الحمد لله الذي خلق فسوي ،وقدر فهدي ، وأضحك ،وأبكي ، وأمات وأحيا }وَقُلِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي لَمۡ يَتَّخِذۡ وَلَدٗا وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٞ فِي ٱلۡمُلۡكِ وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ وَلِيّٞ مِّنَ ٱلذُّلِّۖ وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِيرَۢا (111){ ]الإسراء[
الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ..
الله أكبر عدد ما ذكره الحجاج وبكوا! الله أكبر عدد ما طافوا بالبيت الحرام وسعوا!
الله أكبر عدد ما وقف الحجاج في عرفات، الله أكبر عدد ما رفعوا من الدعوات، الله أكبر عدد ما سكبوا من العَبرات، الله أكبر عدد ما رموا من الجمرات ..
الله أكبر ما أشرقت وجوه الحجيج بشرا ..
الله أكبر عدد خلقه، وزنة عرشه، ومداد كلماته!
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
سهل لعباده طريق العبادة ويسر، ووفاهم أجورهم من خزائن جوده التي لا تُحصر، ومنّ عليهم بأعياد تعود عليهم بالخيرات وتتكرر،
نحمده على نعمه التي لا تحصى ولا تحصر، ونشكره على فضله وحق له أن يشكر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، انفرد بالخلق والتدبير وكل شيء عنده بمقدار. صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أفضل من تعبد لله، وصلى وزكى وحج واعتمر ، بلغ الرسالة ،وأدي الأمانة ، ونصح للأمة وكشف الله به الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده حتي أتاه الله اليقين .
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين.
أما بعــد ..
أما بعد: فيا أيها المؤمنون ..
ها هو عيد الأضحى المبارك يحل ضيفاً على أمة الإسلام في أصقاع الأرض شرقها وغربها شمالها وجنوبها في القرى والمدن في الصحراء وعلى ضفاف الأنهار وسواحل المحيطات والبحار ..
اختص الله به أمة الإسلام من دون سائر الأمم وجعله سبحانه وتعالى عيداً للمسلمين يُظهر فيه المسلم توحيده لله وذكره وشكره على نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى وهو يومٍ فرح وسرورٍ وتواصل وتعاونٌ وتكافلٌ بين أفراد هذه الأمة الواحدة في عقيدتها ومبادئها وأخلاقها..
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد
الله أكبر .. كلمة تجلجل من المآذن وتخترق الآذان، كلمة فتحت بها المدائن واستسلمت بلدان .
كلمة لو عقلناها لتحركت منا المشاعر واهتز الوجدان .
كلمة تشعرك بحقارة كل متعاظم أمام عظمة الرحمن .
إنها كلمة تقال لإطفاء حريق ولتفريج كل كربة وضيق.
إنها كلمة تدوي في الآفاق وتخترق الحجب لتعلن لكل الناس أن العظمة الله وحده والكبرياء لله وحده، ألا له الخلق والأمر، إن الحكم إلا الله .
(الله أكبر) كلمة تعني أن الله أكبر من كل شيء ذاتاً وقدراً وعزة وجلالة، فهو أكبر من كل شيء في ذاته وصفاته وأفعاله.
إنها كلمة تعني أن الله هو الكبير في كل شيء والغني على الإطلاق وهو الذي فاق مدح المادحين ووصف الواصفين، وهو ذو الكبرياء والعلو والعظمة والرفعة، وهو الذي يتصاغر أمامه الكبراء والعظماء، لا ينازعه في كبريائه أحد ولا تهتدي العقول لوصف عظمته .
إنها الله أكبر، كلمة خرجت بصدق وإخلاص من قلوب الأبطال الفاتحين فأرعبت الأعداء وقذفت في قلوبهم الذل والصغار .
إنها الله أكبر، كلمة تقال تبشيراً بالنصر وإظهاراً للقوة والعزة قالها المصطفى (ﷺ) في فتح خيبر.
فأعيادنا تبدأ بالتكبير، وفي كل عبادة يأمرنا الله تعالى بالتكبير فقال تعالى عند الانتهاء من عبادة الصيام } وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ
وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (185){ ] البقرة [
وكذلك في ممارسة عبادة الصوم تبدأ ب " الله أكبر " فجراً وتنتهي ب " الله أكبر"
مغرباً.
وفي الحج تربية على تكبير الله على الديار والأموال والأولاد وقد أكد الله في ممارسة شعائر الفريضة على أن الهدف الأكبر هو تكبير الله؛قال تعالى } لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَآؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقۡوَىٰ مِنكُمۡۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمۡ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (37){ ] الحج[
وأمر الله تعالى عباده بعد حمده تعالى بالتكبير فقال تعالى }وَكَبِّرۡهُ تَكۡبِيرَۢا (111){ ]الإسراء [.
الله أكبر مع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله هن الباقيات الصالحات، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير مرداً.
وفي دعوتنا للصلاة، يبدأ المؤذن " الله أكبر" وينتهي "الله أكبر" يبدأ الأذان وينتهي بإعلان تكبير الله وحده دون سواه .
ويتكرر النداء ويجب تريده بصيغة واحدة خمس مرات في اليوم والليلة، ألم نسأل أنفسنا؛ لماذا التكرار لتوحيد التكبير للكبير الواحد المتعال؟
وعند إرادة الصلاة لا يمكن أن ينال أحدنا شرف الوقوف بين يدي الله إلا بعد أن يعلن بقلبه ولسانه أنَّ " الله أكبر" ولا نستطيع أن ننتقل من ركن إلى ركن داخل الصلاة إلا بعد أن نعلن أنَّ " الله أكبر"
أليس في هذا التكرار تربية على تكبير الله وتأكيد على أننا ننسى ونكبر غير الله حتى داخل الصلاة، فتدخل علينا في صلاتنا الدنيا بزينتها : الأموال ، الزوجة ، الأولاد ... ،...؟
ويتكرر إعلاننا أن " الله أكبر" يوميا في صلاة الفريضة وحدها تسعين مرة.
وفي الزكاة تربية على تكبير الله والانتصار على شح النفس وحب المال الذي قد يصل إلى حد تكبيره كإله يُعبَد " تعس عبد الدينار "
وأمر نبيه محمد (ﷺ) بالتكبير فقال تعالى }وَرَبَّكَ فَكَبِّرۡ (3){ ] المدثر[
يا من تكبر في حياتك الأكبر...
أيها المكبرون ، إن تكبير الله ليس كلمات ترددها الألسنة؛ وإنما اعتقاد ويقين تصدقه التصرفات والأعمال.
فكم من مكبر لله بلسانه يكبر ويعظم غير ربه بأعماله وتصرفاته ...
هل سألنا أنفسنا ونحن نرفع أصواتنا بالتكبير؛ لماذا طالبنا الإسلام في العيدين أن يكون شعارنا " الله أكبر" وان نرددها بأصوات مرتفعة في مصلانا وطرقاتنا وأسواقنا ومساجدنا وبيوتنا ...؟
وهل سألنا أنفسنا لماذا في كل عبادات الإسلام وتشريعاته لابد من تكبير الله بألسنتنا وقلوبنا؟
يتضح مما سبق أن تكبير الله هو مقصد وغاية العبادات ومَن كبَّر غير الله أو جمع بين تكبير الله وتكبير غير الله في عمل من الأعمال أو عبادة من العبادات حبط عمله و بطلت عبادته واختل إيمانه.
نموذج عملي لأسرة اجتمع شملها على تكبير ربها:
إن العيد الأضحى المبارك يذكرنا سنويا بأسرة ضربت المثل في تكبير الله في كل مراحل حياتها، ولم يكن لأحد أفرادها اختيار أهم ولا أعظم من تكبير الله، مهما كلف تكبير الله من تضحيات متتابعة وصلت في أول صور هذا النموذج إلى التعرض لتحريق الأجساد وفي الصورة الثانية إلى النفي خارج الأوطان وفي الثالثة إلى الامتثال لذبح الأعناق .
1ـ فإبراهيم الشاب غاظه أشد الغيظ أن يصنع قومه لأنفسهم آلهة مزيفة فذهب يحطم هذا الزيف معلنا عداوته لهذا الزيف }وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ إِبۡرَٰهِيمَ (69) إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا تَعۡبُدُونَ (70) قَالُواْ نَعۡبُدُ أَصۡنَامٗا فَنَظَلُّ لَهَا عَٰكِفِينَ (71) قَالَ هَلۡ يَسۡمَعُونَكُمۡ إِذۡ تَدۡعُونَ (72) أَوۡ يَنفَعُونَكُمۡ أَوۡ يَضُرُّونَ (73) قَالُواْ بَلۡ وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا كَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَءَيۡتُم مَّا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ (75) أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُمُ ٱلۡأَقۡدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمۡ عَدُوّٞ لِّيٓ إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (77){ ] الشعراء[
وأكد إبراهيم عليه السلام لقومه أن الأكبر في حياته هو مَن يتولى شأنه رعاية وينتهي إليه أمره مصيراً }ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهۡدِينِ (78) وَٱلَّذِي هُوَ يُطۡعِمُنِي وَيَسۡقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ (80) وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحۡيِينِ (81) وَٱلَّذِيٓ أَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لِي خَطِيٓـَٔتِي يَوۡمَ ٱلدِّينِ (82) ...{ ] الشعراء[
فتآمر الظلمة عليه ولم يسمعوا صوت العقل والحكمة وتنادوا بتهيئة الأجواء لتحريقه في محاولة غاشمة للتخلص منه }قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوٓاْ ءَالِهَتَكُمۡ إِن كُنتُمۡ فَٰعِلِينَ (68) قُلۡنَا يَٰنَارُ كُونِي بَرۡدٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِيمَ (69) وَأَرَادُواْ بِهِۦ كَيۡدٗا فَجَعَلۡنَٰهُمُ ٱلۡأَخۡسَرِينَ (70){ ] الأنبياء[
تأتي (الله أكبر) في قلبه لتعلن له أن الله أكبر من كل شيء، وأن قوته لا تغلبها قوة وعظمته لا تجاريها عظمة، }أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ (15){ ] فصلت [
الله أكبر في بطشه وعذابه وعقابه فهو يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد"
}أَهۡلَكَ عَادًا ٱلۡأُولَىٰ (50) وَثَمُودَاْ فَمَآ أَبۡقَىٰ (51) وَقَوۡمَ نُوحٖ مِّن قَبۡلُۖ إِنَّهُمۡ كَانُواْ هُمۡ أَظۡلَمَ وَأَطۡغَىٰ (52) وَٱلۡمُؤۡتَفِكَةَ أَهۡوَىٰ (53) فَغَشَّىٰهَا مَا غَشَّىٰ (54){ ] النجم[
ومن علق قلبه بالله حماه، ومن توكل عليه كفاه .
يتعرض المسلمون للأذى، ويُرهبون بكل سلاح ويأتي المرجفون ليقولوا :}إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ{. فتأتي (الله أكبر) لتقول : إن الله أكبر من كل قوة وأعظم من كل سلطان، وإذا قال لشيء كن كان .. }فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ (173) فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ (174){ ] آل عمران[
فتأتي (الله أكبر ) تحمل رسالة من الله تقول ﴿فَلا تَخْشَوهُمْ واخشوني ) .
حينما ينادي المؤذن (الله أكبر) فإنه يقول للناس : إن الله أكبر من كل شيء فخافوه فارجوه ، فأحبوه، فعظموه، فأجيبوه.
2ـ ولما نجح إبراهيم في هذا الابتلاء امتحنه الله امتحاناً آخر يختبر في نفس إبراهيم عقيدة تكبير الله؛ فطلب الله منه أن يضع ابنه الرضيع وأمه في مكان ليس فيه شيء من مقومات الحياة ؛ فلا زرع ولا ماء ولا بشر.
وهنا نرى أنفسنا أمام الركن الثاني في الأسرة، الزوجة التي تسير على نهج زوجها في تكبير ربها وتقول بلسان المؤمنة المكبرة:" آلله أمرك بهذا؟" قال: نعم. قالت: " إذا لن يضيعنا "
يا لها من امرأة توقن تمام اليقين أنَّ " الله أكبر" إن أمنا هاجر لم يكن لها في دنيا الناس إلا إبراهيم ؛ لأنها كانت غريبة عن دياره ، ومع ذلك يتركها إبراهيم؛ فتعلن أن الله أكبر وأنها في رحاب ربها لن تضيع، وأيقنت أن عالم الشهادة الذي لا ترى فيه بادرة طمأنينة أو أُنس لا يعني تجاهل عالم الغيب الذي لا يغيب عنه أبداً اللطف الرباني الذي أفصح عنه يوسف عليه السلام وهو يتحدث عن المآسي التي تعرض لها في عالم الشهادة من كيد الإخوة، والرمي في الجب، والتعرض للرق، ثم الدخول في فتنة القصر، ثم المعاناة في السجن بعد الظلم والكيد... وفي كل هذا كان يرى اللطف الرباني الذي أعلن عنه مآل حاله قبل نطق لسانه : }إِنَّ رَبِّي لَطِيفٞ لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ (100){ ] يوسف[
وكان اللطف الرباني بأمنا هاجر على نحو ما تعلمون جميعا وترون بأعينكم الخير الذي صار في عالم الشهادة بعد أن كان غيبا يوم قالت أُم المصريين:" إذاً لن يضيعنا "
هل نستطيع أن نوقن أننا لن يضيعنا الله مهما واجهتنا الشدائد والصعاب والمحن؛ طالما أننا في رحاب الله نحيا ولأمره نمتثل؟
عندما يمر بالمسلم هموم وتحاصره ديون وتؤلمه أدواء وتكدره مصائب ومحن فيشعر باليأس مع شدة البلاء فتأتي ( الله أكبر ) لتلقي في روعه أن الله أكبر من كل هم وأكبر من كل داء وبلاء ووباء وأكبر من كيد كائد وحسد حاسد وعقد عاقد فالجأ إلى الكبير المتعال فهو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وربنا كل يوم هو في شأن.
3ـ ثم تجدد ابتلاء الأسرة أشد ما يكون الابتلاء حين طُلب في رؤيا منامية من إبراهيم أن يذبح ابنه حين بلغ معه السعي .. حين بلغ معه السعي. توقيت صعب وتكليف أصعب.
إن بلوغ السعي لابنٍ يعني الكثير لأبٍ كبرت سنه ووهن عظمه واشتدت حاجته لمعونة صغيره الذي بلغ السعي معه.
وهنا نرى أنفسنا أمام بطولة الركن الثالث في الأسرة الذي أعلن بكل صراحة وجرأة ووضوح أنه ليس في حياته أكبر من الله فقال:}يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ (102) { ] الصافات[
وتتحرك الأسرة بكامل أفرادها تدفع وتقاوم كيد الشيطان بالحجارة !!
حتى تصل إلى معنى إسلام حياتها لربها لتعلن بالفعال قبل الكلام أن ليس في حياتها أكبر من ربها، والحياة التي هي منة من الله ليست أغلى من أمر الله " يا أبت افعل ما تؤمر "
أيها المؤمنون ، أيها المكبرون ..
هل باستطاعتنا ألا نكبر غير الله؟ وأن نسعى لتخليص حياتنا من الأنداد التي صار يُسوّيها البعض برب العالمين؟
لقد ختم الله مشهد الآيات في سورة الشعراء التي تحدثت عن إعلان إبراهيم براءته من كل زيف وعداوته لكل باطل وإعلانه تكبير رب العالمين الذي يتولى شأنه رعاية وينتهي إليه أمره مصيراً ختم الله المشهد بالحديث عمن كبروا غير الله بفعالهم أو بغواية غيرهم فكبهم الله جميعا في النار: }فَكُبۡكِبُواْ فِيهَا هُمۡ وَٱلۡغَاوُۥنَ (94) وَجُنُودُ إِبۡلِيسَ أَجۡمَعُونَ (95) قَالُواْ وَهُمۡ فِيهَا يَخۡتَصِمُونَ (96) تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ (97) إِذۡ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (98) وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلَّا ٱلۡمُجۡرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِن شَٰفِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٖ (101) فَلَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةٗ فَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (102) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ (103) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ (104){ ] الشعراء[
صور أخرى رائعة في تكبير الله عز وجل :
حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه :
عندما سمع حنظلة بن أبي عامر الراهب، داعي الجهاد ليلة زفافه، نهض من فراش عروسه إلى المعركة، دون أن يغتسل، ولقي الله شهيداً، فأخبر (ﷺ) أنه رأى الملائكة تغسله بين السماء والأرض، وسمي "غسيل الملائكة"، إنه ضحى بليلة عمره، كما يقولون بل بحياته كلها وضحى بعروسه في ليلتها الأولى، لتعانقه الحور العين في جنة الفردوس.
صهيب الرومي رضي الله عنه :
لقد ساوم الكفار صهيب الرومي على ماله أو يمنعوه من الهجرة، فترك لهم ماله كله ولحق برسول الله (ﷺ) في المدينة فتلقاه قائلاً: "ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى".
مصعب ابن عمير الصحابي الجليل رضي الله عنه :
أول سفير للنبي (ﷺ) إلى أهل المدينة، الرجل الذي سجل موقفا عظيما في التضحية، مصعب كان أجمل شباب قريش، وأعطرهم، وأطيبهم، وأترفهم دلالاً، فلما خالط الإيمان بشاشة قلبه، وآمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبسيدنا محمد (ﷺ) نبيا ورسولا، فسمعت به أمه فجاءت إليه فقال يا مصعب سمعت أنك آمنت بدعوة (ﷺ) قال نعم يا أماه قالت له أريدك أن تكفر بدعوة محمد (ﷺ) فقال لها لا يكون ذلك يا أماه.
قالت له: سأحرمك من نعيمك ومن ترفك، وما أنت فيه؟
فماذا يفعل مصعب هل يتخلى عن المال والجاه والترف؟
أم يتخلى عن دين سيدنا محمد (ﷺ) ؟
وكلنا يعرف أن المال شقيق الروح، وأن المال له سحره وبيانه ، وكم رأينا في دنيا اليوم من أخوين ناما في فراش واحد ورضعا من ثدي واحد وأكلا من رغيف واحد فرق بينهما المال..
وكم رأينا أرحام تقاطعت بسبب المال..
وكم من أسرة تفرقت بسبب المال..
وكم إنسان قتل أخاه من أجل المال..
وكم من إنسان باع دينه وضميره من أجل الحصول على المال.
لكن سيدنا مصعبا لم يؤثر فيه حب المال بل ضحى بالمال والترف والنعيم واختار دين محمد (ﷺ) فقدمها وبذلها لله، فلبس أخشن اللباس، وبقي زاهداً في ذلك كله، حتى إنه رضي الله عنه لما استشهد لم يجدوا ما يكفنونه به، فكفن بعباءة إذا غطي رأسه بدت رجلاه، وإذا غطيت رجلاه بدا رأسه، وكان من أعطر وأثرى وأجمل وأترف شباب قريش، ولما مر النبي (ﷺ) على مصعب بن عمير وهو مقتول على طريقه، وقف ودعا له، ثمّ تلا قوله تعالى: } مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23){ [الأحزاب].
علمنا مصعب رضي الله عنه أن الله أكبر من كل شيء ، وأن الدين أغلى من كل شيء ، وأن الدنيا زائلة والآخرة هي خير وأبقى .
علامات تعظيم الله تعالى :
إن من استشعر بأن الله أكبر من كل شيء، وأعظم من كل عظيم وقوته لا تقهر وأمره لا يرد فلا بد أن يولد ذلك عنده تعظيماً لشعائر الله عز وجل وحرماته } ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ (32){ ] الحج [
الله أكبر .. فالتكبير غايته ما يقوم في القلب عند استشعار هذه الكلمة العظيمة من الإجلال والتعظيم والمحبة والإخلاص والخوف والرجاء الله تعالى والتوكل عليه وحده سبحانه .
الله أكبر في سمعه وبصره وعلمه ، فإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى العصيان فتذكر أن الله أكبر واستح من نظر الإله وقل لها إن الكبير المستعان يراني .
فلا أثر لتكبير الله تعالى وتعظيمه إذا لم تعظم أوامره ونواهيه .
قال ابن القيم رحمه الله : "تعظيم الأمر والنهي ناشئ من تعظيم الآمر والناهي فإن الله تعالى ذم من لا يعظم أمره ونهيه وقال سبحانه }مَّا لَكُمۡ لَا تَرۡجُونَ لِلَّهِ وَقَارٗا (13){ ] الحج[
ومن علامات تعظيم الله تعالى: أن يغضب لله عز وجل إذا ارتكبت محارمه، وأن يجد في قلبه حزناً وحسرة إذا عصي الله تعالى في أرضه ولم يُضطلع بإقامة حدوده، ولم يستطع هو أن يغير ذلك.
ما معنى أن تردد المسلمة بلسانها ( الله أكبر ) وتخالف أمره بعباءة متبرجة ووجوه مكشوفة ، وخضوع بالقول واختلاط مشين وانقياد لدعوات من يريدون أن تميل الأمة ميلا عظيما ..
فقبل أن تكبري الله أيتها المسلمة بلسانك كبريه بقلبك وعظميه بسلوكك وارسمي صورة التعظيم بتعظيم أوامره حفاظا على الحجاب واعتزازا بالحشمة وصمودا أمام الشهوات والشبهات.
إن تكبير الله عز وجل في حقيقته يعني أن يكون (الله أكبر) في جميع شؤون الحياة فلا يعلو على أوامر الله عز وجل وأحكامه شيء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق