وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ بفضلِهِ، ويُذِلُّ مَن يشَاءُ بِعدْلِهِ... حذَّر من مخالفة القول الفعلَ الذي ينفي كون الإنسان قدوة بين الناس، فقال تعالي:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3){[الصف].
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله )ﷺ).. ربى أتباعه بالقدوة الحسنة فكان قوله يوافق فعله ، فكان قرآناً يمشي على الأرض وصنع من أصحابه قدوات صالحة يُحتذى بهم ولما سُئلت أمنا عائشة رضي الله عنه عن خلقه) ﷺ) قالت :}كان خُلُقُهُ القُرآنَ!{ ]أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأحمد[.
فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما ...
أما بعد .. فيا أيها المؤمنون ...
إنَّ قضيَّةَ التَّرْبِيَةِ الصحيحةِ قدْ شَغَلَتِ الآباءَ والأُمَّهَاتِ، والْمُربِّينَ والْمُربِّيَاتِ، كُلٌّ يريدُ أنْ يُخرِجَ جِيلاً قَويًّا، جِيلاً يكونُ شَامَةً فِي جَبِينِ التَّاريخِ، يُعيدُ للأمَّةِ أمجَادَهَا، ويُحْيِي لهَا ذِكْرَهَا، ومِنْ أَهَمِّ وسَائِلِ التربيةِ الصحيحةِ: التَّربِيَةُ بالقُدْوَةِ؛ فإنَّ للأفعَالِ تأثيرًا لا يَقِلُّ أَثَرُهُ عنِ الأقوالِ والتوجِيهاتِ، لذلك كان موضوعنا } التربية بالقدوة { وذلك من حلال هذه العناصر الرئيسية التالية ..
1ـ تعريف القدوة .
2ـ حاجة الناس إلي القدوة .
3ـ أهمية القدوة في تربية الأولاد.
4ـ أنواع القدوات
5ـ مقومات القدوة الصالحة.
6ـ الخاتمة.
العنصر الأول: تعريف القدوة:
القُدوة في اللغة : تعني الأسوة.
والقدوة: هي عبارة عن الشخص والمثال الأعلى الذي يُقتدى به والنموذج المثالي في تصرّفاته وأفعاله وسلوكه ، بحيث يُطابق قوله عمله ويُصدّقه، ويكون القدوة بالنسبة لأتباعه مثالاً سامياً وراقياً، فيعملون على تقليده وتطبيق نهجه والحذو حذوه، وينبع تقليدهم إياه من الإرادة والقناعة الشخصيّة للمقتدي، لا بالضغط الخارجي أو الإلزام من جهة القدوة بذلك.
العنصر الثاني: حاجة الناس إلى القدوة :
إن واقع الناس اليوم يشكو القصور والانحراف رغم انتشار العلم، ما لم يقم بذلك العلم علماء وقادة عالمون مخلصون يصنعون من أنفسهم قدوات في مجتمعاتهم، يترجمون ذلك العلم إلى واقع عملي يفهمه الجميع، وهذا يُسهّل في إيصال المعاني الأخلاقية ويحدث التغيير المنشود إلى الأفضل.
إن أخطر ما نعانيه هو أزمة القدوات، وقل لي: من قدوتك أقل لك من أنت!!
إن غياب القدوة الصالحة من المجتمع عامل رئيس في انتشار المنكرات واستفحالها وإفشاء الجهل بين الناس، ومن هنا تكمن أهمية القدوة الصالحة، فكلما ازدادت القدوات انتشر العلم والأخلاق، واختفت المنكرات، لذلك فنحن نحتاج إلى قدوات يدعون الناس بأفعالهم قبل بأقوالهم.
إنَّ موضوع القدوة من الموضوعات الهامة جدًّا في حياة البشرية، فالرموزالشخصية ، والمُثُل العليا جميعها مفاهيم يمكن أن تسهم في بناء الفرد أو تدميره، وتبدو تلك المفاهيم ذات أهمية وتأثير قوي، خاصة في المجتمعات التي لا تزال في طور النمو والتطور، وإنَّ اقتداءَ الْبشَرِ بعضِهِمْ ببعْضٍ فِطْرَةٌ جِبِلِّيَّةٌ، وَسُنَّةٌ آدَمِيَّةٌ، جَبَلَ اللهُ النفُوسَ عليهَا، فتَرَى النَّاسَ يُقَلِّدُ بعضُهُمْ بعْضًا، سَواءٌ كانَ هذَا التَّقلِيدُ في الخيرِ أوْ في الشَّرِّ.
والقدوة أو المثل الأعلى يمكن أن يكون مدمّرًا وخطرًا على الفرد والمجتمع إذا لم نتخذ قدة حسنة ، فالقدوة الحسنة هي الركيزة في المجتمع، وهي عامل التحوُّل السريع الفعَّال، فالقدوة عنصر مهم في كلِّ مجتمع، فمهما كان أفراده صالحين، فهم في أمَسِّ الحاجة للاقتداء بالنماذج الحيَّة ، كيف لا وقد أمرَ الله نبيَّه )ﷺ) في سورة الأنعام بعد أن ذكَر ثمانية عشر نبيًّا بالاقتداء بهم ، فقال تعالي: }أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90){ [الأنعام].
العنصر الثالث: أهمية القدوة في تربية الأولاد :
إنَّ أَبْنَائَنَا أمَانَةٌ فِي أعنَاقِنَا، يَجِبُ عليْنَا أنْ نَكُونَ لَهُمْ خيرَ قُدْوَةٍ، وأحْسَنَ مِثَالٍ، سَوَاءٌ مِنَّا الْوَالِدَانِ أوِ المُعَلِّمُ أو المعَلِّمَةُ أو غيرُهُمْ.. فالطفل كالعجينة، الطفل كائن بريء، إن كذبت أمامه علمته الكذب، وإن أهملت الصلاة أمامه علمته التهاون بالصلاة، وإن تكلمت كلمة قاسية أو بذيئة علمته هذا الكلام، وأنا أعزو معظم أخطاء الطلاب في المدارس إلى المعلمين، ومعظم أخطاء الأبناء في البيوت إلى الآباء والأمهات.
فانتبه لهذه الحقيقة !! الأبوة مسؤولية كبيرة، الأب قائد، الأب قدوة، الأب أسوة، الأب معلم، الأب قبلة أولاده.
فكَمْ فِي بُيُوتِنَا مِنْ آبَاءٍ وأُمَّهَاتٍ لَمْ يكُونُوا يومًا قُدوةَ خَيرٍ لأوْلاَدِهِمْ، بلْ كَانُوا مِعْوَلَ هَدْمٍ لأبنَائِهِمْ بِسَببِ أفْعَالِهِمْ الَّتي تَأَسَّى بِهَا أولادُهُمْ فنَشَأُوا نَشْأَةً غيرَ صالِحَةٍ، مَا الظَّنُّ بأوْلادٍ أُبُوهُمْ مُقَصِّرٌ فِي الصلاةِ لا يَشْهَدُ الجُمُعَ وَلا الجَمَاعَاتِ، وما الظَّنُّ بِبَنَاتٍ لا يَرَيْنَ فِي بُيُوتِهِنَّ إلاَّ القَنَواتِ الهَابِطَاتِ وأُمُّهُمْ فِي مُقَدِّمَتِهِمْ، ومَا الظَّنُّ بِبَيْتٍ لا يَسْتَيْقِظُ أَحَدٌ فيهِ إلاَّ بعدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.
"والنَّاسُ كمَا يقُولُ الإمَامُ الغَزَالِيُّ لاَ يَتَعَلَّمُونَ بآذَانِهِمْ بلْ بِعُيُونِهِمْ"، فالأمُّ التي تُلْقِي على ولدِهَا عَشَراتِ الدُّرُوسِ فِي الصِّدقِ ثمَّ تَكذِبُ علَى أبيهِ أَمَامَهُ مَرَّةً واحِدَةً ليسَتْ جَدِيرةً أنْ تُعَلِّمَ ابنَهَا شَيئاً، ولَيسَ هذا الوَلَدُ مُسْتَعِداً كَذلكَ أَنْ يَسْمَع مِنْ والِدِهِ شَيئًا؛ إِذْ لا يَأْمُرُه بالصدقِ بالقولِ مَرَّةً، إلاَّ وتَجِدُهُ يُعَلِّمُهُ الكَذبَ بالفِعْلِ مَرَّاتٍ ومَرَّاتٍ؛ فَلا يَطْرُقُ البَابَ أَحَدٌ إِلاَّ وتَجِدُ الأَبَ يقُولُ لِوَلَدِهِ قُلْ لَهُ: لَيسَ أبِي مَوْجُودًا.
لذلك أوصى أحد السلف عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مُؤَدِّبَ أَوْلَادِهِ فَقَالَ: "لِيَكُنْ أَوَّلُ إِصْلَاحِكَ لِوَلَدِي إِصْلَاحَكَ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّ عُيُونَهُمْ مَعْقُودَةٌ بِعَيْنِكَ، فَالْحَسَنُ عِنْدَهُمْ مَا صَنَعْتَ، وَالْقَبِيحُ عِنْدَهُمْ مَا تَرَكْتَ". لقد بيّن الوالد لذلك المعلم أثر القدوة على الولد.
إنَّ الوَاجِبَ علي الآباء والمربين مِنَ الْمُعَلِّمِينَ أَنْ يَكُونَوا في مُقَدِّمَةِ صُفُوفِ المقْتَدَى بِهِمْ؛ لأنَّ النَاشِئَةَ الصِّغَارِ مِن الذُّكُورِ والإنَاثِ لاَ يُدرِكُونَ مِنَ القُدْوَةِ إلاَّ ما يَرَوْنَ ويَسْمَعُونَ، فإِنْ رأَوْا أَوْ سَمِعُوا خَيرًا اقْتَدَوْا بِمَنْ خَالَطَهُمْ فَسَعِدُوا، وإِنْ رَأَوْا أوْ سَمِعُوا شَرًّا تأثَّروا بِذَلكَ الشَّرِّ، وكَثِيرًا مَا يسْتَمِرُّ مَعَهُمْ طُوَالَ حَيَاتِهِمْ.
هبني قدوة صالحة أهبك جيلاً صالحًا، وهبني إمامًا يدعو إلى النار، أهبك أرتالاً من اللحوم البشرية كلها تستعد أن تُقذف في النار، لأن القدوة الصالحة أعظم من المناهج الدراسية، والقوانين الجامعية ، أو الأبنية الفخمة لأن للمربي أثرًا كبيرًا على طلابه في علمه وأدبه وعمله ومهارته التدريسية وسائر أخلاقه وتصرفاته.
فالقدوة لها أثر كبير في تربية الأولاد منها ...
1ـ القدوة تنتج أفراد صالحين :
فالقدوة من أهميتها تنتج أفراد يتسمون بالسلوكيات والصفات الجيّدة مثل المثابرة على العمل والنجاح بعيداً عن الصفات السلبية وغير الجيدة.
لأنَّ المثال الحي الذي يتحلَّى بجُملة من الفضائل السلوكيَّة، يُعطي غيرَه قناعة بأن بلوغَها من الأمور التي هي في متناول القدرات الإنسانية، وشاهد الحال أقوى من شاهد المقال، وحال رجل في ألف رجل أبلع من قول ألف رجل لرجل.
وهي سبب فعّال في مصير الإنسان وسعادته الدنيوية والأخروية ، فإن الإنسان يتأثر بقدوته ويصطبغ بصبغته فكرًا ومعتقدًا وسلوكًا، وقد برهن على ذلك الوحي والعقل والواقع والتجربة والمشاهدة، قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي
وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ(29)} ]الفتح[
ومن أجمل ما قرأت : دخل الأب منزله كعادته في ساعة متقدمة من الليل وإذ به يسمع بكاءً صادراً من غرفة ولده ، دخل عليه فزعاً متسائلاً عن سبب بكائه ، فرد الابن بصعوبة : لقد مات جارنا فلان ( جد صديقي أحمد ) ، فقال الأب متعجباً :
ماذا ؟ مات فلان ! فليمت عجوز عاش دهراً وهو ليس في سنك ، وتبكي عليه!!
يا لك من ولد أحمق لقد أفزعتني، ظننت أن كارثة قد حلت بالبيت ، كل هذا البكاء لأجل ذاك العجوز ، ربما لو أني متُ لما بكيت عليَّ هكذا !
نظر الابن إلى أبيه بعيون دامعة كسيرة قائلاً : نعم لن أبكيك مثله ! هو من أخذ بيدي إلى الجمع والجماعة في صلاة الفجر ، هو من حذرني من رفاق السوء ودلني على رفقاء الصلاح والتقوى ، هو من شجعني على حفظ القرآن وترديد الأذكار .
أنت ماذا فعلت لي ؟ كنت لي أباً بالاسم ، كنت أباً لجسدي ، أما هو فقد كان أباً لروحي ، اليوم أبكيه وسأظل أبكيه لأنه هو الأب الحقيقي ، ونشج بالبكاء ..
عندئذ تنبه الأب من غفلته وتأثر بكلامه واقشعر جلده وكادت دموعه أن تسقط .. فاحتضن ابنه ومنذ ذلك اليوم لم يترك أي صلاة في المسجد .
2ـ القدوة هي المحرك للارتقاء بالذات:
فالقُدوة الحسنة هي المحرِّك والدافع للإنسان للارتقاء بالذات، فمَن جعَل له قدوة عظيمة في صفاته، فلا بدَّ أن يتأسى به في كلِّ صفاته، فالقدوة المؤثرة مثال حي للارتقاء في درجات الكمال، فهو دائمًا يطلب الكمال ويطلب المعالي، فهو بذلك مثارٌ للإعجاب والتقليد من الناس؛ لأن التأثُّر بالأفعال والسلوك أبلغُ وأكثر من التأثر
بالكلام والأقوال.
3ـ القدوة الصالحة تعمل على سرعة الاستجابة والتطبيق :
تعمل القدوة الصالحة على سرعة الامتثال والتطبيق لكل ما هو مفيد للمجتمع، بدون حرج ولا ممانعة من المقتدين، بل استجابة وتطبيق، كما أمر الله تعالى عباده المؤمنين فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ (24)} ]الأنفال[
فحاجة الناس إلى الفعل أكثر من القول؛ لأن مستويات فهم الكلام عند الناس تتفاوت،ولكن الجميع يتساوى أمام الرؤية بالعين المجردة لمثال حي، ولهذا لما اتَّخَذَ النَّبِيُّ )ﷺ) خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ اتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ النَّبِيُّ )ﷺ) }إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَنَبَذَهُ وَقَالَ: إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا{ فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ. ]رواه البخاري ومسلم[
وأوضح دليل على هذا الأثر ما وقع في يوم الحديبية، ففي صحيح البخاري قال عمر: فلما فَرغ من قضية الكتاب أي: بنود الصلح قال رسول الله لأصحابه: }قوموا، فانحروا ثم احلقوا{ ، قال: فوالله، ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة رضي الله عنها: يا نبيّ الله، أتحبّ ذلك؟ اخرُج لا تكلّم أحدًا منهم كلمةً حتى تنحر بُدْنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلّم أحدًا منهم حتى فعل ذلك، نحر بُدْنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضُهم يقتل بعضًا غمًّا. [صحيح الإمام البخاري ومسند الإمام أحمد].
4ـ القدوة تبعث في الأولاد حب التنافس في الخير:
إن القدوة تبعث في نفوس الأبناء حب التنافس في الخير، والمسابقة إلى فعله، فقصص الأنبياء والصالحين والمبدعين في الأمة وسيرهم تُذكي في روح الناشئة الرغبةَ في منافستهم، ومحاولة محاكاتهم في أفعالهم، فإذا عرضت عليه هذه النماذج المشرقة من القدوات الصالحة اشرأبَّتْ نفسُه لتقليدهم، وعلَتْ همته لمنافستهم في الخير، فإذا قصَّر في فعل تذكَّرَ تلك الشخصية التي يحبها والسيرة العطرة التي قرأها، وكيف أنها بدأت كما بدأ هو، وأين وصلت في سلم العلا، وارتقت في طريق الكمال، حتى أصبحت سيرهم تُقرأ، وحياتهم تُدرس، ما الذي عملوه حتى بلغوا ذلك الفضل، ووصلوا إلى هذه المنزلة ؟ ثم يستنتج أن لا يأنس بحاله ولا يرضى بواقعه الذي هو فيه، والعمل الذي يعمله... حتى يبلغ ما بلغوا، أو يحاول أن يلحق بهم في هذا الطريق.
والقدوة الصالحة تجعل الفرد لا يعيش مشغولًا بذاته بل يمد يديه بالخير والعون ويعطي إلى المجتمع ما يزيده أمنًا وسلامًا؛ لأنه يعرف معنى الإنسانية ويدرك مسئوليات الأخوة في المجتمع، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ(2)} ]المائدة[
فتَشبَّهوا إن لم تكونوا مِثلَهم ♦♦♦ إن التشبُّهَ بالكرام فلاحُ
5ـ القدوة تربي في الأولاد معنى الجدية في الحياة :
إن القدوة تعلِّم الأبناء الجدية في الحياة، وعدم الإكثار من الهزل، والبعد عن الكلل ، فاليوم يعاني كثير من الأبناء من الفراغ الذي يقتل الإبداع، ويطمس نور الحياة وجمالها، فترى الأوقات تذهب سدى، والابن يتقلب بين هاتف يتصفح فيه ما يضره لا ما ينفعه، أو تلفاز يعرض السم الزعاف في برامجه، أو يتجول في الطرقات لا
يدري ماذا يريد ولا أين يذهب، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله )ﷺ): }نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ{ ] البخاري[
6ـ القدوة تسهل التربية على الآباء:
القدوة توفِّر الكثير من الوقت والجهد على الوالدين في تربية أبنائهم ومحاولة غرس السلوكيات الجيدة فيهم، فعندما يختار الطفل القدوة الجيدة فإنه يقلِّدها في سلوكياتها.
ولكن التربية اليوم أصبحت صعبة مجهدة؛ بسبب كثرة المربين في المجتمع، فلم يعد للأسرة ذلك الدور المحوريُّ الذي كانت تقوم به من قبل، فالمدرسة اليوم تربي، والتلفاز يربي، ومواقع التواصل بما تحمله من سموم أيضا تربي ،مما صعب مهمة التربية على الآباء، وعقَّد الوضع بين الآباء والأبناء.
متى يبلُغُ البنيانُ يومًا تمامه إذا كنت تبني وغيرك يهدمُ
فكيف لو كان واحد يبني، وعشرات بل مئات يهدمون ما تبنيه، ويخربون ما تزرعه؟ إنها محنة عظيمة لا يمكن تجاوزها إلا باللجوء إلى الله تعالى بالدعاء، ثم الأخذ بأسباب النجاة .
إن إظهار القدوة للأبناء أمر في غاية الأهمية، وخصوصًا لأولئك الصغار الذي لا يعرفون شيئًا في الحياة، ويقلدون ما يسمعونه ويرونه، فينبغي للآباء أن يكونوا قدوة صالحة لأبنائهم، لا يرون منهم إلا الجميل، ولا يسمعون منهم إلا الصالح من القول..
فالأبناء يقلِّدون الآباء في كل شيء؛ فإن كان خير تبعوهم عليه، وإن رأوا شرًّا لحقوا بهم، وسارعوا إليه، يُحكى أنه كان هناك رجل أعمال أمريكي ،كل يوم يذهب إلى شركته ، وفي وقت الغذاء يذهب إلى مطعم بجوار الشركة، كل يوم لتناول الغذاء ،وبعد الغذاء يشرب ويسكي(خمرة) وفي يوم من الأيام أصَرَّ ولده الصغير أن يذهب معه إلى الشركة ، ولما حان وقت الغذاء ، ذهبا إلى المطعم لتناول الغذاء ، فجاء موظف المطعم يسأل الرجل تأكل إيه ؟ وقال للولد تأكل إيه ؟ كل واحد طلب ما يريد ، وكان موظف المطعم المشروب المفضل للأب فلم يسأله تشرب إيه ؟ ولكن سأل الولد تشرب إيه ؟ فقال الولد بتلقائية أشرب مثل أبي ! عندها صُعق الأب ونهض نفسه بسرعة هات لنا اثنين مانجو !! ومن ساعتها قرر أن يمتنع عن شرب الويسكي فأولادنا يَنْشئنا مثلما نعيش لا مثلما نريد ، فلو عودت ولدك أن يراك وأنت تصلي ، وأنت تساعد المحتاج، وأنت تصل الرحم ..وهكذا ، سينشأ على هذا الحال
يقول الشاعر:
مشى الطاوسُ يومًا باختيال فقلَّد شكلَ مشيته بنوهُ
فقال علامَ تختالون قالوا بدأتَ به ونحن مقلِّدوهُ
فخالِفْ مشيك المعوج واعدِلْ فإنَّا إنْ عدلت معدِّلوهُ
وينشأ ناشئُ الفتيان فينا على ما كان عوَّدَه أبوهُ
العنصر الرابع : أنواع القدوات :
أولا : القدوات الصالحة:
المطلوب من المسلم أن يكون قدوة في نفسه، وأن يتخير لنفسه ومن تحت ولايته القدوات الحسنة ويجنبهم القدوات السيئة.
1ـ أعظم القدوات الصالحة (القدوات العامـة ):
لقد جعل الله تعالى لنا أعظم قدوة في التاريخ هو نبيُّنا محمد (ﷺ) ولقد أمرنا الله تعالى بالاقتداء به) ﷺ) منهجًا وسلوكًا تطبيقاً عمليا في واقع حياتنا، فالاقتداء به والسير على نهجه هو النجاة الحقيقية للإنسان في الدنيا والآخرة، فهو القدوة الحسنة في أقواله وأفعاله وسائر تصرفاته لكي يستلهم الناس سلوكهم من هذه القدوة، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا(21)} ]الأحزاب[ .
وفي طاعته) ﷺ) والاقتداء به الفوز بالجنة، فعن أبي هريرة أن رسول الله (ﷺ) قال: }كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى!!، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى{ ] رواه البخاري[
كما أمر (ﷺ) بالاقتداء به في الصلاة فقال: }صلوا كما رأيتموني أصلي{ ] رواه البخاري[، وأمر المؤمنين بالاقتداء به في تأدية مناسك الحج فقال (ﷺ): }خذوا عني مناسككم{ ] رواه البخاري[
وأيضا أوصانا رسول الله )ﷺ) باتخاذ القدوات الصالحة من أصحابه رضي الله عنهم، فعن أبي نجيح العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله )ﷺ) موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: }أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبدٌ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عَضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة{ ] أبو داود والترمذي وابن ماجة[
وأوصى )ﷺ) بالاقتداء بأبي بكر وعمر بن الخطاب بنص صريح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال :قال رسول الله)ﷺ) }اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر{ ] أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد[
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: }من كان متأسيًا فليتأسَّى بأصحاب رسول الله )ﷺ) ؛ فإنهم كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا، وأحسنها حالًا، اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاتبِعوهم في آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم{.
فالقدوة الصالحة هي الميزان التي نقيس بها مدى تمسكنا بديننا وقيمنا، أو معرفة مدى انحرافنا عن هذا الدين وتلك القيم، فكيف يعلم المرء أنه مقصر إلا إذا قرأ سير أصحاب القدوات الصالحة من أصحاب رسول الله )ﷺ) ، وعاش معهم في تفاصيل حياتهم، وطريقة عيشهم؟
2ـ القدوات الخاصة :
نعني بالقدوة الخاصة، أي بما شرعه الله لأنها غير معصومة، كما هي في الصالحين والأتقياء من عباد الله وتتمثل في الاقتداء بالصحابة والعلماء والاقتداء بالوالدين وبالمعلم في المدرسة والجامعة والسبب في ذلك أنهم ليسوا معصومين من الخطأ فهم بشر يصيبون ويخطئون والمسلم يقتدي بهم عندما يصيبوا الحق، ويجتنب الاقتداء عند مجانبتهم للصواب حيث رغب الحق تبارك وتعالى أن يكون الإنسان قدوة في الخير وحذره أن يكون قدوة في الشر، قال)ﷺ) }من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غيـر أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء{ ]أخرجه مسلم في صحيحه[.
نأخذ من الحديث أن الوسطية التي هي إحدى مرتكزات العملية التربوية في الإسلام، إن الدين لا يلغي حسنات الآخرين لخطأ وقعوا فيه، ولا يُقرر أخطاء القدوة المخطئ وإن أصاب في بعض الجوانب، وإنما يربي الشخصية الإسلامية على قبول الحق من أي وعاء صدر ورفض الخطأ من أي مصدر كان. فعن أبي هريرة قال: رسول الله )ﷺ) }الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها{ ] رواه ابن ماجة والترمذي[
3ـ ميادين القدوات الخاصة واسعة :
هناك قدوات حسنة في بذل الخير والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهناك قدوات حسنة في حفظ القرآن الكريم والعمل به، وحفظ السنة الصحيحة والعمل بها.
هناك قدوات حسنة في الإصلاح بين الناس، والبذل والإنفاق في سبيل الله.
هناك قدوات حسنة في نفع الناس وتعليم الخير.
هناك قدوات حسنة في إتقان العمل وطلب الرزق.
هناك قدوات حسنة في التربية والتعليم وحفظ الناشئة.
هناك قدوات حسنة في البر والعبادة وفعل الخير.
وبالجملة فكلما اجتمع في الإنسان مقومات القدوة الحسنة كان حرياً أن يُقتدى به.
4ـ قدوات رائعة :
لم تصل التربية الحديثة إلى أبدع من اتخاذ القدوة الصالحة وسيلة إلى بناء الجيل الطلابي، فالمعلم القدوة هو الذي يرتقي بالأمة إلى أسمى درجات الحضارة والمدنية ، وبالمدرسين المخلصين تنهض الأمة من كبوتها وتنتصر على أعدائها.
وهذا نموذج عظيم استفاد من القدوة الصالحة فكان قدوة هو أيضا ،هو القائد محمد الفاتح ، كانت أمه تعيش في قرية صغيرة على حدود القسطنطينية ، وقد علمت أن النبي )ﷺ) قد بشر بفتحها على يد المسلمين ، فكانت تخرج في صباح كل يوم على مشارف هذه القرية وفي يدها ابنها الصغير محمد وهي تقول له : يا محمد هذه القسطنطينية وقد بشر النبي )ﷺ) بفتحها على أيدي المسلمين أسأل الله العلي القدير أن يكون هذا الفتح على يديك …
وكانت أمه كل يوم بعد صلاة الفجر تأخذه إلى تخوم القسطنطينية تقول له أنت اسمك محمد على اسم النبي محمد )ﷺ) ، وهذه أسوار القسطنطينية ستفتحها بإذن الله ذات يوم.
عنما توفي والده السلطان، فتحت الأم عليه الباب وجدته يبكي ، قالت له أبكي، اجلس هنا وابكي واترك أسوار القسطنطينية!!
ما لهذا خلقت يا بني، ما ولدتك لتبكي على الملك، أنا أنجبتك لتفتح القسطنطينية وترفع راية الإسلام ، فمسح دموعه وجلس على كرسي الخلافة ، ويبدأ محمد الفاتح يخطط كيف يدخل أسوار القسطنطينية، ودخلها وعمره 23 سنة، السبب كان وراءه (أم) تعلمه أن أسوار القسطنطينية صعبة لكن ليست مستحيلة..
ثانيا: القدوات السيئة وخطرها :
القدوة السيئة هي على عكس القدوة الحسنة تمامًا، فهي لا تتأسى برسول الله )ﷺ) ولا تتشرف بحمل الإسلام، بل إنها تعتز بانتسابها لغيره، وتسير في المسالك المذمومة واتباع أهل السوء والاقتداء من غير حجة أو برهان كقول المشركين حين دعتهم الرسل للتأسي بهم، قال تعالى:{إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)} ]الزُّخرف[
فقولهم هذا عين التقليد والمحاكاة يكون ضارًا ومفسدًا وطريقًا لوصول المقلدين إلى دركات النقص التي انحدرت إليها أسوتهم السيئة.
ولهذا رد عليهم القرآن بقوله:{قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ ۖ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(24)}[الزخرف].
وفي آية أخرى: قال تعالي{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ(104) } [المائدة].
ولقد حذر القرآن الكريم من يحيد عن القدوة الصالحة ويتبع الظالمين، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)} ]الفرقان[
يقول الإمام ابن كثير:}إن الله يخبر عن ندم الظالم الذي فارق طريق رسول الله والذي جاء به من الحق المبين وسلك طريق غير سبيل المؤمنين، فإنه يوم القيامة يندم حيث لا ينفعه الندم ويعض على يديه حسرة وأسفًا{.
فالقدوة السيئة تمنع من اتباع الحق ،لما جاء سيف الله خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى رسول الله )ﷺ)، في السنة الثامنة للهجرة النبوية، وحين جاءه مسلمًا، ثم مد يده ليبايع النبي )ﷺ) ، قال رسول الله )ﷺ) لخالد رضي الله عنه معاتبًا له على إسلامه المتأخر: "أين كان عقلك يا خالد ؟! فلم ترَ نور النبوة بين ظهرانيكم منذ عشرين سنة ؟! فقال خالد: "كان أمامنا رجال كنا نرى أحلامهم كالجبال".
ولقد عرف دعاةُ الشر والفساد ما للقدوة الصالحة من أثر محمود بين الناس، لذلك أخذوا يصنعون أمثلة ونماذج بشرية على طريقتهم ذات مفاهيم وعقائد باطلة وأعمال ضالة فاسدة ومفسدة وأحاطوها بالأصباغ والألوان الخداعة وسلطوا عليها الأضواء الإعلامية لإثارة الإعجاب بها في نفوس الجماهير حتى تكون أسوتهم التي تقتدون بها.
ومن تكن الذئاب له دليلاً تضاحكه قبل الكريهة والقتل
ومن هذه الأمثلة البشرية المصطنعة شخصيات ذات مذاهب هدّامة وآراء باطلة، أحاطها المفسدون بعبارات التمجيد والإكبار ليتخذها الناس أسوة لهم يقتدون بها في آرائها وأفكارها، وخير دليل على ذلك ما يسمى بنجوم الفن والأناقة والغناء الماجن من رجال ونساء، ليكونوا أسوة للناس يقتدون بهم في تفاهاتهم وسلوكهم والمنحرف حتى أمست هذه الأمثلة الساقطة هي القدوة التي تقلدها الأجيال.
حتي صدق فينا قول النبي )ﷺ) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ )ﷺ) }لَتَتّبِعُنّ سَنَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ. شِبْراً بِشِبْرٍ، وَذِرَاعاً بِذِرَاعٍ. حَتّىَ لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبَ لاَتّبَعْتُمُوهُمْ" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ آلْيَهُودُ وَالنّصَارَىَ ؟ قَالَ "فَمَنْ؟{ ]البخاري ومسلم[
ومن أمثلة القدوة السيئة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، فرعون عليه من الله ما يستحق، ولهذا قال عنه رب العزة والجلال: }فَٱسۡتَخَفَّ قَوۡمَهُۥ فَأَطَاعُوهُۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ (54){ ] الزخرف[ أَيْ: اِسْتَخَفَّ عُقُولهمْ فَدَعَاهُمْ إِلَى الضَّلَالَة فَاسْتَجَابُوا لَهُ، فكان قدوتهم السيئة وطريقهم إلى نار جهنم، والعياذ بالله.
فكانت نهايتهم أليمة في الدنيا والآخرة فقال تعالي } فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ ۖ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99){ ]هود[.
سيأتون يوم القيامة، وكل أمة تلعن أختها، أخيارها المزعومة قبل فجارها، ولن ينفعهم أن يقولوا: }إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ(67){. ]الأحزاب[
وواجبنا نحو أبنائنا ومن لنا ولاية عليهم أن نحافظ عليهم ونحميهم من القدوات السيئة امتثالا لأمر الله تعالي ، قال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(6){ [التحريم]
وقد حذر النبي )ﷺ) من التقليد الأعمى ،فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله )ﷺ): }لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا{ ]أخرجه الترمذي[.
العنصر الخامس : مقومات القدوة الصالحة:
لكي نحقق القدوة الصالحة لابد من أسباب نسعى إليها من هذه الأسباب ...
1ـ الإخلاص في القول والعمل:
إن الإخلاص في القول والعمل من أهم المقومات التي تساعد في وجود القدوة الصالحة ولأن الإخلاص أمر به الحق تبارك وتعالى فقال في كتابه الكريم: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ(5)} ]البيِّنة[
وقوله تعالى:{قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي(14)} ]الزُّمر[
لذلك ينبغي على القدوة أن يتزود بالإخلاص في عبادته وذكره لله وفي جهاده وسائر أعماله، وما يقوم به من وعظ وإرشاد وتوجيه ونصح وما يقدمه من خدمات لأمته ومجتمعـه وبقـدر ما يملك من تطبيق وعمل صادق مخلص يكون نجاحه في عمله وثقة الناس به تزداد لأنه يعمل بما يقول مخافة الله بعيدًا عن أغراض النفس ونظر الناس، يبتغي وجه الله وتحقيق مرضاته، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ(2)} ]الزُّمر[
2ـ التقوى:
إن التقوى هي الأصل الكبير الذي تقوم عليه شرائع الدين وتوجيهاته وآدابه وأخلاقه، فالقلب الذي يستشعر مخافة الله ويستسلم لإرادته ويتبع المنهج الذي اختاره الله ويتوكل عليه وحده هو المؤهل للقيادة وأن يكون قدوة للناس.
والتقوى تجعل القلـب طاهرًا لا يعمل عملًا إلا وهو مراعٍ لله طالبًا رضاه، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا(5)} ]الطَّلاق[
ولأهمية التقوى كان )ﷺ) يسأل ربه التقوى، عن ابن مسعود أن النبي )ﷺ) كان يقول :}اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى{ ]أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح[.
3ـ الاستقامة على الإيمان:
يوجد الكثير من الصالحين في مجتمعاتنا، ولكن القليل من يخلص العمل ويستقيم على الإيمان ويسير في موكب الرحمن، ولا خير ولا صلاح في شخص حاد عن الإيمان ولم يستقم على دين الله؛ لأنه سرعان ما ينعطف أمام التحديات وأمام الإغراءات، لذلك ينبغي الاستقامة على أمر الدين وخاصة القدوة ومعلم الناس الخير، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)} ]فصِّلت[
فالقدوة مشغول في مجاهدة نفسه واستقامتها وسياستها، وهذا المطلوب الأعلى والنهج الأسمى في بناء القدوات المستقيمة في حياتها وفق معتقداتهم الإيمانية، فعن سفيان الثقفي قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: }قل آمنت بالله ثم استقم{.] رواه مسلم[
فلا يكون قدوة حسنة من يخالف عمله سنة النبي )ﷺ) ولا يكون قدوة حسنة من يبتدع في دين الله ما ليس منه، ولا يكون قدوة حسنة من يجاهر بالمعاصي وعمل السوء.
4ـ موافقة العمل القول:
القول والعمل قرينان، ولا يكون قدوة حسنة أبداً من تخالف أفعاله أقواله، وأعماله كلامه، قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3){ [الصف].
يجب أن نعلم يقينا أن الصدق ليس لفظة تخرج من اللسان فحسب، ولكنه صدق في اللهجة واستقامة في المسلك ،الباطن فيه كالظاهر والقول فيه صنو العمل.
هذا جانب وجانب آخر أن الناس والنفوس مجبولة على عدم الانتفاع بمن علمت أنه يقول ولا يعمل، أو يعلم ثم لا يعمل ولهذا قال شعيب عليه السلام: { وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) } [هود].
يقول أبو الدرداء رضي الله عنه " لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتًا ".
وقد جاء في الصحيحين وغيرهما عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي، )ﷺ) قال: {يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه يعني أمعاءه في النار فيدور بها كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه} ]رواه البخاري[
وقد قيل: وقد قيل:
وغيرُ تقي يأمرُ الناسَ بالتقَى طبيبٌ يداوي الناسَ وهو عليلُ
وقال الشاعر أيضا :
لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتِ بمِثْلِهِ عارٌ عليكَ إذا فَعَلْتَ عَظيمُ
وقد حدث مالك عن ربيعة قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال: وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء ".
وقد قال الحسن البصري لمطرف بن عبد الله بن الشَخير:" يا مطرف عظ أصحابك. فقال مطرف: إني أخاف أن أقول ما لا أفعل، فقال الحسن: "يرحمك الله وأينا يفعل ما يقول؟؟ لود الشيطان أنه ظفر بهذه منكم فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر".
وقال الحسن أيضًا: " أيها الناس إني أعظكم ولست بخيركم ولا أصلحكم وإني لكثير الإِسراف على نفسي غير محكم لها ولا حاملها على الواجب في طاعة ربها، ولو كان المؤمِن لا يعظ أخاه إلا بعد إحكام أمر نفسه لعُدم الواعظون، وقلَّ المذكرون ولما وُجِد من يدعو إلى الله جل ثناؤه ويرغَب في طاعته وينهى عن معصيته، ولكن في اجتماع أهل البصائر ومذاكرة المؤمنين بعضهم بعضًا حياة لقلوب المتقين، وإذكار من الغفلة، وأمن من النسيان، فألزموا مجالس الذكر، فرب كلمة مسموعةٌ ومحتقرٍ نافعٌ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (100)} [آل عمران].
ومن طرائف الصالحين ...يحكي أن الإمام السري السقطي رضي الله عنه قال لتلميذه أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه : يا جنيد اذهب إلى المسجد وعظ الناس فقال الجنيد: يا أستاذي إنني أستطيع الوعظ ولكني أخشى ثلاث آيات في كتاب الله تعالى ، فقال له الأستاذ : وما هي ?? فقال له التلميذ : أولها قول الله تعالى :{ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)} [البقرة].
واما الآية الثانية فقول الله تعالى{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ (88) } [هود].
واما الآية الثالثة فقول الله تعالى }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3){ [الصف].
وسكت الشيخ وانصرف التلميذ إلى مضجعه ونام فرأى في المنام الرسول )ﷺ), فقال له : يا جنيد لم لا تعظ الناس?
اذهب إلى المسجد وعظ الناس , فقام الجنيد إلى أستاذه مسرورا وكان هنالك اتصال القلوب بين هذا وذاك, فقال له أستاذه : عجبت لك يا جنيد ألا تعظ الناس إلا بإذن من رسول الله )ﷺ) فذهب الجنيد إلى المسجد وأذيع في الناس أنه سيعظ اليوم واجتمع الناس ودخل من بينهم رجل مشرك ارتدى ثوب العلماء ودخل المسجد ليحرج الجنيد في سؤاله فقال له : يا جنيد أريد أن تشرح لي قول رسول الله )ﷺ): " اتق فراسة المؤمن فانه ينظر في نور الله "
واستمع الناس كيف يجيب الجنيد على هذا السؤال ولم يكن أحد يعلم أن القائل مشرك ولكن الله تعالى علم الجنيد من لدنه علما, فأجاب الجنيد ردا على سؤال السائل يا هذا شرح الحديث أنك كافر وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . فأسلم المشرك .
فلنحذر من مخالفة القول للفعل ،ولنسمع إلي الإمام ابن القيم رحمه في فوائده : " علماء السوء جلسوا على أبواب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم ويدعونهم إلى النار بأفعالهم ، فكلما قالت أقوالهم للناس هلموا قالت أفعالهم لا تسمعوا منهم ، فلو كان ما دعوا إليه حقاً كان أول المستجيبين له ، فهم في الصورة أدلاّء وفي الحقيقة قطاع طرق "
5ـ علو الهمة:
القدوة الحسنة نموذج إنساني حيٌّ، يعيش ممثِّلاً ومُطبِّقًا للمنهج الرباني الذي جاء به القرآن في علو الهمة والارتقاء إلي معالي الأمور ، رأينا أن الله تعالي امتدح سيدنا إبراهيم عليه السلام بالقدوة الحسنة لما ارتقي إلي الهمة العالية ، وذلك لما قام بجميع الأوامر وترَك جميع النواهي، وبلَّغ الرسالة على التمام والكمال، ما يستحق بهذا أن يكون للناس إمامًا يُقتدى به في جميع أحواله وأفعاله وأقواله".
قال تعالي}وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(124){ [البقرة]
وقال الجزائري: "إمامًا: قدوة صالحة يُقتدى به في الخير والكمال".
ويقول الله تعالى في وصف عباد الرحمن} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا(74){[الفرقان].
ففي هذه الآية يريد الله عز وجل من المسلمين التطلُّع للأفضل وإلى أعلى المقامات، وانظر لَم يقل سبحانه: واجعَلنا في المتقين، ولكنَّها تربية للمؤمنين على الهِمَّة العالية ، وأن يكونوا مثل إبراهيم عليه السلام يطلب إمامةَ المتقين؛ يقول شيخ الإسلام: "أي: فاجْعَلنا أئمَّة لِمَن يَقتدي بنا ويأْتَمُّ، ولا تَجعلنا فتنة لمن يضلُّ بنا ويشقى".
ويقول السعدي في تفسير هذه الآية: "أي: أَوْصِلنا يا ربَّنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصِّديقين والكُمَّل من عباد الله الصالحين، وهي درجة الإمامة في الدين، وأن يكونوا قدوة للمتَّقين في أقوالهم وأفعالهم، يُقتدى بأفعالهم، ويُطمَأَنُّ لأقوالهم، ويسير أهل الخير خلفهم، فيهدون ويهتدون؛ ولهذا لما كانت هِممهم ومطالبهم عالية، كان الجزاء من جنس العمل، فجازاهم بالمنازل العاليات، فقال} أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا(75){ [الفرقان].
فالحريص الموفَّق الذي يروم المعالي، لا نراه إلاَّ مع أصحاب الهِمم العالية، من القدوات الربَّانية الصالحة، فسيكون منهم أو قريبًا منهم.
6ـ التحلي بالأخلاق الحميدة:
وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ قُدْوَةً طَيِّبَةً، أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الْأَخْلَاقِ وخاصة أمهات الأخلاق مثل : الحلم والصبر والصدق، والشجاعة والوفاء، والحكمة والعدل ، والعفة ، وفعل المعروف وترك المنكر ، وغيرها من الأخلاق الحميدة. ؛ وَكُلَّمَا كَانَ الْمُرَبِّي أَكْثَرَ أَخْلَاقًا وَأَحْسَنَ سُلُوكًا وَلَانَتْ كَلِمَتُهُ فِي غَيْرِ ضَعْفٍ وَتَخَلَّصَ مِنَ الْفَظَاظَةِ وَالشِّدَّةِ وَسَامَحَ وَعَفَا كَانَ أَجْدَرَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَإِذَا فَقَدَ مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ انْفَضَّ النَّاسُ عَنْهُ، وَسَاءَتْ عِشْرَتُهُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يُقْتَدَى بِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى }فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ(159){[آلِ عِمْرَانَ]
7ـ الاعتدال والتوسط في أمور الحياة:
ينهج القدوة منهج التوسط في جميع أمـور الحيـاة مع مراعـاة الآداب الشرعية، ولا سيما في اللباس والمظهر والمأكل والاقتصاد وعلاقاته الاجتماعية مع الناس، والتوسط يعني الاعتدال والاستقامة، وبالتالي يجعل الناس ينظرون إلى هذه الشخصية المتعادلة المستقيمة نظرة إعجاب فتدخل في قلوبهم لأن مظهر القدوة وتعامله مع الآخرين ينسجم مع المنهج الذي يدعو إليه، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (134)} ]البقرة[
الخاتمة ....
إن القدوة الصالحة تعمل على تهذيب الأفراد وإصلاحهم كما تجعل من المجتمع وحدة مترابطة عقائديًا وشعوريًا واجتماعيًا وتعمق مفهوم الأخوة بين المؤمنين، وتجعل منهم أمة متضامنة ذات قوة وتأثير وفاعلية إلى الأفضل في حياة المجتمع، والقدوة الحسن رمزٌ لوحدة الأمة وتماسكها وخاصة أمام التحديات والصعاب فتقف شامخة وهي مطمئنة لوعد الله لها بالنصر والتمكين والاستخلاف في الأرض ، قال تعالى:{وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (55)} ]النور[.
فاللهم إنا نسألك أن تجعلنا هداة مهتدين، لا ضالين ولا مضلين، اللهم أصلح شبابنا ونسائنا وذرياتنا... وانصر الإسلام وأعز المسلمين، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
5ـ علو الهمة:
القدوة الحسنة نموذج إنساني حيٌّ، يعيش ممثِّلاً ومُطبِّقًا للمنهج الرباني الذي جاء به القرآن في علو الهمة والارتقاء إلي معالي الأمور ، رأينا أن الله تعالي امتدح سيدنا إبراهيم عليه السلام بالقدوة الحسنة لما ارتقي إلي الهمة العالية ، وذلك لما قام بجميع الأوامر وترَك جميع النواهي، وبلَّغ الرسالة على التمام والكمال، ما يستحق بهذا أن يكون للناس إمامًا يُقتدى به في جميع أحواله وأفعاله وأقواله".
قال تعالي}وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(124){ [البقرة]
وقال الجزائري: "إمامًا: قدوة صالحة يُقتدى به في الخير والكمال".
ويقول الله تعالى في وصف عباد الرحمن} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا(74){[الفرقان].
ففي هذه الآية يريد الله عز وجل من المسلمين التطلُّع للأفضل وإلى أعلى المقامات، وانظر لَم يقل سبحانه: واجعَلنا في المتقين، ولكنَّها تربية للمؤمنين على الهِمَّة العالية ، وأن يكونوا مثل إبراهيم عليه السلام يطلب إمامةَ المتقين؛ يقول شيخ الإسلام: "أي: فاجْعَلنا أئمَّة لِمَن يَقتدي بنا ويأْتَمُّ، ولا تَجعلنا فتنة لمن يضلُّ بنا ويشقى".
ويقول السعدي في تفسير هذه الآية: "أي: أَوْصِلنا يا ربَّنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصِّديقين والكُمَّل من عباد الله الصالحين، وهي درجة الإمامة في الدين، وأن يكونوا قدوة للمتَّقين في أقوالهم وأفعالهم، يُقتدى بأفعالهم، ويُطمَأَنُّ لأقوالهم، ويسير أهل الخير خلفهم، فيهدون ويهتدون؛ ولهذا لما كانت هِممهم ومطالبهم عالية، كان الجزاء من جنس العمل، فجازاهم بالمنازل العاليات، فقال} أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا(75){ [الفرقان].
فالحريص الموفَّق الذي يروم المعالي، لا نراه إلاَّ مع أصحاب الهِمم العالية، من القدوات الربَّانية الصالحة، فسيكون منهم أو قريبًا منهم.
6ـ التحلي بالأخلاق الحميدة:
وَمِمَّا يُعِينُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ قُدْوَةً طَيِّبَةً، أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الْأَخْلَاقِ وخاصة أمهات الأخلاق مثل : الحلم والصبر والصدق، والشجاعة والوفاء، والحكمة والعدل ، والعفة ، وفعل المعروف وترك المنكر ، وغيرها من الأخلاق الحميدة. ؛ وَكُلَّمَا كَانَ الْمُرَبِّي أَكْثَرَ أَخْلَاقًا وَأَحْسَنَ سُلُوكًا وَلَانَتْ كَلِمَتُهُ فِي غَيْرِ ضَعْفٍ وَتَخَلَّصَ مِنَ الْفَظَاظَةِ وَالشِّدَّةِ وَسَامَحَ وَعَفَا كَانَ أَجْدَرَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ، وَإِذَا فَقَدَ مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ انْفَضَّ النَّاسُ عَنْهُ، وَسَاءَتْ عِشْرَتُهُ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يُقْتَدَى بِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى }فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ(159){[آلِ عِمْرَانَ]
7ـ الاعتدال والتوسط في أمور الحياة:
ينهج القدوة منهج التوسط في جميع أمـور الحيـاة مع مراعـاة الآداب الشرعية، ولا سيما في اللباس والمظهر والمأكل والاقتصاد وعلاقاته الاجتماعية مع الناس، والتوسط يعني الاعتدال والاستقامة، وبالتالي يجعل الناس ينظرون إلى هذه الشخصية المتعادلة المستقيمة نظرة إعجاب فتدخل في قلوبهم لأن مظهر القدوة وتعامله مع الآخرين ينسجم مع المنهج الذي يدعو إليه، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (134)} ]البقرة[
الخاتمة ....
إن القدوة الصالحة تعمل على تهذيب الأفراد وإصلاحهم كما تجعل من المجتمع وحدة مترابطة عقائديًا وشعوريًا واجتماعيًا وتعمق مفهوم الأخوة بين المؤمنين، وتجعل منهم أمة متضامنة ذات قوة وتأثير وفاعلية إلى الأفضل في حياة المجتمع، والقدوة الحسن رمزٌ لوحدة الأمة وتماسكها وخاصة أمام التحديات والصعاب فتقف شامخة وهي مطمئنة لوعد الله لها بالنصر والتمكين والاستخلاف في الأرض ، قال تعالى:{وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (55)} ]النور[.
فاللهم إنا نسألك أن تجعلنا هداة مهتدين، لا ضالين ولا مضلين، اللهم أصلح شبابنا ونسائنا وذرياتنا... وانصر الإسلام وأعز المسلمين، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
====================
رابط doc
رابط pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق