السبت، 23 سبتمبر 2023

مظاهر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته




الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم .. الذي وسعت رحمته كل شيء فقال تعالي 
}وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ (157){ ]الأعراف[ 
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كلي شيء قدير أرسل نبيه رحمة للعالمين فهداهم من ضلالة وعلمهم من جهالة وأخرجهم من ظلمات الجهل إلي نور العلم والإيمان فقال تعالي }وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107){ ]الأنبياء[ .  
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) شملت رحمته البر والفاجر والقريب والبعيد والعدو والصديق فكان رحمة مهداه من الله عز وجل فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ): } يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ { .  ]المستدرك علي الصحيحين[ . 
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين .. 
أما بعد : فيا أيها المؤمنون
لقد جمع الله سبحانه وتعالى في نبيّه محمد (ﷺ)صفات الجمال والكمال البشري ، وتألّقت روحـه الطاهرة بعظيم الشمائـل والخِصال ، وكريم الصفات والأفعال ، حتى أبهرت سيرته القريب والبعيد ، وتملكت هيبتهُ العدوّ والصديق ، وقد صوّر لنا هذه المشاعر الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه أبلغ تصوير حينما قال :
وأجمل منك لم ترَ قط عيني         وأكمل منك لم تلد النساء
خُلقت مبرّأً من كل عيب                  كأنك قد خُلقت كما تشاء
فمن سمات الكمال التي تحلّى بها (ﷺ) خُلُقُ الرحمة والرأفة بالغير، كيف لا ؟
وهو المبعوث رحمة للعالمين ، فقد وهبه الله قلباً رحيماً ، يرقّ للضعيف ، ويحنّ على المسكين ، ويعطف على الخلق أجمعين ، حتى صارت الرحمة له سجيّة ، فشملت الصغير والكبير ، والقريب والبعيد ، والمؤمن والكافر ، فنال بذلك رحمة الله تعالى ، فالراحمون يرحمهم الرحمن .
ولو يعلم الذين آذوا النبي (ﷺ) بالكلماتِ أو الأفعال كيف كانت رحمته بهم، وكيف كانت شفقته عليهم لذابت قلوبُهم محبةً له ورغبةً في اتباعه ().
إنها الرحمة التي تفيض حتى تكاد تقتل صاحبَها أسًى لما يرى من انصراف الخلق عن طريق الجنة إلى طريق النار، حتى يصف القرآن حال النبي (ﷺ) في قوله تعالى:} فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6){]الكهف[
ولقد وصفه الله تعالى بذلك في القرآن فقال تعالى:} فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159){ ]آل عمران[.
وقال تعالى: }لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128){ ]التوبة[
لذلك كان موضوعنا }من مظاهر رحمة النبي (ﷺ) بأمته{ وذلك من خلال العناصر الرئيسية التالية ....
1ـ مظاهر رحمة النبي (ﷺ).
2ـ أثر رحمة النبي (ﷺ). 
3ـ حاجتنا إلي التخلق بخلق الرحمة . 
4ـ  الأسباب المعينة على التخلق بخلق الرحمة.
العنصر الأول : مظاهر رحمة النبي (ﷺ):
لقد تجلت لنا مظاهر رحمة النبي (ﷺ) حتي شملت القاصي والداني ،والقريب والبعيد ،والصديق والعدو، والبر والفاجر، وهذه بعض مظاهر رحمته (ﷺ).. 
1 ـ رحمته (ﷺ) بأمته في التشريع:
إن التشريع الإسلامي بُنِي على الرحمة بالمكلفين؛ يقول الله تعالى: }لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا(286){[البقرة].
أصل الأوامر والنواهي ليست من الأمور التي تشق على النفوس؛ بل هي غذاءٌ للأرواح ودواءٌ للأبدان، فالله تعالى أمر العباد بما أمرهم به رحمة وإحسانًا، ومع هذا إذا حصل بعض الأعذار التي هي مظنة المشقة حصل التخفيف والتسهيل، إما بإسقاطه عن المكلف، أو إسقاط بعضه كما في التخفيف عن المريض والمسافر وغيرهم ، فرخَّص لهم الفطر في السفر شفقة ورفقًا بهم؛ عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: كانَ رَسولُ اللَّهِ (ﷺ) في سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا ورَجُلًا قدْ ظُلِّلَ عليه، فَقالَ: ما هذا؟ فَقالوا: صَائِمٌ، فَقالَ(ﷺ): }ليسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ{ [أخرجه البخاري].
"وهكذا رغب (ﷺ) في الفطر للمسافر، ورهب من صيامه إذا لحقته المشقَّة من الصيام، أو كان في فطره مصلحة لا يقدر عليها صائمًا.
وهكذا رأينا الإسلام سمحًا كريمًا رحيمًا بأهله، لا يحب العنت والمشقة، وإن كانت في العبادة.
ومن رحمته بأُمَّته (ﷺ) نهاهم عن الوصال في الصوم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ):}إياكم والوصال، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: إنكم لستم في ذلك مثلي؛ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكْلَفُوا من الأعمال ما تُطِيقون{ ]رواه البخاري ومسلم[.
2ـ رحمة النبي (ﷺ) بالعامة :
روي ابن مسعود  رضي الله عنه عن النبي (ﷺ) أنه قال: }لن تؤمنوا حتى تراحموا)، قالوا: يا رسول الله، كلنا رحيم، قال: إنه ليس برحمة أحدِكم صاحبه، ولكنها رحمة العامَّة{  ]رواه الطبراني ورجاله ثقات[
الكل يرحم بعضهم بعضا، الرئيس يرحم المرؤوسين ، والأب يرحم الابن ، والزوج يرحم الزوجة ، والغني يرحم الفقير،  والقوي يرحم الضعيف ، والجار يرحم جاره ، الكل يتراحم فيما بينهم حتي يصدق فينا قول النبي (ﷺ) عن النعمان ابن بشير رضي الله عنهما :عن النبي (ﷺ) أنه قال:}مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى { ]البخاري ومسلم[
3ـ رحمة النبي (ﷺ) بالضعفاء :
لقد أقر الإسلام  حقوقا للضعفاء والفقراء والمساكين ، واهتمَّ النبيُّ (ﷺ) بالضعفاءِ الذين لا مالَ لهم ولا عشيرةَ، فكان يقبلُ من محسنِهم ويتجاوزُ عن مسيئِهم، ويسعى في حوائِجهم، ويرفعُ عنهم الضرَّ والأذى ولو بكلمةٍ تُغضِبُهم، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا قَالَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ فَأَتَى النَّبِيَّ (ﷺ) فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ قَالُوا لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَخِي {[ رواه مسلم] 
وكانَ النبيُّ (ﷺ) يُعلِّمُ أصحابَهُ أنَّ المالَ والوجاهةَ الاجتماعيةَ والمناصبَ المرموقةَ لا تُضفي على الإنسانِ فضلًا لا يستحقُّه، وأنْ الفقرَ وقلةَ المالِ والجاهِ لا يسلبُ الإنسانَ شرفًا يستحقُّه.
روي البخاري من حديث سهل بن سعد قال : مرَّ رجل علينا ونحن جلوس عند النبي (ﷺ) ، فقال لرجل عندنا : ماذا تقول في هذا الرجل ؟!
قال : يا رسول الله هذا من أشراف أهل المدينة ، هذا من أحسنهم حسباً ونسباً ، هذا من أكثرهم مالا ، هذا حري إن خطب يخطب ، وإن تكلم يُسمع ، وإن شفع يُشفع فسكت النبي (ﷺ)، ثم مرَّ رجل آخر فقال للرجل نفسه :فماذا تقول لهذا الرجل ؟ قال يا رسول الله : هذا من فقراء الأنصار ،هذا لا حسب ولا نسب ، هذا حري إن خطب ما يُخطب ، وإن تكلم ما يُسمع، وإن شفع ما يُشفع، فقال الصادق المصدوق : }هذا  (يعني الفقير اللي لا حسب ولا نسب) هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا.. هذا الذي في نظرك الذي إذا تكلم ما يسمع ، وإذا شفع ما يشفع ، وإذا خطب ما يخطب ( هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا {.]رواه البخاري [
وقالَ النبيُّ (ﷺ) }ألا أخبرُكم بأهلِ الجنةِ؟ كلُّ ضعيفٍ متضعِّفٍ، لو أقسمَ على اللهِ لأبرَّهُ. ألا أخبرُكم بأهلِ النارِ؟ كلُّ عُتُلٍ جواظٍ   مستكبرٍ{ ]قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح [ 
(العتل): الغليظ الجافي. (الجواظ): الفاجر .
وكان (ﷺ) يهتمّ بأمر الضعفاء والخدم ، الذين هم مظنّة وقوع الظلم عليهم ، والاستيلاء على حقوقهم ، وكان يقول (ﷺ) في شأن الخدم : }هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم { ، ومن مظاهر الرحمة بهم كذلك ، ما جاء في قوله (ﷺ): }إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده معه أو ليناوله منه فإنه هو الذي ولي حره ودخانه { ]رواه ابن ماجة وأصله في مسلم[ .
ومن اهتمامِ النبيِّ (ﷺ) بشأنِ الضعفاءِ أنَّ امرأةً سوداءَ كانتْ تقُمُّ المسجدَ، ففقدها رسولُ اللهِ (ﷺ) ، فسألَ عنها، فقالوا: ماتتْ. فقالَ (ﷺ) }أفلا كنتم آذنتموني، فكأنهم صغَّروا أمرَها ،فقال النبيُّ (ﷺ) : دلوني على قبرِها، فدلّوه فصلَّى عليها{ ]رواه البخاري ومسلم[.
إنَّ المجتمعَ الذي يشعرُ فيه الفقيرُ والمسكينُ والضعيفُ بأهميتِهِ واهتمامِ المسؤولينَ والقادةِ والقوانينِ به لهو مجتمعٌ التكافلِ والرحمةِ والإنسانيةِ الذي ينعمْ به الجميعُ ويسعدوا بظلالِهِ.
ويقول النبي (ﷺ):}من وَلي أمرَ الناسِ، ثم أغلقَ بابهُ دون المسكينِ والمظلومِ وذوي الحاجةِ، أغلقَ اللهُ تباركَ وتعالى أبوابَ رحمتهِ دونَ حاجتهِ وفقرهِ أفقرَ ما يكونُ إليها{ ]رواه أحمد[
وفي الجملةِ كانَ رسولُ اللهِ (ﷺ) يهيبُ بالأمةِ كلِّها أنْ تقفَ لنصرةِ المظلومِ أيًّا كان مستواه ومكانتهِ؛ حيثُ ربطَ بين هذه القضيةِ وقضيةِ كرامةِ الأمةِ نفسِها، فقال: }كيفَ يقدسُ اللهُ أمةً لا يؤخذُ لضعيفِها من شديدِها حقَّه وهو غير متعتعٍ{ ]رواه ابن ماجه[
4 ـ رحمة النبي (ﷺ) بالعصاة والمذنبين :
أحوج الناس إلى الرحمة هم العصاة والمذنبون، ولكنهم يحتاجون إلى رحمة التوجيه والهداية لطاعة الله، فإن الإسلام رحمة، والهداية والالتزام رحمة، وهناك أممٌ تنتظر منك أن تدلهم عليها، وأن تهديهم بإذن الله إليها، وأن تأخذ بمجامع قلوبهم إلى الله، فتحببهم في طاعة الله ومرضاته، قال (ﷺ):}أنا رحمة مهداة{.
 من رحمته (ﷺ) بالعصاة ستره ، فأمر بستر عورته وعدم التشهير به ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي (ﷺ):}مَن ستَر عورةَ أخيه المسلم، ستر الله عورته يومَ القيامة، ومَن كشفَ عورة أخيه المسلم، كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته { ]رواه ابن ماجه[ .
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال رسول الله (ﷺ):}من علم من أخيه سيئة فسترها عليه ستر الله عليه يوم القيامة { ]رواه أحمد[ .
الأصل فيمن رأى المنكر أن يقوم بالإنكار على فاعله مع الستر عليه وعدم التشهير به، لما ورد في قصة ماعز رضي الله عنه :أن النبي (ﷺ) قال لرجل من أسلم يقال له هزال :}يا هزال لو سترته بردائك لكان خيراً لك{  ]رواه الطبراني[ .
ويحكي خوات بن جبيرعن نفسه فيقول ‏:‏ نزلنا مع رسول الله (ﷺ) مر الظهران‏.‏ قال‏:‏فخرجت من خبائي فإذا أنا بنسوة يتحدثن فأعجبنني، فرجعت فاستخرجت حلة فلبستها، وجئت فجلست معهن، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبة، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هبته واختلطت، وقلت‏:‏ يا رسول الله، جمل لي شرد فأنا أبتغي له قيداً‏.‏ ومضى فاتبعته فألقى إلي رداءه، ودخل الأراك فقضى حاجته وتوضأ، فأقبل والماء يسيل على صدره من لحيته‏.‏
فقال‏:‏ ‏"‏أبا عبد الله، ما فعل ذلك الجمل‏"‏‏؟‏
وارتحلنا، فجعل لا يلحقني في المسير إلا قال‏:‏ ‏"‏السلام عليك أبا عبد الله، ما فعل شراد ذلك الجمل‏"‏‏؟‏ فلما طال ذلك علي أتيت المسجد، فقمت أصلي، فخرج رسول الله (ﷺ) من بعض حجره‏.‏ فجاء فصلى ركعتين، فطولت رجاء أن يذهب ويدعني‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏أبا عبد الله، طول ما شئت أن تطول، فلست بمنصرف حتى تنصرف‏"‏‏.‏ فقلت في نفسي‏:‏ والله لأعتذرن إلى رسول الله (ﷺ) ولأبرئن صدره‏.‏ فلما انصرفت قال‏:‏ ‏"‏السلام عليك أبا عبد الله، ما فعل شراد ذلك الجمل‏"‏‏؟‏
قلت‏:‏ والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏يرحمك الله‏"‏، ثلاثاً، ثم لم يعد لشيء مما كان‏ .
الرحمة أفضل ما تكون بالدلالة على الخير، فكم من أناس هدوا إلى سواء السبيل، ودلوا إلى المَعْلَم والدليل فأصابوا رحمة الله العظيم الجليل.
5ـ رحمة النبي (ﷺ) بالحيوان: 
لقد أخبر النبي (ﷺ) أن الجنة فتحت أبوابها لامرأة بغي من بغايا بني إسرائيل لمجرد أنها سقت كلبا عطشان فأخرج مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله (ﷺ) قال: }إن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها أي استقت له بخفها  فغفر لها { فقد غفر الله لهذه البغي ذنوبها بسبب ما فعلته من سقي هذا الكلب. 
وأخبر النبي صلي الله عليه وسلم أن النار فتحت أبوابها لامرأة حبست هرة لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ، فيقول رسول الله (ﷺ): }عذبت امرأة في هرة لم تطعمها ولم تسقها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض{]أخرجه البخاري ومسلم[
وقد حرم الإسلام تعذيب الحيوان ولعن المخالفين على مخالفتهم، فقد روى مسلم بسنده إلى ابن عباس أن النبي (ﷺ) مرّ على حمار قد وسم في وجهه فقال: }لعن الله الذي وسمهوفي رواية له: } نهى رسول الله (ﷺ) عن الضرب في الوجه وعن الوسم في الوجه{.
وقد حرمت الشريعة الإسلامية تصبير البهائم أي أن تحبس لترمى حتى تموت  كما حرمت المثلة  وهي قطع أطراف الحيوان .
فقد روي عن ابن عمر أنه قال: }نهى النبي (ﷺ) عن أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل{. ]أخرجه الإمام أحمد[
وأخرج البخاري ومسلم عن المنهال بسنده إلى عبد الله بن عمر أنه قال: }لعن النبي صلى الله عليه وسلم من مثّل بالحيوان{.
لقد رحم رسول الله (ﷺ) الحيوان الأعجم من أن يُجوَّع أو يُحمَّل فوق طاقته.. فقال في رحمة بالغة حين مَرَّ على بعير قد لحقه الهزال: }اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ ‏فَارْكَبُوها  صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً{ [ أبو داود وابن خزيمة وقال الشيخ الألباني: صحيح].
بل هو يرحم الحيوان حتى في حالة ذبحه، فإن كان لابد أن يُذبَح فلتكن عملية الذبح هذه رحيمة، فيقول: }إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ{[أخرجه مسلم وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وأحمد، والدارمي ، وابن حبان ].
بل إنه (ﷺ) يتجاوز البهائم إلى الطيور الصغيرة التي لا ينتفع بها الإنسان كنفعه بالبهائم، وانظر إلى رحمته بعصفور!! 
يقول رسول الله (ﷺ): }مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا‏ عَجَّ‏ ‏إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ{[أخرجه النسائي ، وأحمد ، وابن حبان ، والطبراني في المعجم الكبير ، والبيهقي ]. 
إنّ دعوة الإسلام للرفق والرحمة بالحيوان هي من باب أولى دعوة لاحترام الإنسان والرحمة به، فإذا كان الإسلام رحيمًا بالكائن الذي لا ينطق ولا يعقل ولا يمتلك أحاسيس الإنسان ومشاعره ولا كرامته وموقعه، فما بالك بأكرم الخلق وأفضل الكائنات.
وكل ذلك يؤكد عظمة هذا الدين وأنه دين يعني بكل الجوانب الإنسانية لأن في ذلك سعادة الإنسان وأمنه.
6 ـ رحمة النبي (ﷺ) بغير المسلم :
لقد شملت رحمة الإسلام القريب والبعيد والمسلم وغير المسلم فرأينا سلوك المسلمين مع المحاربين من غير المسلمين ، أساسه قوله تعالى: }لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9){ ]الممتحنة[
فالبر والقسط مطلوبان من المسلم للناس جميعًا، ولو كانوا كفارًا بدينه، ما لم يقفوا في وجهه ويحاربوا دعاته، ويضطهدوا أهله.
فنجد رسول الله (ﷺ) يغضب عندما يجد امرأة مقتولة وهو يمر في إحدى الغزوات فقال ما كانت هذه لتقاتل ، بل ينهي عن قتل النساء والشيوخ والأطفال ومن لا مشاركة له في القتال .
إن المتأمل لحروب رسول الله (ﷺ) مع أعدائه سواء من المشركين، أواليهود، أو النصارى، ليجِد حُسن خُلق رسول الله (ﷺ) مع كل هؤلاء الذين أذاقوه ويلات الظلم والحيف والبطش، إلاّ أنه كان يعاملهم بعكس معاملاتهم له.
فإذا تأمّلْنا وصية رسول الله (ﷺ) لأصحابه المجاهدين الذين خرجوا لرد العدوان نجد في جنباتها كمال الأخلاق ونُبل المقصد ....
فها هو ذا رسولُ الله (ﷺ) يوصي عبد الرحمن بن عوف  عندما أرسله في شعبان سنة (6ه) إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل؛ قائلاً: }اغْزُوا جمِيعًا فِي سبِيلِ اللهِ، فقاتِلُوا منْ كفر بِاللهِ، لا تغُلُّوا، ولا تغْدِرُوا، ‏ولا‏ ‏تُمثِّلُوا، ‏ولا تقْتُلُوا ولِيدًا، فهذا عهْدُ اللهِ وسِيرةُ نبِيِّهِ فِيكُمْ{  ]رواه الحاكم  وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: صحيح. والطبراني: المعجم الأوسط [
وكذلك كانت وصية رسول الله (ﷺ) للجيش المتّجه إلى معركة مؤتة؛ فقد أوصاهم  قائلاً: }‏اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سبِيلِ اللّهِ، قاتِلُوا منْ كفر بِاللهِ، اغْزُوا ولا ‏تغُلُّوا ، ‏ولا ‏تغْدِرُوا، ‏‏ولا ‏تمْثُلُوا، ‏ولا تقْتُلُوا ولِيدًا، أوِ امْرأةً، ولا كبِيرًا فانِيًا، ولا مُنْعزِلاً بِصوْمعةٍ{]أخرجه الإمامُ مسلم في صحيحه، وأبو داود ، والترمذي، والبيهقي [.
عن ابن عمر رضي الله عنهما :أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله (ﷺ) مقتولة . فأنكر رسول الله (ﷺ) قتل النساء والصبيان { ]رواه البخاري ومسلم[ . 
وفي رواية لهما : }وجدت امرأة مقتولة في بعض تلك المغازي ،فنهى رسول الله (ﷺ) عن قتل النساء والصبيان {.
وكان النبي (ﷺ) حريصا علي دعوتهم ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه : كان غلام يهودي يخدم النبي (ﷺ) فمرض ، فأتاه النبي (ﷺ) يعوده ، فقعد عند رأسه ، فقال له : أسلم . فنظر إلى أبيه وهو عنده ، فقال له : أطع أبا القاسم (ﷺ) ، فأسلم ، فخرج النبي (ﷺ) وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من النار { ]رواه البخاري[ .
فكان يحمل عن العجوز وإن كانت كافرةً به ولم تكن تعرفه حتى إذا أوصلها لبيتها حذَّرتْه من اتباع من يدَّعي النبوة، فأخبرها النبي (ﷺ) أنه محمدُ بن عبد الله!!
وكان إذا ذبح شاةً وأمر بتوزيع جزءٍ منها على الجيران لا ينسى أن يوصي: "هل أهديتم إلى جارنا اليهودي؟" 
وتروي كتب السير أنه (ﷺ) بكى لما رأى جنازةَ مشرك، ولما سئل عن سبب بكائه (ﷺ) قال: }نفس تفلَّتت مني إلى النار{، وتبلغ رحمته (ﷺ) بأعدائه القمةَ السامقة عندما يتعرَّض لإيذائهم، ففي هذه المَواطن التي يفقد فيها الرحماء رحمتَهم، عندما تعرَّض للسباب والضرب من أهل الطائف، ونزل ملك الجبال في صحبة جبريل (ﷺ) يعرض على النبي(ﷺ) أن يطبق عليهم الأخشبين، يقول النبي (ﷺ) قولته المشهورة: }اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون{.
وفي هذا القول جمع النبي (ﷺ) مقاماتِ الإحسان كلها، فقد عفا عنهم، والتمس لهم العذرَ بجهلهم، ثم دعا لهم ولم يكن هذا موقفًا فريدًا للنبي (ﷺ) بل كان هذا خلُقه مع من خالفه وحاربه، كما في قوله (ﷺ) }اللهم اهدِ دوسًا، اللهم اهدِ ثقيفًا، اللهم اهدِ أمَّ أبي هريرة{.  ثم تجلَّت رحمته (ﷺ) يوم فتح مكة، وقد فعل أهلُها به وبأصحابِه ما فعلوا ،قال عمر: لما كان يوم الفتح ورسول الله بمكة أرسل إلى صفوان بن أمية، وإلى أبي سفيان بن حرب، وإلى الحارث بن هشام، قال، عمر: فقلت لقد أمكن الله منهم، لأعرفنهم بما صنعوا، حتى قال رسول الله (ﷺ): }مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته: لا تثريبَ عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، قال عمر: فافتضحت حياءً من رسول الله (ﷺ) من كراهية أن يكون بدَرَ مني، وقد قال لهم رسول الله (ﷺ) ما قال{!!
العنصر الثاني : أثر رحمة النبي (ﷺ):
لقد استطاع النبي (ﷺ) بفضل ربه عز وجل أن يؤسس لأعظم دولة عرفها التاريخ ، حيث أخرج للوجود أمة ومكن لعبادة الله تعالي في الأرض ، ووضع أسس العدالة الاجتماعية ، وحول جيل كامل من رعاة البقر إلي قادة للأمم ، استطاع بفضل الله تعالي أن يخرج للعالم كله المواهب والعبقريات العظيمة  من أمثال عمر ابن الخطاب، وخالد ابن الوليد ،وعمرو ابن العاص، وعكرمة ابن أبي جهل، وغيرهم كثير  ....وحولهم من جيل لا يعرف إلا الفوضى إلا جيل يعرف النظام والعدل .
العنصر الثالث : حاجتنا إلي التخلق بخلق الرحمة :
ألا ما أحوجَ البشريّةَ إلى هذهِ المعاني الإسلاميّةِ السّامية، وما أشدَّ افتقارَ الناسِ إلى التخلُّق بالرّحمة التي تُضمِّد جراحَ المنكوبين، وتحثّ على القيامِ بحقوقِ الوالدَين والأقربين، والتي تواسِي المستضعَفين، وتحنو على اليتامَى والعاجِزين، وتحافِظ على حقوقِ الآخرين، وتحجز صاحبَها عن دِماء المعصومين من المسلمين وغير المسلمين، وتصون أموالَهم مِن الدّمار والهلاك، وتحثّ على فِعل الخيراتِ ومجانبَة المحرّمات.
عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال : قال رسول الله (ﷺ) }الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء{ ]أخرجه ابو داود[
وقال الطيبي: أتى بصيغة العموم ليشمل جميع أصناف الخلق ، فيرحم البر والفاجر، والناطق ، والبهم ، والوحوش والطير. وعن عمرو بن حبيب قال: قال رسول الله (ﷺ): "خاب عبد وخسر لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمة للبشر " ]أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة [.
وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ) }لا يدخل الجنة منكم إلا رحيم" قالوا يا رسول الله, كلنا رحيم , قال ليس رحمة أحدكم نفسه وأهل بيته حتى يرحم الناس{.
العنصر الرابع :الأسباب المعينة على التخلق بخلق الرحمة :
1 ـ  قراءة كتاب الله عز وجل:
من أعظم الأسباب التي تعين على الرحمة وتيسر للإنسان طريقها: قراءة كتاب الله جل جلاله، قال العلماء: إن الرحمة لا تدخل إلى قلبٍ قاسٍ، والقلوب لا تلين إلا بكلام الله، ولا تنكسر إلا بوعد الله ووعيده وتخويفه وتهديده، فمن أكثر تلاوة القرآن، وأكثر من تدبر القرآن كسر الله قلبه ودخلت فيه الرحمة.
2 ـ تذكر مشاهد الآخرة :
كذلك من الأسباب التي تعين على رحمة الضعفاء: تذكر الآخرة، فإن العبد إذا تذكر مشاهد الآخرة، وصور نفسه كأنه قائمٌ بين يدي الله تجادل عنه حسنته، ويقف بين يدي الله عز وجل وقد نشر له ديوانه، وبدت له أقواله وأفعاله، إذا تصور مثل هذه المواقف قادته إلى الله وحببت إلى قلبه الخير وجعلت أشجانه وأحزانه كلها في طاعة الله ومرضاته.
3 ـ معرفة سيرة السلف الصالح:
من أعظم الأسباب التي تعين على الرحمة: قراءة سيرة السلف الصالح، الأئمة المهديين من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، والوقوف على ما كانوا عليه من الأخلاق الجميلة والآداب الكريمة، كل ذلك يحرك القلوب إلى الرحمة، ويجعل فيها شوقاً إلى الإحسان إلى الناس، وتفريج كرباتهم، وقل أن تجلس في مجلس فيذكر فيه كريمٌ بكرمه، أو يذكر المحسن فيه بإحسانه إلا خشع قلبك.
فهذه أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها يأتيها عطاؤها من أمير المؤمنين معاوية رضي الله عن الجميع وهي صائمة  ثلاثون ألف درهم وهي في أشد الحاجة، فتوزعها على الفقراء إلى فلان وآل فلان، ولم تُبْقِ منها شيئاً حتى غابت عليها الشمس، فالتمست طعاماً تفطر عليه فلم تجد. 
فسير الصالحين وسير الأخيار تُحَرِّك القلوب إلى الخير، والله تعالى يقول في كتابه: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ(120)} [هود] 
فالله يثبت قلوب الصالحين على الصلاح والبر ما سمعوا بأمرٍ صالح وما سمعوا بسيرة عبدٍ صالح، نسأل الله العظيم أن يجعل لنا ولكم في ذلك أوفر العظة والعبرة.
4ـ معاشرة الرحماء:
كذلك أيضاً مما يحرك القلوب إلى الرحمة والإحسان إلى الناس: معاشرة الرحماء، فانظر في إخوانك وخلانك، فمن وجدت فيه الرحمة ورقة القلب وسرعة الاستجابة لله، فاجعله أقرب الناس منك، فإن الأخلاق تُعْدِي، فإذا عاشر العبد الصالحين أحس أنه في شوق للرحمة، وأحس أنه في شوق للإحسان إلى الناس، ودعاه ذلك إلى التشبه بالأخيار، فكم من قرينٍ اقترن بقرينه، كان من أقسى الناس قلباً، فأصبح ليناً لان قلبه بصحبة الصالحين.
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أشد الناس قلباً وأعظمهم صلابة، فلما كسر الله قلبه بالإسلام، كان من أرحم الناس بالمسلمين رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه عاشر رسول الأمة وإمام الرحماء فتأثر به، حتى قال العلماء رحمهم الله: كان أرحم الناس بالناس بعد رسول الله (ﷺ).
5- الاختلاط بالضعفاء، والمساكين، وذوي الحاجة : فإنَّه ممَّا يرقِّق القلب، ويدعو إلى الرَّحْمَة والشفقة بهؤلاء وغيرهم.
الخاتمة :
أيها المؤمنون..
رأينا مدى انشغال النبي (ﷺ) بأمته ورحمته بها, ومدى تقدير رب العالمين سبحانه وتعالى لهذه الرحمة،  يروي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي (ﷺ) تلا قول الله تعالى في إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي(36)} [إبراهيم], وَقَالَ عيسى عليه السلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم(118)} [المائدة], فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: }اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي", وَبَكَى, فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: "يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟" فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ فَقَالَ اللَّه تعالىُ: "يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلا نَسُوءُكَ[رواه مسلم].
هل بعد ذلك من رحمة؟!
ولقد صدقتَ ربَّنا إذ وصفتَ حبيبنا بقولك: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} [الأنبياء].
فما علينا إلا أن نتخلق بأخلاق النبي(ﷺ) في رحمته وشفقته على الأمة حتى نستوجب رحمة الله تعالى فالراحمون يرحمهم الرحمن ،فنسأل الله العظيم أن يرحمنا ويُنزل علينا سحائب رحمته ، اللهم اغفر لنا وارحمنا وتجاوز عن سيئاتنا وتوفنا وأنت راضٍ عنا بحولك وقوتك يا رب العالمين .
--------------------------------

ليست هناك تعليقات:

المشاركة المميزة

شؤم المعصية

الحمد لله رب العالمين ..أنار الطريق لعباده الصالحين فجعل العبيد ملوكا بطاعته، والملوك عبيدا بمعصيته ، فالعز كل العز في طاعته والذل كل الذل ف...