الجانب الرباني في حياة النبي صلي الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين .. ربي نبيه صلي الله عليه وسلم علي الإيمان الكامل قأمره بالعبادة الشاملة حتي آخر لحظات حياته فقال تعالي } وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99){ [الحجر].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير .ربي نبيه التربية الروحية قبل التربية الحركية فأمره بقيام الليل،والذكر ، والقرآن فقال تعالي } يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8){ المزمل .
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم ... كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه من طول القيام فقالت له زوجته عائشة مشفقة عليه: لِمَ تصنع هذا وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟، قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟" [متفق عليه]..
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ...
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون ...
إن هذا الرسول العظيم قد ترك لنا سيرة طاهرة عاطرة، وترك لنا رسالة عامة خالدة، صالحة مصلحة لكل زمان ومكان.
إن السيرة النبوية هي من أنصع الأدلة على أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم مرسل من ربه، لا يمثل نفسه، وإنما يمثل الإرادة العليا، إرادة الله عز وجل: قال تعالي }وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5){ [النجم].
ما أحوجنا اليوم إلى أن نتدبر سيرة رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم، وأن نستجلي جوانب العظمة المحمدية في حياته صلي الله عليه وسلم ،لنعرف كيف نقتدي به صلى الله عليه وسلم،
هذا الرسول العظيم الذي رفع الله ذكره فلا يذكر الله إلا ويذكر معه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشـق له مـن اسمه كي يجله فذو العرش محمود وهذا محمد
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لعن الله مؤذيه في الدنيا والآخرة فقال تعالي }إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57){ الأحزاب .
وقال تعالى ( .. وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61){ التوبة .
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عصمه الله من الناس وكفاه المستهزئين، فقال تعالي } إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ(95) { الحجر.
وبتر شانئه ومبغضه فقال تعالي } إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3){ الكوثر.
رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي اختصه الله من بين إخوانه المرسلين بخصائص تفوق العد .
فله الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود ولواء الحمد .
وله الشفاعة العظمى وله الكوثر.
وهو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة .
وأول من يفتح له باب الجنة .
وهو أول شافع وأول مشفع .
وهو سيد ولد آدم أجمعين الذي زكاه ربه تزكية ما عُرفت لأحد غيره قاطبة ،
فقد زكى الله عقله فقال تعالي }مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ (2){ النجم.
وزكى لسانه فقال تعالي }وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى(3){ النجم
وزكى شرعه فقال تعالي}إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) { النجم
وزكى قلبه فقال تعالي } مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ (11){ النجم
وزكي بصره فقال تعالي } مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ(17){
وزكى أصحابه فقال تعالي }مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ (29){
وزكى أخلاقه فقال تعالي } وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (4){ القلم.
وزكى دعوته فقال تعالي }قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108){ يوسف
فنحن أمام رجل عظيم ما عرف التاريخ مثله في العظمة .
تالله ما حملت أنثى ولا وضعت مثل الرسول نبي الأمة الهادي
هذا النبي صلي الله عليه وسلم الذي صنعه الله علي عينه فقال تعالي } وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ(48){ الطور .
فمن جوانب العظمة في حياته صلي الله عليه وسلم
==========================
أولا : الجانب الرباني:ـ
---------------------------------------
إن الجانب الرباني المرتبط بالله تعالى هو الذي يشكل الأساس الذي يُقوِم الشخصية الإسلامية. فكان صلى الله عليه وسلم يهتم بالتربية الروحية، فقبل الإسلام كان صلى الله عليه وسلم يختلي بنفسه إلى غار حراء، يمشي ما يقارب ثلاث كيلومترات في أوعر طريق، وأصعب مسلك. يصعد إلى قمة الجبل، ليجلس بين صخور، يتأمل في ملكوت السماوات والأرض، ويفكر في الحقائق الكبرى.
كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعبد في غار حراء الليالي ذوات العدد، ويعتكف فيه في كل سنة شهراً بأكمله، والسيدة خديجة كانت تأتيه بالطعام والشراب.
لقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم ببناء الشخصية الإسلامية بالعبادة الباطنية من إيمان وإخلاص لله تعالى، ومجاهدة النفس، وبالعبادة الخارجية من صلاة وصيام و معاملات.
تأثير متبادل بين العبادة الباطنية والعبادة الداخلية.
إننا نستقرأ من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم جوانب مشرقة، وهمة عالية، وعقلية منفتحة، مبنية على طاعة الله تعالى، ومحبة الناس، ومعرفة عيوب النفس، ومداخل الشيطان، واهتمامه صلى الله عليه وسلم بما يرقق القلوب، ويذكر بالآخرة.
إن من يقرأ في هذا الجانب، جانب العبادة.. الصلاة.. الصيام.. الذكر.. التسبيح.. التهليل.. التكبير.. الدعاء.. الاستغفار
يجد قلبا نابضا بحب الله تبارك وتعالى، يجد لسانا رطبا بذكر الله تعالى، لا ينساه على كل حال، يذكر الله في كل أحواله، وعلى كل أحيانه.
انظروا إلى الرسول العابد الذي أمره الله تعالى بقوله: } وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99){ [الحجر].
فكان يعبده في ليله ونهاره، وصباحه ومسائه، في خلوته وجلوته، لا يفتر عن عبادة ربه.
كان يعلم أن الإنسان ما خُلق إلا لعبادة الله، وأن عبادة الله هي المهمة الأولى لهذا المخلوق الذي خلقه الله بيده، وسواه ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وجعله خليفة في الأرض.
كان يعلم أن مهمته أن يعبد الله عبادة مبنية على معرفة به قال تعالي } وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ(58) { [الذاريات].
لهذا كان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس إقبالا على الله.
الرسول صلي الله عليه وسلم مع الصلاة
=======================
شرع الله الصلوات الخمس لتربط المسلم بربه كل يوم خمس مرات، لا يوجد دين يربط الإنسان بمولاه هذا الربط الوثيق، ليكون دائما على موعد مع ربه، كلما شغلته الشواغل، كلما غرق في لجة الحياة، كلما أنسته مطالب الدنيا، كلما غرق مع التجارات، مع الدينار والدرهم، لكنه حين يسمع المنادي ينادي:
(الله أكبر الله أكبر.. حي على الصلاة.. حي على الفلاح)
يترك البيع والشراء، ويترك دنياه ودنيا الناس، ويهرع إلى بيت الله، هكذا علم محمد صلى الله عليه وسلم الناس.
علمهم أن الحياة إنما تكون لله وبالله، وأن الإنسان يجب أن يتحرر لمولاه، هكذا علمه ربه: قال تعالي } قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163){ [الأنعام].
ولهذا كان صلى الله عليه وسلم المسلم الأول في كل أمر، المسلم الأول في عبادته إذا تعبد، في ذكره إذا ذكر، في دعائه إذا دعا، في خُلقه إذا تخلق، في جهاده إذا جاهد.
- كان المسلم الأول في عبادته لله، ولم تكن عبادته مجرد تسديد خانة، أو امتثالا لأمر، بل كانت عبادته عبادة الحب والشوق إلى الله سبحانه وتعالى.
كان إذا قرب وقت الصلاة يتشوق إليها ويحن لها، ينتظر وقتها بفارغ الصبر، حتى إذا حان الوقت قال لمؤذنه: "قم يا بلال فأرحنا بالصلاة" [رواه أبو داود ، وأحمد].
وما أعظم الفرق بين من يقول: أرحنا بها، ومن يقول: أرحنا منها.
إنها صلاة الحب، لا مجرد صلاة الأمر، إنه كان يجد فيها نفسه، يجد فيها غذاء قلبه، وانشراح صدره، وحياة روحه، وقرة عينه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "... وجعلت قرة عيني في الصلاة" [رواه النسائي، وأحمد].
- كان يصلي الصلوات الخمس في ميقاتها، في جماعتها، بخشوعها، وركوعها، وسجودها، وإسباغ وضوئها، وما كان يكتفي بها، بل كان له صلوات.
الرسول صلي الله عليه وسلم مع الليل
==================
كان النبي صلي الله عليه وسلم يصلي من الليل، ما كانت متاعبه لتشغله عن وقوفه بين يدي ربه، إذا جن الليل، وأرخى ستوره، وغارت النجوم، وهدأت العيون، وأوى كل ذي فراش إلى فراشه، كان يقوم من الليل، ويصف قدميه مصليا لله عز وجل، ويناجيه فعن ابن عباس رضي الله عنهما ،كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: "اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض، ولك الحمد أنت قيام السموات والأرض، ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك الحق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وأخرت، وما أسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت" [متفق عليه].
هذا هو النبي العظيم، ما شغلته متاعب الحياة، ومتاعب الدعوة، وما شغلته حياته الخاصة، تسع نسوة لهن مطالب، ولهن حاجات، ولهن تطلعات، ومسلمون لهم حاجات، ولهم مطالب، وعليه توجيههم وهدايتهم، وجبهات تقف له بالمرصاد، تريد أن تقتلع جذوره، وأن تهدم دعوته من أساسها: الجبهة الوثنية، والجبهة اليهودية، والجبهة النصرانية البيزنطية، والجبهة المجوسية المتربصة، والطابور الخامس من المنافقين الذين يعلنون الإسلام ويبطنون الكفر قال تعالي }يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9){ ) [البقرة].
متاعب الحياة، ومتاعب الدعوة وهمومها، ما كانت لتشغله أن يقف بالليل مع ربه.
يقف ويطيل الوقوف حتى تتورم قدماه، حتى تتفطر وتتشقق من طول القيام،
- حكى عنه حذيفة رضي الله عنه قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحوا من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، ثم قام طويلا قريبا مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريبا من قيامه" [رواه مسلم].
إنها صلاة يشعر فيها بحلاوة العبادة، يجد حلاوتها في قلبه، فلا يمل ولا يضجر ولا يسأم، وأصحابه الذين كانوا أصغر منه سنا، وأقوى منه شبابا، ما كانوا يصبرون على هذه الصلاة الطويلة، حتى قال ابن مسعود، وهو من الصحابة: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، فلم يزل قائما حتى هممت بأمر سوء، قيل: ما هممت؟، قال: هممت أن أجلس وأدعه" [متفق عليه]، لم يصبر على طول القيام.
"كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه من طول القيام فقالت له زوجته عائشة مشفقة عليه: لِمَ تصنع هذا وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟، قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟" [متفق عليه].
أي أن هذه المغفرة تجعلني أزداد في الإقبال على الله؛ شكرا لنعمته، ووفاء بحقه، وقياما بحبه، هكذا كان صلى الله عليه وسلم.
كان متعبدا لله عز وجل عبادة الخشية، وعبادة المحبة، كان يصلي ويطيل السجود، ويطيل الركوع، ويطيل القيام، وله في سجوده وركوعه وما بين التكبيرات أدعية وأذكار تملأ القلب بالخشية والخشوع، وتهز كيان النفس هزا، ما أحوجنا أن نقرأها ونحفظها وندعو له!.
فعن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا ركع يقول: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح" [رواه مسلم وأبو داود، والنسائي].
ويقول صلي الله عليه وسلم : "اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي" [رواه مسلم عن علي رضي الله عنه].
وإذا قام من ركوعه يقول: "اللهم ربنا لك الحمد، ملء السموات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد". [رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري، وأبو داود، والنسائي].
وكان إذا سجد قال: "اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين" [رواه مسلم عن علي رضي الله عنه، وأبو داود، والترمذي، والنسائي].
وفيما بين السجدتين يقول: "رب اغفر لي وارحمني، واجبرني وارفعني، وارزقني واهدني" [رواه البيهقي في سننه عن ابن عباس في حديث مبيته عند خالته ميمونة رضي الله عنها، ورواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم].
هكذا كانت صلاته صلى الله عليه وسلم، صلاة الخشية.. صلاة الحب.
الرسول صلي الله عليه وسلم مع الصيام
================
أما صيامه، فكان يصوم رمضان، هذا الشهر الكريم الذي كان يعتبره موسما لطاعة الله والإقبال عليه، فإذا جاء رمضان كان مع جبريل يدارسه القرآن، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة.
"وكان إذا دخل العشر -الأواخر- شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله" [رواه الستة إلا الترمذي عن عائشة]، واعتكف في المسجد، اعتزل عزلة مؤقتة عن شواغل الحياة لعبادة الله عز وجل.
كان قبل رمضان يقوم بعض الليل وينام بعضه، ولكن في هذه العشر الأواخر يحيي الليل كله لعبادة الله، ويوقظ أهله.. نساءه، ليشاركنه هذا المغنم.. هذا الخير، ما كان يحب أن يكون وحده في طاعة الله، روت عنه أم سلمة: أنه استيقظ ليلة، فقال: "سبحان الله!، ما أنزل الليلة من الفتن؟، ماذا أنزل من الخزائن؟، من يوقظ صواحب الحجرات؟ -يعني نساءه- يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة". [رواه البخاري عن أم سلمة في كتاب التهجد من صحيحه].
هكذا كان صلى الله عليه وسلم يصوم ويقوم، ولم يكن يكتفي بصيام رمضان، كما لم يكن يكتفي بالصلوات الخمس.
كان يصوم الأيام البيض من كل شهر: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر [من حديث جرير رضي الله عنه، رواه النسائي بإسناد جيد، والبيهقي]، وكان يصوم الإثنين والخميس، ولما سُئل في ذلك قال: "تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" [رواه الترمذي من حديث أبي هريرة، وقال: حديث حسن غريب، وروى النسائي نحوه في حديث عن أسامة بن زيد].
كان يصوم حتى يقال لا يفطر، ويفطر حتى يقال لا يصوم، وكان أحيانا يصوم ويواصل الصيام، وينهى أصحابه عن الوصال رفقا بهم، فيقولون له: إنك تواصل يا رسول الله، فيقول: "وأيكم مثلي؟، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني" [متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
لا تظنوا أنه يطعمه اللحم والأرز، أو الفاكهة، أو يسقيه الماء، لا، إنه غذاء آخر، وشراب من نوع آخر.
إنه غذاء القلب، وشراب الروح، إنه مشغول بمعرفة ربه وحبه وخشيته، لذلك شغله هذا عن الشراب والطعام والدنيا، كما قال القائل:
لها أحاديث من ذكراك تشغلهـا عن الشراب وتلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور يستضــاء له ومن حديثك في أعقابها حادي
إذا شكت من كلال السير أوعدها روح القدوم فتحيا عند ميعاد
من في الناس يصل إلى هذه المرحلة؟!.
إن في الحديث عن عبادته صلى الله عليه وسلم، عن هذا الجانب الرباني من سيرته يطول، ولعل لنا عودة إليه لنجلي هذا الجانب جانب الذكر والشكر وحسن العبادة في حياة النبي العظيم صلى الله عليه وسلم، فإنه من أنصع الأدلة على أنه رسول الله.
إن الدجالين لا يمكن أن يحملوا بين جنوبهم مثل هذا القلب الشاكر، ولا يمكن أن يكون لهم مثل هذا اللسان الذاكر، ولا يمكن أن يكون لهم مثل هذا البدن الصابر على طاعة الله وعبادته.
إن هذا القلب قلب النبي المحب لربه، الخائف من عذابه، الراجي لرحمته، المقبل عليه بكل همته، إنه دليل من أسطع الأدلة على أنه رسول الله، على أنه يتكلم عن الله، لا يتكلم عن هواه، ولا يصدر من عند نفسه }وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ (4){ [النجم].
صلى الله عليك وسلم يا رسول الله، وجعلنا الله من المهتدين بهديك، المقتدين بسنتك:}لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا (21){ [الأحزاب].
الهدف من التربية الروحية :ـ
==============
الهدف من التربية الروحية في الإسلام أو تزكية النفس، أو السير إلى الله سبحانه وتعالى :ــ
هو الإنتقال من نفس مضطربة إلى نفس مطمئنة، ومن عقل شارد ، إلى عقل عارف بالله تعالى،
أثر التربية الروحية عند النبي صلي الله عليه وسلم
=============================
قوة اليقين بالله تعالى في قلب النبي صلي الله عليه وسلم ..
لقد تعرض سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لشتى المواقف الصعبة، وبخاصة أثناء هجرته من مكة إلى المدينة عندما وقف المشركون على باب الغار الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، وسمع أبو بكر الصديق أصواتهم فأقبل عليه الهم والخوف، فعند ذلك يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: }إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ .....( 40){.
كانت شدة صلته صلى الله عليه وسلم بالله تعالى، وقوة معنوياته الروحانية تسليةً لضغوطه النفسية، وتخفيفا لهمومه الإجتماعية.
بذلك كانت العناية الإلاهية ترعاه صلى الله في باطنه وظاهره، وتزوده بقوة وجدانية خارقة، فكانت نفسه صلى الله عليه وسلم بذلك غنية، تعرض عليه الدنيا من قبل سفير قريش عتبة بن ربيعة فيرفضها رفضا، فيقول له: «يَا ابْنَ أَخِي ، إنْ كُنْتَ إنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا ، حَتَّى لَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَكَ ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا» .
لكن قوته الروحانية تجعله صلى الله عليه وسلم يرد على كل الإغراءات والتهديدات بقوله: « يَا عَمُّ ، وَاَللَّهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي ، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ ، مَا تَرَكْتُهُ» .
يعلمنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الفراغ الروحي لا يملؤه المال، ولا السلطة، ولا المكانة، ولا المتعة.
إن الفراغ الروحي لا يملؤه إلا عبادة الله تعالى، وهذا ما يعبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بحقيقة الغنى بقوله: « لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» البخاري.
فما أحوجنا إلي الإهنمام بالجانب الروحي وتقوية الصلة بالله تعالي ...
ألك أيها المسلم وأيتها المسلمة مع الله خلوة ؟
ألك مع الله مناجاة ؟
هل خصصت وقتا تتأمل فيه وتفكر في هذا الكون المبدع؟
وماذا بعد هذه الحياة الدنيا؟
وماذا أعددت للحياة الآخرة؟
تأمل في قوله تعالى: } قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) { الكهف.
أسأل الله العظيم أن يأخذ بأيدينا إليه أخذ الكرام عليه إنه ولي ذلك والقادر عليه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق