تسألني عن شيء إلا صدقتك ، قال: أرأيتي لو أن ملك الموت أتاكِ الساعة ليقبض روحكِ أكان يسرك أن أقضي لك هذه الحاجة؟! قالت :اللهم لا ، قال: صدقتي.
قال: فلو دخلتي قبرك وجلستي للمسائلة أيسرك أني قضيت لك حاجتك؟! قالت اللهم لا فقال صدقتي .
قال: فلو أن الناس أعطوا كتبهم ولا تدرين أتأخذين كتابك بيمينك أم بيسارك أكان يسرك أن قضيت لك حاجتك؟! قالت اللهم لا ،فقال صدقتي.
قال: فلو جيء بالميزان وجيء بك فلا تدرين أيخف ميزانك أو يثقل أكان يسرك أني قضيت لك حاجتك؟! فقالت: اللهم لا ، فقال صدقتي .
قال: فلو وقفتي بين يدي الله للمسائلة أكان يسرك أن قضيتها لك ؟! فقالت اللهم لا ، فقال: صدقتي، ثم قال اتقِ الله يا أمة الله فقد انعم الله عليك وأحسن إليكِ.
قال: فرجعت إلى زوجها فقال: ما صنعتي فقالت :أنت بطال ونحن بطالون فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة فكان زوجها يقول: مالي ولعبيد ابن عمير أفسد علي امرأتي كانت في كل ليله عروساً فصيرها راهبة.
نجد أنه لَمَّا غَابَ الحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ عِنْدَ كَثِيْرٍ مِنَ النَّاسِ، تَجَرَّؤُوا عَلَى مَحَارِمِ اللَّهِ فعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ (ﷺ) أَنَّهُ قَالَ: }لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ، بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا». قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُم لَنَا، جَلِّهِم لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُم وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ؛ قَالَ: «أَمَا إِنَّهُم إِخْوَانُكُم وَمِنْ جِلدَتِكُم، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُم أَقْوَامٌ، إِذَا خَلَوا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا{ . ]أخرجه ابن ماجه[
فَهَؤُلَاءِ قَامُوا بِأَعمَالٍ ظَاهِرَةٍ، وَاعتَنَوا بِالمَظَاهِرِ، وَجَعَلُوهَا زَاهِيَةً؛ وَأَهمَلُوا سَرَائِرَهُم ، وَبَوَاطِنَهُم، وَجَعَلُوهَا خَاوِيَةً، فَلَم يُرَاقِبُوا اللَّهَ فِي خَلَوَاتِهِم.
هَؤُلَاءِ يَنطَبِقُ عَلَيهِم قَولُ يَحْيَى بنِ مُعَاذٍ الرَّازِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ...
أَظهَرَ بَينَ الخَلقِ إِحسَانَهُ --- وَخَالَفَ الرَّحمَنَ لَمَّا خَلَا
«يَستَخِفُّ بِنَظَرِ اللَّهِ إِلَيهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَيهِ: وَهُوَ فِي قَبضَتِهِ، وَنَاصِيَتُهُ بِيَدِهِ، وَيُعَظِّمُ نَظَرَ المَخلُوقِ إِلَيهِ، وَاطِّلَاعَهُ عَلَيهِ بِكُلِّ قَلبِهِ وَجَوارِحِهِ؛ يَستَحيِي مِنَ النَّاسِ وَلَا يَستَحيِي مِنَ اللَّهِ، وَيُعَامِلُ الخَلقَ بِأَفضَلَ مَا يَقدِرُ عَلَيهِ، وَإِن عَامَلَ اللَّهَ عَامَلَهُ بِأَهوَنَ مَا عِنْدَهُ وَأَحقَرَهُ؛ وَإِن قَامَ فِي خِدمَةِ مَن يُحِبُّهُ مِنَ البَشَرِ، قَامَ بِالجِدِّ وَالِاجتِهَادِ وَبَذلِ النَّصِيحَةِ، وَقَدْ فَرَّغَ لَـهُ قَلبَهُ وَجَوَارِحَهُ، وَقدَّمَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِن مَصَالِحِهِ» .
عَن أُسَامَةَ بنِ شَرِيكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): }مَا كَرِهَ اللَّهُ مِنكَ شَيئًا، فَلَا تَفعَلهُ إِذَا خَلَوتَ{ صحيح ابن حبان .
أَفَلَم يَأنِ لِلَّذِينَ يَخلُونَ بِمَحَارِمِ اللَّهِ وَيَدخُلُونَ عَلَى المَوَاقِعِ الإِبَاحِيَّةِ، وَيُشَاهِدُونَ الأَفلَامَ الخَلِيعَةَ، أَن يَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ مِن قَبلِ أَن يَأتِيَ يَومٌ تُبلَى فِيهِ السَّرَائِرُ، وَيُحَصَّلَ فِيهِ مَا فِي الصُّدُورِ، يَومَ يَدُومُ فِيهِ النَّدَمُ، لِمَن زَلَّت بِهِ القَدَمُ، قَبلَ أَنْ يَقُولَ المُذنِبُ رَبِّ ارجِعُونِ، فَيُقَالَ لَهُ: هَيهَاتَ، فَاتَ مَا فَاتَ، وَكَانَ مَا كَانَ، وَأَتَى مَا هُوَ آتٍ، وَقَد بَعُدَتْ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ المَسَافَاتُ.
قَالَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:}حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرزَخٌ إِلَى يَومِ يُبعَثُونَ (100){ [المؤمنون].
وَلِلَّهِ دَرُّ القَائِلِ:
يَا مُدمِنَ الذَّنبِ أَمَا تَستَحِي وَاللَّهُ فِـي الخَلوَةِ ثَانِيكَا
غَرَّكَ مِن ربِّكَ إِمهَالُـهُ وَسَترُهُ طُولَ مَسَاوِيكَا
لقد بلغ الإيمان بالصحابة رضي الله عنهم أنهم أصبحوا يستحيون من الله في التقصير في النوافل وكأنهم قد ضيعوا الفرائض.
قال الفضيل بن عياض: "أدركت أقواماً يستحيون من الله سواد الليل من طول الهجيعة ".
قال يحيي بن معاذ: "من استحى من الله مطيعاً استحى الله منه وهو مذنب". أي من غلب عليه خلق الحياء من الله حتى في حال طاعته فهو دائماً يحس بالخجل من الله في تقصيره فيستحي أن يرى من يكرم عليه في حال يشينه عنده
ولقد ابتلي البعض من الناس بعدم الحياء من الله تعالى ، وقد ظهر ذلك في حياتنا اليومية مثل ...
1ـ تحدث الرجال والنساء بما يقع بينهما من الأمور الخاصة.
وقد وصف النبي من يفعل ذلك بشيطان أتى شيطانه في الطريق والناس ينظرون. وخروج الشباب بملابس يكشفون جزء من أجسادهم مثل الملابس الممزقة ،ورفع الصوت في الشارع بألفاظ بذيئة .
2 ـ ومن مظاهر عدم الحياء تشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء في اللباس وقصات الشعر والمشية والحركة ، وهذا فعل مستقبح تأباه الفطرة السليمة والذوق والحياء وحرمه الشرع ونهى عنه .
3 ـ ومن المشاهد المؤسفة التي فشت في مجتمعاتنا تبرج النساء في الأسواق وفي الحدائق العامة ،تبدري زينتها للأجانب بكل جرأة لم تستحي من الله تعالى.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ): }يَقُولُ: }سيكون في أمتي رجال يركبون على السرج كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات، لو كانت ورائكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم كما يخدمكم نساء الأمم قبلكم{ ]رواه الإمام أحمد في المسند[.
4 ـ وَضعُ المَرأَةِ ثِيَابَهَا فِي غَيرِ بَيتِ زَوجِهَا:
عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا قَالَتْ: خَرَجْتُ مِنَ الحَمَّامِ، فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): فَقَالَ: }مِنْ أَيْنَ يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ؟» قَالَتْ: مِنَ الحَمَّامِ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنَ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا، فِي غَيْرِ بَيْتِ أَحَدٍ مِنْ أُمَّهَاتِهَا، إِلَّا وَهِيَ هَاتِكَةٌ كُلَّ سِتْرٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّحْمَنِ{ . ]رواه أهل السنن وهو صحيح[ .
وانظر إلي هذا المشهد الرائع لأمنا عائشة رضي الله عنها وهي: "كنت أدخل بيتي الذى دفن فيه الرسول (ﷺ) وأبي فأضع ثوبي فأقول: إنما هو زوجي وأبي, فلما دفن عمر معهم فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة علي ثيابي حياء من عمر" رضي الله عنك يا زوجة رسول الله أي سمو أعظم من هذا السمو؟
أي حياء أعلى من هذا الحياء؟
تستحي من رجل قد مات ودفن تحت الثرى، فماذا نقول لبعض النساء اللاتي يستهن بالحجاب ورفع الصوت مع الرجال الاجانب؟
5ـ قطع الأرحام وانتشار الكبائر من السرقة وشرب الخمر والمخدرات والقمار والميسر والسجائر والعلاقات الآثمة والمحرمة بين أفراد المجتمع .
الخاتمة....
لقد علَّمنا النبي (ﷺ) كل خير بتعليمه لنا الحياء لأن الحياء كله خير، فعلمنا كيف نكتسب خلق الحياء ، فالحَيَاءُ يَتَوَلَّدُ مِنَ المَعرِفَةِ بِعَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَقُدرَتِهِ، لِأَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ تَعظِيمُ اللَّهِ فِي قَلبِ العَبدِ، أَورَثَهُ الحَيَاءَ مِنَ اللَّهِ وَالهَيبَةَ لَـهُ، فَغَلَبَ عَلَـى قَلبِهِ خَمسَةُ أُمُورٍ:
1ـ ذِكرُ اطِّلاعِ اللَّهِ العَظِيمِ إِلَى مَا فِي قَلبِهِ وَجَوَارِحِهِ. قال تعالي }وَاللهُ يَعلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُم(51){. ]الأحزاب[ .
2 ـ وَذِكرُ الـمَقَامِ غَدًا بَـيـنَ يَدَيـهِ.
3ـ وَسُؤَالُـهُ إِيَّاهُ عَنْ جَـمِيعِ أَعمَـالِ قَلبِـهِ وَجَوَارِحِهِ. قال تعالي }إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَائِكَ كَانَ عَنهُ مَسؤُولًا (36){[الإسراء].
4ـ وذِكرُ دَوَامِ إِحسَانِـهِ إِلَـيـهِ، بِأَنوَاعِ الإِحسَانِ وَالإِنعَامِ وَالأَرزَاقِ وَالعَطَايَا، وَهُوَ سُبحَانَهُ كَثِيرُ الإِحسَانِ، فَلَا نِهَايَةَ لِإِحسَانِهِ، قال تعالي }وَمَا بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللهِ (53){ [النحل].
5ـ دوام شكره تعالى قال تعالي }وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ(13) { [سبأ].
فَإِذَا غَلَبَ ذِكرُ هَذِهِ الأُمُورِ عَلَـى قَلبِهِ، انبَعَثَتْ مِنَ العَبدِ قُوَّةُ الحَيَاءِ مِنَ اللَّهِ، فَاستَـحيَى مِنَ اللَّهِ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَـى قَلبِهِ، وَهُوَ مُعتَقِدٌ لِشَـيءٍ مِمَّا يَكرَهُ؛ أَو عَلَـى جَارِحَةٍ مِنْ جَوَارِحِهِ، تَتَـحَرَّكُ بِمَـا يَكرَهُ، فَطَهَّرَ قَلبَـهُ مِنْ كُلِّ مَعصِـيَةٍ، وَمَنَعَ جَوَارِحَهُ مِنْ جَـمِيعِ مَعَاصِـيـهِ .
وَهَكَذَا النَّاسُ يَعِيْشُوْنَ فِي حَيَاةٍ وَسَعَادَةٍ، مَا دَامَ فِيْهِمْ خُلُقُ الحَيَاءِ؛ وَإِذَا فَقَدُوهُ فَقَدْ هَلَكُوْا.
نسأل الله تعالى أن يلبسنا ثوب الحياء ويتم علينا نعمته ويختم لنا بخير أعمالنا.
تمت بفضل الله تعالى
رابط doc
https://www.raed.net/file?id=345394
رابط pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق