وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيء قدير ..وهب الإنسان نعماً كثيرة وميزه وكرمه علي كثير من مخلوقاته؛ فقال تعالي }وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا(70){ [الإسراء]. وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله (ﷺ) ربط بين الإيمان والطهارة فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ):}الطهور شطر الإيمان ..{ ]أخرجه مسلم[ فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين
أما بعــــد .. فيا أيها المؤمنون . إن الله أكمل لنا الدين وأتمّ علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا ،وأكرمنا بشريعة تعالج أمراض القلوب وتقي أمراض الأبدان ،وأنزل علي نبيه ومصطفاه كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، قال تعالى فيه :}مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ (38){ ] الأنعام[
والشريعة جاءت بحفظ الكليات الخمس : الدين والنفس والمال والعرض والعقل ، ومن حفظ النفس العناية بصحة الأبدان ، لأن البدن أمانة من الله عندنا وهو مطيتنا في رحلة هذه الحياة ، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال (ﷺ) }يا عَبْدَ اللَّهِ، ألَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تَصُومُ النَّهارَ وتَقُومُ اللَّيْلَ؟ قُلتُ: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: فلا تَفْعَلْ، صُمْ وأَفْطِرْ، وقُمْ ونَمْ، فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا{ ] أخرجه البخاري ومسلم[، وما أُعطي عبد أفضل من نعمة العافية ، فنسأل الله دوام العافية في الدين والدنيا والآخرة ، كما نسأله دوام الشكر علي العافية . فالإسلام دين النظافة والطهارة ، جاء ليبني أمة طاهرة ، طاهرة في عقيدتها وعبادتها وفهمها وسلوكها ، وجاءت الطهارة في نصوص الكتاب والسنة بمعناها الواسع الشامل ليتطهر المسلم ظاهرا وباطنا ، قال تعالى }يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ (1) قُمۡ فَأَنذِرۡ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرۡ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ (4){ ] المدثر [
كما مدح سبحانه أصحاب رسوله (ﷺ) ، فقال سبحانه وتعالى:}فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108){ [التوبة]. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): }إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ{ ] رواه مسلم[لذلك كان حديثنا عن }عناية الإسلام بنظافة الظاهر والباطن{ وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية التالية :1ـ مفهوم النظافة في الإسلام.
2ـ النظافة الحسية ومظاهر عناية الإسلام بها .3ـ النظافة المعنوية.
4ـ أثر النظافة المعنوية على المجتمع.5ـ بيان عظمة الإسلام الحنيف .
6ـ الخاتمة. العنصر الأول : مفهوم النظافة في الإسلام:
الإسلام دين النظافة بأوسع معانيها، نظافة العقائد من الشرك والخرافات ، ونظافة الأخلاق من الرذائل والمنكرات ، ونظافة اللسان من الكفر والفحش ، ونظافة القلم من الكذب والفجور ، ونظافة الأجساد والثياب من الأوساخ والقاذورات ، ونظافة المسجد ، ونظافة الطريق والبيوت وسائر جوانب الحياة حتى يكون المجتمع المسلم شامة بين الأمم .عن خريم فاتك الأسْدي قال : سمعت رسول الله (ﷺ) يقول:}إنكم قادمون على إخوانكم ، فأصلحوا رحالكم ، وأصلحوا لباسكم ، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس ؛ فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش { وفي رواية: }حتى تكونوا كالشامة في الناس { ]رواه الإمام أحمد في المسند ، وهو في سنن أبي داود ،ورواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي[.
لقد اعتنى الإسلام بالنظافة بمفهومها الواسع؛ فهي جزء من حياة المسلم وطابع لا غنى له عنه، وقد سبق الإسلام في ذلك النظم البشرية كلها.والنظافة التي اهتم بها الإسلام على ضربين: نظافة حسية ونظافة معنوية.
العنصر الثاني: النظافة الحسية ومظاهر عناية الإسلام بها:وهي طهارة الظاهر من الأحداث والأنجاس والفضلات، وقد جعل الإسلام هذه المرتبة جزءاً من حياة المسلم، وطابعاً لا غنى له عنه، وعملاً لا ينفك منه في اليوم والليلة، ويتولى الوضوء الشرعي كبر هذه المرتبة، وفيه من الأجر العظيم والثواب الجزيل أضعاف ما له من الآثار الحسنة على نظافة المسلم ، ومن مظاهر عناية الإسلام بالنظافة الحسية ما يلي..
1ـ الطهارة لإقامة الصلوات الخمس :ومن عناية الإسلام بالطهارة: أنه جعلها مرتبطة بأهم أركان الإسلام بعد الشهادتين وهي الصلاة، فهي شرطٌ لصحتها، ومفتاحها، ومقدمتها. فقد أمرنا ربنا عز وجل بنظافةِ الظاهرِ، وأخذِ الزينةِ في مواطنَ، ومنها عند إرادةِ الصلاةِ ،أعظم وأهم لقاء في حياة المسلم (لقائه مع ربه عز وجل)، بقوله تعالى{يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ(31)} [الأعراف]وأمرنا بالوضوء عند إرادةِ الصلاةِ بقوله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا(6)} [المائدة]ورتَّب على ذلك الفضلَ العظيمَ والأجر الكبير، ومن ذلك قولُه (ﷺ) :}إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن، فغسل وجهَه، خرج من وجهه كلُّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه، خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتْها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه، خرجت كل خطيئة مشتْها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقيًّا من الذنوب{ ]رواه مسلم[
وأيضا جعله النبي (ﷺ) سبباً لمحو الخطايا ورفعة الدرجات، فعن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ﷺ): {من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده، حتى تخرج من تحت أظفاره }. ]رواه مسلم[ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبيُّ (ﷺ):}أرأيتُم لو أن نهرًا ببابِ أحدِكم يغتسِلُ منه كلَّ يومٍ خمسَ مراتٍ؛ هل يبقَى من درَنه شيء؟». قالوا: لا يبقَى من درَنه شيءٌ. قال: «فذلك مثَلُ الصلوات الخمسِ، يمحُو اللهُ بهنَّ الخطايا{ ]متفق عليه[.
ومن أضافَ إلى طُهوره كلمةَ التوحيد فُتِّحَت له أبوابُ الجنةِ الثمانية؛ فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال:}ما منكم من أحدٍ يتوضَّأُ فيسبِغُ الوضوءَ ثمَّ يقولُ أشهدُ أن لا إلَه إلَّا اللَّهُ وحدَه لا شريكَ لَه وَ أشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه إلَّا فُتِحتْ لَه أبوابُ الجنَّةِ الثَّمانيةُ يدخلُ من أيِّها شاءَ ورد بزيادةِ اللَّهمَّ اجعلني من التَّوَّابينَ واجعلني من المتطَهِّرينَ{ ] أخرجه مسلم[ الله أكبر! يا لِسعة فضل الله، وإكثاره طرق الخير لعباده! ولكن أين المحتسبون المتبعون الذين يقومون بهذا العمل إخلاصاً لله، ورغبةً فيما عنده، واتباعاً لسنة المصطفى (ﷺ) في ذلك؟!
2ـ وجوب الغسل والاهتمام بسنن الفطرة : لقد أوجب الإسلام الحنيف الاغتسال عند حدوث موجباته، كالجنابة، والحيض والنفاس بالنسبة للمرأة، كما شرع الإسلام الاغتسال في حالاتٍ: كالجُمع والأعياد، والإحرام، وحضور الاجتماعات العامة، ومن ذلك حثه على التطيب، والسواك والختان، وأخذ الزينة عند حضور المساجد والصلاة.
ومن ذلك أيضاً خصال الفطرة التي أخبر عنها المصطفى (ﷺ) ،عن عائشةرضي الله عنها : أن النبي (ﷺ) قال: {عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء يعني: الاستنجاء}] أخرجه مسلم[ .قال مصعب : ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة.
كما حرص ديننا الحنيف في هذا الجانب على ما يتصل بحياة الناس اتصالاً مباشراً، ومن ذلك: نهي الإسلام عن التبول في المياه الراكدة، والبراز في الطرق والظل وموارد الناس، كما أمر الإسلام بنظافة البيوت والطرق والطعام والشراب، واللباس والمرافق العامة، وجعل إماطة الأذى عن الطريق شعبةً من شعب الإيمان.
3ـ نظافة الفم والأسنان :أمر الإسلام بتنظيف الفم والعناية به، فكان النبي (ﷺ) يستخدم السواك ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال:} لَوْلَا أنْ أشُقَّ علَى أُمَّتي أوْ علَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بالسِّوَاكِ مع كُلِّ صَلَاةٍ. {. ]صحيح البخاري[.
4ـ الاعتناء بالنظافة عند تناول الطعام:أوجب الإسلام الحرص على نظافة الطعام، فعلى الإنسان أن يتخلص من كل الفضلات وآثارها وروائحها، وهذا يُعَد من باب النقاء والتطهير للمسلم. فعن سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال: }بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده{. ]سنن أبي داود[.والمقصود بالوضوء هنا غسل اليدين قبل الطعام وبعده.
5ـ الاعتناء بصحة الجسم:حتى العلاج والدواء الذي يتناوله الإنسان هو جزء مما دعا إليه إسلامنا العظيم. فقد قال النبي (ﷺ) آمراً بالتداوي من باب العناية بالصحة: }ما أنزل الله عز وجل داءً إلا أنزل له دواءً{. ]مسند أحمد[.
والتداوي جزء من حفظ المسلم لقوة بدنه القوة المادية }وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ (60){ ]الأنفال[6ـ الاعتناء بالزينة والتطيّب:
عُني ديننا العظيم عناية كبيرة بزينة الإنسان وجماله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي (ﷺ): }من كان له شعرٌ فليكرمه{.]سنن أبي داود[.وكان عليه الصلاة والسلام يُعنى بنظافة ثوبه والطيب كذلك، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه ،أن النبي (ﷺ) قال: }حُبِّبَ إلي من الدنيا النساء والطيب، وجُعلت قرّة عيني في الصلاة{. ]مسند أحمد[.
7ـ نظافة الثوب:لقد عُني الإسلام بنظافة الإنسان بشكل عام؛ نظافة ثيابه، فلا بد أن يُعنى المسلم بثيابه ونظافتها وطيبها، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : }أتانا رسولُ اللهِ (ﷺ) زائرًا في منزلِنا فرأى رجلًا شَعِثًا قد تفرَّقَ شعرُه فقال أما كان يَجِدُ هذا ما يُسَكِّنُ به شعرَه و رأى رجلًا آخرَ وعليه ثيابٌ وَسِخَةٌ فقال أما كان هذا يجدُ ماءً يغسلُ به ثوبَه.{] أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وأحمد[
يحرص النبي (ﷺ) بذلك على ضرورة نظافة الثوب، وأن يكون ثوبنا نظيفاً وأنيقاً بشكل دائم.و في حديثٍ آخر عن رجل يقال له "أبو الأحوص" قال: أتيت النبي (ﷺ) في ثوبٍ دونْ فقال: "ألك مال؟". فقلت: نعم. قال: "من أي المال؟".
قال قد آتاني الله تعالى من الإبل والغنم والخيل والرقيق. فقال النبي (ﷺ): }فإذا آتاك الله مالاً فليرَ أثر نعمة الله عليك وكرامته، إن الله تعالى يحب من أحدكم إذا أنعم الله عليه نعمة أن يرى أثر نعمته عليه{. ] أخرجه النسائي وأبو داود[قال تعالى: }وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ(11){) ]الضحى[
فطالما أن الله سبحانه وتعالى قد آتاك مالاً كثيراً ومتنوعاً ومتعدداً فالبس ثياباً جديدة ونظيفة حتى تُرِيَهُ سبحانه وتعالى أثر نعمته عليك.والعناية بالثياب أمر ضروري، وهو جزء من شخصية المسلم التي ينبغي على كل مسلم أن يبرزها بصورة لائقة ومحببة، وقد كان النبي (ﷺ) يُعنى هو شخصياً بثيابه ؛ فقد كان له جُبَّة يمانية يلبسها يوم العيدين، ويلبسها يوم الجمعة، ويلبسها إذا استقبل الوفود ، وقد كان له ثياب أخرى يلبسها مع أهله وعياله ، وثياب أخرى يلبسها في الجهاد في سبيل الله تعالى.
وكان عليه الصلاة والسلام يحب لبس البياض، فقد ورد عنه (ﷺ) نص صريح في فضل لبس الثياب البيضاء وخاصة في الصيف ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ﷺ):}البسوا البياض فإنها أطهر وأطيب، وكفّنوا فيها موتاكم {. ]رواهُ أَبُو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح[.وقد ورد عن بعض الحكماء قولهم: "مَن نَظَّفَ ثوبَه قَلَّ همُّه، ومن طاب ريحه زاد عقله".
8ـ نظافة المكان:ومن أنواع النظافة التي ركّز عليها الإسلام نظافة المسكن؛ فالنفس تنشرح عندما ترى مكاناً نظيفاً، وتشمئز عندما ترى مكاناً قذراً، وبيتنا الذي نقيم فيه هو بيت للعبادة والطاعة قبل أن يكون بيتاً للنوم والطعام والشراب، فالله سبحانه وتعالى قد طهّر بيته (البيت الحرام) وعهد إلى سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما السلام أن يحرصا على طهارة البيت الحرام، وأن يظل مهيَّأً للراكعين والطائفين والساجدين ، فقال الله سبحانه وتعالى}وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(125){ ]البقرة[ فهذا التطهير يشمل التطهير من القذر، ومن مظاهر الشرك والوثنية، فقد طهر الله سبحانه وتعالى البيت الحرام من الأصنام والأوثان التي كانت حوله، وقد أصبح البيت من فضل الله تعالى نظيفاً وطاهراً من حيث الظاهر والباطن.
9ـ نظافة الطريق :لقد أعلى النبي (ﷺ) من شأن نظافة الطريق، حتى أنه ذكر لأصحابه رضي الله عنهم أنه رأى رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله (ﷺ) قال:}لقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ، في شَجَرَةٍ قَطَعَها مِن ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ{ ] رواه مسلم[. فالله تعالى أعطاه ثوابه عظيماً وأجراً كبيراً.
فما أروع أن يظل الطريق نظيفاً بعيداً عن كل أذى، وعن كل أنواع الأوساخ والأقذار التي تُلقى في الشوارع، لا بد أن نُعنى بنظافة شوارعنا حرصاً على الصحة والمظهر العام، وأن نُذهب الأذى عنها، فقد عدّ النبي (ﷺ) إماطةَ الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ):}الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ{.]متفق عليه[. وقال النبي (ﷺ) في بيان فضل إماطة الأذى عن الطريق، وأنها من أفضل أعمال الأمة التي تلقى بها وجه الله سبحانه وتعالى، عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال : }عُرِضتْ عليَّ أعمالُ أُمَّتي حسنُها و سيِّئُها فوجدتُ في محاسنِ أعمالِها أنَّ الأذَى يُماطُ عن الطريقِ ، ووجدتُ في مساويءِ أعمالِها النُّخاعةُ في المسجدِ لا تُدفَنُ{ ] مسلم[
العنصر الثالث: النظافة المعنوية (طهارة القلب) :فإذا كانت طهارةُ الظاهرِ من البدن بهذه المنزلةِ والفضلِ، فطهارةُ القلبِ أولى بذلك ؛ فلا خير في حسنٍ ظاهر، مع فسادٍ باطن، وكم من جميل منظره خبيثٌ مخبره.
لأنَّ مدارَ الأعمالِ والثوابَ والعقابَ، والقبولَ والردَّ عليها، وطهارة القلب ليست بالماء، والثيابِ النظيفةِ كطهارة البدن، إنما بالتخلص من الأوصافِ الذميمةِ، والاتصافِ بالأوصافِ الجميلةِ، ومن ذلك التخلصُ من دغلِ الشرك وغلِّه، فأعمالُ طهارةِ القلبِ كلُّها لله، لا يطلب من المخلوقين مدحًا، ولا تقديرًا وإجلالاً؛ بل هو يستسرُّ في العبادة، يَودُّ لو لم يطلع عليه أحدٌ، ومع ذلك هو خائفٌ وَجِلٌ من أن يكون لأحدٍ نصيبٌ في أعماله، فإذا عَمِل عملاً، سأل نفسه: لماذا هذا العملُ؟ وإن ترك شيئًا، سأل نفسه: لماذا تركتِ هذا العملَ؟ فإنْ أحبَّ أحبَّ في الله، وإن أبغض أبغض في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن مَنع مَنع لله، وإن تقدَّم تقدم لله، وإن تأخر تأخر لله. فسَلِم من عبودية ما سوى الله، فلا يريد أن يكونَ لغيرِ الله فيه شركٌ بوجه من الوجوه، فقد أخلص عبوديته لله تعالى.
وهو قد طهَّر قلبَه من تحكيم غير رسول الله (ﷺ) فيه، قد عقد قلبَه على الائتمامِ والاقتداءِ به وحدَه (ﷺ) دون غيرِه، في الأقوالِ والأعمالِ، من أقوالِ القلبِ، وهي العقائدُ، وأقوالِ اللسان، وهي الخبرُ عما في القلب، وأعمالِ القلب، وهي الإرادةُ، والمحبةُ، والكراهةُ، وتوابعُها، وأعمالِ الجوارحِ، فيكون الحاكمُ عليه في ذلك كلِّهِ هو ما جاء به الرسول (ﷺ) فلا يتقدم بين يديه بعقيدةٍ، ولا قولٍ، ولا عملٍ، كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (1)} [الحجرات]. قد طهَّر قلبَه تجَاه إخوانِه المسلمين، فلا يحسدُهم على نعمةٍ أنعمها اللهُ عليهم؛ بل يفرح بها؛ لأنَّه يعلم أنَّ محبةَ الخير للمسلمين مما افترضه الله عليه، وأنَّه إذا أخلَّ بذلك أخل بالإيمان الواجبِ؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ﷺ): }لا يؤمن أحدكم، حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه{ ]رواه البخاري ومسلم[.
يعلم أنّ من مقتضيات التقوى حصول صلاح ذات البين وطهارة القلوب وسلامتها، فقال سبحانه: }فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ(1){[الأنفال].لا يحتقر إخوانه المسلمين؛ لعلمه بعظمِ ذلك عند الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ﷺ) قال : }بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم{]رواه مسلم[. لا يتطرقُ الكِبرُ إلى قلبِه الطاهر؛ لأنَّه يعلمُ قولَ النبي (ﷺ) الذي رواه بن مسعود رضي الله عنه }لا يدخل الجنةَ مَن كان في قلبه مثقالُ ذرةٍ من كبر{ ]رواه مسلم[.
يحمل ما يصدر من إخوانه المسلمين على المحمل الحسن، فهو لا يسيء الظنَّ بهم؛ بل يلتمس العذر لزلاَّتهم وهفواتهم، ممتثلاً أمر ربه عز وجل بقوله{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (12)} [الحجرات]
يعلمُ أن ما هو فيه من خيرٍ وصلاحٍ واستقامةٍ من نِعمِ الله عليه {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ(17)} [الحجرات]
يبدأ إخوانه بالتحية، ولو كان عند الناس أنَّه أعلى منهم قدرًا؛ لأنَّه يعلم أنَّ هذه التحية سبب لدخول الجنة، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ﷺ): }لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أَوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم{ ]رواه مسلم[. طلْق المحيَّا، يقابل إخوانه بالابتسامة وطلاقة الوجه؛ تعبُّدًا لله، مستحضرًا قولَ النبي (ﷺ):}لا تحقرن مِن المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بِوَجْهٍ طَلْقٍ{ ]رواه مسلم[. يعلم أنه بحسن خلقه يدرك درجة الصائم القائم.
إذا رأى مَن عليه آثارُ المعاصي تذكَّرَ أنَّ الأعمالَ بالخواتيم، وأنَّ الهدايةَ بيد الله، فخاف على نفسه من سوءِ الخاتمةِ، واستعاذ بالله من الحَورِ بعد الكورِ، وتذكَّرَ نعمةَ اللهِ عليه، فربما كان في وقت من الأوقات أسوأَ حالاً من هذا العاصي {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ (94)} [النساء]. فعندما طهَّر قلبَه استقام لسانُه، فلا يتكلم إلا بخير، يَزِنُ كلامَه قبل أن يتكلمَ به؛ لأنَّه يعلمُ أن أقوالَه من أعمالِه، متذكرًا قوله (ﷺ) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال: }مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا، أو ليصمت{ ]رواه البخاري ومسلم[.
عالمًا أنَّ اللسانَ دليلٌ على صلاحِ القلب أو فسادِه؛ عن أنس رضي الله عنه أن النبي (ﷺ) قال:}لا يَسْتَقِيمُ إِيمانُ عبدٍ حتى يَسْتَقِيمَ قلبُهُ ،ولا يَسْتَقِيمُ قلبُهُ حتى يَسْتَقِيمَ لسانُهُ { ]رواه الإمام أحمد بإسناد حسن[.ولقد امتدح الله أقوامًا ،همهم طهارة قلوبهم وسلامتها من الغل والبغضاء فقال تعالي }وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإيمَـٰنِ وَلاَ تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلاً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ (10){ [الحشر].
وأخبر النبي (ﷺ) بأنه أفضل الناس عند الله تعالى ،فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قيل يا رسول الله أي الناس أفضل ؟ قال : }كل مخموم القلب ، صدوق اللسان " قالوا : صدوق اللسان نعرفه ، فما مخموم القلب ؟ قال : " هو التقي النقي ، لا إثم فيه ولا بغي ، ولا غل ولا حسد { [ رواه ابن ماجة بإسناد صحيح والبيهقي ] . وقد جعل جزاء ذلك الجنة!! حيث أخبر سبحانه أنه لا نجاةَ يوم القيامة إلا لمن سلِم قلبه، وسلامةُ القلب تقتضي طهارتُه من الغلِّ والشحناء والبغضاء، يقول جل من قائل:{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)} [الشعراء]وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) فَقَالَ : }يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ " فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ النَّبِيُّ (ﷺ) مِثْلَ ذَلِكَ ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الْأُولَى ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ ، قَالَ النَّبِيُّ (ﷺ) مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الْأُولَى ، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ (ﷺ) تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ : إِنِّي لَاحَيْتُ أَبِي ، فَأَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ أَنَسٌ : وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِيَ الثَّلَاثَ ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْئًا ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَبَّرَ ، حَتَّى يَقُومَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلَّا خَيْرًا ، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُ لَيَالٍ ، وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ ، قُلْتُ يَا عَبْدَ اللَّهِ : إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلَا هَجْرٌ ثَمَّ ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) يَقُولُ لَكَ : ثَلَاثَ مِرَارٍ يَطْلُعُ عَلَيْكُمُ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلَاثَ مِرَارٍ ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ لِأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ فَأَقْتَدِيَ بِهِ ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ﷺ) ، فَقَالَ : "مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ ، قَالَ : فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ : مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ ، غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا ، وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ :هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ ،وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ { .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ﷺ) قَالَ :}تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ ، فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا { [ رواه مسلم ] . كما أنه سبحانه أتمَّ النعمة على أهل الجنة بأن نزعَ ما في قلوبهم من الغلّ وجعلهم إخوانًا، ذلك أن الغلَّ يُشقي صاحبه ويتعذَّب به، يقول سبحانه عن أهل الجنة : }وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ(47){[الحجر]. ألا فاعلموا أيها الناس أن ثمن سلامة صدر العبد المؤمن على أخيه المؤمن ؟ جنة غالية ، وهمة عالية. العنصر الرابع : أثر النظافة المعنوية في حياة المجتمع :انظروا إلى المجتمع المسلم الأول ، كيف نظفت نفوسهم ، وطهرت قلوبهم ، وزكت أفئدتهم ، وسمت هممهم فكان مجتمع الصفاء والإخاء ، والطهارة والنقاء ، مجتمع تسوده الرحمة والألفة والمحبة ، مجتمع يحب بعضه بعضاً ، ويفدي بعضها بعضاً ، مجتمع ترك الدنيا وزينتها ، وطلب ما عند الله تعالى ، مجتمع يحب لله ، ويبغض لله ، قال الله عنهم : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً (29)} [ الفتح ]
ورؤي أبو دجانة رضي الله عنه في مرض موته مشرق الوجه فسُئِل مالي وجهك متهللا يا أبا دجانة فقال: كنتُ لا أتكلّم فيما لا يعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليمًا.لم يتذكر موقفه العظيم في يوم أحد حينَ أخذ السيف بحقِّه، فجالد به المشركين، لكنه تذكّر سلامة قلبه وطهارتَه لإخوانه المسلمين.
وحين قال رجلٌ لعمرو بن العاص رضي الله عنه: والله لأ تفرغنَّ لك، قال له كلمة تنمّ عن حكمة عظيمة: إذا تقَعُ في الشُّغل، فإنّ من أشغَلَ قلبه بالآخرين غِلاً وحسَدًا وقع في الهمّ والبلاء، وأشغل نفسه ووقته بما لا يعنيه وما لا طائلَ له من ورائه.إن سلفنا الصالحَ قد راعَوا هذا الأمر واهتموا به أشدَّ الاهتمام ..فهذه بعض القدوات الرائعة من حياة السلف :الإمام أحمد :
هذا إمام السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وقد أوذي وسجن وعذِّب عذابًا شديدًا، لكنه بعد تلك المحنة يصفَح عن كلِّ من أساء إليه إبَّان سجنه فيقول لأحدهم: "أنت في حلٍّ، وكل من ذكرني في حلّ، إلا مبتدع، وقد جعلت أبا إسحاق في حلّ (يعني المعتصم أمير المؤمنين ) رأيتُ الله يقول: }وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ (22){ [النور]،وما ينفعك أن يعذَّب أخوك المسلم بسببك ؟ الإمام الشافعي :
وهذا الإمام الشافعي رحمه الله بعدَ أن ناظره يونس الصّدفي، فلما لقيه بعد ذلك أخذ بيده وقال له: "يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكونَ إخوانًا وإن لم نتّفق في مسألة؟!" وهذا ما حمل الصدفي على القول: "ما رأيت أعقل من الشافعي". الإمام ابن تيمية :
أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد كان له موقفٌ من أعدائه وخصومه، حيث صفح عنهم وعفَا قائلاً: "لا أحبّ أن يُنتَصَر من أحد بسبب كذبه عليّ أو ظلمه وعدوانه ، فإني قد أحللتُ كلَّ مسلم، والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي"، وذكر تلميذه ابن القيم أنه ما رأى أحدًا أجمع لخصالِ الصفح والعفو وسلامة الصدر من ابن تيمية، وأن أحد تلاميذه بشّره بموتِ أكبر أعدائه الذين آذوه، فنهره ابن تيمية وغضب عليه واسترجع وقام من فوره، فعزّى أهل الميت، وقال لهم: "إني لكم مكانَه". فأين هذه المواقف عباد الله من قلوب مُلِئت غلاً وبُغضًا؟! إنك لتجد الرجلين في مجلسٍ واحد وما بينهما أحدٌ، لكن في قلب كلِّ منهما مثل الجبل العظيم من الغلّ والحسد والبغضاء على الآخر، وإنك لتجد الجارين ليس بينهما إلا جدار واحدٌ لا يطيق أحدهم الآخر، فضلاً عما يحصل من السخرية والاستهزاء والهمز واللمز والتنابز بالألقاب والغيبة في المجالس.
العنصر الخامس : بيان عظمة الإسلام الحنيف: قد عرفنا النظافة التي جاء بها الشرع بمفهومها الواسع، فهي ليست في جانبٍ ضيق يُعنى بالشكل على حساب الجوهر، كما أنها ليست كلماتٍ تُقال ولا أيام تقام، بل هي ملازمة للمسلم لا تنفك عنه بحال، فهذا أكبر دليل علي عظمة هذا الدين الحنيف ، فما أحرى ذلك أن يزيدنا تمسكاً بديننا، ووعياً أعمق في حكمه وأحكامه.
وإن ديناً هذه تعاليمه، ينبغي لأتباعه أن يكونوا حريصين على النظافة بكل أبعادها، ليكونوا أقوى الأمم؛ عقيدةً وإيماناً، وأسلمهم فكراً وعلماً، وأصلحهم قلوباً وأعمالاً، وأصحهم أجساداً وأبداناً، وأحسنهم هيأةً وأشكالاً، ليجمعوا بين صلاح الباطن والظاهر، وحسن المنظر والمخبر، وعند ذاك تحصل لهم القوة المادية والمعنوية، حيث يقوى الإيمان والعلم، ويحسن الخلق والمعاملة، وتصح الأبدان والعقول، فيكون لهم من الشوكة والهيبة والقوة ما يرهب أعداءهم بإذن الله.وقد سبق الإسلام في ذلك النظم البشرية كلها، وأثبت الطب الحديث صدق ما جاء به الإسلام ، ولله الفضل والمنة مما يجعل حضارة الإسلام وتقدمه لا توازيها حضارة مدعاة، وتقدمٌ مزعوم .
الخاتمة...أيها المسلمون : إن الإسلام دين الطهارة والنظافة واللطافة والجمال والكمال، والطهارة أمر وقائي، بل ركن أساسي للابتعاد عن الأمراض السارية والمعدية، فلْنحرِصْ جميعاً على التخلّق بأخلاق الإسلام، وعلى تنظيف بيوتنا من الظاهر والباطن، وعلى تنظيف أبداننا، وثيابنا، ومكان جلوسنا ونومنا، ومكان تناول طعامنا ؛ لأن ذلك من تمام الإيمان والأخلاق.
فالنظافة والتجمل أسس لا بد منها لكل مسلم؛ حتى تنهض هذه الأمة بواجباتها. فعلى المسلم الاعتناء بالنظافة على قسميها؛ ففيها السعادة الدنيوية والأخروية.
اللهم اجعلنا من ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
============================ربط pdfhttps://www.raed.net/file?id=576211
رابط doc
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق